الدادائية والسريالية.. حركتان مقتتا المشاعر القومية وخاطبتا البشرية جمعاء

كتاب بريطاني يقارن بين المدرستين العالميتين الشهيرتين

غلاف «الدادائية والسريالية»
غلاف «الدادائية والسريالية»
TT

الدادائية والسريالية.. حركتان مقتتا المشاعر القومية وخاطبتا البشرية جمعاء

غلاف «الدادائية والسريالية»
غلاف «الدادائية والسريالية»

صدر عن مؤسسة «هنداوي للتعليم والثقافة» بالقاهرة كتاب «الدادائية والسريالية» لديفيد هوبكنز، الأستاذ بجامعة غلاسكو المتخصص بتاريخ الفن الحديث. يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول حافلة بتفاصيل الحركتين الفنيتين اللتين أثرتا بنشأة الفن الحديث على الرغم من مناوأتهما للأفكار البرجوازية والتقاليد الفنية الراسخة. يسعى هوبكنز إلى التفريق بين الحركتين الطليعيتين وفك الاشتباك بينهما لأنهما مختلفتان شكلاً ومضمونًا ويمكن وضع الواحدة منهما في مواجهة الأخرى. فالدادائية 1916 - 1921 معنية بفوضى الحياة العصرية، ومحاربة علم الجمال، بينما تتمحور السريالية حول شطحات العقل الباطن وتجلياته اللامنطقية.
يكتظ الفصل الأول بكثير من الآراء والمعلومات التاريخية التي تخص الحركتين الدادائية والسريالية وتتجاوزهما إلى حركات فنية أخرى، مثل التكعيبية والتعبيرية والمستقبلية وسواها من الحركات الطليعية التي هزت المظهر الساكن للرسم التقليدي، وانتقلت إلى بنية الوعي نفسها.
ليس عبثًا أن تُحارب الدادائية الفن بالفن لأن القيم البرجوازية هي التي سببت فظائع الحرب العالمية الأولى وأهوالها. ما تريده الدادائية من الفنانين والأدباء هو أن يتجاوزوا المتعة ويؤثروا في حياة الناس، بل إن السريالية نفسها دعت إلى «تغيير الحياة». لم تظهر الدادائية من فراغ، وإنما جاءت نتيجة لأسباب متعددة من بينها اندلاع الحرب العالمية الأولى، وقيام الثورة الروسية، واكتشافات فرويد وآينشتاين التي غيرت العقل البشري، وظهور أنماط حداثية صادمة شكلت قطيعة مع الماضي مثل رواية «يوليسيس» لجويس و«الأرض اليباب» لإليوت. وقبل ذلك كله الحركات الطليعية الثلاث المُشار إليها سلفا. فتكعيبية بيكاسو وبراك تمثل خروجًا مذهلاً على ثوابت الرسم التقليدي.
يُشكل الشاعر هوغو بال شخصية محورية في الحركة الدادائية، كما يُعتبر «كباريه فولتير» مكانًا مُلهمًا لأعضاء هذه الحركة أبرزهم تريستان تزارا، ومارسيل يانكو، وجان آرب، وريتشارد هولسنبك، وراؤول هاوسمن، وهانز ريشتر حيث قُدم على خشبته برنامج متنوع يجمع بين الأغاني الشعبية، وإلقاء الشعر، والرقص، ورسوم الكولاج الهندسية. وفي الوقت نفسه وصل إلى نيويورك وافدان فرنسيان هما مارسيل دوشامب وفرانسيس بيكابيا اللذان شعرا بأن أميركا ستكون أكثر تقبلاً للأفكار الجديدة، حيث اشترك بمعرض جمعية الفنانين المستقلين بنيويورك في أبريل (نيسان) 1917 بـ«المبْولة»، وهي عمل جاهز وقّعه مازحًا باسم «آر مات» وسماه بـ«النافورة» التي حُملت لاحقًا بكثير من التأويلات.
لم تقتصر الدادائية على زيوريخ، فقد امتدت إلى كولن وباريس ونيويورك. ففي باريس تزعم الحركة أندريه بريتون وتحلق حول دورية «الأدب» مجموعة من الشعراء أمثال أراغون وإيلوار وفيليب سوبو. وعلى الرغم من النبرة السلبية للدادائية الباريسية فإنها عارضت الحكومة اليمينية وشنت حربًا على الخطاب الفني المهترئ.
لعب بريتون دورًا مهمًا في التمهيد للسريالية، وقد انخرط مع أراغون وإيلوار وديسنوس في جلسات تحضير الأرواح، وحاول استكشاف كل ما هو غير عقلاني، وتعرف على نظريات سيغموند فرويد الخاصة باللاوعي، وأكثر من ذلك فقد طور هو وأصدقاؤه تقنيات «الكتابة الآلية» متتبعين فيها نموذج فرويد في «التداعي الحر للمعاني».
جذبت السريالية أول الأمر الشعراء والكُتاب الفرنسيين أمثال رامبو، لوتريامون، وألفريد جاري ثم انضم إليهم الرسامون وفي مقدمتهم «الرسام الحالم» جيورجيو دي شيريكو، وماكس إرنست، وإيف تانجي، ولم يكن السينمائيون التجريبيون بعيدين عن هذه الدائرة وعلى رأسهم بونويل ودالي، ومان راي الذي أمسى المصور الرسمي للحركة.
تعرضت السريالية إلى هزة حينما تخلى عنها أراغون لمصلحة الحزب الشيوعي لكنها استقطبت أناسًا آخرين مثل الرسامة الإنجليزية ليونورا كارينجتون والمصورة الفرنسية كلود كاهون التي أنتجت صورًا تشكك في هُويتها الجنسية. كما أسهم بريتون في توطيد علاقاته الفكرية والفنية بأميركا اللاتينية خاصة والعالم بصورة عامة.
لا بد من الإقرار بأن الدادائية والسريالية هما حركتان عالميتان مقتتا المشاعر القومية وخاطبتا البشرية جمعاء. ثمة نقاط اختلاف بين الحركتين أبرزها أن الدادائيين لا ينتجون أشياء قابلة للبيع، بينما تخصص السرياليان دالي وماغريت في إنتاج أعمال تقليدية جدًا وقابلة للبيع، خصوصا اللوحات المنفذة بالزيت فلا غرابة أن تُوصف السريالية بالرجعية.
يمكن اختصار الفصل الثاني بأنه حوار بين الفن والحياة لكن رائد السريالية بريتون يشدد على ضرورة إعلاء الحياة على الفن بل إن الكُتاب والشعراء المرتبطين بالدادائية والسريالية رفضوا إخضاع التجربة الحياتية للتجربة الفنية، ثمة وصف دقيق لكباريه فولتير، وعروض الحركتين، ودورياتهم المتعددة التي تبنت نشر آرائهم وطروحاتهم الفكرية مثل مجلة «الدادائية» و«الأعمى» و«391» و«الأدب» و«المينوتور»، و«وثائق» و«الثورة السريالية». تنطوي أحداث هذا الفصل على مواقف غرائبية صادمة ففي معرض الدادائية بمدينة كولن في أبريل 1920 اضطر الجمهور إلى دخول المعرض عبر مبْولة بار، ثم ألقت فتاة صغيرة أشعارًا فاضحة، وعُرضت إلى جانب منحوتة ماكس إرنست فأس لتحطيم المنحوتة نفسها!
لعل أهم ما في الفصل الثالث هو تقسيم بريتون للجمال الاختلاجي إلى ثلاثة أنواع وهي «الشبقي المستتر» الذي يمزج بين الثابت والمتحرك، و«الثابت الانفجاري» عندما تترجم الحركة إلى سكون، و«السحري - الظرفي» الذي ينبثق من مواجهة سحرية مع موضوع عجيب ظاهريا. ثمة عودة إلى «نافورة» دوشامب التي تمثل من وجهة نظر هوبكنز شكلاً ثنائي الجنس بسبب انحناءاتها والفجوة القائمة في قاعدتها التي تشي بتحول جنسي لوعاء ذكوري وهو تأويل مقبول جدا. وثمة إشارة مهمة إلى «دولاب الدراجة الهوائية» الذي أنجزه عام 1913.أما عمل «ممرضتي» ليميريت أوبنهايم فهو يخدم الاحتياجات الفتشية، لا الاحتياجات الفنية.
يتمحور الفصل الرابع على سؤال جوهري مفاده: منْ أنا؟ عقلٌ أم روحٌ أم جسد؟ وهي الأسئلة التي تكررت في رواية «ناديا» آخذين بنظر الاعتبار أن الحركتين الدادائية والسريالية مناوئتان للعقيدة الدينية، لأن الطبيعة البشرية يحكمها اللاعقلاني، بحسب تفسير نيتشه، كما أكد فرويد بشكل حاسم على الأساس اللاعقلاني للحافز البشري.
يركز الفصل الخامس على الجنس والعرق والانحيازات السياسية، فناديا كانت مُلهمة بريتون، وجالا زوجة دالي، وجاكلين لامبا زوجة بريتون التي تطلقت لتخوض مسارها الفني الخاص، وحزمة من الفنانات أحببن ماكس إرنست وارتبطن به. أما الجانب العرقي فيتمثل بالفن البدائي الذي حظي بجاذبية كبيرة لدى الفنانين الأوروبيين في بداية القرن العشرين أمثال بيكاسو ويانكو وبعض التعبيريين الألمان الذين نشأ لديهم ولع بالأقنعة الأفريقية.
نشر أراغون قصيدة «الجبهة الحمراء» عام 1932، وكانت تحض العمال على النضال، الأمر الذي دفع السلطات الفرنسية للتهديد بإدانة الشاعر لأنه يحرض على القتل، فانفصل أراغون عن الحزب نهائيًا، وانتقل في عام 1934 من الأدب البروليتاري إلى الواقعية الاشتراكية، ثم عُزلت الجماعة رسميًا عن الحزب. وحينما عاد بريتون إلى باريس عام 1946 اكتشف أن إيلوار وأراغون وتزارا قد أصبحا أبطالاً أدبيين للمقاومة.
يختم هوبكنز كتابة بالفصل السادس والأخير بأن الأدب والفن والسينما والتلفزيون والتصوير الفوتوغرافي قد تأثرت بالحركتين الفنيتين الدادائية والسريالية، فالأولى حاربت الفن بالفن، وحاولت تقويض علم الجمال لأن الفن يوصل رسالة ما ولا يحتاج لمن يفسره لأنه يخاطب الأحاسيس والمشاعر الداخلية. أما السريالية فقد ظلت تراهن على اللاوعي، وتعول على التحليل النفسي، وتناوئ القيم والتقاليد البرجوازية التي جلبت الحروب والمآسي لعالمنا المعاصر.



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.