المتحدثة السابقة لـ«يوناميد»: كل المعلومات الصادرة عن البعثة تتعرض للتلاعب والتحوير

عائشة البصري تتحدث لـ {الشرق الأوسط} عما أسمته أسرار أكبر تسريب في تاريخ الأمم المتحدة

عائشة البصري
عائشة البصري
TT

المتحدثة السابقة لـ«يوناميد»: كل المعلومات الصادرة عن البعثة تتعرض للتلاعب والتحوير

عائشة البصري
عائشة البصري

تقدمت المتحدثة السابقة للبعثة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة لحفظ السلام في إقليم دارفور السوداني المضطرب (يوناميد)، عائشة البصري باستقالتها، احتجاجا على ما أسمته «تستر وتواطؤ» البعثة الدولية على جرائم ضد الإنسانية تحدث في الإقليم.
ونقلت للصحافة العالمية وقائع ما أسمته مجلة «فورن بوليسي» أكبر تسريب لوثائق «سرية جدا» في تاريخ الأمم المتحدة، تحكي عن صمت البعثة وتواطؤها مع الحكومة السودانية والحركات المتمردة ضد مدنيي دارفور.
فور ذيوع تلك الوثائق، أجرت «الشرق الأوسط» هذه المقابلة مع السيدة عائشة البصري عبر الهاتف، بحثت معها خلاله دوافع كشفها عن تلك المعلومات، والظروف المحيطة بها.
تساءلت البصري عن تواطؤ، وحملت المنظمة الدولية مسؤولية اختفاء مصطلح «الجنجويد» - قوات شبه نظامية اتهمت بارتكاب فظائع ضد المدنيين - وسكتت عن دمجهم في القوات الحكومية، بدلا من تسريحهم ونزع سلاحهم حسب قرار مجلس الأمن.
ودمغت البصري الأمم المتحدة باللامبالاة بمدنيي دارفور، وقالت إنها تعلم أن بعثتها فاشلة منذ تكوينها، وأن هناك مجموعة «اختطفت البعثة»، وحولتها إلى «إمبراطورية صمت وتستر» على انتهاكات القوات الحكومية والميليشيات الحليفة لها، والحركات المتمردة ضد المدنيين والنازحين، فإلى الحوار:

* ذكرت أن بعثة حفظ السلام الدولية في دارفور «يوناميد» تتستر على جرائم القوات الحكومة والميليشيات والحركات المتمردة، لماذا تفعل هذا في نظرك..؟
- لقد تحدثت عن تستر أكبر، يشمل فشل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في حماية المدنيين من القصف الجوي العشوائي للقوات الجوية السودانية لأماكن سكناهم، وهجمات القوات الحكومية، وليست الميليشيات على المدنيين وجنود البعثة نفسها، إضافة إلى هجمات تشنها بعض الفصائل المتمردة على المدنيين في دارفور، وعمليات نهب وسلب واعتداء واختطاف.
حين يتعلق الأمر بعناصر «الجنجويد»، فأنا لا أتحدث عن «الميليشيات الحكومية» أو «الميليشيات الموالية للحكومة» وغيرها. بعد صدور قرار مجلس الأمن 1556 عام 2004، الذي قضى بنزع سلاح ميليشيات الجنجويد ومحاكمة قياداتها، لم تكتف الحكومة السودانية بعدم الامتثال، بل تحدت مجلس الأمن، وأدمجت عددا منهم في صفوف القوات المساعدة الحكومية - حرس الحدود، الدفاع الشعبي، شرطة الاحتياط المركزي المعروفة بـ«أبوطيرة» - لذلك فالحديث عن الميليشيات فيما يتعلق بهذه القوات المساعدة الحكومية، هو أصلا جزء من عملية الإرباك التي ساهمت فيها التقارير الأممية.
أما عن سبب التستر، فمن الأحرى أن يطرح السؤال على كل من رئيس بعثة «يوناميد» السيد محمد بن شمباس، ورئيس إدارة حفظ السلام السيد هيرفي لادسوس، والأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون.
أنا بدوري أريد أن أعرف لماذا مثلا اختفت كلمة «الجنجويد» من تقارير الأمم المتحدة، بدءا من تقارير «بان كي مون»، عقب ادعاء الخرطوم بأنه لم تعد هناك مجموعات تحمل هذا الاسم في دارفور؟ ولماذا لم تنشر التقارير التي تقول الحكومة السودانية أنها أدمجت عددا من الجنجويد في قواتها المساعدة، في وقت يتوقع فيه نزع سلاحهم وإبعاد خطرهم عن المدنيين.
* قلت إن مجلس الأمن على علم مسبق بحتمية فشل بعثة «يوناميد»، كأنك تتحدثين عن مؤامرة دولية ضد دارفور.. هل تقصدين هذا؟
- مجلس الأمن وإدارة حفظ السلام، يعلمان أن البعثة لن تنجح في مهمة حفظ السلام وحماية المدنيين قبل إرسالها، فلتنجح أية بعثة لا بد من اتفاقية سلام حقيقية ملزمة للأطراف، وقبول الدولة المضيفة وجود البعثة وتسهيل عملها، إضافة للجانب اللوجيستي، الذي يوفر للبعثة الظروف الملائمة لقيامها بعملها.
قبل نشر البعثة، لم تكن هناك اتفاقية سلام، فاتفاقية «أبوجا» الموقعة بين الحكومة وفصيل واحد احتضرت قبل ميلاد البعثة، ولا توجد رغبة من الحكومة أو الحركات المتمردة لإلقاء السلاح والجلوس للمحادثاث.
أجبرت الخرطوم على الامتثال لضغوط «ما يسمى» بالمجتمع الدولي، فقبلت شكليا انتشار قوات «حفظ السلام»، واشترطت أن تكون معظمها أفريقية، ليس حبا في أفريقيا، بل لمعرفتها أن قوات أفريقية لن تغير في الواقع شيء، لضعف قدرات وإمكانيات عدد من هذه الدول، وهو الذي مكن الخرطوم من إفشال بعثة الاتحاد الأفريقي في دارفور «الأيميس»، وطالب المجتمع الدولي باستبدالها ببعثة يفترض أن تكون أقوى بكثير، المجلس يعلم أن ما قبلته الخرطوم نسخة مكبرة من بعثة «الأيميس» الفاشلة، ويعلم بأن الحكومات الغربية غير مستعدة لإرسال جندي واحد أو طائرة رصد واحدة لدافور، ناهيك بسلاح حديث يليق بحماية مدنيي دارفور.
اكتفى مجلس الأمن ببعثة ذات طابع أفريقي لأنها «أرخص ما في السوق».
استمع هذا المجلس العجيب إلى إحاطة إعلامية من وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام «جان ماري غينو» في 27 من سبتمبر (أيلول) 2007، عن «ثغرات خطيرة» تواجه البعثة، فقبل بدء المهمة كانت «يوناميد» تفتقر للنقل الجوي وقدرة التنقل والرصد، وتعاني عراقيل تضعها الحكومة السودانية التي رفضت انتشار وحدات من بعض الدول غير الأفريقية من تايلاند، ونيبال وشمال أوروبا.
وشكك غينو في التزام وتعاون الحكومة بنشر القوات بسرعة وفعالية، فهي تعرقل التراخيص، بل وصادرت معدات اتصال لعدة أسابيع، وقدمت مقترحات جديدة وصفها غينو بأنها ستجعل عمل البعثة مستحيلا، تتضمن السماح للحكومة بتعطيل شبكة اتصالات البعثة حال قيامها بـ«عمليات أمنية». بعد أسبوع على انتشار «يوناميد» 31 ديسمبر (كانون الأول) 2007، أطلقت القوات السودانية النار على قافلة تموين تابعة لها، أصيب سائق سوداني بجراح فسكت المجلس، مما شجع الحكومة والتمرد على الاعتداء على المدنيين وحفظة السلام الذين أصبحوا عرضة للقتل والجرح والإهانة بدلا من حماية المدنيين، أمرهم مجلس الأمن باستعمال القوة ولم يمنحهم القوة، فهم أقل عددا وتدريبا وعتادا من مهاجميهم، تائهون بين احترام البلد المضيف، وحتمية الصمود لهجمات جنوده ومتمرديه.
* إذا كانت البعثة تتستر على عمليات القوات الحكومية وميليشياتها ضد أهل دارفور، لماذا تتستر على عمليات ضد قواتها، هذا مخالف لطبيعة الأشياء..؟
- دعني أسألك بدوري، هل تظن أن الحكومة السودانية كانت لتسمح لـ«محمد بن شمباس» بارتداء قبعتين «قبعة رئيس البعثة والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في عملية السلام»، لو تجرأ وأفصح للعالم، أن القوات السودانية هاجمت حفظة السلام يومي 18 و19 أبريل (نيسان) 2013 في مدينة مهاجرية، وقتلت جنديا نيجيريا وجرحت اثنين آخرين؟
لا أحد يملك الجواب عن أسباب التستر عن مأساة المدنيين في دارفور إلا المتسترون أنفسهم، وهم الآن يتمادون في صمتهم.
* لماذا تقدمت باستقالتك من البعثة..؟ أما كان من الأجدر أن تواصلي عملك، لتكشفي ما يحدث للعالم من خلال موقعك؟
- قبل أن أكشف للعالم ما يجري في دارفور كان علي أن أكتشفه أولا، ثم أستوعبه وأوثقه، وصلت دارفور 16 أغسطس (آب) 2012، وكنت منكرة لحقيقة الحرب، ومقتنعة أن الصحافة الغربية ضخمت أزمة دارفور لتغطية جرائم بوش وحلفائه في العراق، ولتلفق للعرب والمسلمين جرائم بشعة.
صدقت أول تصريح لرئيس لبعثة الـ«يوناميد» رودولف أدادا صيف 2009 بأن الحرب في دارفور انتهت، وصفقت لـ«اتفاقية الدوحة للسلام»، وقبلت بمنصب الناطقة الرسمية باسم البعثة، لأني مؤمنة بأني سأتحدث عن السلام والاستقرار والتنمية، ثم بدأت أكتشف أني أصبحت الناطقة باسم «البعثة الصامتة» على الفشل وعلى جرائم يندى لها الجبين.
استعصى علي تقبل فكرة أن السودانيين يقتلون بعضهم بشراسة، ويحرقون قرى بأكملها، ويعتدون على المدنيين، ويغتصبون نساء وفتيات بشكل ممنهج، ويقترفون من العنف ما يستعصي وصفه.
قبل أن أكشف للإعلام ما يجري في دارفور المنسية كان علي كشفه لنفسي، كنت صدقت الصورة الوردية التي رسمتها تقارير البعثة، و«هراء» تقارير بان كي مون، وصمت الوكالات الأممية عن انتهاكات إنسانية أهل دارفور.
فور وصولي سألت أحد قادة البعثة عن سبب عدم رصد ورفع تقارير عن هجوم القوات الحكومية على أربع قرى في منطقة «طويلة» بين 24 و27 أغسطس 2012، فأجابني ببساطة: «كما تعلمين فإنه يتعين علينا أحيانا أن نتصرف كالدبلوماسيين، لا يمكننا أن نقول كل ما نشاهده في دارفور». هزني هذا التصريح وهز ثقتي بتقارير البعثة، حتى باحت لي السيدة «عايشتو منداودو» التي تولت قيادة البعثة لفترة انتقالية في مراسلة إلكترونية بـ«أن كل المعلومات الصادرة عن البعثة تتعرض للتلاعب والتحوير»، وعن معركتها ضد «شخصين أو ثلاثة أشخاص اختطفوا البعثة»، لتحقيق أجندات أخرى لا تتعلق بولاية البعثة وحماية المدنيين.
لقد صدمني الاعتراف الخطير، وزعزعتني نظرية العمى الدبلوماسي، فلوحت باستقالتي منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول)، عقب السكوت المتعمد عن مجزرة «هشابة» في سبتمبر 2012، راح ضحيتها ما يناهز 100 مدني، بقصف الطيران الحكومي، وهجوم قوات حكومية معها «جنجويدها» حسب الخطة المعهودة في مثل هذه الهجمات محكمة التنسيق.
طلبت من البعثة إصدار بيان عن الحادثة التي وقعت خلال غياب السيدة عايشتو، فرفضوا وماطلوا إلى أن نسي الإعلام قصة هشابة، بعد حادثة الهجوم على قرية «سجيلي».
لم تكن هذه المرة الأولى أو الأخيرة التي اصطدم فيها مع جهاز الرقابة والصمت المحكمين، حاولت جاهدة إحداث تغيير في السياسة الإعلامية داخل البعثة، لتقول ما ترى وما تعرف، لكن القيود والعراقيل كانت أقوى مني بكثير ومن السيدة عايشتو نفسها.
كل أسبوع أخوض معركة من أجل بيان صحافي، وللحصول على تقرير أو على معلومة لتمليكها للإعلام ولتوثيقها، وطلب فتح تحقيق في كل هذه الانتهاكات الأممية لاحقا.
ثمانية أشهر من التخبط أنهكت قواي حتى قدمت استقالتي في 4 أبريل 2013 إلى السيد ابن شمباس، بعد أن علمت بأن جنود البعثة لم يقوموا بأدنى جهد لمنع متمردي حركة تحرير السودان - فصيل عبد الواحد من اختطاف واحتجاز 31 نازحا ونازحة تحت حراستهم، وهم يتجهون لحضور مؤتمر نيالا يوم 24 مارس (آذار) 2013.
حينذاك انعدمت ثقتي بالبعثة بشكل مطلق، ولم يبق لي إلا التفكير في كيفية فتح تحقيق في كل هذه المخالفات لسياسة الأمم المتحدة الإعلامية، التي توصي بالشفافية والصدق في التعامل مع الإعلام والرأي العام بشكل عام.
* لماذا صمت عن كل ما ذكرت أثناء وجودك في وظيفتك؟
- لم يكن بإمكاني أو بالأحرى، لم أكن أملك الشجاعة للبوح بأن البعثة تتستر على فشلها في حماية المدنيين وجرائم ضدهم، وضد جنودها أثناء عملي، لأني سأعرض نفسي لخطر أكيد، سيما وأني تعرضت لمضايقات بلغت حد التلويح بالتهديدات، كان همي توثيق ما يثبت الاتهام الخطير، والدفع بتحقيق أممي.
قد تتذكر حالة الحزن والخوف والغضب التي كانت تنتابني حين طلبت لقاءك، وأنا على وشك مغادرة الخرطوم، لكي أخبرك بأن القوات الحكومية كانت وراء الهجوم الذي أسفر عن مقتل جندي من جنود الـ«يوناميد» في «مهاجرية».
كنت خائفة وظل ذاك الخوف ينتابني لشهور، كنت مثل «المرأة المعنفة» فهي قد تحتاج لسنوات لكي تتحرر من أثر الصدمة والخوف، لكن هذا الشعور لم يمنعني من أن أدلي بتصريحات للصحافة بالخرطوم، معلنة عن استقالتي احتجاجا على السياسة الإعلامية للبعثة.
كان أملي أن تعير إدارة حفظ السلام في نيويورك بعض الاهتمام لتصريحاتي، سيما بعد أن قدمت تقرير عن نهاية مهمتي في 11 مايو (أيار) 2012، وطلبت فيه نظر انتهاكات البعثة للسياسة الإعلامية.
فلم يتصل بي أحد، لذا طلبت في 30 أغسطس تحقيقا رسميا من مكتب خدمات الرقابة الداخلية في الأمم المتحدة، وباءت المحاولة بالفشل. وواصلت الحديث مع الإعلام الدولي خاصة الهولندي والفرنسي، وقلت إن الأمم المتحدة لا تقول الحقيقة، عن حرب اتسعت رقعتها وتعقدت طبيعتها وانتشر سلاحها.
أعترف أن صوتي كان خافتا، إلى أن تأكدت أن الأمم المتحدة لن تحقق في فشلها الذي يدفع ثمنه أهل دارفور، وأدركت أن الطريقة الوحيدة لتسليط الضوء على هذه الكارثة هو أن أجعل الصحافة تقوم بدورها.
هذه هي القصة وراء استقالتي والذي وصفته مجلة «فورن بوليسي» بأكبر تسريب لوثائق «سرية جدا» في تاريخ الأمم المتحدة.
* هل أنت غاضبة لأنك اضطررت للاستقالة، لذلك تشنين حملة على «الجمل بما حمل»؟
- لم يجبرني أحد على الاستقالة، بل ووصف تقييم أدائي المهني خلال فترة عملي في البعثة بأنه «يتجاوز التوقعات»، قرار استقالتي كان صعبا، ليس للتخلي عن عمل هام وراتب لم أكن أحلم به، وامتيازات دبلوماسية وحياة رفاهية، بل التخلي عن الأمم المتحدة التي خذلتني وخذلت أهل دارفور، فكان من الواجب أن أخذلها. حين قررت فتح ملفاتها للغرباء، انتابني إحساس بأني خنت عائلتي وانقلبت على أسرتي وعضضت اليد التي أطعمتني، وأن مصيري سيكون هو الوحدة والخجل، لذلك لم أشعر بالغضب بقدر ما شعرت بالحزن والخوف، لأن أكبر تسريب لم ينجح في تسليط الضوء على معاناة أهل دارفور، ولم ينجح في الدفع قدما للبحث عن المسؤولين ومحاسبتهم، ولتقييم تداعياته على مدني دارفور وفرص السلام الضائعة، وإخراج الأمم المتحدة من صمتها بحجة أنها لا تعلق عن التسريب.
أنا لا أريد إخراج البعثة من السودان، بل إصلاح ما يمكن إصلاحه، فمادام القصف والهجوم على المدنيين مستمرا، فإن مقرات البعثة أصبحت الملجأ لآلاف المحتمين، وخروج البعثة يعرضهم لهجمات أكبر، لن يجدوا مكانا يحتمون به.
* ذكرت في مقابلة أن الاتفاقية الموقعة بين الحكومة و«يوناميد» نصت على أن البعثة تحت حماية الحكومة، هل هذا أمر جديد؟
- بموجب البندين 48 و49 من الاتفاقية بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والسودان، بشأن العملية الهجين في فبراير (شباط) 2008، تلتزم الحكومة بتوفير الأمن والحماية لـ«يوناميد» وأعضائها وموظفيها ومعداتها، ولم تلتزم الخرطوم بذلك، بل مارست قواتها وجنودها ضد البعثة وموظفيها كل أنواع الإهانة والترهيب والاعتداء، أليس عبثيا أن جنود البعثة المكلفين بحماية المدنيين من الحكومة، وفي نفس الوقت فإن الحكومة مكلفة بحماية الجنود أنفسهم، وتشكل أكبر خطر عليهم؟ الجديد هو وجوب إعادة قراءة نص الاتفاقية الذي لا يتماشى مع الحرب التي زج بجنود البعثة بها تحت شعار «بعثة حفظ السلام».
* قلت إن المنظمة الدولية، والأمين العام بان كي مون وإدارة حفظ السلام، ووكالات تابعة للأمم المتحدة عاملة في السودان، كلهم متواطئون مع حكومة الخرطوم، أليس في الأمر بعض المبالغة؟
- المبالغة موجودة في مدى هذا التواطؤ بما يرضي رغبة الحكومة والفصائل المتمردة على حساب المدنيين، فمحو كلمة «الجنجويد» من التقارير الأممية تواطؤ.. عدم دق ناقوس الخطر تجاه تصعيد القصف الجوي العشوائي تواطؤ.. التراجع عن رفع تقارير انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور منذ نهاية 2009 تواطؤ.. السكوت الواسع عن الاغتصاب الممنهج تواطؤ.. الامتناع عن تسمية الجناة بأسمائهم تواطؤ، وهو ليس تقصيرا دبلوماسيا بل رضوخ لجهة ما.
* ما دور الحركات الدارفورية المسلحة في تأزيم الوضع، وهل تمارس هي الأخرى، انتهاكات واضحة، وهو الاتهام الذي ظلت تدمغهم به الخرطوم دوما، حسب متابعاتك ما مدى صحة المزاعم الحكومية؟
- تكمن مأساة دارفور في أنه حتى الفصائل المتمردة التي تدعي بأنها حملت السلاح للدفاع عن مصالح أهل دارفور، في الحقيقة ترتكب جرائم بحق المدنيين، مارست الحركات اعتداءات جسدية وعمليات نهب وسلب لممتلكات واختطاف واحتجاز لمدنيين بدعوى أنهم موالون للحكومة.
الأمر الأخطر في نظري، أن وجود الحركات أو شنها لهجوم على القوات الحكومية قرب قرى المدنيين، يعرضها لعقاب جماعي من الحكومة، تحت الزعم أنهم متواطئون مع المتمردين، لذا فبعض الفصائل متهمة بجرائم حرب.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.