هل «فيسبوك» بحاجة إلى محرر تنفيذي لوقف الأخبار الكاذبة؟

رئيسه مارك زوكربيرغ على سطح صفيح ساخن

ضغوط على مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» بعد الانتخابات الأميركية (واشنطن بوست)
ضغوط على مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» بعد الانتخابات الأميركية (واشنطن بوست)
TT

هل «فيسبوك» بحاجة إلى محرر تنفيذي لوقف الأخبار الكاذبة؟

ضغوط على مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» بعد الانتخابات الأميركية (واشنطن بوست)
ضغوط على مارك زوكربيرغ مؤسس «فيسبوك» بعد الانتخابات الأميركية (واشنطن بوست)

بعد يومين من انتخاب دونالد ترامب، وجد مارك زوكربيرغ نفسه على صفيح ساخن.
هاجم صحافي خلال مؤتمر تقني الرئيس التنفيذي لـ«فيسبوك» على خلفية الأخبار المكذوبة التي نشرها الموقع، مشيرًا إلى أن ذلك قد رجح كفة ترامب في الانتخابات. ومن تلك الأخبار على سبيل المثال دعم البابا فرنسيس لمرشح الحزب الجمهوري.
على الجانب سخر زوكربيرغ من هذا الأمر قائلا: «أنا شخصيًا أعتقد أن فكرة تأثير الأخبار المكذوبة على موقع (فيسبوك)، والتي لا تمثل سوى جزء صغير من المحتوى الموجود على الموقع، على نتيجة الانتخابات بأي شكل من الأشكال فكرة مجنونة جدًا. لقد اتخذ الناخبون قرارهم بناء على تجاربهم الحياتية المعيشة». مع ذلك منذ ذلك الحين بدأ موقع فيسبوك، الذي واجه نيران الانتقادات، التي تشمل هجومًا من الرئيس أوباما الذي انتقد وباء الأخبار المغلوطة الأسبوع الماضي، في اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية.
وخلال مناقشة مباشرة على موقع «فيسبوك»، أوضحت الصحافية كاتلين ديوي كيف تستخدم مواقع الأخبار الزائفة «فيسبوك» كوسيلة لتحقيق مكاسب. ونشر زوكربيرغ يوم الجمعة الماضي رسالة توضح إدراكه لمدى جدية وخطورة المشكلة، وشرح كيف سيتعامل موقع «فيسبوك» مع الأمر. وذكر خدمات التحقق من خلال طرف ثالث، وطرق أفضل تتيح للمستخدمين الإبلاغ عن عمليات الخداع، ومحاولات منع مواقع الأخبار الزائفة من تحقيق أرباح من الإعلانات. ويعد هذا تقدمًا مشكورًا.
حان الآن وقت القيام بخطوة أكثر جرأة، وهي تعيين مسؤول تحرير تنفيذي، ومنحه كافة الصلاحيات، والموارد، وفريق عمل، يمكّنه من اتخاذ قرارات تحريرية سليمة. قد لا يريد زوكربيرغ إطلاق صفة «محرر» على هذا الشخص، نظرًا لإصراره على أن «فيسبوك» ليس شركة إعلامية، بل يراه شركة تختص بالتكنولوجيا ومنصة للاتصال. صحيح أن موقع «فيسبوك» ذاته لا يقدم محتوى خبري، لكنه يسمح لأعضائه بمشاركة أخبار خاصة بهم سواء كان ذلك صورًا لأطفال أو أكاذيب عن مرشحين سياسيين. لا بأس إذًا، يمكن إطلاق مسمى كبير مسؤولي المشاركات على ذلك الشخص. وأي كان المسمى الوظيفي لهذا الشخص، يحتاج موقع «فيسبوك» إلى شخص قادر على التمييز بين صورة حاصلة على جائزة بوليتزر للصحافة وبين صور إباحية، وكذلك قادر على التمييز بين أكاذيب لا أساس لها من الصحة، وقصة استقصائية محققة تقوم على أسانيد. ما يحكم سير الأمور على «فيسبوك» هو المشاركة، بمعنى أنه كلما زادت مشاركة الأعضاء لمحتوى ما، زاد احتمال رؤيتك له. من الواضح أن هذا ليس كافيًا، فالإجراء الضروري من أجل القضاء على الأخبار المكذوبة هو التحقق منها بدقة باستخدام المنطق السليم. وتعد الشركة العملاقة في وادي السيليكون، والذي يربو عدد مستخدميها على المليار، مصدرًا كبيرًا للأخبار، بل والمصدر الأهم بالنسبة إلى بعض الفئات الديموغرافية. ويسير تأثير الموقع دائمًا في اتجاه واحد مستمر هو الأعلى. من المفهوم ألا ترغب شركة «فيسبوك» في التحول إلى جهة رقابة، ولا ينبغي لها ذلك.
عندما قال زوكربيرغ مؤخرًا إن اكتشاف الحقيقة أمر صعب، كان جواب بين سميث، رئيس تحرير «باز فيد»: «قد يصدق ذلك على اللوغاريتمات وعلم الجمال، لكن هذا أمر مطلوب من الصحافيين المحترفين عمله يوميًا، وهو ليس بهذا القدر من التعقيد».
أهم ما في الأمر هو الحكم خاصة الذي لا يمكن الوصول إليه من خلال شفرة معقدة أو من خلال الاعتماد على «معايير مجتمعية» مقصدها طيب، لكنها مبهمة. لم تظهر الحاجة إلى حكم تحريري على موقع «فيسبوك» مع حملة الانتقادات التي تعرض لها الموقع بعد الانتخابات؛ بل هي حاجة تتجلى منذ أشهر طويلة. على سبيل المثال، خلال الصيف الماضي استخدمت سيدة من ولاية مينيسوتا، تدعى دياموند رينولدذ، هاتفها الذكي في بثّ مشهد مروع على موقع «فيسبوك». وظهر صديقها فيلاندو كاستيل في ذلك المشهد بعد إطلاق النار عليه من قبل ضابط شرطة. وتم حذف مشاركتها بعد ساعة تقريبًا من نشرها، وصرح موقع «فيسبوك» أن ذلك كان بسبب خطأ فني، ثم تم إعادة نشر الصورة مرة أخرى. وفي سبتمبر (أيلول)، حذف موقع «فيسبوك» صورة حاصلة على جائزة بوليتزر لفتاة فيتنامية تهرب من هجوم بالنابالم بسبب مخالفتها لمعايير الموقع الخاصة بتعرية الجسد، والمحتوى الإباحي الخاص بالأطفال. وعندما أثار ذلك الفعل موجة عالمية من الغضب، تم إعادة نشر الصورة.
ودعت إميلي بيل، مديرة مركز «تو» للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا، زوكربيرغ إلى تغيير رأيه بشأن دور موقع «فيسبوك» في البيئة الإعلامية. وكتبت في دورية الصحافة بالجامعة: «من خلال الاعتراف بأن موقع فيسبوك قادر على لعب دور أكثر فعالية في التحرير بل ومطالب بذلك، وتعيين أشخاص حقيقيين للقيام بهذه المهمة، سوف يحدث زوكربيرغ تأثيرًا على المصادر المدنية، وكذلك سيتمكن من معالجة مشكلة متنامية تتمثل في كيفية إدراك الناس لموقع فيسبوك».
وخلال الأسبوع الماضي اقترح كل من المؤلف جيف جارفيز، وجون بورثويك، صاحب المشروعات التكنولوجية الرائدة، 15 طريقة لمكافحة وباء الأخبار المكذوبة، ومن بينها الاستعانة ببعض المحررين: «لا تأليف محتوى، ولا القيام بعملية تحرير، بل الاضطلاع بمسؤولية اجتماعية عامة تجاه شركتهم ومنتجهم».
* خدمة «نيويورك تايمز»



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.