مواقع التواصل الاجتماعي أمام تحد هز العالم

ربع سكان العالم يستخدمون «فيسبوك».. وفوز ترامب ليس سوى قمة جبل الجليد

مواقع التواصل الاجتماعي أمام تحد هز العالم
TT

مواقع التواصل الاجتماعي أمام تحد هز العالم

مواقع التواصل الاجتماعي أمام تحد هز العالم

مع بداية تقبُّل صناعة التكنولوجيا لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت الأسبوع الماضي والتي جاءت على غير ما توقعت، فقد خلُص كثيرون في وادي السيليكون «سيليكون فالي» إلى أن انتشار المعومات المغلوطة وتداولها عبر الإنترنت كان السبب الرئيسي في النتائج المفاجئة للسباق.
الاثنين الماضي، غير موقعا «غوغل» و«فيسبوك» سياستهما الإعلانية لتصبح أكثر حسما في مواجهة المواقع التي تنشر الأخبار الكاذبة وتتكسب منها، وهي الخطوة التي جاءت في محلها، وإن تأخرت كثيرا. فقد أضعفت الإنترنت من حالة التوافق الجمعي بشأن حقيقة ما، وبات من الضروري مواصلة الجهد لمواجهة ذلك المنحى المرعب.
وسيكون الخطأ كبيرا لو أننا توقفنا عن السعي والتحري لمعرفة مصادر وأسباب انتشار الأخبار الكاذبة. في الحقيقة، فإن خطورة انتشار الأكاذيب ليست سوى كشف لحقيقة أعمق أخذت في الانتشار في العالم، وهي أنه مع انكفاء العالم على مواقع مثل «فيسبوك»، و«واتساب»، و«ويتشات»، و«إنستغرام»، و«تويتر»، و«يبدو»، وغيرها من المواقع الخدمية التي باتت تحظى بشعبية كبيرة، فقد باتت مواقع التواصل الاجتماعي تمثل قوى ثقافية وسياسية متنامية للدرجة التي جعلتها قادرة على تغيير مجرى الأحداث العالمية.
ربما كان انتخاب دونالد ترامب المثال الأوضح في العالم بأسره، على أن مواقع التواصل الاجتماعي قد ربطت المجتمع الإنساني حول العالم بأسلاك، وتفوقت على الإعلام التقليدي حتى في مزاياها السياسية وفي جمع التبرعات وفي تحقيق أقصى استفادة من الإعلانات. كذلك تسببت مواقع التواصل في زعزعة استقرار المؤسسات الإعلامية التقليدية وحلت محلها في مخاطبة مختلف الشرائح والاتجاهات، ومنها الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية، وفي معالجة المحظورات الاجتماعية وفي التصدي للمصطلحات العنصرية ورهاب الأجانب.
والأهم هو أنه بفضل حرية التواصل بين الأفراد التي تمنحها تلك المواقع، فإنها تساعد على خلق كيانات اجتماعية مؤثرة وسط الجماعات التي كانت مهمشة حتى وقت قريب. وتتنوع هذه الحركات بدرجة كبيرة من ناحية الشكل، بدءا من جماعات اليمينيين من العنصريين البيض في الولايات المتحدة، إلى أنصار الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، إلى تنظيم داعش في الشرق الأوسط، إلى تجمعات قراصنة الإنترنت في أوروبا الشرقية وروسيا. لكن ما يحدث الآن هو أن كل جماعة من تلك الجماعات التي لم يكن لأحد أن يتوقع لها أن تصبح قوة يوما ما أخذت في الالتحام لتنتج في النهاية ما يشبه نوبات جيوسياسية نشطة وغير متوقعة، تعمل على زعزعة الاستقرار.
قال إيان بريمر، رئيس مجموعة «الأوراسيا» البحثية المعنية برصد المخاطر العالمية، إن «هناك الآن بلايين الناس على الإنترنت، وأغلبهم ليس سعيدا بالوضع الراهن، ويعتقدون أن حكوماتهم فاشستية وأنهم يقفون على الجانب الخطأ، ويشعرون بالاضطهاد نتيجة سياسة الهوية وتلاشي الطبقة المتوسطة».
كثير من العناصر كانت تشير إلى فوز ترامب، مثل قلق الطبقة الصناعية المتوسطة في الغرب الأوسط «ميد ويست» والرغبة في التغيير على المستوى الوطني، والمزيج من العنصرية الكامنة ورهاب الأجانب، والتمييز على أساس الجنس في مراكز الاقتراع. لكن حتى وفق اعتراف ترامب نفسه خلال مقابلة صحافية مع برنامج «60 دقيقة» الذي يذاع كل أحد، فقد لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا حاسما في السباق.
ففي الماضي، قال بريمر، ربما لم يهتم كثيرون بحالة القلق التي انتابت أنصار ترامب، وكان ترشحه عرضة للفشل. ودوليا، استبعد غالبية النقاد الكبار احتمالية فوزه، وواجه مشكلات في التمويل والتنظيم والقدرة على إقناع النخب السياسية التقليدية، غير أن رسالة ترامب التي كتبها للناس على الإنترنت كان لها صدى كبير وبات الأعلى كعبا في الكيانات السياسية كافة.
أضاف بريمر: «فمن خلال هذه التكنولوجيا الجديدة، بات بمقدور الناس الآن التعبير عن مظالمهم واتباع من يرون أنه يستجيب لمظالمهم. فلولا مواقع التواصل الاجتماعي لما كان لترامب أن يفوز».
أما بالنسبة لمن يتطلعون للعيش في عالم منظم وخال من المفاجآت، فبكل تأكيد سيرون «فيسبوك» مخيفا، ليس لأنه مليء بالأكاذيب (وهي مشكلة قابلة للحل)، لكن لأن مداه واتساعه يجعله قادرا على تغيير مجريات التاريخ بكل جرأة وبصورة غير متوقعة.
لكن هذا هو ما وصلنا إليه، ولذلك فقد حان الوقت كي ندرك أن شبكات التواصل الاجتماعي باتت بالفعل قوى لتمزيق العالم كما وعد مؤيدوها قبل زمن، وبات من الضروري أن نفزع من كل ما تقذف به في وجوهنا من تغييرات اجتماعية هائلة، لا أن نبتهج بها.
ليست هناك مفاجآت، حيث إننا نعيش نمطا غريبا من المدينة الفاضلة التي ارتأى البعض أن مواقع التواصل سوف تطلقها.
فعلى مدار أغلب فترات العقد الماضي، شاهدنا حركات اجتماعية تقدمية شكلت الإنترنت قوتها الدافعة حول العالم. فقد شاهدنا الثورة الخضراء في إيران، والربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي الولايات المتحدة، شاهدنا حركة «فلنحتل وول ستريت» واحتجاجات «بلاك لايفس ماترز» التي قام بها السود.
والعام الحالي في بريطانيا، لعب الحشد على «فيسبوك» دورا مهما في الدفع غير المتوقع باتجاه خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي. وفي الفلبين، نجح رودريغو دتريت، وهو عمدة مدينة كان قد واجه حربا شرسة من قبل خصومه، في حشد حملة تأييد واسعة على الإنترنت، وفي النهاية تمكن من الفوز برئاسة البلاد.
كذلك استخدم تنظيم داعش مواقع التواصل الاجتماعي في تجنيد المتطرفين من جميع أنحاء العالم، للحرب في العراق وسوريا، وأيضا لتكون مصدر إلهام للإرهابيين حول العالم لتنفيذ عمليات مشابهة.
وفي الولايات المتحدة، قام برني ساندرز، وهو اشتراكي ترشح للرئاسة، وترامب الذي صب عليه غالبية أعضاء الحزب الذي يتزعمه الآن اللعنات، بحشد حركات في الإنترنت لتغيير الوضع على الأرض.
لماذا كل هذا الآن؟ يرى كلاي شيركي، الأستاذ بجامعة «نيويورك» الذي درس تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي، أن هناك عدة عوامل قد تكون سببا لما يحدث، وهي كالتالي:
أولا، ضخامة حجم «فيسبوك» الذي شكل ما يشبه الملحمة. فالشهر الماضي، أفادت الشركة بأن نحو 1.8 مليار شخص الآن يستخدمون تلك الخدمة كل شهر. ولأن شبكات التواصل تغذي عمليات تبادل التفاعل بين المجموعات، فقوتهم تزداد مع زيادة أعدادهم. وبعدما بات نحو ربع سكان العالم الآن يستخدمون «فيسبوك»، أصبحت الاحتمالات مذهلة.
ومن ضمن التأثيرات الاجتماعية ما يطلق عليه شيركي «تغيير نافذة أوفرتون»، وهو المصطلح الذي ابتكره الباحث جوسيف أوفرتون في وصفه لنطاق الأشياء التي يعتبرها الإعلام التقليدي مقبولة شعبيا ومن الممكن مناقشتها.
ومنذ أوائل الثمانينات حتى بداية العقد الماضي، لم يكن يروق للساسة قبول الأفكار التي يراها غالبية المجتمع خارج التفكير الجمعي، مثل الدعوات الصريحة للتحيز العنصري (رغم بعض الاستثناءات التي شهدناها في حالات مثل إعلانات ويلي هورتون)، غير أن الإنترنت غيرت تلك النافذة.
وفي ذات السياق أفاد شيركي: «لم يكن التحيز للعرق الأبيض واضحا بسبب الجهل بنطاق التعددية. فكل شخص كان يجلس في غرفته وحيدا أمام شاشة التلفزيون يصرخ في المهاجرين، أو من كان يريد القول إن المسيحيين البيض أكثر ولاء لوطنهم من غيرهم من الأميركيين، لم يكن لديهم علم بعدد من يشاركونهم نفس الآراء».
لكن بفضل الإنترنت، أصبح كل صاحب رؤية معيبة في السابق يرى أنه ليس وحده من يرى ذلك. وعندما تقابل هؤلاء الناس، أصبحوا قادرين على أن يفعلوا شيئا ما، وعلى تبادل الأفكار والتعليقات والكلمات القادرة على تعزيز رؤياهم ثم الانطلاق بها لتشكل تيارا سائدا. كذلك أصبحت مجموعات الإنترنت أهدافا جاهزة للساسة مثل ترامب، ممن يدركون طاقتهم وحماسهم ويعتمدون عليها لتحقيق الانتصارات في العالم الحقيقي. ويشير شيركي إلى أن «نافذة أوفرتون» لا تتحرك إلى اليمين فقط، إذ إننا نراها تتحرك لليسار أيضا. فكانت الحملة موجهة لمنصة المناهضين لحي المال «وول ستريت»، وهو أمر ما كان ليتخيله أحد بالنسبة لديمقراطي حتى عقد واحد مضى.
والآن، وبعد خسارة كلينتون، فإن الطريق لتقدم الديمقراطية سوف يحدده في الغالب مستخدمو «فيسبوك» كما ستحدده الصفوة في واشنطن. ونتيجة لذلك، فغالبا سنرى مرشحين غير متوقعين ومواقف سياسية غريبة أكثر مما اعتدنا في الماضي، وستكون النتيجة هي مزيد من الأحداث غير المسبوقة. أضاف شيركي: «بكل تأكيد سنرى كثيرا من المرشحين المتمردين، وكثيرا من التأثيرات الاجتماعية».
فترامب ليس سوى قمة جبل الجليد، ولننتظر جميعا أوقاتا مسلية مقبلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام