جولة الحسم اليوم لاختيار مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية الفرنسية

فرنسوا فيون الأوفر حظًا واستطلاعات الرأي تعطيه ما بين 61 و65 في المائة من الأصوات

جولة الحسم اليوم لاختيار مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية الفرنسية
TT

جولة الحسم اليوم لاختيار مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية الفرنسية

جولة الحسم اليوم لاختيار مرشح اليمين للانتخابات الرئاسية الفرنسية

يعود ناخبو اليمين إلى صناديق الاقتراع اليوم في الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحهم للمنافسة الرئاسية التي ستحصل الربيع المقبل، وسط توقعات بفوز رئيس الحكومة السابق فرنسوا فيون على منافسه، رئيس الحكومة الأسبق، ألان جوبيه مع نسبة تقدم مريحة. وإذا صدقت توقعات استطلاعات الرأي، فإن فيون الذي لم يكن يراهن أحد على وصوله إلى الجولة الثانية قبل شهر واحد، سيحصل على نسبة تتراوح بين 61 و65 في المائة من الأصوات، فيما سيحصل جوبيه على نسبة تتأرجح بين 35 و39 في المائة. وينتظر أن تشهد هذه الجولة إقبالاً كثيفًا قد تخطى الـ4.2 مليون ناخب الذين صوتوا الأحد الماضي وهم أساسًا من اليمين، لكن انضمت إليهم أصوات يمين الوسط وبعض اليسار.
ورغم الفارق الكبير بين المرشحين، فإن جوبيه الذي كان لوقت قصير يعد الأوفر حظًا، لم يرم سلاحه، إذ دأب خلال الأسبوع الفائت على محاولة اللحاق بخصمه من خلال التنبيه من برنامجه «المفرط في الليبرالية من جهة، والمحافظة من جهة أخرى». وبرأيه، فإن وضع برنامج فيون موضع التنفيذ سيهدد «النموذج الفرنسي الاجتماعي»؛ بسبب جذرية الإصلاحات التي يقترحها اقتصاديًا، وتوجهه المحافظ جدًا في المواضيع الاجتماعية. ويحذر أنصاره من أن تدابير كتلك التي يقترحها فيون لجهة إلغاء نصف مليون وظيفة عامة خلال السنوات الخمس المقبلة، ورفع عدد ساعات العمل إلى 39 ساعة بدل 35 ساعة من غير ارتفاع في الرواتب، وخفض الضرائب عن الشركات، واستبدالها بزيادة قيمة رسوم القيمة المضافة، وتغيير نظام الرعاية الصحية، سينزل مئات الآلاف إلى الشوارع وسيشل البلاد، بينما برنامجه يقترح إصلاحات «ناعمة». كذلك لم يفت جوبيه أن ينتقد بشدة توجهات خصمه في مسائل السياسة الدولية، خصوصًا إزاء موسكو والرئيس بوتين وسوريا وإيران، بينما التزم هو شخصيا سياسة لا تختلف عن تلك التي تتبعها فرنسا في الوقت الحاضر. وقال جوبيه، في محاولة أخيرة لشد عصب مناصريه وناخبيه، في آخر تجمع انتخابي في مدينة نانسي «شرق فرنسا» ليل أول من أمس: «هذا المساء كلي ثقة بالنصر». وجاء الرد سريعًا من فيون الذي جمع ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في باريس؛ إذ اعتبر أن «لا شيء يمكن أن يمنع شعبًا ينهض ليقول ما يعتل في داخله».
مشكلة جوبيه تكمن في أن انتقاداته لم تكن كافية لتغيير مسار الريح، وأنه كان ضحية رغبة نسبة كبيرة من الفرنسيين في التخلص من المرشح الآخر الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الأمر الذي دفعهم للتصويت لصالح فيون؛ باعتبار أن تأهل جوبيه للدورة الثانية كان مضمونًا. وكانت النتيجة أن الدينامية الانتخابية ذهبت لصالح فيون وعلى حساب جوبيه. لكن يبدو أيضًا، وفق تحليلات الخبراء والأكاديميين أن ارتفاع أسهم فيون يعود أيضا لرغبة اليمين الفرنسي في إحداث تغييرات جذرية، ما يتوافق مع ما يطرحه فيون الذي يستفيد من دعم الأوساط المسيحية الكاثوليكية، ومن تفضيل التيار الاجتماعي المحافظ له على حساب منافسه.
لم يربك صعود أسهم فيون استراتيجية جوبيه الانتخابية وحدها، بل إنه أدخل عنصرًا جديدًا على المعادلة السياسية في فرنسا بكليتها. والسبب في ذلك أن الفائز الذي سيخرج من صندوق الانتخابات مساء اليوم سيكون على الأرجح الرئيس الفرنسي المقبل. فاليوم، تتنازع أصوات الناخبين ثلاث مجموعات هي: اليمين الكلاسيكي، واليمين المتطرف، ومجموعة اليسار المعتدل «الاشتراكيين والخضر». يضاف إليهم اليسار المتشدد الذي يقوده النائب الأوروبي والمرشح الرئاسي جان لوك ميلونشون. والحال، أن اليسار الاشتراكي في حالة من الوهن وتراجع الشعبية، فضلاً عن الانقسامات القائمة داخله، وتكاثر عدد مرشحيه. وحتى الآن، لم يعلن الرئيس هولند الذي تراجعت شعبيته بدرجة مقلقة، عن نياته لجهة خوض المنافسة لولاية ثانية، أم الامتناع عنها فيما تتكاثر المؤشرات التي يرسلها رئيس الحكومة مانويل فالس، والدالة على رغبة جامحة في الترشح. غير أن فالس لن يجرؤ على الإعلان عن ذلك قبل أن يكشف هولند عن خططه. ووعد الرئيس الفرنسي بأن يفعل ذلك قبل منتصف الشهر المقبل. وثمة من يرى أن هولند يتأهب للإعلان عن ترشحه لانتخابات اليسار التمهيدية، بينما يرى آخرون أنه لن يخاطر بذلك لسببين: الأول، أنه غير متأكد من الفوز بترشيح حزبه. والثاني، أنه وإن نجح في اجتياز العقبة الأولى، فإن تأهله للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية لا يبدو أمرًا مضمونًا. ولذا، سيكون من «المعيب» على رئيس للجمهورية أن يوضع خارج الحلبة منذ الدورة الأولى، بحيث يبقى الميدان مفتوحًا أمام مرشح اليمين الكلاسيكي، وهو على الأرجح فرنسوا فيون، ومرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان، التي تجمع استطلاعات الرأي على أن تأهلها للمرحلة الثانية لا تشوبه أية شكوك.
من هذه الزاوية، تبدو انتخابات اليوم «فاصلة»؛ لأنها ستقرر مستقبل فرنسا في الداخل والخارج. ففي الداخل، ستبين ما إذا كانت فرنسا ستختار رئيسًا عازمًا على فرض إصلاحات جذرية رفضها الفرنسيون حتى الآن، وذلك من أجل إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية، وإيجاد فرص عمل مع ترميم القيم التقليدية المحافظة. أما في الخارج، فإنها ستؤثر في أداء باريس في الأزمات التي يعاني منها العالم، وطبيعة علاقتها بالولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى بما ينعكس على حروب وأزمات الشرق الأوسط.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟