«الخوذ البيضاء».. عندما تكون الحياة ثمنًا لإنقاذ الآخرين

متطوعو المنظمة: نشعر بالحرية أكثر من أي وقت مضى لأننا نعمل لكرامة الإنسان وحريته

خبراء ألغام في الجيش الحر لدى فحصهم عبوات زرعها تنظيم داعش بالقرب من مدينة {الباب} (غيتي)
خبراء ألغام في الجيش الحر لدى فحصهم عبوات زرعها تنظيم داعش بالقرب من مدينة {الباب} (غيتي)
TT

«الخوذ البيضاء».. عندما تكون الحياة ثمنًا لإنقاذ الآخرين

خبراء ألغام في الجيش الحر لدى فحصهم عبوات زرعها تنظيم داعش بالقرب من مدينة {الباب} (غيتي)
خبراء ألغام في الجيش الحر لدى فحصهم عبوات زرعها تنظيم داعش بالقرب من مدينة {الباب} (غيتي)

هم أصحاب «الخوذ البيضاء» الذين لم يعترف بهم وبعملهم رئيس النظام السوري بشار الأسد.
شباب من مختلف المناطق السورية قرروا الانحياز إلى الإنسانية والمخاطرة بحياتهم لإنقاذ حياة الآخرين، لينجحوا خلال نحو ثلاث سنوات في إنقاذ أكثر من 73 ألف مدني من تحت الأنقاض.
وقفتهم إلى جانب الثورة السورية، ومشاركتهم في المظاهرات ضد النظام السوري التي بدأت في عام 2011 لا تتناقضان مع عملهم الذي يرون فيه «انتصارا لكرامة الإنسان وحريته»، بحسب ما يعبر عنه مدير مكتب الموارد البشرية في الدفاع المدني زياد أبو طالب. في حين بات يعيش مدير عمليات الدفاع المدني في حلب عمار سلمو، كل يوم ولحظة مع مشاهد القتل والجثث والأشلاء التي لا يقوى 50 في المائة من المتطوعين على تحمل قسوتها ويتركون المهمة بعد أسبوع من بدء العمل.
ثلاثة مشاهد لا تفارق سلمو، وتشعره بالأسى والندم في الوقت عينه، وهو الذي يمضي أيامه متوقعا في أي لحظة أن يكون أحد ضحايا البراميل المتفجرة التي تسقط على حلب. ويقول سلمو لـ«الشرق الأوسط» متذكرًا «أندم على انسحابي من المكان الذي أصيب فيه زميلي عمر بركات، رئيس نقطة الهلال الأحمر في أورم الكبرى، بريف حلب، حيث كان يصرخ داخل سيارته مستغيثا، وإذا بعمر يفارق الحياة بعد دقائق نتيجة القذائف التي بقيت تنهمر على المنطقة وكانت السبب في تراجعنا». ويضيف «الندم على عدم مساعدة عمر لا يفارقني. كان يفترض أن أنقذه مهما كان الخطر».
إضافة إلى المشاهد المؤلمة التي يعيشها عمار وأصدقاؤه كل لحظة، مشهدان آخران يطبعان ذاكرته: «الأول صورة المرأة المتفحمّة التي رأتها بعدما كانت قد فارقت الحياة وهي تغمر طفلها بين يديها على طريق الكاستيلو في مدينة حلب، وتلك الأم التي كانت تركض نحوي لتسألني عن ابنها العامل في محل الحلاقة الذي قصف في حلب وأنا عاجز عن إجابتها والقول لها إن أشلاء جثّته في داخل الكيس الذي أحمله بين يدي، لتعود بعد ذلك وتقنع نفسها بأن ابنها قد يكون عاد إلى المنزل وتذهب على أمل أن تراه هناك».
عمل عمار، أستاذ اللغة الإنجليزية، في الإغاثة عام 2011 وبدأ كونها «هواية»، كما يصفها، في بلدته السفيرة بريف محافظة حلب الشرقي، حيث بدأ في تأمين المساعدات الغذائية مع عشرات الشباب المتطوعين من المنطقة الذين كانوا قد شاركوا في المظاهرات عند بدء الثورة في سوريا. ويقول: «لم نكن نطالب بأكثر من الكرامة، ولم نكن نريد أن تصل سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم. لكن كل ما حصل هو نتيجة أعمال النظام وحلفائه».
وفي عام 2013 بعد تردي الوضع واشتداد القصف على المنطقة وجد عمار و24 شابا آخرين أنفسهم أمام واقع جديد بحيث بات المطلوب منهم القيام بعمليات إنقاذ وإطفاء وانتشال المدنيين والجثث من تحت الأنقاض.
بذلوا كل ما بوسعهم وبحسب القدرات المحدودة التي يمتلكونها في هذا الإطار لتقديم المساعدة لمن يحتاج إليها. في الشهر الثامن من العام نفسه، وتحديدا بعد شهرين من «مجزرة الآبار» في بلدة خناصر المجاورة، وجد المتطوعون أنفسهم أمام مهمة أصعب وهي انتشال عشرات الجثث من الآبار بعدما عمدت قوات النظام إلى قتلهم ورميهم في داخلها. ويروي «كنا ننتشل الجثث ونسلّمها لعائلاتها بعد التعرف إليها من ثيابها ونرقّم تلك المجهولة الهوية». في الشهر العاشر، وجدنا أنفسنا بين سندان النظام ومطرقة «داعش» الذي دخل إلى المنطقة فما كان أمامنا إلا الانتقال إلى مدينة حلب وتحديدا باب النيرب، ومن ثم البدء فعليا بتنظيم عمل «الخوذ البيضاء» عبر إنشاء مراكز في عدد من المحافظات، التي وصل عددها اليوم إلى ثمانية، هي إضافة إلى مركز حلب، مراكز حماه وإدلب وريف اللاذقية وريف حمص وريف دمشق ودمشق ودرعا والقنيطرة، بعد إقفال مركز الرقة التي باتت تحت سيطرة «داعش».
مرحلة الانتقال من «الهواية إلى الاحتراف» بدأت عند انتقالنا إلى باب النيرب وإنشائنا مركزًا خاصًا، بحسب ما يقول سلمو، مضيفا: «هنا بدأ عملنا بصعوبته وقساوته مع مرحلة القصف بالبراميل المتفجرة على حلب، حتى أننا شعرنا بالإحباط وعدم القدرة على تحمّل كل ما يحصل، وبدأنا البحث عن شباب متخصصين للقيام بدورات تدريبية وتوسيع دائرة المتطوعين، ونجحنا في الحصول على دعم من منظمات ألمانية وبريطانية وأميركية تؤمّن لنا المساعدات اللازمة للقيام بعملنا».
يصف سلمو مهمّة المتطوعين في حلب بـ«الامتحان الكبير الذي استطعنا قدر الإمكان تجاوزه، ومن ثم بدأنا في تنظيم العمل بشكل أكبر وأنشأنا مديرية كاملة، وأجرينا في الشهر الرابع من عام 2014 مسابقة لتعيين مدير لها، شارك فيها عدد من الشباب وفزت أنا بها». ويعمل اليوم في حلب 21 مركزا، في كل منها 30 متطوعا، ومركز واحد للتدريب في ريف حلب، كان يرأسه نقيب منشق عن «الدفاع المدني السوري»، قبل تعرضه للقصف قبل أسبوعين؛ ما أدى إلى توقفه عن العمل، ليبقى لغاية الآن مركز تدريب واحد في إدلب، يستقبل الشباب الراغبين بالتطوع إلى صفوف «الخوذ البيضاء» التي تعمل بشكل أساسي في المناطق الخاضعة للمعارضة.
إلا أن اقتصار عملها على هذه المناطق لا يعني رفضها تأدية واجبها الإنساني في مناطق النظام، بحسب ما يؤكد سلمو، ويقول: «لا مانع لدينا من العمل في مناطقه لأن هدفنا إنساني بالدرجة الأولى، لكن لو أن النظام يقبل بالآخر لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم».
من هنا، يؤكد سلمو، أن شروط الانتساب إلى «الدفاع المدني»، الذي خسر لغاية الآن 150 شابا من متطوعيه خلال تأدية عملهم، هي بشكل أساسي ألا يكون المتطوع منتسبا إلى أي فصيل سياسي أو عسكري، وأن يكون حسن السمعة، محبا للعمل الإنساني وعمره ما بين 18 و35 سنة. وفيما يخضع متطوعو الإنقاذ لدورات تدريبية، ينتسب الكثير من الشباب إلى الدفاع المدني للعمل بما يتناسب مع اختصاصاتهم، كالإعلام وإدارة الأعمال وغيرها التي تتطلبها الأعمال الإدارية واللوجستية في المنظمة.
ويشرح زياد أبو طارق، مدير مكتب الموارد البشرية في المنظمة، الذي كان يدرس الحقوق قبل اندلاع الثورة في سوريا، عن متطوعي الخوذ البيضاء، قائلا: «نلمس حماسة لدى الكثير من الشباب للانتساب إلى المنظمة، ونتلقى الكثير من الطلبات، ونقبل كل من تنطبق عليه الشروط، ليخضع بعدها إلى دورة تدريبية تشمل الإنقاذ والإسعاف والإطفاء لمدة 12 يوما». ويضيف: «بات اليوم عدد متطوعي الدفاع المدني أكثر من 3 آلاف، بينهم 500 شاب في حلب، بعدما كانوا في البداية نحو 25 معظمهم انشقوا عن (الدفاع المدني السوري) بعدما أراد النظام تغيير هدفه بما يتناقض مع مبادئ الدفاع المدني الإنسانية».
ويلفت أبو طارق إلى أن «الدفاع المدني» في طور العمل لافتتاح مراكز جديدة لتدريب الفتيات الراغبات بالانتساب إلى المنظمة، وتحديدا في مناطق الأتارب وعندان وحي المشهد، بحيث يتم تدريب 8 فتيات للعمل في كل مركز، مشيرا إلى أن التركيز على المتطوعين الشباب يعود إلى أسباب تتعلّق بطبيعة العمل القاسية والصعبة. ويوضح «في المقابل نقوم بدورات تدريبية لفتيات ونساء في بعض القطاعات، كالتعليم والتمريض وغيرها، بحيث يستطعن من خلال عملهن تقديم المساعدة وإسعاف أو إنقاذ من هو في حاجة إليها، ولا سيما أن قصف النظام على حلب لم يعد يميز بين مركز عسكري أو مستشفى ومدرسة».
هذا العمل الإنساني يُشعر أبو طارق القابع تحت القصف بعيدا عن أهله بعدما خسر شقيقه في الثورة، بـ«الحرية»، حسب وصفه، قائلا: «أشعر بالحرية أكثر من أي وقت مضى ولا أندم على كل ما قمت به. أنا صاحب قضية وأؤمن بقضيتي حتى النهاية».
وقضية أبو طارق هي التي أوصلته مع رفاقه إلى «العالمية» وخوّلته تسلّم جائزة «نوبل البديلة» يوم أول من أمس، في وقت كان رئيس النظام السوري بشار الأسد، يتظاهر بعدم معرفته لهم. بل وسخر من عملهم في إحدى المقابلات التي أجرتها معه وكالة «أسوشييتد برس» في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، سائلا: «من هم، وماذا فعلوا لسوريا؟
لتردّ حينها «الخوذ البيضاء» على سؤاله بفيديو، شارحة ماذا قامت به المنظمة، بانتشال عشرات آلاف المدنيين من تحت الأنقاض: «الأنقاض التي تسببت بها براميلك المتفجرة» بحسب ما تقول إحدى الفتيات في الفيديو مذكرة أيضا بالشباب المتطوعين الذي قتلوا وهم يحاولون إنقاذ من استهدف بهذه البراميل والمئات الذين تشوهوا بها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.