«يوم الطفل العالمي».. صغار أجبروا على هجر طفولتهم

«الشرق الأوسط» ترصد معاناة الملايين في مناطق النزاع

طفل يمني يلعب بدراجة مكسورة في أحد مخيمات النازحين في عمران شمال اليمن (إ.ب.أ)
طفل يمني يلعب بدراجة مكسورة في أحد مخيمات النازحين في عمران شمال اليمن (إ.ب.أ)
TT

«يوم الطفل العالمي».. صغار أجبروا على هجر طفولتهم

طفل يمني يلعب بدراجة مكسورة في أحد مخيمات النازحين في عمران شمال اليمن (إ.ب.أ)
طفل يمني يلعب بدراجة مكسورة في أحد مخيمات النازحين في عمران شمال اليمن (إ.ب.أ)

سلبت النزاعات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط من الأطفال براءتهم. وتعكس عشرات التقارير والصور اليومية حجم المعاناة التي لم يتحملها الكبار، وأجبر على تكبدها الصغار بين جوع وحرب ونزوح وتجنيد واعتقالات.
قصص لا تكفي صفحات لرصدها تبعثرت بين أوراق المراسلين فلملمتها «الشرق الأوسط» لتسليط الضوء على حجم التحدي الذي يواجه صناع المستقبل في العالم العربي.
وبمناسبة اليوم العالمي للطفل الذي حل أمس، لا يزال أكثر من 60 في المائة من أطفال سوريا محرومين من حق التعليم. وتُنتهك حقوق بسيطة يستحقها الأطفال في شرق حلب وغيرها من المناطق المحاصَرة في سوريا، حيث يُقطع الغذاء والمياه والرعاية الطبية عن الأطفال. ويعيش نحو مليون طفل عراقي ظروفًا قاسية داخل مخيمات متفرقة بالبلاد. كما يقبع مئات الأطفال الفلسطينيين وراء القضبان الإسرائيلية، بينما تجند الميليشيات الانقلابية في اليمن الأطفال وتنتهك أبسط حقوقهم بحياة أفضل.
اليوم العالمي للطفل هو أكثر من مجرد يوم نحتفي فيه بالأطفال في كل مكان. إنه فرصة سنوية لنُلزم أنفسنا بحماية حقوق كل طفل، جاء هذا في بيان منظمة «اليونيسيف» الأممية الصادر أمس والتي اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه. تلك الحقوق العالمية الراسخة التي لا يُمكن التنازل عنها، والتي تَعهّد العالم بحمايتها في مثل هذا اليوم من عام 1989، عندما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل.
وأضاف البيان: «حق الطفل في الكرامة والأمن، في أن يُعامَل معاملة عادلة ويعيش حياةً خالية من الظلم. في أن يأخذ فرصته العادلة في الحياة». في يوم الطفل هذا، ينبغي علينا مواجهة الحقيقة المُقلقة أنه، في مختلف أنحاء العالم، يجري انتهاك حقوق الملايين من الأطفال كل يوم. واعتمد العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) كل عام منذ 1954 يومًا عالميًا للطفل.

«البراءة المداماة» ومعاناة أطفال سوريا
وبدورها، أصدرت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» بمناسبة يوم الطفل العالمي تقريرها السنوي الخاص بتوثيق الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال من قبل الجهات الفاعلة في سوريا بعنوان «البراءة الدامية».
وبحسب التقرير، فقد تعرَّض الأطفال في سوريا منذ مارس (آذار) 2011 وحتى اليوم إلى مختلف أنواع الانتهاكات، حيث قُصفت مدارسهم بشكل منهجي من قبل النظام السوري وحلفائه، وهذا يُشير إلى تعمد استهداف أجيال مستقبل سوريا، انتقامًا من المناطق التي طالبت بتغيير النظام الحاكم وخرجت عن سيطرته. وأكد التقرير أنه منذ مارس 2011، قتل نحو 24 ألف طفل في سوريا.
ويتربع النظام السوري وحلفاؤه على رأس الهرم بنسبة تُقارب 94 في المائة من مجمل الانتهاكات، فيما تحتلُّ بقية الأطراف، كقوات الإدارة الذاتية (بشكل رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمال الكردستاني والتنظيمات المتشددة)، وفصائل المعارضة المسلحة، وقوات التحالف الدولي، نسبة الـ6 في المائة المتبقية وبنسب متفاوتة.
وأكد التقرير أن الأطفال في سوريا قد تعرضوا إلى تداعيات تراكمية نتجت عن عمليات القصف والتدمير اليومية، التي تسببت في تضرر قرابة نحو 4 آلاف مركز تعليمي بين مدرسة ورياض أطفال؛ ما أدى إلى خروج ما يزيد على 2.5 مليون طفل داخل سوريا من العملية التعليمية، وتضرُّر قطاع الصحة، فانخفضت معدلات تلقيح الأطفال، وانتشرت الأمراض المعدية كالسلِّ وحمى التيفوئيد، وتدمَّرت أجزاء واسعة من قطاع البنية التحتية وتدمَّرت أحياء كثيرة بشكل شبه كامل ما دفعَ الأسرة السورية إلى اللجوء. وظهرت معاناة من نوع آخر، حيث حُرم 60 في المائة من مجمل الأطفال اللاجئين والذين بلغ عددهم أكثر من 3.8 مليون طفل لاجئ من العملية التعليمية، كما تم استغلالهم في سوق العمل، إضافة إلى تسجيل عدد من حالات العنف الجنسي بحق الأطفال داخل وخارج سوريا، وازدادت بشكل مخيف حالات التزويج المبكر، كما وُلد ما لا يقل عن 160 ألف طفل في مخيمات اللجوء، لم يحصلْ الكثير منهم على أوراق ثبوتية. ووفق التقرير الذي اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه جنَّدت التنظيمات المتشددة مئات الأطفال دون سن الـ15، كما مارست عمليات تعذيب بحق أطفال معتقلين داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، وقتلت عمليات القصف العشوائي التي قامت بها الكثير من الأطفال، ويُشكل ذلك جرائم حرب.
وأكد التقرير قيام فصائل مختلفة تابعة للمعارضة المسلحة بعمليات تجنيد لعشرات من الأطفال، كما تسبب القصف العشوائي الذي قامت به بعض الفصائل بمقتل عدد من الأطفال، يُشكل كل ذلك جرائم حرب. وأوصى تقرير «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» بضرورة إيصال المساعدات إلى الأطفال المحاصرين، وإجبار النظام السوري بشكل رئيس على رفع الحصار، بدلاً من اللجوء إلى مجرد إلقاء المساعدات من الجو. كما طالب بإيجاد آليات لوقف قصف المدارس وحمايتها، والعمل على خلق بيئة تعليمية آمنة، وهذا أقل مستويات حماية المدنيين.

أطفال العراق.. النازحون والعاملون
يسلط اليوم العالمي للطفل معاناة الأطفال العراقيين، إذ يعيش نحو مليون طفل عراقي ظروفا قاسية داخل مخيمات متفرقة بالبلاد، ضمن أكثر من ثلاثة ملايين نازح عراقي خلال العامين الماضيين. وتسببت المعارك الحالية في نزوح مزيد من العائلات وأطفالهم ما دفع منظمات دولية معنية بحقوق الطفولة من التحذير من عدم قدرتها على توفير الرعاية لهؤلاء الأطفال، لا سيما إذا حدث تدفق أكبر حال دخول القوات العراقية الموصل.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» بتقرير سابق أن «أكثر من نصف مليون طفل عراقي انخرطوا في سوق العمل من بين 3.5 مليون طفل لم يعودوا قادرين على الدراسة، يواجهون خطر الموت أو التعرض لإصابة خطيرة أو عنف جنسي أو الخطف أو التجنيد في فصائل مسلحة، في حين اضطر مليون ونصف المليون طفل إلى النزوح جراء الأعمال القتالية.
وأضافت أن عدد الأطفال العاملين بلغ 575 ألفا، وأن 20 في المائة من مدارس العراق أغلقت بسبب الصراع، ولم يعد بوسع نحو 3.5 مليون طفل في عمر الدراسة الذهاب للتعلم. وتؤكد المنظمة أن نحو 4.7 مليون طفل عراقي بحاجة لمساعدة إنسانية، بينما يواجه الكثير من العائلات الآن أوضاعًا متردية بعد العمليات العسكرية ضد «داعش».
وكانت أعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة أن ما يقارب 5 ملايين طفل عراقي محرومون من حقوقهم الأساسية، ومعرضون للانتهاكات الخطيرة لحقوق الطفل. ويذكر أنه تلقى مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقارير تفيد بأن مقاتلي «داعش» قتلوا مدنيين حاولوا الثورة ضدهم. ويبقى نحو 1.5 مليون مدني محاصرين في الموصل إلى اليوم، بينهم 600 ألف طفل على الأقل.

أطفال فلسطين وراء القضبان الإسرائيلية
«أنا لا أستطيع أن أصف لك قساوة السجن، أو قذارة «البوسطة» (أداة نقل الأسرى إلى المحكمة) إنها شيء حقير.. مذل.. لم أر شيئًا مثله في حياتي»، هذا ما قالته الطفلة نوران البلبول (14 عامًا) لـ«الشرق الأوسط» وهي تتذكر الشهور الأربعة التي قضتها في السجن الإسرائيلي منتصف هذا العام. مضيفة بانفعال شديد: «مش قادرة أعبر.. مش عارفة شو أقول. اشي مش.. مش قادرة اشرح. ذل كبير. ذل كبير».
وتختصر معاناة الطفلة البلبول التي ما زالت حاضرة بكل ما لها وعليها في حياتها اليومية، معاناة الكثير من الأطفال الفلسطينيين الذين جربوا كل شيء يمكن أن يجربه شعب تحت الاحتلال. وتزامنًا مع يوم الطفل، أظهر تقرير إحصائي فلسطيني أمس أن إسرائيل تحتجز في سجونها 400 طفل فلسطيني إلى اليوم. ويدفع هؤلاء الأطفال ثمنًا كبيرًا بالمقارنة مع أقرانهم في دول أخرى، إذا ما أخذنا في الاعتبار أنهم دون سن 18 يشكلون نحو نصف المجتمع الفلسطيني، كما أنهم على مدى تاريخ الصراع، كانوا جزءًا «أصيلاً» من المواجهة، وحملوا أسماء مثل: «أطفال الآر بي جي» و«أطفال الحجارة».
ولا توجد إحصائية دقيقة لعدد الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل منذ بدء الاحتلال، لكن الإحصاءات تشير إلى ألفين قتلتهم إسرائيل منذ عام 2000. وقال أستاذ القانون الدولي الدكتور حنا عيسى إن فلسطين تعد من أكثر الدول معاناة، فيما يخص انتهاكات حقوق الأطفال إلى الحد الذي أدى إلى «قطع السياق التنموي التطويري للمجتمع الفلسطيني».
واتهم عيسى إسرائيل بانتهاك القوانين والمواثيق الدولية ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل بشكل جسيم.
وتحتوي اتفاقية حقوق الطفل على «54» مادة تكفل كل ما للأطفال من حقوق وعرفت المادة الأولى منها الطفل بقولها: «كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه». ويقدر عدد الأطفال أقل من 18 سنة منتصف عام 2016 بنحو 2.2 مليون طفل في فلسطين أي ما نسبته نحو 45.8 في المائة من السكان.
وعمليًا جميعهم معرض للقتل أو الاعتقال أو الطرد أو الضرب أو الإعاقة، يقبع منهم الآن في السجون الإسرائيلية 400 طفل، موزعين على سجني «مجدو» و«عوفر».
ويقول تقرير لهيئة شؤون الأسرى إنهم جميعًا تعرضوا خلال فترة اعتقالهم لأساليب متنوعة من التعذيب والإهانة والمعاملة القاسية. وشرح عبد الله أبو عصب، 16 سنة، كيف أنه عندما شعر بعطش شديد فطلب القليل من الماء ليشرب، صاح به الشرطي الإسرائيلي «بدك (هل تريد) بنزين (وقود) ولا مية نار (ماء نار) لتشرب». ويصف عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى، ما يتعرض له الأطفال الأسرى بجريمة حرب. ويتضح من حوادث مختلفة ليس فقط في التعامل مع الأسرى الأطفال أن ثمة تعليمات واضحة باستخدام العنف مع الأطفال. وليس أدل على ذلك من حادثة محمد التميمي، 12 عامًا، الذي اشتهر العام الماضي بعدما أظهر فيديو كيف أقدم أحد الجنود الإسرائيليين وهو يمتطي لثامًا بملاحقته وخنقه، على الرغم من أنه كان يعاني من كسر في يده ويصرخ بصوت عالٍ ويبكي. آنذاك كان قال محمد لـ«الشرق الأوسط»: «حسيتو (شعرت) بدو يذلني. كنت خايف بس بعد ما شفت أمي جايه بطلت خايف». وقال والدته إنه «منذ الحادثة يصر على النوم بجانبي». إنه الخوف الطبيعي الذي يتشارك مع القتل والاعتقال والضرب والإهانات والتشريد والاحتجاز والطرد والإعاقات، والإصابات التي تحول دون حياة كالحياة بالنسبة لغالبية الأطفال الفلسطينيين.

دعوات لانقلابيي اليمن بوقف تجنيد الأطفال
دأبت الميليشيات الانقلابية في اليمن على تجنيد الأطفال والتغرير بهم للقتال في جبهات القتال. وجرى أسر أعداد كبيرة من الأطفال المجندين، في حين تمت إعادة تأهيلهم لعدة أشهر، وتقديم دروس نفسية واجتماعية وعلمية وفنية لهم، قبل إعادتهم إلى أهاليهم في عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية. وبمناسبة اليوم العالمي للطفولة.. أطلقت السلطات في محافظة مأرب اليمنية سراح 5 من الأطفال المجندين في صفوف الميليشيات الحوثية.
إذ تطلق السلطات الأمنية في كل فترة، سراح العشرات منهم بعد العناية الكاملة، حيث سلموا إلى أهاليهم، بعد أن وجدوا عناية ورعاية وتعاملاً إنسانيًا من قبل الجهات التي احتجزتهم، سواء في عدن أو في مأرب وفقًا لمصادر عسكرية.
ودعا ناشطون إلى عدم إقحام الأطفال والنساء في القتال، لا سيما وأنهم يتركون في أحيان كثيرة في جبهات من دون حتى التسليح للدفاع عنهم. وقال وكيل محافظة مأرب، الدكتور عبد ربه مفتاح، إن إطلاق الأطفال المجندين الأسرى «جاء كمبادرة إنسانية بحتة دون أي صفقة مقابلة»، وأن السلطات بمأرب «ترعى وتبارك مثل هذه المبادرات».
وخلال مرحلة ما قبل الانقلاب وما بعده، جندت ميليشيات الحوثي – صالح، آلاف الأطفال في صفوفها، ففي محافظة تعز لوحدها بينت الإحصائيات تجنيد الميليشيات لنحو 5 آلاف طفل. في السياق ذاته، قال رئيس دائرة التوجيه المعنوي بالجيش اليمني، اللواء محسن خصروف، إن الميليشيات الانقلابية تزج بالأطفال في جبهات القتال دون مراعاة لحق الطفولة، مشيرًا إلى أن هذه الجريمة يعاقب عليها القانون اليمني وجميع القوانين الدولية والإنسانية، ولا يمكن أن تسقط بالتقادم. وذكر خصروف أن «توجيهات من قيادة الجيش اليمني لجميع الوحدات العسكرية بعدم قبول صغار السن في المؤسسات العسكرية والأمنية»، مثمنًا «دور السلطة المحلية بمأرب والمنظمات العاملة في حقوق الإنسان برعاية وتنظيم مثل هذه الفعاليات التي تثبت للعالم التزام الحكومة الشرعية بمواثيق ومبادئ حقوق الإنسان».
وأضاف المركز أن أهالي الأطفال الأسرى التزموا، خلال الفعالية، بـ«الحفاظ على أبنائهم وعدم الزج بهم في معارك خاسرة»، وقد استعرضت الفعالية الحقوقية بمأرب شهادات الأسرى المجندين ومدى الرعاية والاهتمام بهم من قبل الجيش اليمني، شاكرين جهود قيادة السلطة المحلية والجيش الوطني على هذه المبادرة الإنسانية».
وكشف تحقيق سابق لـ«الشرق الأوسط»، تفاقم ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل الميليشيات الانقلابية، وأن الميليشيات تستغل أوضاع الأسر الاقتصادية وجهلها، منتهكة بذلك طفولة الصغار الذين حولتهم إلى بيادق محاربة وقرابين مزهقة. وقال أحمد القرشي، رئيس منظمة «سياج» لحماية الطفولة، في التحقيق لـ«الشرق الأوسط»: «حسب تقديرات منظمة سياج فقد تزايدت معدلات تجنيد وإشراك الأطفال في الصراعات المسلحة منذ عام 2015 يتجاوز خمسة أضعاف ما كان عليه الحال في 2014 وما قبلها».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.