حلب: النزوح الكبير من المناطق الشرقية.. واعتقالات وسط استمرار القصف والمعارك

موسكو تعلن إرسال 200 عسكري و47 آلية عسكرية إلى المدينة

نازحون من الأحياء الشرقية لحلب هربوا أول من أمس من قصف الطيران العنيف فوق رؤوسهم  (إ.ب.أ)
نازحون من الأحياء الشرقية لحلب هربوا أول من أمس من قصف الطيران العنيف فوق رؤوسهم (إ.ب.أ)
TT

حلب: النزوح الكبير من المناطق الشرقية.. واعتقالات وسط استمرار القصف والمعارك

نازحون من الأحياء الشرقية لحلب هربوا أول من أمس من قصف الطيران العنيف فوق رؤوسهم  (إ.ب.أ)
نازحون من الأحياء الشرقية لحلب هربوا أول من أمس من قصف الطيران العنيف فوق رؤوسهم (إ.ب.أ)

«الجثث في الشوارع حتى هذه اللحظة.. الجرحى في كل مكان والجوع يفتك بمن تبقى من المدنيين. لا أعلم إن كانت كلمة (كارثة إنسانية) كافية لتعبر عن وضع المدينة، لكن الواقع حقيقة أكبر بكثير من أن يوصف بكلمات»، هكذا يختصر الناشط البارز في المعارضة السورية هادي العبد الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» الأوضاع في الأحياء الشرقية لمدينة حلب الواقعة شمال سوريا بعد نحو خمسة أيام من هجوم كبير شنته قوات النظام السوري وحلفائه، تمكنت خلاله من التقدم في المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ عام 2012.
ويؤكد العبد الله تمسك الفصائل حتى الساعة بالقتال، إلا أنه يشدد على أن «كل الخيارات تبقى مفتوحة» لجهة إمكانية القبول بالانسحاب في فترة لاحقة أو المضي بالمواجهة، موضحا أن «تراجع المعارضة في المدينة له عدة أسباب، أبرزها القصف الجنوني غير المسبوق، ضرب المشافي وإخراجها عن الخدمة وعدم التمكن من إخراج الجرحى للعلاج، وهو ما أدى إلى انهيار معنويات المقاتلين والمدنيين على حد سواء، وأدى بطبيعة الحال للانسحاب من بعض الأحياء». وأضاف: «أما الحديث عن سقوط المدينة عسكريا فليس في مكانه على الإطلاق، باعتبار أن النظام لا يسيطر على أكثر من 18 في المائة من حلب، ريفا ومدينة».
ويشير عبد الباسط إبراهيم، مدير «صحة حلب» التابعة للمعارضة السورية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الوضع في المدينة يتجه من سيئ إلى أسوأ»، لافتا إلى أن «الجرحى يموتون في الشوارع لعدم قدرتنا على إسعافهم». ويضيف: «مجزرة جب القبة خير دليل. أكثر من 50 شهيدا مدنيا من نساء وأطفال قتلوا بمكان واحد. الأرقام لم تعد بأهمية الحدث باعتبار أن ما نشهده عملية إبادة، حيث يتم اتباع سياسة الأرض المحروقة».
من جهتها، أعلنت موسكو يوم أمس أن النظام السوري بدعم «القوات الرديفة»، تمكن من استعادة السيطرة على 16 من أحياء حلب الشرقية، يسكنها نحو 90 ألف مدني. وقال الفريق سيرغي رودسكوي، رئيس المديرية العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية، إن «أكثر من 18 ألف مدني تمكنوا من مغادرة أحياء حلب الخاضعة لسيطرة الإرهابيين»، مشيرا إلى أن «647 مقاتلا غادروا خلال الأيام الأخيرة شرق حلب، وأن 630 منهم أطلقوا حسب العفو الرئاسي». ولفت ما أدلى به رودسكوي، عن إرسال أكثر من مائتي عسكري و47 آلية عسكرية لإزالة الألغام في المدينة، مؤكدا أن طائرات القوات الجوية الفضائية الروسية لم تحلق فوق منطقة حلب نهائيا خلال الـ44 يوما الماضية.
وتفاقمت مأساة أهالي الأحياء الشرقية الذين يعيشون وسط انقطاع شبه تام للكهرباء والإنترنت وتحت الحصار والقصف، مع الإعلان عن فقدان مئات الشبان الذين فروا بعد دخول قوات النظام وحلفائها إلى مناطق كانت خاضعة لسيطرة المعارضة. وفي هذا السياق، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن النظام اعتقل مئات من الأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شرق حلب في الأيام القليلة الماضية، بسبب هجوم شرس يستهدف استعادة المدينة بالكامل. وقال المرصد إن النظام السوري احتجز واستجوب مئات من الأشخاص، لافتا إلى أن أكثر من 300 شخص في عداد المفقودين حاليا.
من جهتها، نقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن مدنيين في حلب «قلقهم الشديد على مصير نحو 500 رجل اختطفوا على يد قوات موالية للأسد، بعدما استطاعت السيطرة على ثلثي المدينة التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية». وأشارت الصحيفة إلى أن «3 عائلات أكد أفرادها أنّهم لم يسمعوا أي خبر عن أقربائهم الذين اعتقلوا في حي مساكن هنانو الأحد»، وقال أحد الرجال الذين فروا من الحي هنانو إن الميليشيات اختطفت ابن أخيه (22 عاما) وعمه (60 عاما)، مضيفًا أنه لا يعلم إن كان سيراهم مجددًا أم لا. بدورها تحدثت الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن «عدد كبير من الأهالي لم يتمكَّن من الهرب، حيث تم اعتقاله من قبل قوات النظام وحلفائه من الميليشيات الشيعية»، لافتة إلى أن «مصير أغلبهم مجهول، والتحريات لا تزال جارية لجمع مزيد من الأدلة». وطالبت الشبكة، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الأممي إلى سوريا، ومجلس الأمن، بلعب دور حيوي للكشف عن مصيرهم، وضمان الحصول على حريَّتهم، وتجنيبهم ردَّات الفعل الانتقامية الوحشية، منعًا لتكرار مأساة حي بابا عمرو في حمص.
إلا أن مصدرا عسكريا سوريا نفى في تصريح لوكالة «رويترز» إلقاء القبض على أي شخص، وقال: «لم يتم أبدا اعتقال أي أحد.. هذا كلام غير صحيح، هي محاولة من قبل المسلحين لتخويف الموجود ضمن الأحياء الشرقية من الخروج ليس أكثر من ذلك».
واستمر يوم أمس الأربعاء نزوح آلاف المدنيين من الأحياء الشرقية باتجاه الأحياء الغربية التي يسيطر عليها النظام كما باتجاه حي الشيخ مقصود الواقع تحت سيطرة المقاتلين الأكراد. وبث ناشطون فيديوهات تُظهر المئات من أهالي حلب مشردين في الشوارع وعلى الطرقات يحملون أمتعتهم ويسيرون أو يفترشون الأرض.
وفيما تحدث المرصد السوري عن أكثر من خمسين ألف شخص نزحوا من الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في شرق حلب خلال الأيام الأربعة الأخيرة، قال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بافل كشيشيك، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «هؤلاء الذين يفرون هم في وضع يائس. كثيرون منهم فقدوا كل شيء ووصلوا من دون أي حقائب. إنه لأمر محزن جدا». وأشار إلى أن أولويتهم حاليا هي مساعدة هؤلاء الأشخاص بأسرع ما يمكن. وقال مصور الوكالة في حلب، إن عائلات بأكملها وصلت إلى حي جبل بدرو الذي استعادت قوات النظام السيطرة عليه الأحد، وانتظرت في ظل درجات حرارة منخفضة وصول حافلات نقلتهم إلى الأحياء الغربية. وظهر في الصور التي التقطها عدد كبير من الأطفال ورجال ونساء متقدمون في السن، بعضهم يجرهم أقارب لهم على كراسي متحركة أو يحملونهم على حمالات.
وأعلنت هيئة الدفاع المدني في حلب، يوم أمس، أن ما يقرب من 45 مدنيا لقوا حتفهم بعد أن حاولوا الفرار من الأحياء الشرقية للمدينة، وقال عبد الرحمن حسن، وهو عضو في جماعة «الخوذ البيضاء» لأعمال الإنقاذ، إن «السكان المدنيين الذين كانوا يحاولون الفرار من منطقة جب القبة في حلب الشرقية استهدفهم قصف مدفعي مكثف من جانب النظام». وأظهرت صور التقطها أعضاء بجماعة الخوذ البيضاء جثث الضحايا، ومعظمها لنساء وأطفال، وقد غطتها الدماء.
من جهته، أفاد المرصد بمقتل 21 مدنيا بينهم طفلان في قصف مدفعي لقوات النظام السوري استهدف الأحياء الشرقية لحلب، في حين أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية بمقتل ثمانية أشخاص بينهم طفلان في الأحياء الغربية. وأشار المرصد إلى إصابة العشرات في القصف المدفعي الذي استهدف حي جب القبة الذي يقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في شرق حلب. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، إن القصف كان «كثيفا»، لافتا إلى أن كثيرا من الأشخاص لا يزالون عالقين تحت أنقاض المباني المنهارة.
ميدانيا، قال مسؤول بالمعارضة السورية المسلحة، إن جماعات المعارضة صدت قوات النظام السوري وحلفاءها من حي الشيخ سعيد بأكمله في جنوب شرقي حلب، وذلك بعدما قال مصدر عسكري سوري إن قوات النظام سيطرت على الحي.
ونفى زكريا ملاحفجي، رئيس المكتب السياسي لتجمع «فاستقم كما أمرت» الذي ينشط في حلب، ذلك، وقال إن الفصائل تسيطر على المنطقة، لكن الاشتباكات مستمرة.



تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
TT

تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)

أصدرت الدول العربية المجتمعة في مدينة في الأردن، اليوم السبت، بيانها الختامي الذي أكدت فيه دعمها لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية.

وقال البيان بعد اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا التي تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية الإمارات، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، وذلك ضمن اجتماعات العقبة حول سوريا: «أكد المجتمعون الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته».

وأضاف: «ندعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبمن فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته».

كما دعا البيان إلى «تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يُقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار».

وأكد البيان على «دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا؛ لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها، ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254».

وشدد على أن «هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية؛ لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات».

إلى ذلك طالب البيان بـ«ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية»، وأكد «ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

ودعا إلى «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية».

وحث على «الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة».

أيضاً، أكد البيان «التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها. وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الشعب السوري، بما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

وتطرق إلى العمل على «تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

كذلك، أدان البيان توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالاً غاشماً وخرقاً للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في عام 1974، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما أدان الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى في سوريا، وأكد أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وأوضح أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.