مودي يتوج 25 سنة من العلاقات مع إسرائيل بزيارة تاريخية

الهند أصبحت خلالها أكبر عميل دفاعي لتل أبيب وأكبر شريك تجاري لها في آسيا بعد الصين

ناريندرا مودي مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال زيارة الأخير لنيودلهي في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
ناريندرا مودي مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال زيارة الأخير لنيودلهي في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

مودي يتوج 25 سنة من العلاقات مع إسرائيل بزيارة تاريخية

ناريندرا مودي مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال زيارة الأخير لنيودلهي في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)
ناريندرا مودي مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين خلال زيارة الأخير لنيودلهي في نوفمبر الماضي (أ.ف.ب)

بزيارته المتوقعة في أوائل 2017 للاحتفال بمرور 25 عاما على العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل، فإن ناريندرا مودي سوف يكون أول رئيس وزراء هندي يزور إسرائيل.
زيارة الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين الأخيرة والتي استمرت 8 أيام إلى الهند، ورغم أهميتها على صعيد العلاقات بين البلدين، فإنها قد فقدت زخمها الإعلامي بسبب الانتخابات الرئاسية الأميركية وأزمة العملة المحلية.
ربطت مودي علاقات طويلة مع الحكومة الإسرائيلية، حيث زار إسرائيل عندما كان رئيسا لوزراء ولاية غوجارات الهندية في عام 2006. ولما تولى رئاسة وزراء البلاد التقى مع نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة في دورتها السنوية التي عقدت العام الماضي.

الرفض الهندي لإسرائيل
عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الهندية الإسرائيلية، من الصعب تماما تجاهل القضية الفلسطينية. ولقد بدأ التضامن الهندي مع الشعب الفلسطيني منذ عهد الراحل نهرو. ولقد أدى قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر (تشرين الثاني)، إلى نشوب الصراع غير المنتهي في منطقة غرب آسيا. وصوتت الهند، ضد قرار تقسيم فلسطين، والذي مهد الطريق لإنشاء دولة إسرائيل.
الهند رفضت إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل لأكثر من أربعة عقود حتى عام 1992. وعلى الرغم من التحول في الموقف لرئيس الوزراء الهندي بي في ناراسيمها راو، فإن الهند ظلت في طليعة الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، حتى بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة على مستوى السفراء مع تل أبيب. وفي الواقع، رفض أتال بيهاري فاجبايي رئيس وزراء الهند، وزعيم حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم وقتذاك، الطلب الإسرائيلي بأن تدرج الهند منظمة حماس على قائمة المنظمات الإرهابية. ولكن، تغير الأمر برمته في عام 2014 بعد تولي حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الحكم في الهند تحت قيادة ناريندرا مودي.

التواصل الهندي مع فلسطين
تواصلت الهند مع فلسطين بقوة قبل زيارة الرئيس ريفلين، كما أكد كبار المسؤولين الهنود لمراسلة صحيفة «الشرق الأوسط». وفي 31 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، التقى عمار سينها، المسؤول في وزارة الخارجية الهندية مع السفير الفلسطيني في دلهي، عدنان أبو الهيجا، ووقعا على مذكرة تفاهم بشأن الالتزام بسداد 12 مليون دولار لإنشاء حديقة تكنولوجيا المعلومات في مدينة رام الله.
وبعد أسبوع واحد فقط، عبَر إم جيه أكبر، وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية إلى داخل الأراضي الفلسطينية، لعقد سلسلة من الاجتماعات بما في ذلك تدشين الآلية السنوية لمناقشات السياسة الخارجية في إطار لجنة هندية فلسطينية مشتركة. ولقد ترأس أكبر، مشاركا، أول اجتماعات اللجنة المشتركة في رام الله برفقة وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في 8 نوفمبر، ثم التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وكان الهدف من وراء الاتفاق والزيارة هو تهدئة المشاعر الفلسطينية قبيل زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى نيودلهي، والتصويت الأخير المثير للجدل من جانب نيودلهي في اليونيسكو، على حد وصف كبار المسؤولين.
ويقول المحلل سوكومار موراليدهاران، الذي طالما غطى العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية الهندية، إن امتناع الهند عن التصويت إلى جانب قرار ينتقد أعمال إسرائيل في القدس في منظمة اليونيسكو قبل زيارة ريفلين، كان من الممكن أن يعطي نتائج عكسية ويصعب مهمة نيودلهي مع تل أبيب. ولهذا فقد امتنعت الهند عن التصويت.

التغيير في أبعاد العلاقات الهندية الإسرائيلية
بدأت العلاقات الهندية الإسرائيلية تشهد قدرا من التعزيز بشكل رسمي، عندما واصلت إسرائيل، بخلاف دول أخرى، بيع الأسلحة إلى الهند. وقلصت الدول الكبرى الأخرى من تصدير التكنولوجيا المتقدمة إلى الهند ردا على التجارب النووية الهندية التي أجريت في عام 1998. كما ساعدت إسرائيل الهند أيضا من خلال العرض الفوري من الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، والقذائف، وغير ذلك من الأسلحة بين عشية وضحاها، عندما غزت باكستان الأراضي الهندية خلال حرب كارجيل في عام 1999.
يقول راتان سينغ غيل، الصحافي الهندي المتخصص في قضايا الدفاع: «اليوم، تتعاون كل من الهند وإسرائيل من خلال جهاز الاستخبارات الخارجية الهندي مع جهاز الموساد الإسرائيلي. واليوم أيضا، تعتبر إسرائيل ثالث أكبر مورد دفاعي لدى الهند، بعد روسيا والولايات المتحدة. وخلال العقد الماضي وحده، ابتاعت الهند معدات دفاعية من إسرائيل بقيمة 12 مليار دولار، ما يجعل من الهند أكبر عميل دفاعي لدى إسرائيل».
وفي الأثناء ذاتها، ارتفعت التجارة بين البلدين من 200 مليون دولار فقط في عام 1992 إلى أكثر من 5 مليار دولار في عام 2015، حيث أصبحت الهند أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا بعد الصين. واليوم، تتفاوض الدولتان بشأن اتفاقية التجارة الحرة، وتتعاون الدولتان الآن في مجالات الأبحاث، والتطوير، والتكنولوجيا، والتعليم، والزراعة، والسياحة بكل تأكيد.

هدوء اللهجة الهندية تجاه إسرائيل
يبدو أن الأمور تتغير الآن. ففي وقت سابق، حاول القادة الهنود المحافظة على سرية العلاقات مع إسرائيل قدر الإمكان. ولقد كانت العلاقات الدبلوماسية، والاتفاقيات الاقتصادية، والروابط الدفاعية مع إسرائيل تتم طي الكتمان والسرية. وبمرور السنين، خففت الحكومات الهندية المتعاقبة من حدة لهجتها حيال المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين. والآن، تفضل الهند علاقات أقرب مع إسرائيل، وليست هناك ذرة من الشك في ذلك. ولم تعد الهند تقدم مشروعات القرارات المعادية لإسرائيل في الأمم المتحدة، ولقد اتخذت محاولات جادة لتلطيف قرارات حركة عدم الانحياز ضد إسرائيل.
وأحد أبرز التعبيرات العلنية التي تعكس تحسن العلاقات بين الهند وإسرائيل، كان القرار الصادر في يوليو (تموز) من عام 2015 بشأن الامتناع عن التصويت ضد إسرائيل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي أنحى باللائمة على إسرائيل بشأن «جرائم الحرب» التي من المفترض أن تكون ارتكبتها خلال عملية الجرف الصامد في قطاع غزة، ولقد سعدت تل أبيب بذلك الموقف أيما سعادة.
ويقول سينغ: «في الآونة الأخيرة، كان من شأن الامتناع الهندي عن التصويت على قرار في منظمة اليونيسكو مؤيد لفلسطين ويتعلق بالمباني الإسرائيلية داخل مدينة القدس المسورة في أواخر أكتوبر الماضي، قبيل زيارة الرئيس الإسرائيلي للهند، أن يعقد من جهود نيودلهي. ولذا، ينبغي على الهند حسن التعامل مع إسرائيل من دون تجاهل المشاعر العربية حيالها».
لقد وجدت إسرائيل، في نهاية المطاف، في حكومة مودي شريكا يمكنها التعامل معه من دون أي ذرائع. وكان من السمات المميزة لسياسة مودي الخارجية تأكيد الثقة بالنفس حيال المصالح الهندية.
ويتحدث كثيرون في الهند عن ضرورة أن تتخذ بلادهم مواقف صارمة مثل إسرائيل، عندما يتعلق الأمر بالإرهاب العابر للحدود. ولقد أشار مودي بنفسه إلى إسرائيل في خطابه الذي أعقب الضربات العسكرية الهندية الأخيرة ضد باكستان في أعقاب الهجوم الإرهابي على معسكر الجيش الهندي، إذ قال: «يتحدث الناس في هذه الأيام وفي طول البلاد وعرضها عن شجاعة وبسالة جيشنا الوطني. ولقد كنا نسمع في وقت سابق أن إسرائيل قد فعلت ذلك. ولقد رأت الأمة أن الجيش الهندي ليس أقل من أي جيش آخر في العالم».
ماني شانكار أيار، عضو البرلمان الهندي عن حزب المؤتمر، قال منتقدا حكومة مودي وافتتانها بإسرائيل: «مودي يعشق الجانب العسكري في شخصية إسرائيل، وكذلك العداء الإسرائيلي للمسلمين. إنه ضرب عرض الحائط بما تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين العزل لعشرات السنين. إن تصريحات مودي تعكس رغبة جانحة لديه في أن يمارس تجاه باكستان ما تقوم به إسرائيل تجاه الفلسطينيين».

الهند تتبنى سياسة الفعل المتوازن في غرب آسيا
ويعتمد صناع السياسة الخارجية الهندية سياسة مستقلة عندما يتعلق الأمر بموازنة العلاقات مع الدول العربية وإسرائيل. ولقد حافظت الهند على علاقات جيدة مع دول الخليج العربي كافة.
ومودي، الذي تجنب زيارة أي بلد في غرب آسيا خلال العام الأول من توليه منصبه رئيسا لوزراء البلاد، قام بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر، والمملكة العربية السعودية، وإيران منذ أغسطس (آب) عام 2015. وفي سبتمبر (أيلول) من نفس العام، قام الرئيس الهندي براناب مخرجي بزيارة إسرائيل، ولكنه زار أيضا الأراضي الفلسطينية والمملكة الأردنية، التي تحتوي على أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في العالم. كما استضافت الدولة الهندية أيضا الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي - الهندي.
وكانت الأسباب الواضحة وراء ذلك تشير إلى الدعم الهندي التاريخي للقضية الفلسطينية، وحساسية نيودلهي العالية حيال دول الخليج العربي، وحقيقة أن ملايين المواطنين الهنود يعملون في المنطقة العربية ويرسلون مليارات الدولارات على شكل تحويلات نقدية، التي تعتبر الهند في أمسّ الحاجة لها.
ولكن على مر السنين، ومع كثير من الدول العربية التي تعمل بشكل مباشر وعلني، وسري ومتحفظ في كثير من الأحيان مع دولة إسرائيل، فإن مثل هذا القلق لم يعد له أساس يذكر.
الجنرال المتقاعد هارشا كاكا يقول: «الصعوبة الكبرى بالنسبة للهند هي إيجاد توازن حذر في علاقاتها المتشابكة، بين عدد من الدول على رأسها إيران وإسرائيل وأفغانستان ودول وسط آسيا». مضيفا أن «الهند تمكنت بقدرات عالية وبنجاح من المحافظة على هذا الميزان السياسي الدقيق».



لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.