مساجد بروكسل تشتكي من زيادة عمليات التفتيش الأمني

الشيخ العلمي عاد طواعية إلى المغرب قبل إجباره على المغادرة بسبب خطاب الكراهية

وجود أمني في شوارع بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
وجود أمني في شوارع بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مساجد بروكسل تشتكي من زيادة عمليات التفتيش الأمني

وجود أمني في شوارع بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
وجود أمني في شوارع بروكسل عقب هجمات مارس الماضي («الشرق الأوسط»)

رد وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون على رسالة مفتوحة من جانب المسؤولين في عدد من المساجد في بروكسل تتضمن الشكوى من تزايد عمليات التفتيش الأمني والمراقبة خلال الفترة الأخيرة، وقال الوزير إن زيادة عمليات التفتيش تأتي في إطار تحرك معلن عنه منذ فترة تحت اسم «خطة القنال». وأضاف في تصريحات للإعلام البلجيكي، أن عمليات التفتيش تحدث في إطار قانوني، وبناء على طلب من السلطة القضائية أو السلطة المحلية.
وتشمل الخطة بعض البلديات القريبة من «القنال» التي تمر وسط بروكسل، وخاصة البلديات التي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية، ومنها مولنبيك، وشخاربيك وغيرهما، وهي بلديات معروفة بغالبية السكان من أصول أجنبية، وخرج منها عناصر شاركت في تفجيرات باريس وبروكسل.
وتعمل المساجد في بلجيكا على أنها جمعية أو مؤسسة، تنظم أنشطة أخرى غير الصلاة، وعندما قرر وزير الداخلية زيادة إجراءات الرقابة على الأحياء التي تعاني من مشاكل مختلفة، مثل الإقامة بشكل غير شرعي أو تجارة المخدرات أو الأسلحة أو الحصول على إعانات اجتماعية من دون وجه حق، استلزم الأمر زيادة عمليات التفتيش على هذه الجمعيات للتحقق من الأوضاع القانونية وعدم وجود مخالفات من أي نوع والتركيز على بعض الجمعيات التي تحوم حولها شبهات.
وكانت إدارات عدد من المساجد قد وجهت رسالة مفتوحة إلى رودي فيرفورت مسؤول حكومة العاصمة بروكسل، وقالوا فيها إن عمليات التفتيش على المساجد زادت في أعقاب هجمات مارس (آذار) الماضي، واشتكوا في رسالتهم من الطريقة العنيفة التي تتم بها عمليات التفتيش وبشكل غير مبرر، ومن خلال الرسالة أبدى المسؤولون عن هذه المساجد انزعاجهم من تزايد عمليات تفتيش الشرطة للمساجد في بروكسل والأسلوب العنيف لرجال الشرطة في التعامل مع الأشخاص داخل المساجد، ومنها دفع الأشخاص بالأيدي في صدورهم، وهي تدل على وجود أحكام مسبقة من شأنها أن تؤذي المشاعر وتهدد المجتمع.
وطالب خطاب إدارات المساجد بضرورة أن تكون عمليات التفتيش بشكل إنساني، خاصة أنهم يبذلون قصارى الجهود لجعل الأمور تسير بصورة طبيعية في إدارة المساجد، كما لمحوا إلى أن المساجد في الغالب تعتمد على أشخاص من كبار السن لتسيير أمور المساجد ويجب مراعاة ذلك أثناء عمليات التفتيش التي تحدث بشكل أسبوعي في بلديات مختلفة ببروكسل.
ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من مغادرة الشيخ العلمي عاموش بلجيكا بالفعل وتوجهه إلى المغرب، وذلك قبل انتهاء المهلة في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، التي حددتها له السلطات البلجيكية لمغادرة البلاد، طواعية بدلا من إجباره على العودة إلى هولندا، التي يحمل جنسيتها بالإضافة إلى الجنسية المغربية. واتهمته السلطات بأنه يدعو في خطبه الدينية إلى الكراهية، وكان لها تأثير على أشخاص تورطوا في أعمال إرهابية.
وكانت السلطات الهولندية قد ذكرت في وقت سابق، أنها ستراقب تحركات الشيخ العلمي في حال عودته. وأكد مكتب وزير شؤون الهجرة واللجوء ثيو فرانكين، أن الشيخ العلمي (أبو حمزة) موجود حاليا في المغرب.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟