جون لوك: الحواس وجدت للبقاء لا من أجل اكتشاف الحقيقة

لأنها عاجزة عن بلوغها.. تخلي السبيل للعقل ليتكفل بالمهمة

جون لوك
جون لوك
TT

جون لوك: الحواس وجدت للبقاء لا من أجل اكتشاف الحقيقة

جون لوك
جون لوك

لا يهتم الفلاح البسيط الذي ينظر إلى الشمس بالسؤال عما إذا كانت تدور حقًّا أم ثابتة تحتل مركز المجموعة الشمسية؟ وما إذا كانت نجمًا أم كوكبًا؟ بل إن ما يهمه من الشمس، هو أن تشع بدرجة كافية لتزيد من محصول أرضه. ويقال الأمر نفسه عن القمر والنجوم. فهي عند رجل الصحراء الشاسعة، مهمة لتهديه إلى الطريق، وتساعده في ضبط التقويم، ومن ثم الدقة في مواعيده التي تكون مصيرية لأغراض عملية صرفة. أما السؤال حول ما إذا كان القمر صقيلاً وجميلاً كما يبدو في ليلة صافية، أم هو مجرد وديان وتراب وجبال؟ وهل هو منبع الضياء المنبعث منه؟ أم هو مجرد عاكس لضوء الشمس، فهي قضايا تخرج من مجال اهتمامه، ولا تعنيه، بل لا تخطر على باله، وإن خطرت، لربما طردها بسرعة، لأنها معرفة تتجاوز اللزوم وغير ذات منفعة، فالإنسان العادي، في غالب الأحيان، يهتم بالنظر على قدر العمل.
كما أننا حينما نذبح كبشًا ونأخذ كبده، فإن ما يهمنا هو أكل الكبد لحاجات البقاء. وإن كان لدينا حس علمي وفضول معرفي، فربما نَصِف الكبد كما نراها، ونقول: إنها بنية اللون، ورخوة غير صلبة، وتغطيها قشرة ملساء. أعتقد أن هذا هو أقصى ما يمكن أن تقدمه لك حواسك، بل حتى هذا الوصف، هو في حقيقته غير لازم. أما أن نتساءل عن أدوار الكبد العميقة، فهذا سيكون بالنسبة للإنسان العادي طمعًا في غير مطمع. فكون الكبد معملاً لتصفية الجسم من السموم، ولها الدور الرئيسي في تخزين السكر وتحويله من «الغلوكوز» إلى «الكليكوجين»، وأنها تساعد الصفراوية في بعض الإفرازات الهضمية، فهذا الأمر يتجاوز الخبرة العادية للناس.
هذه الأمثلة وأخرى تكشف عن اهتمامات الإنسان العادي البعيدة عن معرفة الحقيقة. فهواجسه عملية ونفعية، ولا ترقى إلى مستوى النظر إلا في النادر. بعبارة أخرى نقول: إن الإنسان العادي يرى العالم بحواسه، وهي محدودة. فهي وجدت ليس من أجل اكتشاف الحقيقة، بل من أجل الحفاظ على البقاء، وهو ما سيتم إعلانه بوضوح، إبان القرن السابع عشر، إذ ستزداد الهوة بين الرؤية العامية التلقائية للعالم، ولنقل إنها رؤية طبيعية خامة وغفل، والنظرة العلمية الخاصة التي أخذت درب الصناعة، أو بمعنى آخر، ستصبح الحقيقة ليست جاهزة، بل هي بناء عقلي صارم.
سنحاول الوقوف عند القرن السابع عشر، عند اللحظة الحاسمة التي أعلنت أن الحواس لم تعد أداة معرفة، فهي لا تنقل العالم في حقيقته، بل تنقله في الحدود التي تضمن البقاء والاستمرار فقط. فكيف ذلك؟ للإجابة، سنكتفي فقط بموقف الفيلسوف جون لوك (1632 - 1704).

الحواس العادية ليست أداة معرفة

لا تكون حياتنا العادية ممكنة إلا في إطار الحواس الناقلة للعالم، في شكله المباشر الخام، وإلا هلكنا. فدور الحواس الأساس، لا يتعلق بإعطائنا حقائق الأشياء، بل ضمان السير السليم والأمن في الحياة. وهذا ما تنبه له الفيلسوف جون لوك، في نصوص مغمورة لم تلق الاهتمام الكافي من الباحثين، تضمنها في كتابه الشهير: «محاولة متعلقة بالفهم البشري»، وبالضبط، في الكتاب الثاني «الفصل الثالث والعشرون»، حيث يفترض جون لوك ما يلي: لو كانت لنا حواس أكثر حدة مما لدينا، بحيث نتمكن من إدراك الدقائق الصغيرة للأجسام والتركيب الحقيقي للأشياء، فمن المؤكد أن نجد أن حواسنا الفائقة هذه، سترسل لنا أفكارًا مختلفة عما ألفناه من حواسنا المعهودة، بحيث سيختفي اللون الأصفر للذهب، ونرى، عوضًا عن ذلك، نسيجا من الأجزاء الغريبة عنا. وهذا ما يكشفه المجهر بوضوح. إن العين المجردة، لا تقدم العالم إلا بمقياس محدد. فالشعرة المنظور إليها بالمجهر، تفقد لونها، وتصبح شفافة، وبألوان لامعة لا تظهر بالعين العادية. أما الدم الذي يظهر لنا أحمر كله، فهو تحت المجهر الجيد، يكشف أجزاءه الصغيرة، كالكريات الحمراء السابحة في سائل رائق.
يقول جون لوك: «لو تغيرت حواسنا وأصبحت أكثر حدة مما هي عليه، لتغيرت مظاهر الأشياء عندنا، ولأصبحت غير متناسبة مع وجودنا». وسيضرب لنا بعد ذلك أمثلة تبرز موقفه، نذكر منها الآتي: تصور معي أن حاسة السمع البشرية هي أشد ألف مرة مما هي عليه الآن. طبعا، سوف نسمع، على الدوام، ضجيجًا مزعجًا لن نتمكن معه من النوم. وبالمثل، افترض معي أن لدينا حاسة بصر أشد ألف مرة، أو مائة ألف مرة. من المؤكد أن يتغير مشهد عالمنا جذريًا، ونرى الأجسام المعتادة مجرد أنسجة. ونصطدم طبعًا، بالأشياء، ومن ثم يتعذر علينا العيش. فامتلاك حواس شديدة، لن يعود بالنفع العملي على الإنسان. فالله خلق لنا الحواس على مقاس يتناسب وقضاء حاجاتنا. فهي إذن من أجل البقاء، لا من أجل معرفة الكوامن الخفية في هذا العالم، سواء الكبيرة جدا أو الصغيرة جدًا.
عاش جون لوك في قلب القرن السابع عشر. وكان صديقا لكثير من العلماء، نذكر منهم: روبرت بويل (1627 - 1691)، مؤسس الكيمياء الحديثة، وإسحاق نيوتن (1642 - 1727) صاحب نظرية التجاذب الكوني، ناهيك من أنه نفسه كان طبيبًا، كما أنه عاصر طفرة هائلة في صناعة التلسكوبات والميكروسكوبات. فنحن نعلم أن غاليليو غاليلي (1564 - 1642)، رفع نظارته إلى السماء، فاكتشف نجومًا جديدة، وأقمارًا للمشتري لم تكن معروفة من قبل. كما أظهر لنا قمرًا ليس صقيلاً بل مختلفًا عن المعتاد. مما يعني أن حواسنا المجردة عاجزة على رؤية العالم الأكبر. وهنا نذكر بالهجمة الشرسة التي وجهها رجال الدين لميكرسكوب غاليليو، حين اتهموا فعله بالكفر والمروق، بحجة أن الله سبحانه لو شاء أن يجعلنا نرى هذه العوالم الشاسعة، لخلق لنا عيونًا على مقاس المكبرات. أكيد أن الله أعلم بما يفعل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نذكر أيضا، بمعاصر جون لوك، وهو العالم البريطاني روبرت هوك (1635 - 1703)، مكتشف الملامح الأولى للخلية، الذي كان يعرفه معرفة شخصية. وهو صاحب الكتاب الشهير «الرسم الميكروسكوبي»، حيث دوّن فيه كل ما استطاع رؤيته بالمجهر. فأظهر لنا عمق العوالم الدنيا، وأن عالم عيوننا المجردة هو جزء من عوالم أخرى، ليس في مقدورنا بلوغها إلا بالتسلح بأجهزة، أي بعيون أكثر دقة. وتجدر الإشارة إلى أن القرن السابع عشر، عرف حمى في النظر إلى العوالم الدنيا. وهنا نستحضر عالما آخر كان هاويًا، وهو الهولندي أنطوني فان ليفنهوك (1632 - 1723)، الذي استطاع أن يدقق المجاهر، ليكتشف، مثلاً، أن الدم به جسيمات صغيرة هي الكريات الحمراء، وأن السائل المنوي يحمل في عمقه الحيوانات المنوية، الأمر الذي سيغير نظرتنا جذريًا لطريقة الحمل.
هذه الأجواء العلمية المتأججة، الباحثة عن عوالم غير عالم الحواس المجردة، هي التي ستؤثر في نظرية المعرفة عند مجموعة من الفلاسفة آنذاك، ومنهم جون لوك، إذ ستصبح لدينا، على الأقل، ثلاث تصورات لهذا الكون وهي:
النظرة الخام: هي صورة «العالم الخام»، وهي نظرة يحصل عليها الإنسان العادي، اعتمادًا على حواسه العادية. وهي تتسم بكونها غفل وتلقائية وعفوية، هاجسها تدبير البقاء والاستمرار.
النظرة التلسكوبية: وهي صورة «العالم الأكبر» أو اللامتناهي في الكبر، حين نحن ننظر إليه بالمكبرات، حيث لم يعد العالم مغلقًا بقبة سماوية، كما عهد ذلك الإنسان منذ القدم. وهو يعتمد نظرته الخام، بل أصبح عالمًا لانهائيًا.
النظرة الميكروسكوبية: وهي صورة «العالم الأصغر» أو اللامتناهي في الصغر، حيث الخلايا والأنسجة والدقائق والجسيمات وغيرها.
أمام هذه العوالم الجديدة، سيجري التساؤل بقوة، عن محل الحواس المجردة من الإعراب، في عملية بناء المعرفة، ليجري تحديده فقط في مجال العيش والمنافع العملية. أما عند الحديث عن الخفايا الأخرى من الكون، فستظل حواسنا عاجزة تمامًا وغير مسعفة لبلوغها، مما يجعلها مضطرة لأن تخلي السبيل إلى العقل، الذي سيتكفل بإتمام النظر إلى جوانب الحقيقة الأخرى.
نخلص إلى أن العلم باعتباره بحثًا عن الحقيقة، هو أمر نظري خالص، وليس له علاقة بهواجس البقاء العادية. فهل يعني هذا أن منطق النظر يختلف عن منطق العمل؟ سؤال موجه للمفكر الكبير طه عبد الرحمن الذي يعلي من شأن العمل على حساب النظر.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة، مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطع لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك»، اليوم السبت: «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي لأهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين، ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتب الفنان عمرو دياب عبر حسابه الرسمي على «إكس»، اليوم السبت: «أنعى ببالغ الحزن والأسى رحيل الملحن المبدع محمد رحيم».

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير، لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

وكتبت الفنانة أصالة عبر موقع «إكس»: «يا حبيبي يا رحيم يا صديقي وأخي، ومعك كان أحلى وأهم أعمال عملتهم بمنتهى الأمانة بموهبة فذّة الله يرحمك يا رحيم».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

ونعته إليسا في تغريدة لاحقة، ووصفته بالصديق الإنسان وشريك النجاح بمحطات خلال مسيرتها ومسيرة كثير من زملائها.

ونشرت الفنانة اللبنانية نوال الزغبي مقطع فيديو به أبرز الأعمال التي لحنها لها رحيم، منها أول تعاون فني بينهما وهي أغنية «الليالي»، بالإضافة لأغنية «ياما قالوا»، وأغنية «صوت الهدوء»، التي كتب كلماتها رحيم. وكتبت الزغبي عبر «إكس»: «الكبار والمبدعون بيرحلوا بس ما بيموتوا».

ونشرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم صورة تجمعها برحيم، وكتبت عبر موقع «إكس»: «ما عم صدق الخبر». وكتبت لاحقا: «آخر مرة ضحكنا وغنّينا سوا بس ما كنت عارفة رح تكون آخر مرة». رحيم قدم لنانسي عدة أعمال من بينها «فيه حاجات» و«عيني عليك»، و«الدنيا حلوة»، و«أنا ليه».

ونشرت المطربة التونسية لطيفة عدة صور جمعتها برحيم عبر حسابها بموقع «إكس»، وكتبت: «وجعت قلبي والله يا رحيم... ده أنا لسه مكلماك ومتفقين على شغل... ربنا يرحمك ويصبر أهلك ويصبر كل محبينك على فراقك».

وكتبت الفنانة أحلام الشامسي: «إنا لله وإنا إليه راجعون، فعلاً خبر صادم ربي يرحمه ويغفر له».

كما نعته الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وكتبت عبر «إكس»: «وداعاً الفنان الخلوق والصديق العزيز الملحن المبدع #محمد_رحيم».

وشارك الفنان رامي صبري في نعي رحيم وكتب عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»: «خبر حزين وصدمة كبيرة لينا».

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».