فيلم افتتاح الدورة الـ13 لمهرجان دبي

جسيكا شستين في لقطة من {ميس سلون}
جسيكا شستين في لقطة من {ميس سلون}
TT

فيلم افتتاح الدورة الـ13 لمهرجان دبي

جسيكا شستين في لقطة من {ميس سلون}
جسيكا شستين في لقطة من {ميس سلون}

Miss Sloane
• إخراج: جون مادن
• تمثيل: جسيكا شستين، مارك سترونغ، جون ليثغو، سام ووترستون.
• دراما سياسية | الولايات المتحدة (2016)‬
• تقييم: **

أن تقود (أو تشترك في) جماعة ضاغطة، بحيث ينطبق عليك معنى كلمة Lobbyist يعني أن عليك أن تكون قادرًا على إنجاح المهمّة المسنودة إليك، وهي غالبًا ما تكون مهمّة شائكة تتطلب القدرة على المراوغة والمهارة في العمل ورؤية المستقبل قبل وصوله وامتلاك تلك العلاقات مع الأطراف (عادة سياسية) سواء تلك التي تعمل لصالحها أو ضدها.
«مس سلون» (بطولة جسيكا شستين باندفاع قوي نحو الفوز بالإعجاب يماثل الشخصية التي تؤديها والمندفعة بقوّة لكسب معاركها) هو عن امرأة تُسنَد إليها المهام الصعبة والكبيرة لأنها تمتلك كل المواصفات المذكورة، وفوقها قوّة الشخصية وسُلطة اللسان.
في مطلع «مس سلون» مشهد سيكون من بين المشاهد الأخيرة في الفيلم: جلسة لهيئة من مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور رون سبرلينغ (جون ليثغو). تُحاكم مس سلون لغايتين: الظاهرة هي التحقق من أنها لم تخرج عن القانون خلال مهمّتها الأخيرة لصالح سن قانون يضيق الخناق على تجارة بيع السلاح للمدنيين. الخفية هي أن صقور اليمين الذين يعارضون أي قرار من شأنه تغيير القانون الساري بحق كل مواطن أميركي حمل السلاح (يمكن شراؤه بأي ورقة هوية أو من دونها في بعض الحالات)، أحد كبار هذه الصقور اسمه جورج دوبون (سام ووترستون) الذي كان اتصل بالسيناتور سبرلينغ وضغط عليه لتقديم مس سلون لهذه المحاكمة.
كل هذا سليم ومؤسس لفيلم من نوع التشويق السياسي الذي تكاثر في أواخر الستينات وطوال السبعينات على أيدي مخرجين من أمثال آلان ج. باكولا وسيدني بولاك وروبرت ألتمن. وفي الحقيقة، فإن المضمون، كما كتبه السيناريست جوناثان بيريرا (أول مرّة) وأخرجه جون مادن («شكسبير في الحب»، «برهان»، «ماندولين الكابتن كوريللي») هو أفضل عنصرين في هذا العمل. قوي في حنكته وفي رسالته التي تقف، بدورها، لجانب المطالبين بتشريع دستور جديد لهذه التجارة القاتلة.
العنصر الثاني هو التمثيل الجيد من الجميع، كما لو أن الاتفاق السائد هو تقديم أداءات تجتمع على إنجاح هذه الرسالة حتى بين أولئك الذين يقفون على الخط المناوئ لها.
لكن الفجوات في الواقع كبيرة، وهي وإن لا تبيد الحسنات، فإنها تميد بها وتؤثر في التقييم النهائي لكل ما نراه.
بداية السيناريو، على حنكته، تقليدي: بداية من النهاية؛ مشهد الاستماع إلى شهادة مس سلون يليه العودة إلى المواقف والحيثيات التي تسببت في هذه المحكمة مع انتقالات متتابعة (فلاش فوروورد) إلى مشاهد المحاكمة أكثر من مرّة. خلال ذلك يتم تقديم الشخصية الرئيسية بكل مواصفاتها دفعة واحدة، ثم اختلاق مواقف قد تتسبب في أذاها وحشد المشاهد في عنق الزجاجة في نهاية الفصل الثاني من الأحداث، ثم الدخول في المواجهة الأخيرة حيث يتحوّل الفيلم هنا إلى إفشاء سر أخير تقلب البطلة الطاولة على أعدائها.
«مس سلون» يعمد إلى شحن المشاهد بما يوازي مشاهد الدعاية. تتحرك الكاميرا كما لو أنها تعلن عن افتتاح محل لبيع السيارات أو كما لو كانت دعاية لمصرف وخدماته. الممثلون يتحدّثون من دون ثانية تفصل بين انتهاء أحدهم من عبارته وبدء الثاني بالرد عليه، وأيضًا كما لو أنهم يؤدون أدوارهم في إعلان تلفزيوني محدود التوقيت ويتطلب الإسراع.

BULLETS
«الممثلون يتحدثون من دون توقف كما لو أنهم يؤدون أدوارهم في إعلان تلفزيوني محدود التوقيت ويتطلب الإسراع»



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).