«داعش» و«القاعدة» ما بين الهوية والمستقبل

المتغيرات الشرق أوسطية ترسم خطيهما البيانيين

صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)
صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)
TT

«داعش» و«القاعدة» ما بين الهوية والمستقبل

صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)
صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)

لا يختلف المتابعون على أن تنظيم داعش الإرهابي المتطرف سرق الأضواء من تنظيم القاعدة، الذي خرج منه وانفصل عنه. ومن ثم تمكن من تكثيف حضوره القوي على الساحة الدولية، بصفته تنظيما وحشيا عنيفا وسّع نفوذه جغرافيًا، واكتسب أتباعًا ومؤيدين في بقاع مختلفة. إلا أن مؤشرات عدة تشير إلى تراجع قوة «داعش» نتيجة الضربات الموجهة إليه، ولا سيما في العراق وسوريا، والتصاعد التدريجي الاستراتيجي لـ«القاعدة» من جديد. ومردّ ذلك إلى تسرّع «داعش» وممارساته الموغلة في التوحش وابتعاده عن الاستراتيجيات التي من شأنها كسب مؤيدين على المدى البعيد. وحقًا، فإن الفوارق واضحة بين التنظيمين من حيث التخطيط والأهداف والهيكلة التنظيمية.
نظرًا لكون تنظيم القاعدة استهل نشاطاته الإرهابية منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، سابقًا من الناحية الزمنية التنظيمات المتطرفة الأخرى التي نشطت خلال السنوات الأخيرة، فإن ذلك يفسر بداياته التقليدية في التواصل مع العالم.
«القاعدة» بدأ تواصله بنشر رسائل كتبها أبرز قادته، قبل أن يتدرّج إلى تسجيلات صوتية، ثم أخرى مرئية تركز غالبيتها على خطب للقادة ما يعبّر عن التوجه المركزي للتنظيم، الذي يجعل من القيادات أمرًا مهمًا جوهريًا، ويجعل كذلك للتنظيم بُنية هرمية، وبالأخصّ، إبان فترة قيادة أسامة بن لادن له (قتل في مايو (أيار) 2011 في بلدة آبوت آباد الباكستانية). وظهور بن لادن الدائم في مقاطع بث مرئي تعكس جاذبيته وقدرته على إقناع الآخرين بما يؤمن به بهدوء وسكينة تامة؛ الأمر الذي دفعه إلى أن يصبح أشبه بظاهرة، وباتت متابعته بالنسبة لأتباعه ومريديه والتطلع لخطاباته المقبلة، سواء في العالم العربي أو الغرب، أشبه بالهوس. وكما هو معروف، بدأ الالتفات الإعلامي إلى بن لادن عبر الإعلام التقليدي الغربي، وواصل الحرص على الظهور الإعلامي العالمي إلى أن توقف عن ذلك، ليكتفي فيما بعد في نقل رسائله عبر قناة إخبارية خليجية نقلت صوته إلى العالم وترجمت خطاباته إلى اللغة الإنجليزية.
* الاستراتيجية الإعلامية
منذ تلك المرحلة لم يظهر تغيير كبير في استراتيجية «القاعدة» الإعلامية؛ إذ لا تزال مقاطع البث المرئي تركز على قادتها، ويظهر أيمن الظواهري، القيادي الذي خلف بن لادن في سدة القيادة، من وقتٍ إلى آخر في مقاطع يثبت فيها وجوده أو يتطرق إلى موضوعات مهمة، منها تكراره إدانة ممارسات «داعش» ورفضه الاعتراف بشرعيته واعتباره تنظيمًا متطرفاَ.
ويأتي امتدادًا للاستراتيجية ذاتها الظهور المفاجئ لحمزة بن لادن، نجل مؤسس «القاعدة»، يوم 9 مايو 2016 في كلمة صوتية تظهر محاولته استخدام النسق نفسه الذي كان يستخدمه والده في التواصل مع الآخرين، وتجاهل التقدم التقني في الآونة الأخيرة، وكأنه بذلك يحذو حذو والده في استخدام التسجيلات الصوتية والمرئية التقليدية، والاستمرار في نقل أهدافه.
وإلى جانب ما يقال بأن ظهوره نتيجة لرغبته في الثأر لوالده، فإن خطابه سعى إلى التحريض ضد المملكة العربية السعودية، والحث على الانضمام إلى «تنظيم القاعدة في اليمن». وهو امتداد لحرص «القاعدة» على أدلجة الدين، واستهداف الغرب وأميركا بالتحديد كونها العدو الأهم، ومحاولة الإطاحة بمصالح الغرب حتى وإن كانت في دول عربية كما حدث في استهدافهم للسعودية. وفي ذلك أيضا سعي لاستقطاب المتطرفين ممن يتعاطف معهم لأهداف دينية وسياسية، وإن تظهر «القاعدة» أكثر نخبوية بوضعها شروطًا لانضمام المقاتلين والتأكد من ولائهم، وإخضاعهم لتدريبات عسكرية قاسية. وأما التواصل فيجري عبر منتديات خاصة كـ«الإخلاص» و«الفردوس» و«الفرقان»، ومجلات إلكترونية كـ«صوت الجهاد» و«البتار» و«ذروة السنام»، ولا يتيسر الوصول إلى رسائلها الإعلامية إلا عبر الانضمام إلى المنتديات، التي تحوي مقاطع بث مرئي تدريبية، مثل كيفية تصنيع المتفجرات أو حتى استخدام الأسلحة، وأخرى ترويجية كاستعراض المعسكرات التدريبية أو عمليات اختطاف وقتل «الأجانب الكفار»، كل ذلك عبر منتديات مغلقة.
* سياسة «داعش» الشعبوية
استراتيجيات «داعش» الإعلامية تختلف تمامًا عن كل هذا؛ فهي أكثر شعبوية وتعمل بتواصل جماهيري أكبر، من دون اكتراث للظهور الإعلامي لقادتها. فشخصية «أبو بكر البغدادي» زعيم التنظيم، يكتنفها الغموض، وهو لا يظهر إلا نادرًا متشحًا السواد.
ولقد تجاهل التنظيم المتطرف الإعلام التقليدي، وربما يكون ذلك نتيجة ظهوره في الفترة التي انحسر فيها الدور الإعلامي التقليدي وبزغ فيها نجم وسائل التواصل الإلكتروني. وبالتالي، تفوق على التنظيمات المتطرفة الأخرى باستغلاله مختلف تلك المواقع بدءًا بـ«تويتر» و«فيسبوك»، وانتهاء برسائل مشفرة عبر برامج التطبيق الذكية مثل «كيك» و«تيليغرام». هذا، ما أتاح للتنظيم التواصل عن بعد لكل بقاع العالم بأسهل وأسرع وأوفر الطرق، ليس فقط في العالم العربي، بل وحتى الغربي باستخدامه رسائل إعلامية مختلفة حسب الجهة المستهدفة وبلغات متعددة، ومن ثم، أسبغ على «داعش» القدرة على تجنيد عدد كبير من المتعاطفين ممن لديهم الاستعداد للقيام بعمليات إرهابية، سواء عبر انضمام فعلي وتسلل إلى مقرهم أو إعانة آخرين على التخطيط لهجمات أو حتى أشخاص منفردين فيما يطلق عليهم مسمى «الذئاب المنفردة».
ويظهر جليًا عبر الكثير من قصص المنضمين إلى صفوفهم التركيز على النواحي النفسية، كوجود أشخاص يشعرون بالتأزم النفسي والرغبة في الانضمام إلى جماعة تشعرهم بأهميتهم، أو كالمسلمين الذين يعيشون في الغرب ويشعرون بعنصرية الآخرين تجاههم، وإعطائهم تصورًا بوجود بيئة تحتضنهم دون الشعور بتعجب بممارسة الشعائر الدينية... وإن تسبب ذلك التصور المغلوط بأن يفاجأ بعض الأعضاء باختلاف الصورة الحقيقية عن كل ما سبق إقناعهم به.
هذا الأمر بالذات الذي دفع بالبعض إلى التراجع عن قرار الانضمام، ولقد ظهرت للملأ الكثير من هذه القصص؛ ما يدل على اكتفاء «داعش» بالاستقطاب الأولي، ومن ثم إذعان الآخرين لواقع التنظيم الشرس.
إذ تبدأ الرسائل الموجهة إلى شخص مستهدف بالترغيب والإغراء، ومن ثم تبدأ الرسائل بإظهار عنف شديد وممارسة للقتل الجماعي، بصورة بشعة وبتكثيف، لإرسال تلك المقاطع بعد أن شعر المستهدف برغبة فعلية في الانضمام. وتنجح مثل هذه الرسائل بشكل خاص في استقطاب أشخاص مرضى يشعرون بالجذل لمشاهد العنف، وتكون لديهم رغبة المغامرة، وممارسة القتل والسلطة المطلقة. ولذا؛ فإن الأماكن التي تندرج تحت حكم «داعش» تعد أشبه بملاذ تتحقق فيه تحقيق أحلام الشخصيات المنبوذة في مجتمعاتها.
* الهيكلية التنظيمية «داعش» و«القاعدة»
في بداية حقبة «القاعدة»، حين كانت أكثر قوة وتنظيمًا، بالتحديد في عهد أسامة بن لادن، كان التنظيم يتبع الهيكلة الهرمية التي تركز على مفهوم السيطرة النخبوية من قبل قادة مفكرين من أطباء ومهندسين في قمة الهرم، والتخطيط لعمليات ينفذها الأعضاء بتفكيرهم البسيط ممن يقع في أسفل الهرم. ويليهم المناصرون، ومن ثم الرأي العام في قاع الهرم كأكبر شريحة مستهدفة من قبل التنظيم... وذلك من أجل تكوين خلايا نائمة متعاطفة معهم عند الحاجة.
ويظهر فيما بعد تغير في هذا التوجه، والاكتفاء بالسيطرة فقط على الاستراتيجيات الأساسية والسياسات العامة لـ«القاعدة»، بوجود مجلس شورى وهيئات عسكرية ومالية، بينما تأتي العمليات التنفيذية حسب الجهة المنفذة.
ويظهر استخدام سياسة التكيّف حسب الظروف المختلفة؛ وذلك نتيجة لضعف «القاعدة» النوعي في الآونة الأخيرة، وخفوت بريقها باستثناء بعض المناطق الجغرافية. إذ يظهر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، المتمثل في اليمن، الأكثر نشاطًا والأكبر من حيث عدد الأعضاء بالنسبة لتنظيم القاعدة الأم، وتصاعد قوتها العسكرية والمالية.
تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» تمكن من نهب ما يزيد على 100 مليون دولار أميركي من البنك المركزي في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، وتهريب الوقود عبر ميناء المدينة ذاتها. وهذا مع أن المدينة كانت أخيرًا قيد الاستهداف من قبل الهجمات العسكرية لقوات التحالف والغارات الجوية الأميركية.
من ناحية ثانية، حرص تنظيم القاعدة على استخدام السياسة التدريجية في الصعود وتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق مختلفة، كتبني «القاعدة في جزيرة العرب» الهجوم الإرهابي على مطبوعة «شارلي إيبدو» الفرنسية الذي تسبب في إثارة الرأي العام العالمي ضد التنظيم، وضد المسلمين عمومًا. أيضا، تبنى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» هجمات على منتجع غراند باسام في جمهورية ساحل العاج، وكان في الحقيقة تنفيذًا مشتركًا عبر أعضاء ينتمون إلى «جماعة المرابطين» و«إمارة الصحراء الكبرى» ممن أعلنوا ولاءهم لـ«القاعدة»، إضافة إلى هجمات أخرى للتنظيم في كل من مالي وبوركينا فاسو. الأمر الذي يظهر التركيز الجديد لـ«القاعدة» ما بين اليمن وأفريقيا، مع العلم أن «القاعدة» حظي في عام 2014 بمبايعة «حركة الشباب الصومالية» التي نشطت في الآونة الأخيرة.
شن عمليات عشوائية في أماكن متفرقة تجعل من الأسهل على تنظيم «القاعدة» تحقيق غاياته وأهدافه من دون التعرض لاستهداف قوي كما يحدث لتنظيم داعش. كذلك أظهر تنظيم «القاعدة في سوريا» سياسة قاعدية جديدة في التعامل مع «جبهة النصرة» تدل على خروج «القاعدة» من نمطية السيطرة القيادية.. بغرض التكيّف. فكما هو معروف أعلن «أبو محمد الجولاني» زعيم «جبهة النصرة» وقف العمل بهذا الاسم (أي النصرة) وتشكيل جماعة جديدة تحت مسمى «جبهة فتح الشام»، منفصلاً بذلك عن «القاعدة»، وذلك بعد موافقة تنظيم «القاعدة» نفسه وتفويضه للجبهة الجديدة، فيما برره «الجولاني» بقوله «لتلبية رغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي»، محاولا إضفاء قبس من الشرعية لهم، وللابتعاد عن استهداف قوات التحالف بعد تمكنهم من تسديد ضربات قوية تجاه تنظيم داعش.
* الهيكلية الهرمية لـ«داعش»
في المقابل، على الرغم من حرص تنظيم داعش على المرونة في تجنيد الأعضاء، والتواصل معهم لتحقيق العمليات عن بعد، يظهر حرص «أبو بكر البغدادي» على وجه الخصوص على الهيكلية الهرمية. وهذا يعد أمرا منطقيًا في فترة يعتبر فيها التنظيم لا يزال قويًا؛ إذ تصبح كل القرارات تحت سيطرة القائد الأعلى، ويليه فيما بعد مجلس الشورى الذي لا بد من العودة إليه في جميع القرارات، والإشراف على مدى تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي سيطر عليها التنظيم.
ويتفرع من مجلس الشورى المجلس العسكري الذي يتميز بالسرية التامة، على نسق الضباط العراقيين البعثيين الذين انضموا إلى تنظيم داعش، إضافة إلى الهيئة الشرعية والإعلامية وأهل الحل والعقد، وتندرج تحتها مناطق النفوذ المقسمة إلى ألوية. وينوّب البغدادي كلاً من «أبو مسلم التركماني» في العراق و«أبو علي الأنباري» في سوريا، ولكن قد يتغير ذلك في حال استمر ضعف التنظيم واستهدافه من قبل قوات التحالف.
إذ إن الهيكلة مجدولة بناء على وجود «خلافة إسلامية» داعشية مزعومة في منطقة جغرافية معينة تمتد من العراق إلى سوريا؛ الأمر الذي يجعل من السهل القضاء على «داعش» عبر ضربات عسكرية مباشرة، واستخدام سياسة التضييق المكاني والمادي عليهم. وفعلاً شنت قوى التحالف منذ أبريل (نيسان) 2014 ما يزيد على 12 ألف غارة جوية استهدفت «داعش» في كل من العراق وسوريا، تسببت بالفعل في انحسار قوتهم، كما حدث في كل من الأنبار والفلوجة وشمال سوريا والرقة.
* القلوب والعقول
من جانب آخر، في الوقت الذي ظهر تنظيم داعش بصورة أكثر عنفًا وتكفيرًا لكل من يخالفهم، التزم «القاعدة» بالسياسة نفسها التي اتبعها منذ بداية تأسيسه، عبر التغرير بالقلوب والعقول بهدف اكتساب الثقة وتكوين شريحة من المؤيدين؛ الأمر الذي حدا بأعضاء وقيادات «القاعدة» إلى استنكار ما يشاهدونه من فظائع بشعة وتوحش ينفذها «داعش»، وبالأخص في استهدافه أعداء آخرين غير أميركا وحلفائها. وللعلم، يكفّر تنظيم داعش كل من يخالفه من السنة، إضافة إلى الشيعة والأكراد والإيزيديين، ولا يتوانى عن استهداف المساجد وأماكن تجمع المسلمين.
أما عن سياسة «القاعدة» الساعية إلى اكتساب «القلوب والعقول» في اليمن، فتتمثل في إلغاء الضرائب التي كانت مفروضة على الدخل، على اعتبار أنها ليست تطبيقًا شرعيًا. كذلك حرص التنظيم في اليمن على نشر صور ومقاطع بث مرئي تحوي تقديمه الخدمات الطبية، ورصف الطرق المحلية، وغير ذلك من أعمال تظهر حرصهم على بناء اليمن وليس فقط إثارة الرعب.
ملحوظة أخيرة: بشكل عام يظهر «القاعدة» مضمونًا آيديولوجيًا أعمق من عشوائية «داعش»، وقياداته أكثر نضجًا وتحسبًا في اتخاذ القرارات؛ إذ تكوين «خلافة إسلامية» يعد عند «القاعدة» هدفًا، ولكن على المدى البعيد. وحتى عند اللجوء إلى العنف، فإن أسلوب «القاعدة» المفضل هو المحاولات التدريجية الحذرة في طريق العودة إلى الساحة عبر هجمات عشوائية تجعل من الصعب استهدافه. في حين اندفع تنظيم داعش للسيطرة على الأراضي بسرعة وبتوسع؛ ما تسبب في تعرضه للهجمات وتدمير ألويته.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».