إنهاء الخلافات بين فصائل الغوطة الشرقية يمهّد لـ«غرفة عمليات مشتركة»

المرحلة المقبلة ستشهد جبهات جديدة لإيقاف زحف النظام والتخفيف عن ريف دمشق

شاب من بلدة داعل بريف درعا جنوب غرب العاصمة السورية يحاول إنقاذ متعلقات بيته الذي دمره قصف الطيران أمس (رويترز)
شاب من بلدة داعل بريف درعا جنوب غرب العاصمة السورية يحاول إنقاذ متعلقات بيته الذي دمره قصف الطيران أمس (رويترز)
TT

إنهاء الخلافات بين فصائل الغوطة الشرقية يمهّد لـ«غرفة عمليات مشتركة»

شاب من بلدة داعل بريف درعا جنوب غرب العاصمة السورية يحاول إنقاذ متعلقات بيته الذي دمره قصف الطيران أمس (رويترز)
شاب من بلدة داعل بريف درعا جنوب غرب العاصمة السورية يحاول إنقاذ متعلقات بيته الذي دمره قصف الطيران أمس (رويترز)

ضمن اتفاق وصف بـ«الأكثر جدية»، أنهى كل من «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن»، خلافاتهما في الغوطة الشرقية بريف دمشق لبدء مرحلة جديدة تهدف بشكل أساسي إلى توحيد الصفوف والبندقية باتجاه واحد، وهو النظام ومنع قواته من التقدم نحو منطقتهم. ويتوقع أن تشهد الأيام المقبلة الإعلان عن «غرفة عمليات مشتركة» تجمع ليس فقط الفصيلين إنما كل الفصائل الموجودة في الغوطة، وهي إضافة إليهما: «جيش الفسطاط» و«ألوية المجد» تحت قيادة موحدة أو إعادة تفعيل القيادة السابقة التي كان قد أنشأها القائد السابق لـ«جيش الإسلام» زهران علوش.
وفي بيان مشترك لـ«جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» أعلن الفصيلان عن وضع خطة من قبل الطرفين لحل الخلاف الحاصل بينهما وإنهائه بشكل كامل. وأشار إلى اتفاق الفصيلين على عدة «خطوات إيجابية» أهمها: «تحريم الاقتتال الداخلي لأي سبب من الأسباب»، وأكدا على الاحتكام في حال حدوث اقتتال، كما تضمنت البنود «الاتفاق على صون الجبهات ووضع كل الإمكانيات لأي جبهة تستدعي ذلك». وختم الفصيلان البيان المشترك ببند «رد الحقوق من الطرفين خلال سقف زمني وإقفال هذا الملف بالكامل»، مؤكدين على البدء بتنفيذ البند الأخير بدخوله حيز التنفيذ. وفي هذا الإطار، أوضح الناشط في ريف دمشق، ضياء الحسيني، أن هذا البند يرتبط بالأسلحة التي كان (فيلق الرحمن) استولى عليها من (جيش الإسلام) بحيث توصل الطرفان إلى اتفاق بشأن إعادة قائمة منها اعترف الفيلق بوجودها لديه. كما اتفقا على تقسيم التواجد العسكري في الأنفاق وتوزع المهام بشأنها، وذلك بعدما كانت قد انتهت قضية المعتقلين بتسليم كل جهة المتواجدين لديها.
من جهته، أوضح محمد علوش القيادي في «جيش الإسلام» في اتصال لـ«الشرق الأوسط»، أن الاتفاق الذي تم بين فصيله و«فيلق الرحمن» ليس خلافا على السلطة في الغوطة الشرقية، وإنما الخلاف كان «تراكميا»، موضحا أن المعارك توقفت منذ فترة بعيدة. واتفق علوش، مع ما ذهب إليه المراقبون في الشأن السوري، من أن المصالحات التي أجراها النظام مع البلدات الأخرى في غوطة دمشق وما حولها، شجعت بالإضافة إلى المعارك بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» على تفرد النظام بالمعارضة هناك.
وشدد علوش على أن أهل الغوطة صامدون منذ ثلاث سنوات ونصف السنة على الحصار والقصف المستمر، منوها إلى أن «سياسة هدنة الإذعان سيئة ولها آثار سلبية، وهي تعتبر جريمة حرب يرتكبها النظام، لأنها تعني التجويع مقابل الحياة في ظل الحكم».
وكانت العلاقات بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن قد توترت عقب عمليات الدهم والاعتقالات التي نفذها الأخير وطالت عددًا من عناصر جيش الإسلام وأقاربهم في عدة مدن وبلدات الغوطة الشرقية بريف دمشق قبل نحو ستة أشهر، كما تطورت الخلافات إلى نزاعٍ مسلّح في أبريل (نيسان) الماضي، وقضى خلالها المئات من عناصر الطرفين، وأدى ذلك إلى استفادة النظام من هذا الانقسام للتوغّل على عدة محاور في غوطة دمشق.
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط» أشار الحسيني إلى أن الاتفاق الذي جاء بعد ضغط شعبي من أبناء المنطقة على الفصيلين ودعوتهما للتوحّد هو نتيجة تفاهمات داخلية بعيدا عن أي وساطات خارجية، ترك ارتياحا على المؤسسات المدنية والعسكرية في المنطقة وفي صفوف الأهالي الذين عانوا فترة طويلة نتيجة هذا الانقسام والاقتتال بينهما. ولفت إلى أن تداعيات هذا الاتفاق الإيجابية بدأت تنسحب على الفصائل الأخرى المتواجدة في الغوطة، وهو ما قد يمهّد ويسهّل تشكيل «غرفة عمليات عسكرية مشتركة» أو تفعيل تلك التي سبق أن أسسها زهران علوش قبل اغتياله. وكان «جيش الفسطاط» قد عمد قبل يومين، إلى تسليم عدد من معامل الأسلحة وتحديدا تلك المتخصصة في تصنيع «قذائف الهاون» إلى جيش الإسلام، بعدما كان قد استولى عليها، بحسب الحسيني، لافتا إلى أن هذا الأمر من شأنه تعزيز المواجهة ضد النظام ويؤمن الدعم العسكري اللازم لها. وأشار إلى أن أبرز الجبهات التي قد تكون على خريطة العمل العسكري في الغوطة، هي: جوبر وزملكا ودير العصافير وجسرين وكلّها قريبة من العاصمة التي تشكل مصدر قلق بالنسبة للنظام، إضافة إلى المحمدية التي تعتبر استراتيجية. من هنا، يلفت إلى أن أهم الأهداف بالنسبة إلى فصائل المعارضة اليوم هي إيقاف زحف النظام نحو الغوطة، كما أن فتح هذه الجبهات من شأنه أن يخفف عن ريف دمشق الذي يحاول الأخير فرض خطة التهجير القسري فيها عبر إفراغها من سكانها ومن ثم العمل على فك الحصار عن المنطقة.
ويتعرض عدد من مناطق الغوطة لقصف مستمر ولا سيما منها دوما المحارة والتي يحاول النظام الضغط على أهلها لفرض عليهم ما بات يعرف بـ«اتفاق الهدنة» أو «المصالحة» التي تنتهي بتهجير الأهالي وإخراج فصائل المعارضة من المناطق.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.