السيسي يدعو دول حوض النيل إلى نبذ الخلافات وتعزيز التعاون المشترك

أكد رفض مصر التدخل في شؤون الدول أو التآمر ضدها

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى استقباله عددًا من وزراء المياه والري لعدد من دول حوض النيل في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى استقباله عددًا من وزراء المياه والري لعدد من دول حوض النيل في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

السيسي يدعو دول حوض النيل إلى نبذ الخلافات وتعزيز التعاون المشترك

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى استقباله عددًا من وزراء المياه والري لعدد من دول حوض النيل في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لدى استقباله عددًا من وزراء المياه والري لعدد من دول حوض النيل في القاهرة أمس («الشرق الأوسط»)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، حرص بلاده على تعزيز وتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، وفي مقدمتها دول حوض النيل، مشددا على ضرورة نبذ الخلاف وتعزيز التعاون بين دول الحوض من أجل تنفيذ مزيد من المشروعات المشتركة.
ودخلت مصر منذ سنوات في نزاع مع إثيوبيا حول نصيبها في مياه نهر النيل، على أثر قيام أديس أبابا ببناء سد على أحد الروافد الرئيسية للنهر. وهو الأمر الذي تقول القاهرة إنه سيؤدي إلى خفض حصتها من المياه.
واستقبل الرئيس السيسي، أمس في القاهرة، وزراء المياه والري لعدد من دول حوض النيل، تشمل كلا من السودان وتنزانيا وأوغندا وجنوب السودان وبوروندي، بحضور الدكتور محمد عبد العاطي خليل وزير الموارد المائية والري، حيث يشاركون في مؤتمر ينظمه المركز القومي لبحوث المياه بالقاهرة حول سبل تطوير البحث والتكنولوجيا للوصول إلى إدارة مستدامة للمياه.
وأكد الرئيس المصري حرص بلاده على تعزيز التعاون بين دول الحوض من أجل تنفيذ مزيد من المشروعات المشتركة، وعلى رأسها مشاريع استقطاب الفواقد المائية وحصاد الأمطار؛ بما يؤدي لزيادة إيراد النهر ويُحقق استفادة الجميع، وذلك في ضوء إهدار النسبة الأكبر من إيراد النهر في المستنقعات والبخر.
وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير علاء يوسف إن الرئيس رحب بوزراء المياه والري لدول حوض النيل، مشيرا إلى ما يمثله نهر النيل من شريان حياة يربط بين دول الحوض، مستعرضا رؤية مصر إزاء مياه النيل، والتي ترتكز على أن التعاون هو الأسلوب الأمثل لإدارة الموارد المائية المشتركة، مؤكدا على ما تمثله مياه النيل من أهمية استراتيجية بالنسبة لمصر.
وفيما يتعلق بمسألة الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل، أكد الرئيس اهتمام مصر بالتوصل إلى حل توافقي، بحيث يكون اتفاقا شاملا يضمن الأمن المائي لجميع أطرافه.
وأكد الرئيس تبني مصر لسياسة ثابتة تقوم على عدم التدخل في شؤون الدول أو التآمر ضدها، مؤكدا تركيز مصر على مسيرتها التنموية، وحرصها على التعاون مع جميع الدول من أجل تحقيق التنمية والبناء والتعمير.
وكانت الحكومة الإثيوبية اتهمت مصر رسميا بإثارة الاضطرابات الداخلية فيها، عبر دعم جماعات متمردة تسببت في اندلاع موجة من الاحتجاجات في مناطق محيطة بالعاصمة أديس أبابا. غير أن القاهرة رفضت تلك الاتهامات، وأكدت احترامها الكامل لسيادة إثيوبيا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
وأضاف المتحدث الرسمي أن وزراء دول حوض النيل المشاركين باللقاء، أشادوا بما تقدمه مصر لبلادهم من دعم فني في مجالات الموارد المائية والري، وما تقوم بتنفيذه من مشروعات مشتركة في عدد من دول الحوض، مؤكدين على دور مصر المحوري في الارتقاء بالتعاون بين دول الحوض.
وأعربوا عن اتفاقهم مع الرئيس السيسي بشأن أهمية تعزيز التعاون بين دول حوض النيل من أجل تحقيق المصالح المشتركة، خاصةً وأن مشكلة ندرة المياه في أفريقيا تتطلب العمل سويا وتعظيم الاستفادة من الموارد المائية المحدودة؛ بما يضمن الحفاظ على مصالح الأجيال القادمة.
وأشار الوزراء إلى ضرورة تكثيف التعاون بين دول الحوض في مجال حصاد الأمطار من أجل زيادة إيراد النهر ومواجهة ظاهرة تغير المناخ.
وقال السفير يوسف إن الدكتور محمد عبد العاطي أكد خلال اللقاء حرص مصر على تفعيل التعاون مع دول حوض النيل، مؤكدا على اهتمام مصر بتنفيذ مشروعات للتعاون الثنائي مع جميع دول الحوض من خلال المبادرة المصرية لتنمية دول حوض النيل. ونوه الوزير بمشروع الخط الملاحي الذي يربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط باعتباره أحد أبرز المشروعات الطموحة لدول حوض نهر النيل، حيث يسمح بتوفير منفذ بحري للدول الأفريقية الحبيسة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.