العنف والعشوائية.. السمة الجديدة لإرهاب المتطرفين

من «القاعدة».. إلى «داعش»

أحد برجي مركز التجارة العالمي اللذين تعرضا لهجوم إرهابي في 11 سبتمبر من عام 2011 (غيتي)
أحد برجي مركز التجارة العالمي اللذين تعرضا لهجوم إرهابي في 11 سبتمبر من عام 2011 (غيتي)
TT

العنف والعشوائية.. السمة الجديدة لإرهاب المتطرفين

أحد برجي مركز التجارة العالمي اللذين تعرضا لهجوم إرهابي في 11 سبتمبر من عام 2011 (غيتي)
أحد برجي مركز التجارة العالمي اللذين تعرضا لهجوم إرهابي في 11 سبتمبر من عام 2011 (غيتي)

باتت العشوائية والدمار لغة العصر، وشمل ذلك الجماعات الإرهابية التي تنحو للتخريب واستهداف الأبرياء ببطش وعنف بعيدًا عن التخطيط المدروس بعناية. ولقد أصبح الهدف المحوري إثارة الرعب وإبادة كل من يعارض فكر التنظيم، وبلغت الوحشية الحد الذي استهدف فيه الإرهاب الأطفال في المدارس، والمصلين في المساجد، والأبرياء في الملاعب الرياضية. ويعكس ذلك استراتيجية عقيمة تحمل جهلاً وقلة اكتراث في انعكاسات ذلك على الرأي العام، كون مثل هذه الهجمات العشوائية ستفضي إلى رفض المجتمعات لمنهجية هذه التنظيمات، التي تتخذ من المجتمع نفسه عدوًا لها.
الهجمات الإرهابية التي شهدناها في الآونة الأخيرة أشبه بأحداث شغب وعمليات قتل انتقامية فردية، تنافي المفهوم التقليدي للإرهاب الذي يستهدف المدنيين بأعداد كبيرة منهم من أجل التأثير على الرأي العام وتحقيق أهداف سياسية أو دينية. ويُلحظ أخيرًا تغير في هذا النمط واستهداف عسكريين بصفة فردية أو قتل عشوائي لأفراد، بما يشكل توجهًا جديدًا أكثر اضطرابًا.
ولقد حرصت التنظيمات المتطرفة الأقدم عهدًا مثل «القاعدة» على شيطنة العدو وتبرير أسباب قتله. وكان هناك نوع من الانتقائية في الهجمات الإرهابية التي تركز على نوعية اختيار الأهداف، مما يعكس استراتيجية معينة بهدف اكتساب عدد أكبر من المناصرين من خلال استهداف «الكفار» عبر هجماتها الإرهابية، والتركيز في رسالتها على مهاجمة الولايات المتحدة الأميركية وكل من يناصرها، وتعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 أبرز مثال وأكبر عملية إرهابية تسببت بإشادة وتعاطف كثير من متابعي الحدث فور حدوثه.
حرص «القاعدة» في الوقت نفسه على كسب الرأي العام عبر إظهار نفسه كأنه أشبه بنسخة متطرفة من شخصية روبن هود نصير المستضعفين، وظهر ذلك جليًا في العراق عبر الحملات الإعلامية التي كانت تبرز ما يقوم به لإعادة بناء العراق ومساعدة أهاليه، وفي الوقت الراهن دوره في اليمن. غير أن التنظيمات المتطرفة الأحدث عهدًا تحوّلت ضاربة باستراتيجيات من سبقها عرض الحائط، إذ جعلت المجتمع بأسره عدوًا لها وضربته بهجمات لتستحيل صورة «نصير المستضعفين» إلى سفاح مختل عقليًا يبطش بالأبرياء.
إنه توجه نحو الأهداف الناعمة والأكثر سهولة دون اكتراث بالأبعاد والنتائج، مما يعكس تغييرًا جذريًا في مفهومي التطرف والإرهاب، وذلك ليس مستغربًا، سواء نتيجة ضعف التنظيمات في الفترة الأخيرة بحكم استهداف المجتمع الدولي للأماكن المحتشدة بالمتطرفين من جهة، والتشديد الأمني ووضع احترازات وقائية في كثير من الأماكن الحيوية والمزدحمة من جهة أخرى.
ومن ثم، فإن الهجمات الضخمة التي تهدف إلى قتل أعداد كبيرة من الأشخاص قد بدأت تتقلص، ليصبح التوجه صوب اختيار أهداف سهلة لا تتطلب مجهودًا كبيرًا في التخطيط، ولا أشخاصًا مدربين متمرسين، مجرد أشخاص من السهل التأثير عليهم عن بعد بتواصل من خلال العالم الإلكتروني وتحفيزهم نفسيًا وآيديولوجيًا، دون الحاجة إلى إعطاء تعليمات مباشرة لتفاصيل الهجمات. ويسهّل ذلك على التنظيمات المتطرفة التنصل من المسؤولية حيال تطرف الآخرين. خصوصًا بعد أن أصبحت مراقبة المشبوهين وتتبع حركاتهم ووسائل تواصلهم أسهل، مما قد يتسبب بالكشف عن خلايا إرهابية تخطط لعمليات إرهابية.
في الآونة الأخيرة يظهر تحفيز لدور «الذئب المنفرد»، وهو شخص واحد فقط يقوم بعملية إرهابية وحده، سواء من خلال تواصل عن بعد مع التنظيمات الإرهابية، أو مجرد تأثر بالرسائل الإعلامية للتنظيمات المتطرفة التي تعطي نصائح أو توجيهات عامة للطرق الأفضل لقتل الآخرين. وكان تنظيم داعش في الآونة الأخيرة قد ركز على حث المتطرفين على استهداف «الكفار»، ومن أشهر تلك التصريحات لقادته «دم الكافر حلال لك، فاستغلّه». وكثف التنظيم من استخدام وسائل الإعلام الإلكترونية التي تصدر بعدة لغات، والتي تعطي تعليمات محددة لطرق الاستهداف العشوائي لأي «كافر» بالطعن، وإعطاء نصائح وتعليمات حيال الأماكن الأكثر فاعلية التي يفترض طعنها في جسد الضحية لقتله، إضافة إلى التحذير من استخدام سكاكين المطبخ لعدم فاعليتها.
وتستهدف هذه النصائح «الذئب المنفرد» الذي يقوم بعمليات إرهابية وحده، سواء متأثرًا بالتنظيم عبر رسالته أو عملياته، أو بالتواصل معهم إلكترونيًا أو عبر أعضاء آخرين، وإن أصبح ذلك أقل كثيرًا بعد تضييق الخناق على المتطرفين. وبشكل عام، فإن التغيير في استراتيجيات الهجمات الإرهابية جعلها تبدو كأنها أعمال شغب أو جرائم لا تمت للإرهاب بصلة، بل تختلف جذريًا في الهجمات الإرهابية. الأمر الذي حدا بالسلطات الأمنية الأميركية وقت وقوع حادثة ولاية مينيسوتا، بالتصريح بأنها غير واثقة من ارتباط الحادثة بجماعة إرهابية. ويومذاك أقدم متطرف على طعن 8 أشخاص في مركز تجاري مما تسبب بإصابتهم بجروح. ولم يتأخر «داعش» في تبني هذا الهجوم الغريب الذي يبدو أشبه بعملية إجرامية بعيدًا عن الإرهاب.
أيضًا تبتعد العمليات الإرهابية التي شهدناها أخيرًا عما كان مألوفًا في الهجمات الإرهابية ذات الخطط المدروسة، وتميل بشكل أكبر نحو تكثيف الهجمات العنيفة العشوائية غير المدروسة، بما هو أشبه بهجوم شخص مختل غير سوي، كعملية الدهس باستخدام شاحنة في مدينة نيس بجنوب فرنسا، التي أدت إلى مقتل 84 شخصًا وإصابة الحشود بحالة هلع وفوضى. في حين تنحو عمليات أخرى نحو استهداف أشخاص معينين بأعداد قليلة، وهذا أيضًا توجه غير معتاد، كما حدث باستهداف مطبوعة «شارلي إيبدو» الفرنسية. وفي هذه الحادثة، ما كان هناك تصور لنفس الحدث في مكان آخر، يظهر اقتحام أشخاص مقنعين كأنه عملية سطو مسلح لبنك مصرفي، باستثناء أن حاملي الأسلحة ينتمون لـ«داعش»، يهدفون بإطلاقهم الرصاص على 12 ضحية في المطبوعة الانتقام للإسلام بطرقهم المتطرفة. وكما نذكر، تسببت حادثة «شارلي إيبدو» بأقوى حملات ضد الإرهاب وأوسع تضامن دولي مع ضحايا الإرهاب. وقد تكون هذه الحملات هي الأقوى على الصعيد العالمي من بعد حملات التضامن مع ضحايا الحادي عشر من سبتمبر.
أيضًا توجهت التنظيمات الإرهابية أخيرًا نحو التركيز على أهداف ناعمة جديدة، فبجانب استهداف السياح في أوروبا.. هناك استهداف للمنشآت الرياضية، والأطفال والمصلين، واستهداف فردي لرجال الأمن.
استهداف المنشآت الرياضية يشكل ابتعادًا أكبر عن نمطية الأهداف، وقد يكون ذلك في محاولة لإيجاد أماكن مستهدفة جديدة باحترازات أمنية قليلة، كما حدث في محاولة تفجير ملعب الجوهرة بمدينة جدة أثناء مباراة بين منتخبي المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، باستخدام سيارة مفخخة في مواقف الملعب. وبما أن الملعب يتسع لما يصل إلى 60 ألف متفرج كان مخططًا للعملية الإرهابية التسبب بكارثة إنسانية. وهذا الاستهداف للأنشطة الرياضية ظهر على الصعيد الدولي، فبعد استهداف أحد أكبر ملاعب العاصمة الفرنسية باريس، وجهت السلطات الأميركية تحذيرًا لوجود تهديدات من قبل إرهابيين متأثرين بتنظيم داعش، يستهدفون الملاعب الرياضية في الولايات المتحدة. وعلى أثر ذلك تم تكثيف الاحترازات الأمنية إبان اقتراب الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية في سبتمبر 2016.
كذلك بات الاستهداف الفردي لرجال الأمن جزءًا من توجيهات «داعش»، إضافة إلى توجيه التنظيم المتطرف أعضاءه بقتل الأقارب المنتمين إلى السلك العسكري، وذلك قبل الانضمام إلى صفوف التنظيم المتطرف في مناطق الصراع. ولقد اكتشف عدد من الخلايا تنتمي لتنظيمات مختلفة في السعودية تستهدف رجال الأمن. والملاحظ عدم التركيز على شخصيات عالية الرتب، بل على أي رجل أمن لمجرد ارتدائه الزي العسكري.
إذ كشفت السلطات السعودية خلية إرهابية تتخذ من محافظة شقراء منطلقًا لأنشطتها التي تترصد رجال الأمن في كل من الرياض وتبوك والمنطقة الشرقية وتقوم بإرسال معلوماتهم بالتواصل مع تنظيم داعش في سوريا بهدف اغتيالهم، كما تعرضت إحدى دوريات الأمن التابعة لشرطة الدلم في محافظة الخرج للتفجير بعبوة ناسفة، فيما تعرضت دوريتان أخريان لتلفيات أخرى. ومن جهة أخرى، كثفت خلية إرهابية في بلدة العوامية في محافظة القطيف هجماتها على رجال الأمن، وإلى جانب عمليات السطو المسلح وأعمال الشغب والتخريب، تكررت عملية إطلاق النار على رجال الأمن واستهداف مواقع الدوريات الأمنية، وقد تم اكتشاف مصنع تجهيز قنابل المولوتوف بغرض التعرض لمسؤولي الأمن تحديدًا.
وأخيرًا، يبقى الأمر الذي يصعب استيعابه وتفهمه هو التوجه نحو قتل الأطفال والمصلين بتجرد تام من التعاطف معهم. وهنا يعتبر تنظيم بوكو حرام، الناشط في غرب أفريقيا الأشرس في تركيزه على الأطفال والمؤسسات التعليمية. وتعد عملية الاختطاف الأشهر للتنظيم هي تلك التي نفذها بتاريخ 14 أبريل (نيسان) 2014، عندما خطف ما يزيد على 200 طالبة نيجيرية تتراوح أعمارهن بين 12 و17 سنة، وتعرضن للسبي والزواج بالإكراه. كذلك أقدم على إحراق عدد كبير من المدارس النيجيرية، مما أدى إلى إغلاق عدد كبير من المؤسسات التعليمية وحرمان ما يزيد على مليون طفل نيجيري من ارتياد المدارس، وذلك حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف). كذلك، هذا التوجّه الشرس لم يضع حسبانًا للأماكن المقدسة وأماكن التعبد. والأمر الذي يعد غريبًا أن بعض هذه الجماعات التي تبرّر جرائمها بما تزعم أنه «تعاليم الإسلام الصحيح» لم تتردد بمهاجمة الأماكن المقدسة كما حدث قرب الحرم النبوي، أو المساجد مثل مسجد أبها لقوات الطوارئ، ومسجد القديح أثناء صلاة الجمعة ومسجد العنود في المنطقة الشرقية، ومسجد المشهد في نجران.
نحن الآن نلاحظ أن التطرف الإرهابي تحت رايات الدين المزعومة لا يكترث بسفك دماء مسلمين قرر المتطرفون تكفيرهم، كونهم لم ينضموا معهم، أو لم يؤمنوا بمفاهيمهم التي تكفّر وتقتل كل من يخالفها. إلا أن مراقبين يرون في الاستهداف العشوائي مؤشرات على ضعف هذه التنظيمات المتطرفة، سواء على صعيد استراتيجياتها بشكل عام أو على صعيد التخطيط للهجمات. وقد يعود السبب في ذلك إلى ضعف الإمكانيات الكمية والنوعية في الآونة الأخيرة، مما أجبرها على شن هجمات فردية أقرب إلى أعمال شغب وممارسات إجرامية عادية منها إلى «حرب» إرهابية ذات منظور استراتيجي.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».