الجالية الكوبية في أميركا تحتفل بوفاة كاسترو

السيناتور تيد كروز يكرم «النفوس الشجاعة» التي عارضت الراحل

الجالية الكوبية في أميركا تحتفل بوفاة كاسترو
TT

الجالية الكوبية في أميركا تحتفل بوفاة كاسترو

الجالية الكوبية في أميركا تحتفل بوفاة كاسترو

يعيش نحو مليوني كوبي في الولايات المتحدة، يقيم 70 في المائة منهم في فلوريدا (جنوب شرق). وفي ميامي حيث يقيم العدد الأكبر من الكوبيين الأميركيين، انتشر خبر وفاة الزعيم الكوبي كالنار في الهشيم.
السيناتور الأميركي تيد كروز، قال إن وفاة فيدل كاسترو «لا يمكن أن تعيد الآلاف من ضحاياه، ولا يمكن أن تجلب الراحة لأسرهم». كروز الذي ينتمي إلى تكساس في مجلس الشيوخ الأميركي، والذي أخفق في محاولته هذا العام للفوز بترشيح حزبه الجمهوري المحافظ لخوض الانتخابات الرئاسية، كان والده الكوبي منفيا.
وأضاف كروز عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «اليوم نتذكر ضحايا كاسترو، ونكرم النفوس الشجاعة التي خاضت المعركة وحدها ضد الديكتاتورية الشيوعية الوحشية التي فرضها على كوبا».
ورافق إعلان وفاة فيدل كاسترو مظاهر احتفال في ميامي، معقل المنفيين الكوبيين، تجلت في صيحات فرح ورفع شعارات «كوبا حرة» و«حرية حرية» والتقاط صور «سيلفي»، وإطلاق العنان لأبواق السيارات والقرع على الطناجر. لكن كثيرين من هؤلاء يبدون أيضا تفاؤلا حذرا بعد وفاة فيدل كاسترو.
وقال بابلو أرنسيبيا (67 عاما) المدرس المنفي منذ عشرين عاما في الولايات المتحدة، في تصريحات للوكالة الألمانية: «من المحزن أن يفرح المرء لوفاة شخص ما، ولكن في الواقع هذا الشخص ما كان يجب أن يولد». وأضاف ساخرا وسط المحتفلين في الشارع: «على الشيطان أن يقلق، فيدل سينضم إليه وسيحاول بالتأكيد أن يسرق منه مهنته». يعكس هذا الفرح ما يشعر به هؤلاء المنفيون إزاء نظام أحكم قبضته الحديدية على كوبا ومارس قمعا مرعبا للحريات.
وسارع أكثر من ألف شخص في ميامي من كل الأعمار وفي وسط الليل، وبعضهم بثياب النوم إلى شوارع حيي «هافانا الصغيرة» و«هيالي» حيث يقيم الكوبيون الذين فروا من النظام الشيوعي. وقالت ديبي الأميركية التي ولدت في فلوريدا وتقيم في الحي: «إنها لحظة كبرى بالنسبة لأفراد الجالية الكوبية وأنا معهم». حضرت مع صديقتها الكوبية إيمارا إلى مقهى «فرساي»، أحد أبرز الأماكن التي يلتقي فيها أفراد الجالية الكوبية في ميامي. طوال عقود، شكَّل هذا المكان موئل الاحتجاجات ضد النظام الكوبي، وخاض رواده مناقشات لا تنتهي حول السياسة ونظام كاسترو وسبل المساهمة في إضعافه.
شعار «كوبا حرة» الذي أطلق خلال المظاهرات العفوية كان قد تحول لـ«كلمة السر» لهذه الجالية التي اختارت اللجوء إلى ميامي بعدما تسلم فيدل كاسترو الحكم في 1959. مساء الجمعة، تعالى أيضا في أرجاء المدينة النشيد الوطني الكوبي. وفي هذا السياق قالت إيمارا: «لا أعتقد أن هذا الأمر سيغير شيئا».
وعلق هوغو ريباس (78 عاما): «حان الآن دور راؤول»، شقيق فيدل الذي خلفه قبل 10 أعوام على رأس البلاد. وأضاف في إشارة إلى الزعيم الراحل: «كان مجرما ورجلا نشر البؤس. عائلته برمتها مجرمون».
من جهتهم، صوَّر الشبان هذه المظاهرات لنشرها مباشرة على موقعي «فيسبوك» و«سكايب»، بهدف إتاحة الفرصة للعائلة والأصدقاء الذين يعيشون في كوبا ليشهدوا هذه اللحظة التاريخية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟