عراقيل أمام وعد ترامب بإعادة اعتماد التعذيب بطريقة «الإيهام بالغرق»

أوباما حظر وسائل التحقيق القاسية ومنع «سي آي إيه» من إدارة سجون سرية

الرئيس المنتخب دونالد يستطيع إصدار أمر لوزارة الدفاع بمراجعة دليل ميدان الجيش بحيث يسمح باستخدام أساليب أكثر قسوة (نيويورك تايمز)
الرئيس المنتخب دونالد يستطيع إصدار أمر لوزارة الدفاع بمراجعة دليل ميدان الجيش بحيث يسمح باستخدام أساليب أكثر قسوة (نيويورك تايمز)
TT

عراقيل أمام وعد ترامب بإعادة اعتماد التعذيب بطريقة «الإيهام بالغرق»

الرئيس المنتخب دونالد يستطيع إصدار أمر لوزارة الدفاع بمراجعة دليل ميدان الجيش بحيث يسمح باستخدام أساليب أكثر قسوة (نيويورك تايمز)
الرئيس المنتخب دونالد يستطيع إصدار أمر لوزارة الدفاع بمراجعة دليل ميدان الجيش بحيث يسمح باستخدام أساليب أكثر قسوة (نيويورك تايمز)

خلال الأشهر القليلة الأولى من رئاسة دونالد ترامب، إذا استرشدنا بما يحدث مؤخرًا، سوف يلتقي مسؤولو الاستخبارات لمناقشة أمر مشتبه في كونه إرهابيًا يقيم في الخارج. ومن المحتمل أن يصبح هذا المشتبه فيه هو الهدف التالي لقوة الطائرات التي تعمل من دون طيار، والتي لم تعد سرًا. وقد يرى مستشارو ترامب أنه من الأفضل محاولة إلقاء القبض عليه.
خلال فترة حكم إدارة أوباما كان مسؤولو الأمن يلتزمون بنص مألوف عند إلقاء القبض على أحدهم؛ فقد كانوا يطلبون من دولة حليفة إجراء تحقيق معه، أو بدلاً من ذلك يستجوبون المشتبه فيه على متن سفينة حربية أميركية باستخدام أساليب التحقيق العسكرية، ثم يسلمونه إلى وزارة العدل من أجل محاكمته في محكمة مدنية داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وعد ترامب في حملته الانتخابية بالعودة إلى استخدام طريقة «الإيهام بالغرق»، والتي كان المحققون في وكالة الاستخبارات المركزية يستخدمونها قبل حظرها، وكذلك وعد بالسماح بممارسات غير محددة وصفها بأنها «أساليب أسوأ كثيرًا».
وقال الرئيس المنتخب خلال مقابلة أجريت الأسبوع الماضي إنه سمع نقاشات تشير إلى أن التعذيب لم يكن فعالاً، رغم أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان يعتزم التراجع عن موقفه أم لا.
إذا عزم أمره على تنفيذ وعوده التي قطعها خلال حملته الانتخابية، فلن يكون ذلك بالأمر السهل؛ حيث سيعترض طريقه القانون الفيدرالي، والضغوط الدولية، ومقاومة الاستخبارات المركزية. وحتى إذا تخطى تلك العقبات، فسيجد ما خلفته معاملة السلطات الأميركية السيئة للمعتقلين من أثر سلبي سيجعل من الصعب على المحامين في إدارة ترامب تبرير استئناف استخدام تلك الأساليب.
الجدير بالذكر أن العشرات من السجناء عانوا من مشكلات نفسية مستمرة بعد تعرضهم للتعذيب، وغيرها من وسائل التحقيق الوحشية في سجون الاستخبارات المركزية الأميركية السرية، أو في مراكز الاعتقال العسكرية في خليج غوانتانامو بكوبا بحسب ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز». عندما تم التصريح بممارسة «الإيهام بالغرق»، والإغراق بالماء البارد، والحرمان من النوم، وغيرها من الأساليب منذ عقد، كان الأساس الذي استند إليه محامو الحكومة هو أن ذلك الأمر لن يلحق ضررًا مستدامًا بالمعتقلين، وهو ما كان من العوامل الرئيسية التي تحول دون تصنيف تلك الأساليب بأنها تعذيب.
سيكون من الصعب الدفع بهذا الطرح حاليًا، بحسب محامين ومسؤولين سابقين في الاستخبارات، ومسؤولين آخرين في الحكومة. قال دانييل جونز، محلل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، والمؤلف الرئيسي لتقرير مجلس الشيوخ عام 2014، الذي أدان ما يسمى بأساليب التحقيق المعززة، ووجد أنها غير فعالة في الحصول على معلومات استخباراتية: لقد تغير المشهد القانوني برمته. الحقائق التي باتت معلنة الآن واضحة وقاطعة ومعروفة إلى حد يصعب معه العودة إلى استخدام «الإيهام بالغرق».
وقال أليكس وايتينغ، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد وممثل الادعاء العام السابق في جرائم الحرب، إن هناك الكثير من التغيرات التي حدثت منذ عام 2002، عندما تقبل المحامون في وزارة العدل تأكيدات الاستخبارات المركزية بعدم حدوث آثار طويلة المدى على السجناء. وأوضح قائلاً: «الأدلة التي توضح، أن الأساليب التي استخدمها مسؤولون أميركيون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) قد أدت إلى الإصابة بصدمة نفسية مستدامة، سوف تجعل من الصعب بالنسبة إلى المحامين في المستقبل اعتبار أن تلك الأساليب لا ترقى إلى مستوى التعذيب».
حتى المحامين والمسؤولين رفيعي المستوى السابقين ممن دعموا برنامج التحقيق منذ سنوات يقولون حاليًا إن العقبات الموجودة في طريق العودة إلى تطبيقه كبيرة جدًا. وقال جون ريزو، الذي عمل كمحامٍ بارز في الاستخبارات المركزية خلال فترة حكم إدارة جورج بوش الابن: «سيكون استئناف استخدام تلك الوسائل صعبًا بشكل استثنائي».
وأصدر أوباما- من بين ما أصدر خلال الفترة الأولى من عمله كرئيس- قرارًا بحظر استخدام الكثير من وسائل التحقيق القاسية الغاشمة، وبمنع الاستخبارات المركزية من إدارة سجون سرية. وسيحتاج ترامب إلى إلغاء هذا القرار التنفيذي كخطوة أولى؛ وسيسمح هذا للاستخبارات المركزية مرة أخرى بفتح سجون سرية في الخارج مرة أخرى. مع ذلك ستظل أساليب التحقيق محدودة، حيث أقرّ الكونغرس قانونًا خلال العام الماضي يسمح للمحققين الأميركيين باستخدام الأساليب المصرح بها في دليل ميدان الجيش فحسب، وليس من ضمنها أساليب قسرية قاسية.
وقد يحاول المحامون في إدارة ترامب التحايل على هذا الحظر من خلال الاعتماد على السلطة الدستورية التي يتمتع بها الرئيس بصفته قائد أعلى للجيش، يحق له اتخاذ قرار بشأن كيفية التحقيق مع السجناء، دون أن يستطيع الكونغرس أن يغلّ يديه. وكان هذا الزعم أساس برنامج التعذيب الذي طبقته إدارة بوش، رغم إدانة الكثير من المتخصصين في القانون له نظرًا للتمادي في استخدامه. كذلك يستطيع ترامب إصدار أمر لوزارة الدفاع بمراجعة دليل ميدان الجيش، بحيث يسمح باستخدام أساليب أكثر قسوة. وقال روبرت تشيسني، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة تكساس: «إذا صدر أمر للقيادة في البنتاغون بمراجعة تلك الوثيقة، وإضافة بند يسمح باستخدام أساليب التحقيق المعززة، ماذا ستكون احتمالات التصدي لذلك القرار؟ إنه اختيار أخلاقي وسياسي».
وستعني أي محاولات للسماح باستخدام طرق معاملة قاسية هجومًا على عضو مجلس الشيوخ جون ماكين، الذي تعرض لانتهاكات شنيعة منذ عقود عندما كان أسيرًا في شمال فيتنام وكان معارضًا بشدة للجوء أميركا إلى استخدام مثل هذه الوسائل. وتعهد ماكين، عضو الحزب الجمهوري عن ولاية أريزونا، منذ الانتخابات بمنع ترامب من محاولة التحايل على القيود المناهضة للتعذيب التي وضعها الكونغرس. وقال ماكين: «لا أكترث بما يريد أن يفعله الرئيس الأميركي، أو ما يريد أي شخص آخر أن يفعله، فنحن لن نستخدم الإغراق الوهمي، ولن نقوم بالتعذيب».

*خدمة «نيويويرك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.