مثَّلت الكاتبة المغربية ليلى سليماني مفاجأة الموسم الأدبي في فرنسا بعد نيلها جائزة «غونكور»، أرفع جائزة أدبية في فرنسا، في بداية هذا الشهر. ورغم أن وسائل الإعلام الفرنسية قد مهَّدَت بمجموعة لقاءات مع الكاتبة الشابة، فإنه لم يكن من المتوقع أن يتم اختيار روايتها الثانية «أغنية ناعمة» لتنال هذه الجائزة أمام منافسين كثيرين. الكاتبة المغربية من أم فرنسية وأب مغربي هاجرت إلى فرنسا في سن الثامنة عشرة، تنقلت في أكثر من عمل، وأكثر من دراسة، لتستقر في النهاية في مجلة «جون أفريك» محررة، ثم تستقيل للتفرغ لكتابة روايتها، تمامًا كما فعل قبلها الكاتب اللبناني أمين معلوف الذي كان يعمل في المجلة نفسها، ثم استقال ليعتكف ويتفرغ لكتابة روايته الشهيرة «ليون الأفريقي». لكن ما يميز هذه الكاتبة هي جرأتها في قول الأشياء كما هي دون تلميح، ولكن بتصريح وصراحة صادمة. في روايتها الأولى «في حديقة الغول» (التي نالت جائزة المأمونية المغربية للأدب الفرانكوفوني) هزت مشاعر كثير من المغاربة الذين صدمتهم جرأتها كامرأة بالكتابة عن الجنس دون حواجز، مما يذكرنا برواية «برهان العسل» للكاتبة السورية سلوى النعيمي.
روايتها الثانية الفائزة بـ«غونكور» استوحِيَت من قصة حقيقية حصلت في نيويورك في عام 2012، حين قامت مربية لطفلين بقتلهما انتقامًا من الوالدين.
في «أغنية ناعمة» وعلى عكس العنوان الجميل، فإن أحداث الرواية هي درامية وسوداوية وإجرامية. الكلمات المنتقاة تحز كالشفرة في الجلد. فالرواية تبدأ بجملة قاسية «مات الطفل» تذكِّر بجملة ألبير كامو في روايته الغريب «ماتت أمي»، وتستمر في سرد النهاية منذ البداية: «أم تقف في حالة صدمة مروعة أمام طفليها القتيلين، تطلق صرخة تشق الهدوء الذي يلف المكان في ذاك اليوم من شهر مايو (أيار)، وكل من يسمع مثل هكذا صرخة حيوانية يفهم بأن مأساة ما حصلت.. في الغرفة المقابلة جثة ثالثة مسجاة هي جثة المربية المنتحرة».
تعود المؤلفة بعدها إلى البدايات لتشرح النهايات: «الوالدان بول ومريم زوجان يعملان في باريس، مع ولادة ابنتهما مريم، الثانية بعد آدم، وجدت الأم عملًا تساعد فيه زوجها في المصروف على العائلة، ولكن كان لا بد من البحث عن مربية للاعتناء بالطفلين، بعد طول عناء يجد الوالدان لويزا، وهي امرأة في عقدها الخامس التي أظهرت جدية وصرامة في العمل ليس فقط كمربية، ولكن أيضًا كانت تقوم بأعمال أخرى بها ليست مطلوبة منها كترتيب البيت والتنظيف وحتى الطبخ، إلى درجة أن الوالدين وجدا فيها شخصًا لا يمكن الاستغناء عنه. لكن الأمور بدأت تسوء بعد أن اكتشف الزوجان أن لويزا باتت تتصرف بمفردها ودون استشارتهما في كثير من الأمور، مما جعلهما يضعان حدا للتجاوزات ويعاملانها كعاملة لا أكثر دون أن يحسبا حسابًا للعواقب النفسية التي ترتبت على هذا السلوك. وتزداد حدة التوتر بين الطرفين إلى اتخاذ قرار بطرد المربية، لتعود الأم ذاك النهار لتشهد الدراما السوداء في منزلها ولتنتهي سعادة هذه العائلة إلى الأبد».
هناك إجماع من النقاد على أن رواية «أغنية ناعمة» هي من أفضل الأعمال الروائية لهذا العام، من حيث النص الأدبي، وبناء القصة، خصوصًا الحبكة التي تبقي القارئ على أعصابه يتابع الأحداث لاهثًا حتى آخر سطر من النص. أما الأسلوب فقد أجمع روائيون معروفون على أن أسلوب الكاتبة تنفرد به، وأنها موهبة أدبية شابة تعد بمستقبل باهر.
قول الأشياء كما هي بصراحة صادمة
«أغنية ناعمة» لليلى سليماني مفاجأة جائزة «غونكور 2016»
قول الأشياء كما هي بصراحة صادمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة