فك السحر عن العالم... أم عودة الدين إلى الحياة العامة؟

الدين والسياسة عند مارسيل غوشيه

المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)
المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)
TT

فك السحر عن العالم... أم عودة الدين إلى الحياة العامة؟

المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)
المتطرفون استخدموا أسلحة العالم الحديثة للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه («الشرق الأوسط»)

شكلت النظريات الأكاديمية للعلمانية خريطة فكرية للعقل الغربي الحديث، وما زالت تشكل نسقا مهما في علم السياسة وسوسيولوجيا الدين، وعلم الاجتماع السياسي المعاصر. واستطاعت مختلف الأطروحات المقدمة في هذا الإطار، الإبقاء على صلابتها النظرية بفعل كوكبة من الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة الذين نظروا للعلمنة والمسار السياسي للدين في المجتمعات اليوم. ويعتبر مارسيل غوشيه واحدا من أبرز الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين، الذين دافعوا في اتجاه تقوية التنظير المعرفي الإبستمولوجي للعلمنة؛ حيث التحق بنظرية «نزع السحر على العالم»، التي ابتكرها ماكس فييبر، وإن كانت لها أصول في فلسفة نتشه حول الدين.
كانت ازدواجية تخصص الفيلسوف الفرنسي مارسيل غوشيه في الفلسفة والتاريخ، وعمله البحثي مديرا للدراسات بالمدرسة العليا للأبحاث في العلوم الاجتماعية، مركز ريمون آرون للأبحاث السياسية، وراء اهتمامه الشديد بالاعتقادين الديني والسياسي، والعلاقة الرابطة بينهما. ولقد استهل بحثه في هذا المجال بالدفاع عن أطروحة «فك السحر عن العالم: التاريخ السياسي للدين» في كتاب صدر له عام (1985)، وبعده ناقش جدلية «الدين في الديمقراطية» (1998). لينتقل بعد ذلك لمناقشات للنظرية السياسية في مؤلفه «الشرط السياسي» (2005)، وأخيرا «من أجل فلسفة سياسية للتربية» (2013).
ينطلق غوشيه، وهو يناقش الدين في عالم الحداثة، وتشكلها وتأثيرها على مصير وديناميات الدين، من منطلق أساسي يعتبر فيه أن زمن الحداثة الغربية، خصوصا الأوروبية هو زمن الخروج من الدين. غير أن فيلسوفنا الفرنسي المتأثر بالمدرسة البنيوية، يقول إن «هناك أصلاً مسيحيًا للحداثة، ذلك ما أؤمن به حقًّا، لكن الأصل ليس بالضرورة أن يكون المدخل إلى بيان مقترحات الحداثة». ولذلك؛ فإن العلمنة عند غوشيه ليست آيديولوجية ولدت من رحم الحداثة السياسية، وليست تمثلات كوسموبوليتية لفيلسوف معزول عن الواقع الأوروبي وتطور مجتمعاته في زمن صراعات الأصولية، وعودة الدين للفضاء العام الغربي نفسه.

لا قطيعة مع الإيمان
وتبعا لذلك، يرى غوشيه أن أطروحة «نزع السحر على العالم» وتهميش الدين والتحَاكُم للماضي تعني الخروج من الدين. وأن عملية النزع، لا تمثل قطيعة مع الإيمان بالله، و«لا تعني أن الناس باتوا لا يؤمنون بالله.
فهم لم يكونوا أقوياء الإيمان به من قبل في كل الأحوال!... إن إحدى أولى المؤشرات الصارخة على الدخول في الحداثة بصفتها خروجًا من الدين هي الإصلاح البروتستانتي الذي وُلِدَ رد فعل على ما عرف بالإصلاح الكاثوليكي». ففي زمن الإصلاح هذا تراجعت بشكل قوي هيمنة الدين على البناء والتنظيم المجتمعي، وبدأ عصر الفرد باعتباره «بنية جديدة» في المجتمع الغربي الحديث.
ولهذا؛ يدقق غوشيه قصده من فكرة الخروج من الدين بالقول: «هو خروج عن التنظيم الديني للعالم. لهذا السبب لم نفهم المجتمعات القديمة، حيث إنها كانت منظّمة دينيًّا وكانت تحدّد في الوقت نفسه نوع السلطة السائدة فيها، ونوع العلاقة بين الأفراد وشكل المجموعات... هذا البنيان الكامل هو الذي راح يتفكّك شيئا فشيئًا في مجهود استغرق خمسة قرون وصولاً إلى عصرنا. بموازاة الإصلاح الديني، ثمة حدث يبرز على أنه معاصر تمامًا: هو ظهور السياسة الحديثة الذي ولّد على مدى قرن كامل مفهوم الدولة الحديث. يمكنك إذن أن ترى كيف أن مسارًا سياسيا ومسارًا دينيًّا يغيّران معطيات الإيمان بشكل كلي..».
في هذا السياق الخطي للتاريخ، احتلت السياسة الجغرافية التنظيمية، والمعرفية التي كان الدين يسكنها، ويستمد منها قوته في المجال العام، وتشكيل وعي الإنسان. ومن ثم تجدد الوعي الاجتماعي بالتغير الحاصل، ونُزع الطابع اللاهوتي عن مسار التاريخي، ومعه سقط وهم التبعية الدينية. وانتقل الفرد والمجتمع إلى عصر عرف تحولا كبيرا للآيديولوجيا بتعبيراتها الجذرية والمعتدلة، خلال الثلاثين سنة الماضية؛ مما أدى بدوره إلى إدخال الدين في عالم الاستقلالية الديمقراطية المعاصرة.
يمكن القول إذن، إن هذا الواقع هو تعبير عن دينامية فلسفية وتاريخية، انتقل الإنسان من خلالها من عصر التفكك الاجتماعي والفوضى الفكرية إلى عصر الاستقلالية الفردية.
وهكذا نجد أنفسنا في عصر يتجه فيه المعتقد الديني ألا يكون سياسيا، فيما يتجه المعتقد السياسي ألا يكون دينيا؛ وهذا يدخلنا في عصر جديد من تاريخ الإنسانية، يتميز بحسب أطروحة مارسيل غوشيه بأربع خصائص أساسية، يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا: تراجع الدين في تكوين مؤسسات الدولة والمجتمع المعاصر.
ثانيا: خصخصة الدين، واحتلال البعد الفردي للدين مكانة الصدارة، أمام المعتقد الجماعي ودوره في الحياة العامة الأوروبية خاصة.
ثالثا: الفردانية الدينية، حيث أصبح الدين تفسيرا وممارسة، يخضع لنوع من التصور الفردي؛ بعيدا عن مفهوم الجماعة للدين الذي كان سائدا إلى حدود القرن التاسع عشر.
رابعا: الابتعاد عن الممارسة الدينية الكنسية، حيث ظهرت سلوكيات غير مؤسساتية للدين تؤمن بالنسبية الدينية، وتخرق النسق المعرفي الكنسي للدين. ويظهر ذلك في موجة الخروج الكبير عن نمط المنظومة الدينية، باعتبارها نسقا واحدا، وثابتا ولا يتحقق الإيمان إلا بالتبعية الدينية للكنيسة؛ إذ أثبتت الدراسات المتعددة في مختلف الدول الأوروبية، ازديادا مهما في نسبة المتدينين المخالفين للثقافة الدينية والسلوكية للكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية.

الأصوليون.. والعالم
غير أن هذا المسار التاريخي للدين والإيديولوجيات، لا يجب أن يفهم منه انهزام الدين في الواقع المعاصر.
فلا يزال المعتقد الديني يخط مساره دون أن يفقد مكانته الضمنية، في التفاعلات المجتمعية في زمن الحداثة والفردانية المُعلمنة. ومن المؤشرات القوية على ذلك عودة الدين للمجال العام بصيغ مختلفة؛ وكذلك ظهور موجات جديدة من الأصوليات الدينية المركبة، التي تختلف عن الدين التقليدي المعروف تاريخيا، من حيث المنطلقات المعرفية والأهداف السياسية للدين.
وهذا ما يشرحه غوشيه في حوار له مع الباحث ماتيو جيرو بالقولـ«ترى الأصوليين يستخدمون أسلحة العالم الحديث للمحاربة ضد هذا العالم الحديث نفسه.
وعند الاستيلاء على الأسلحة، نستولي كذلك على أنماط التفكير.... الأصوليون يدمّرون التديّن التقليدي الذي يزعمون أنهم يريدون استرجاعه. وهم بالفعل يُنظَر إليهم على هذا النحو. فكل من لديهم إيمان تقليدي حقيقي يكرهون الأصوليين ويعتبرونهم عدميين مجانين».
لكن عودة الدين في مجتمع الفردانية، وفي ظل الواقع المعقد للدولة الحديثة اليوم، يلعب لصالح الأصولية؛ فهذه الأخيرة تتمتع بنوع من الإغراء عند الجيل الجديد من الشباب الذي يعيش نزاعا بين الانتماء للذات الفردية والانتماء للجماعة المفككة بفعل الحداثة والعلمنة. هذا الوضع من الناحية السوسيولوجية يفسر انجذاب الشباب الفرنسي إلى الإرهاب تحت مظلة «داعش» ومقولاته عن «الجهاد» و«الخلافة».
ويقدم غوشيه طرحه التفسيري لهذه الإشكالية، بالانطلاق من وجود إيعاز اجتماعي جديد يدفع الفرد ويخاطبه بأن يكون «فردا».
لكن هناك واقعا أكثر تعقيدا مما نتصوره نظريا، يجعل من خيارات الاستقلالية الفردية عن الجماعة وتحقيق التطلعات أمر صعب؛ وتزداد الأمور صعوبة عن المهاجرين والشباب وغيرهم. «وفي هذا السياق، يمكن للأصولية الدينيّة أن تُغوي. إنها توفّر مدونة معايير يُلتزم بها، وجماعة يُرتبط بها، وتقليدا يُنخرط فيه، إلخ… أضف إلى ذلك، أن هؤلاء الشباب يعتبرون نذر أنفسهم لقضيتهم شيئا نبيلاً. إنهم يشعرون في أعماقهم بأنهم يتحولون إلى أشخاص جديرين بالتقدير، ويصبحون شخصيات معتبرة من خلال إنكار ذواتهم كأفراد وفقًا لمعاييرنا المعتادة».

الإرهاب والشباب
ولهذا؛ يجب التنبيه إلى الحل العملي لظاهرة الإرهاب في وسط الشباب، والذي يكمن في إيجاد سبل لتحقيق الفرد لذاته وسط مجتمع معقد التنظيم ومتعدد التفاعلات. فتحقيق الشباب لذواتهم كأفراد هي مسألة اجتماعية تواجه فرنسا، ولا بد من توفير وسائل تحقيق ذلك للجميع؛ و«هذا منوط بداية بالتفكير المتعمّق حول التعليم. فهذا ما تتوقّف عليه القدرة على الاستقلال الفردية. ولا يمكننا الاكتفاء بتوزيع بعض المال هنا وهناك، من خلال الدولة الاجتماعية، على هؤلاء الشّباب المهمش، ولا مندوحة من إيجاد حل لهذه المشكلة».
عموما يمكن القول إن أطروحة مارسيل غوشيه، تقدم مقاربة تاريخية وفلسفية نظرية لمسار الدين في الاجتماع الإنساني. وهي مقاربة وأطروحة ضمن أطروحات متضاربة، بعضها يعتبر الدين في تراجع مستمر، والبعض الآخر يستند إلى دراسات سوسيولوجية معاصرة تؤكد عودة الدين إلى المجال العام، وأنه أصبح يلعب دورا سياسيا في الدولة الحديثة، وفي العلاقات الدولية المعاصرة.
فعلى خلاف ما يطرحه غوشيه من تحليلات تزعم تراجع الدين في الحياة المعاصرة، يرى عالم الاجتماع الأشهر كليفورد غيرتز وكذلك طلال أسد، أن الدين لا يزال يلعب دورا مهما، من خلال قوة المسيحية المعاصر، سواءً من ناحية الرموز، أم من جهة النسق الاجتماعي والمعرفي الذي لا تزال قادرة على إنتاجه. ذلك أن عقلنة الفعل الاجتماعي، لم تتملص بالكامل من الثقافة الدينية، التي ظلت تسكن ضميره، رغم موجة العلمنة العاتية؛ لأن الدين انساق وراء السياقات القائمة وإعادة تشكيل ذاته.
في هذا السياق، يرى غيرتز أن الدائرة الدينية لها إمكانية تجسيد واقعية تمنحها لها الأنظمة الرمزية الدينية؛ ما يبقي الدين حيا في قضايا المجتمع الأساسية المتعلقة بالحق في الحياة وحقوق الإنسان، والحريات الفردية والعامة؛ وكل ذلك يجعل من الدين قضية سياسية، ومن السياسة تعبيرا عن تمثلات دينية أخلاقية في المجال العام للدولة الغربية المعاصرة.
* أستاذ العلوم السياسية
- جامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.