بعد شهر من انتخابه.. 5 قرارات ترسم ملامح السياسة الأميركية في عهد ترامب

بعد شهر من انتخابه.. 5 قرارات ترسم ملامح السياسة الأميركية في عهد ترامب
TT

بعد شهر من انتخابه.. 5 قرارات ترسم ملامح السياسة الأميركية في عهد ترامب

بعد شهر من انتخابه.. 5 قرارات ترسم ملامح السياسة الأميركية في عهد ترامب

فاجأ رجل الأعمال دونالد ترامب العالم، والأميركيين على وجه التحديد، بفوزه برئاسة الولايات المتحدة، متفوقًا على المرشحة الديمقراطية وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، على عكس ما كانت تشير إليه استطلاعات الرأي على مدار شهور من الحملة الانتخابية، حتى قبل أيام من التصويت الذي أجري في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وخلال شهر منذ فوزه الذي وصف بـ«الصادم»، اتخذ ترامب كثيرًا من القرارات، بعضها له أهمية كبيرة، مثل تلك الخاصة باختيار الفريق الرئاسي الذي سيتولى الإدارة الأميركية في ولايته، والبعض الآخر قد لا ينظر إليه بالأهمية ذاتها، لكنها في جميع الأحوال قد تخبر بملامح السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب.
* *«الكلب المسعور»
أعلن ترامب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي، اختياره للجنرال المتقاعد جيمس ماتيس (66 عامًا)، المعروف باسم «الكلب المسعور»، وزيرًا للدفاع، وهو القرار الذي كان مفاجئًا حتى لأعضاء فريقه الانتقالي وحملته الانتخابية. ويتوقع أن يكون لماتيس دور بارز في المواجهة مع إيران، ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، بعدما قضى أكثر من 4 عقود في سلاح مشاة البحرية الأميركية، كما أنه يحظى باحترام كبير من القادة والعسكريين العرب لصراحته واستماعه الجيد، فضلاً عن زياراته للدول العربية. وقاد ماتيس فرقة عمل المارينز في غارة على قندهار، في أفغانستان، عام 2001، وكان قائد مشاة بحرية خلال «غزو العراق»، في 2003. وشغل ماتيس كذلك منصب القائد الأعلى لقوات الناتو من 2007 إلى 2010، وتردد أنه تقاعد من الخدمة بسبب انتقادات لاذعة لإدارة أوباما على موقفها من إيران التي يعتبرها العدو الرئيسي للولايات المتحدة.
* الطائرة الرئاسية
«إلغِ الطلب!».. بهذه العبارة أعلن ترامب إلغاء حجز تصنيع الطائرة الرئاسية Air Force One، المخصصة للرؤساء الأميركيين، التي تصنعها شركة «بوينغ»، في صفقة تتجاوز قيمتها 4 مليارات دولار تدفعها الحكومة الأميركية، وهو ما عده ترامب تكلفة لا تخضع للإشراف. وقد يلقي هذا القرار الضوء على سياسات اقتصادية قد يعتمدها الرئيس المنتخب خلال ولايته تقوم على تقليص النفقات.
*نجل فلين
طرد الرئيس المنتخب ترامب، مايكل ج. فلين، عضو الفريق الانتقالي نجل مايكل تي فلين مستشار الأمن القومي في الفريق الانتقالي، لنشره أخبارًا زائفة تمس بسمعة هيلاري كلينتون فيما يتعلق بقضية عرفت إعلاميًا بـ«فضيحة البيتزا». وإذ يشير ذلك إلى أنه لا مكان للمحسوبية في عهد ترامب الذي يثير مخاوف من احتمال وجود نفوذ أو دور لأفراد أسرته خلال توليه الرئاسة، لكنه أيضًا يشير إلى أن ترامب لن يتوانى في مواجهة الشائعات أو الأخبار الزائفة.
*العلاقة مع بكين
في مؤشر على مواجهة أميركية - صينية مرتقبة في ولاية ترامب، أثارت مكالمة هاتفية تلقاها الرئيس المنتخب من رئيسة تايوان تساي إينغ وين حفيظة بكين التي تعتبر تايوان إقليمًا تابعًا لها. وعلى الرغم من تأكيد نائبه مايك بينس أن المكالمة ما هي إلا مجرد مجاملة للتهنئة بفوزه في الانتخابات الرئاسية، تواصلت ردود الأفعال الصينية، حيث طالبت بكين واشنطن بإدارة الأمور المتعلقة بتايوان بحذر لتجنب الإضرار بالعلاقات الثنائية بين البلدين، كما طالبتها بعدم دخول الرئيسة تساي إلى أراضيها. ودافع ترامب عن المكالمة مع رئيسة تايوان، قائلاً: «أمر مثير للاهتمام، كيف تبيع الولايات المتحدة معدات عسكرية بمليارات الدولارات لتايوان، ومع ذلك لا ينبغي لي قبول مكالمة تهنئة منهم؟». وقد ينبئ هذا عن توتر في العلاقات بين اثنين من أقوى الاقتصادات والقوى العسكرية في العالم.
* ترامب «الرئيس»
أعلن ترامب، نهاية نوفمبر الماضي، أنه سيعقد مؤتمرًا صحافيًا كبيرًا في نيويورك، في 15 ديسمبر الحالي، للإعلان عن تخليه عن أعماله التجارية، للتركيز على إدارة البلاد، لينهي بذلك جدلاً حول إمكانية وجود تضارب مصالح في عهده، كونه رئيسًا للولايات المتحدة ومليارديرًا صاحب شركات كبرى داخل وخارج أميركا. وقد يعد هذا القرار مؤشرًا لحقبة جديدة لترامب «الرئيس»، بخلاف ترامب «المرشح» الذي كان يتصرف كرجل أعمال أكثر من كونه سياسيًا، مما جعله يثير جدلاً بتصريحاته، خصوصًا تلك المناهضة للمهاجرين والمسلمين. والتركيز على إدارة البلاد قد يعني أن يكون رئيسًا لكل الأميركيين دون تمييز بينهم، لكن لن يمكننا معرفة ذلك قبل توليه مهام الرئاسة رسميًا، بعد تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟