الجزائر تنتخب.. و«التلاعب» والأمن أهم المخاوف

معسكر بوتفليقة: الرئيس سيصوت بنفسه

جزائرية تمر أمس في العاصمة بجانب ملصق دعائي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها اليوم (إ. ب. أ)
جزائرية تمر أمس في العاصمة بجانب ملصق دعائي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها اليوم (إ. ب. أ)
TT

الجزائر تنتخب.. و«التلاعب» والأمن أهم المخاوف

جزائرية تمر أمس في العاصمة بجانب ملصق دعائي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها اليوم (إ. ب. أ)
جزائرية تمر أمس في العاصمة بجانب ملصق دعائي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها اليوم (إ. ب. أ)

يتوجه الجزائريون اليوم إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للبلاد على مدى السنوات الخمس المقبلة، بيد أن مظاهر الحياة اليومية للناس في العاصمة مثلا، لا تبدو مختلفة كثيرا عن الأيام العادية. هدوء عام وحركة سير طبيعية ونقاشات متنوعة المواضيع بين التجمعات الشبابية لا تتطرق لموضوع الانتخابات والمرشحين بشكل كبير أو حاد. ترتفع على جنبات الشوارع الكبرى وواجهات المباني لافتات لصور بعض المرشحين وشعارات حملاتهم، لكن غالبية الناس يبدون منخرطين في شؤونهم الحياتية، وعندما تسأل عينات منهم عن آرائهم في اقتراع اليوم تجد إجابات متباينة، وإن كانت غالبيتها تصب في خانة «عدم الاقتناع» بأهمية الموعد الانتخابي ولا «بوعود» المرشحين.
اقتربت «الشرق الأوسط» من شاب في حي حيدرة الراقي، وسألته عن رأيه في المرشحين لمنصب الرئاسة، فرد بشكل مباشر: «لم يقنعني أحد من المرشحين». وأضاف أنه يرى انتخابات اليوم «مجرد حدث سياسي يهم في الحقيقة سياسيين عندهم أموال وثروات يريدون الدفاع عنها». وتابع: «كمال. و» وهو موظف قدم من مدينة تيزي وزو للعمل في شركة خاصة بالعاصمة وعمره 36 سنة، أنه سيتوجه يوم التصويت (يوم عطلة) إلى مدينته الأصلية في ولاية تيزي وزو (شرق) ويقضيه مع زوجته وابنتيه الاثنتين ولن يقترع مثلما لم يقترع من قبل في أي موعد، على حد قوله.
اقتربت من شاب آخر يبدو أصغر منه سنا وسألته عن رأيه فقال إنه في الحقيقة لا يعرف أسماء المرشحين عدا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و«أسمع عن بن فليس».
ورغم محاولات البحث عن رجل أو سيدة أو شاب يبدي موقفا مؤيدا لمرشح ما، فإن إجابات الغالبية كانت تصب في «عدم الاقتناع»، وهي كلمة رددها جميع من صادفتهم «الشرق الأوسط».
باقتراع اليوم، تكون الجزائر قد نظمت خامس انتخابات رئاسية تعددية منذ إلغائها نظام الحزب الواحد إثر انتفاضة عام 1988، ويبدو أن الجدل الذي صاحب كل تلك المواعيد، خصوصا جدل التزوير، أثر سلبا على الشباب الذين يمثلون أكثر من ثلاثة أرباع سكان البلاد. وقالت شابة تدعى نعيمة (25 سنة) وتعمل موظفة استقبال في فندق بالعاصمة، إنها لن تصوت هذه المرة لأنها «غير مقتنعة» أيضا، مضيفة أنها صوتت مرة واحدة في حياتها، خلال الانتخابات المحلية عام 2012. وحول رأيها في المرشحين الحاليين، قالت مباشرة إن بوتفليقة لم يكن من الأحسن له أن يترشح هذه المرة بالنظر إلى وضعه الصحي، و«أنا أشفق عليه». سألتها عما إذا كانت ستصوت عليه إذن لو كان وضعه الصحي جيدا فردت بسرعة أيضا: «نعم بكل تأكيد. لقد فعل أمورا كثيرة جيدة للبلاد». لكن رغم «رضاها» عن بوتفليقة، بدت نعيمة، خريجة علوم الكومبيوتر، ساخطة على المسؤولين في حكومته الذين «لم يحلوا مشكلة البطالة بين الشباب، كما لم يحلوا مشكلة العنف (المذهبي بين العرب المالكيين والميزاب الإباضيين) في مدينة غرداية» الجنوبية.
ويبدي الكثير من الشبان المحبطين من قلة فرص الشغل رغم توفر البلاد على احتياطي مالي وصل إلى 194 مليار دولار، سخطا واضحا على السياسيين الذين «يعيشون في عالم آخر غير عالم الجزائر العميقة»، ولا ينظرون إليهم «إلا كخزان للأصوات» على حد تعليقات كثيرين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط».
ورغم ضعف الاهتمام بالحدث، تنتشر في أحياء العاصمة إشاعات عن احتمال اندلاع ما يمكن وصفه بفوضى قد تنجم إذا أعلن عن فوز بوتفليقة واختار معسكر بن فليس الاحتجاج على النتيجة، وأيضا بسبب الاحتجاجات المتقطعة منذ أشهر رفضا لترشح بوتفليقة لفترة جديدة. وكان من أبرز مظاهر هذه المخاوف، ملاحظة طوابير طويلة أمام محطات بيع الوقود، إذ قال سكان لـ«الشرق الأوسط» إن حالة هلع تسود بين الناس منذ أيام تحسبا لعنف، لكن سكانا آخرين هونوا من الأمر قائلين إن طوابير الوقود الطويلة أمر معتاد في البلاد.
عشية الاقتراع بدت الطبقة السياسية والمثقفة منقسمة إلى حد كبير إزاء النتيجة المتوقعة والتداعيات المحتملة. ورأى سياسي بارز تحدثت إليه «الشرق الأوسط» أن هذه الانتخابات «ليست كسابقاتها لأنها تأخذ شكل استفتاء» على مواصلة حكم بوتفليقة أو التغيير، والمواطن عموما لن يذهب «للاختيار بين برامج». إلا أن المحللين المرتبطين بمرشحين يتحدثون عن وجود برامج تتطرق لهموم الناس وتطلعات الأجيال المقبلة. وشدد إسماعيل دبش الأكاديمي البارز والعضو في الجهاز القيادي بحزب الغالبية الداعم بقوة لبوتفليقة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على الفرص القوية لفوز بوتفليقة بالنظر إلى «ثلاث أوراق» يتطلع إليها الناخب، لخصها في أن الشعب يريد من يضمن له البعد الاجتماعي الاقتصادي ثم الاستقرار العام، وأخيرا احتواء التداعيات الإقليمية الناجمة عن «الربيع العربي». ورأى دبش أن بوتفليقة يتفوق على منافسيه في ضمان تحقيق الأبعاد الثلاثة.
في المعسكر المقابل، قال جهيد يونسي، وهو مرشح رئاسي سابق ويدعم الآن بن فليس، لـ«الشرق الأوسط»، إن الرجل الذي يقف إلى صفه «يملك مشروعا تغييريا على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي». وأضاف: «من خلال نزولنا في الولايات، لاحظنا التفافا متزايدا حول مشروع بن فليس».
يذكر أن يونسي، زعيم حركة الإصلاح ذات التوجه الإسلامي، كان ترشح لانتخابات الرئاسة عام 2009. واختار في هذا الاستحقاق دعم بن فليس «لأننا رأينا فيه نظافة اليد والاستقامة والخلق إضافة إلى امتلاكه مشروعا تغييريا».
وتشهد انتخابات العام الحالي، للمرة الأولى، غياب أي مرشح إسلامي، وهو بعد جاء في الحقيقة نتيجة اعتراض الأحزاب الإسلامية على ترشح بوتفليقة (77 سنة) لفترة جديدة في ظل وضعه الصحي المعروف، وأيضا بسبب إقدام المحيطين به على ترشحيه وخوض حملته في عملية عدتها المعارضة ترشيحا بالوكالة.
وعد محللون هذا الأمر سابقة سلبية. وقال محمد أرزقي فراد، البرلماني السابق والمعارض المعروف، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الانتخابات «تجري وسط عناصر طارئة، أهمها مرض الرئيس وترشحه بالوكالة (من قبل محيطيه) ودخوله حملة انتخابية وهو محجوب عنها»، مضيفا أن «هذه ظاهرة لم تحدث في العالم وتركت أثرا سيئا لدى الرأي العام».
ودفعت هذه «الظاهرة» بخمسة أحزاب معارضة مدعومة بمرشح رئاسي قرر في اللحظة الأخير عدم المشاركة، هو أحمد بن بيتور، إلى اتخاذ قرار بالمقاطعة لأن «اللعبة باتت مغلقة»، أي أن الاقتراع صار محسوم النتيجة سلفا. وانتظم هؤلاء المقاطعون في «مجموعة الستة» بهدف شن حملة موازية لحملة المتنافسين تدعو الناس إلى مقاطعة الاقتراع. وضمت هذه المجموعة عدة تشكيلات مثل «حركة مجتمع السلم» الإسلامية التوجه، وحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (العلماني)، وحزب «جيل جديد». لكن معسكر بوتفليقة يقول إن هؤلاء قرروا المقاطعة لأنهم عاجزون عن المنافسة. وقال دبش إن «دعاة المقاطعة يتغطون بالمقاطعة لأنهم إذا ترشحوا فلن يكون لهم الوزن الذي يريدون إظهاره، بمن فيهم الإسلاميون الذين لم يحصلوا على نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية الماضية»، على حد قوله.
وأثر الجدل حول ترشح بوتفليقة وبروز دعاة المقاطعة وظهور الحراك الاحتجاجي في الشارع، على القضايا والبرامج المطروحة خلال الحملة، إذ غابت المناظرات الجادة واكتفى المتحدثون بملامسة سطحية لهموم المواطنين وتقديم وعود عامة، وإن كانت هذه الظاهرة برزت حتى في حملات العمليات الانتخابية السابقة. ويقول سفيان مالوفي، وهو مدير وكالة «ميديا أند سيرفي» المعنية بالدراسات التسويقية وقياس أداء وسائل الإعلام في الجزائر، إن «الارتجالية حلت مكان الخطاب البناء» في حملة هذه الانتخابات. وسجل مالوفي غياب استراتيجية واضحة لدى المرشحين، مشيرا إلى نقص الإمكانيات والتأطير في مجال تسويق الأفكار السياسية للمرشحين. وأضاف أن حملتي بوتفليقة وبن فليس شكلتا استثناء فيما يخص توفر هذه الإمكانيات، إلا أن المحتوى والرسائل الموجهة اتسمت بالرداءة وكانت موجهة في الغالب من مرشح إلى مرشح آخر عوض أن تكون موجهة من المرشح إلى الشعب.
ورغم التشاؤم والجدل بشأن الاقتراع، لم يخف محللون وجود منافسة قوية بين بوتفليقة وبن فليس الذي برز مرشحا قويا وأدى حملة ربما كانت الأحسن، حسب رأيهم، مقارنة بالمرشحين الآخرين. ولم يستبعد محللون متابعون بدقة لتفاصيل شؤون الحكم في البلاد، وجود فرصة جيدة أمام بن فليس للفوز بنسبة تمكنه من المرور إلى الدور الثاني مع بوتفليقة. ووفقا لقانون الانتخابات سيجري تنظيم دورة ثانية إذا لم يحصل أي من المرشحين على نسبة 50 في المائة من الأصوات، بعد نحو أسبوعين على الدورة الأولى. وقال فراد: «إن محيط الرئيس تلقى ضربات موجعة وتأثر كثيرا بالمسيرات المناهضة للعهدة الرابعة وتغطية بعض وسائل الإعلام غير الحكومية ومن الممكن جدا أن نذهب إلى دور ثان بين بوتفليقة وبن فليس».
ويجادل المتحدثون عن صعود بن فليس خلال الحملة، بأنه لم يحظ بتأييد شعبي فقط وإنما بتأييد دوائر مهمة في الطبقة السياسية والدوائر النافذة في الحكم. وبسبب هذا النوع من الدعم، عد كثيرون بن فليس «مرشحا ثانيا للنظام». وقرأ محللون تصريح بن فليس المتكرر على أنه «لن يسكت إذا جرى تزوير النتائج»، على أنه يستند إلى «دعم مواز خفي» من جهات نافذة في دوائر الحكم. ويقول فراد لـ«الشرق الأوسط»: «بالنظر إلى العلاقة الفاترة بين جهاز المخابرات والرئاسة، فإنه من الممكن أن يرفع جهاز الاستعلامات والأمن (المخابرات) يده عن الإرادة الشعبية»، في إشارة إلى سعي الجهاز الأمني النافذ للزوم الحياد. ويضيف فراد أن «بن فليس صرح خلال الحملة بأنه لن يفرط في الأصوات التي سيحوزها، فهل معنى هذا أنه تلقى ضمانات من الجهة التي اعتادت تجاوز الإرادة الشعبية وبالتالي ستكون الانتخابات هذه المرة حرة ونزيهة؟ لست أدري».
وبدوره، علق زعيم حزب معارض لـ«الشرق الأوسط»، على ما يدور من أنباء عن تعويل بن فليس على دعم جهات نافذة في الحكم، فقال: «عندما ندقق في محيط بن فليس، نجد أن هذا المعسكر يضم الكثير من الوزراء السابقين والمتقاعدين من الجيش. الرجل يملك أيضا قاعدة حزب جبهة التحرير، وأعتقد أن لديه مؤشرات إيجابية تتركه يطمح للفوز».



ما تأثير نتيجة الانتخابات الأميركية في أفريقيا؟

المرشحان لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس (أ.ب)
المرشحان لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس (أ.ب)
TT

ما تأثير نتيجة الانتخابات الأميركية في أفريقيا؟

المرشحان لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس (أ.ب)
المرشحان لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب وكامالا هاريس (أ.ب)

وسط حالة ترقب لسباق الرئاسة الأميركية، تطرح الانتخابات، المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، التي يتنافس فيها المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والجمهوري دونالد ترمب، تساؤلات حول مدى تأثير النتيجة على العلاقات الأميركية - الأفريقية.

وبينما لم يكترث كثيراً كلا المرشحين، هاريس وترمب، بالأوضاع في أفريقيا خلال حملاتهما الانتخابية، يرى خبراء أن «أياً منهما أمام تحدي مجابهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد في أفريقيا»، فيما تباينت تقديراتهم بشأن «درجات اهتمام واشنطن بعلاقاتها مع دول القارة، حال فوز ترمب أو هاريس».

وسيتعين على الإدارة الأميركية الجديدة، التي ستتولى مهامها في يناير (كانون الثاني) المقبل، التعامل مع جملة التحديات الأمنية والسياسية في أفريقيا، في مقدمتها التوترات في منطقة القرن الأفريقي، والبحر الأحمر، والحرب الداخلية في السودان، وتراجع الوجود الغربي في منطقة الساحل الأفريقي، فضلاً عن مجابهة النفوذ المتصاعد لكل من روسيا والصين.

وتتصدر الصين قائمة الشركاء التجاريين مع أفريقيا، على حساب واشنطن، منذ 2009، وسجل معدل التبادل التجاري لبكين 282.1 مليار دولار عام 2023، مقابل 80 مليار دولار للولايات المتحدة.

ويعتقد المحلل السياسي الأميركي ماك شرقاوي، أن «أفريقيا إلى حد ما لم تحظَ بالاهتمام الكافي من واشنطن خلال العقدين الماضيين، ولم تحظَ بأولوية في سياساتها الخارجية»، وأن «واشنطن أصبحت متأخرة أفريقياً»، في مقابل تصاعد نفوذ قوى أخرى مثل الصين وروسيا. ودلَّل على ذلك بـ«الدور الروسي في الانقلابات الأخيرة التي شهدتها منطقة الساحل الأفريقي، في النيجر ومالي وبوركينا فاسو».

ويرجح شرقاوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تشهد العلاقات الأميركية مع أفريقيا، تطوراً أكثر إيجابية حال فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات، بصيغة تفوق تعامل إدارة بايدن الحالية»، بالنظر إلى ما سماها «العلاقات الجادة من إدارة ترمب السابقة لتعزيز التعاون الأمني مع السودان، بعد رفع اسمها من قوائم الإرهاب»، إلى جانب «التدخل الإيجابي في قضية سد النهضة الإثيوبي، واستضافة البيت الأبيض جولة تفاوض عام 2020».

وفي أبريل (نيسان) الماضي، قررت الولايات المتحدة، سحب قواتها، البالغ قوامها أكثر من ألف جندي، من النيجر، بعد إلغاء السلطات في (نيامي)، اتفاقية عسكرية مع واشنطن جرى توقيعها عام 2012، وفي المقابل عززت روسيا من تقاربها مع النظام العسكري النيجري، بإرسال خبراء عسكريين في مايو (أيار) الماضي لرفع قدرات الجيش النيجري.

ولا يتوقع المحلل السياسي الأميركي تنامياً لافتاً في العلاقات حال فوز مرشحة الديمقراطيين، وقال إن «قضايا أفريقيا لا تحظى بأولوية أجندة هاريس»، وتوقع عدم تغيير في مستوى العلاقات عن إدارة بايدن، معتبراً أنها «ستعتمد في إدارة الأمور على مستشاريها، وستركز فقط على المستوى الأمني والعسكري».

وأضاف: «الديمقراطيون لا يعبأون كثيراً بأفريقيا، ولم تشهد العلاقات مع القارة السمراء تطوراً في عهد الإدارات الديمقراطية».

وتأتي الانتقادات لعلاقات إدارة بايدن بأفريقيا، على الرغم من وضع إدارة الرئيس الأميركي الحالي استراتيجية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء (أعلنتها في أغسطس - أب 2022)، تضمنت: «تشجيع الانفتاح وسيادة القانون والعدالة، وتعزيز الديمقراطية ووقف الانقلابات العسكرية ودعم المجتمع المدني، ودعم التعافي من جائحة كورونا، ودعم المحافظة على البيئة والتكيف المناخي».

كما دعا بايدن إلى القمة الأميركية - الأفريقية الثانية، في ديسمبر (كانون الأول) 2022 في واشنطن، بمشاركة 49 من قادة الدول الأفريقية، في أكبر تجمع دبلوماسي شهدته أميركا بعد جائحة كورونا، وتعهدت الإدارة الأميركية بتقديم 55 مليار دولار لدعم أولويات التعاون مع أفريقيا.

مصافحة بين الرئيس الغاني نانا أكوفو-أدو ونائبة الرئيس كامالا هاريس في أكرا العام الماضي (رويترز)

أميركا أولاً

ويفرِّق أستاذ العلوم السياسية في جامعة زايد الإماراتية، والخبير في الشأن الأفريقي، الدكتور حمدي عبد الرحمن، بين نوعين من السيناريوهات في مستقبل الحضور الأميركي في أفريقيا، بعد الانتخابات المقبلة، وقال إن السيناريو الأول، حال فوز ترمب، من المتوقع أن «تشهد العلاقات مزيداً من العزلة، مع عودة تبني سياسة (أميركا أولاً)».

وأعاد عبد الرحمن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، ذلك إلى تركيز المرشح الجمهوري على «النزعة الاقتصادية ودبلوماسية الصفقات، وتبني سياسة الضرورة وعدم التداخل»، وهو ما سيؤدي إلى «تراجع الوجود الأميركي، مقابل تصاعد النفوذ الروسي والصيني والهندي، مع ضعف تعاون واشنطن مع أفريقيا في مجالات حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية».

السيناريو الآخَر، وفق خبير الشؤون الأفريقية، في حال فوز هاريس، يُتوقع «إعطاء واشنطن أولوية كبيرة لقضايا حقوق الإنسان والحوكمة، وقضايا المناخ»، ورجَّح أن «تركِّز المرشحة الديمقراطية على الشراكة مع أفريقيا، في مواجهة النفوذ الصيني والروسي في القارة».

وفي أول جولة خارجية لها، بصفتها نائبة للرئيس الأميركي، زارت هاريس، 3 دول أفريقية نهاية مارس (آذار) 2023، شملت غانا وتنزانيا وزامبيا، ووصفتها بأنها «بياناً إضافياً لعلاقة الصداقة الطويلة والدائمة من الولايات المتحدة والقارة الأفريقية»، وقالت إنها «تريد تعزيز النمو الاقتصادي والأمن الغذائي في القارة».

على النقيض، لا يتوقع المحلل السياسي السوداني، والمدير التنفيذي لمركز «فكرة» للدراسات، أمجد فريد، تغييراً في سياسة واشنطن تجاه القارة الأفريقية حال فوز أي من المرشحين، ترمب أو هاريس، مشيراً إلى أن «السياسة الخارجية الأميركية لديها ثوابت لا تتغير بتغير إدارة الحزبين»، وقال إن الانتخابات الحالية «تسيطر عليها القضايا الأميركية الداخلية، بشكل أكبر من الاهتمام بالأحداث العالمية».

وقال فريد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الدور الأميركي يواجه حالة من الضعف في أفريقيا حالياً»، وتوقع «تغيير المرشحة الديمقراطية طريقة إدارة بايدن التي كانت تعتمد على (موظفين غير سياسيين) في الملفات الخارجية، وستركز على مناصرة قضايا الحريات والديمقراطية»، وفي المقابل «سيواصل المرشح الجمهوري، سياسته البراغماتية لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة في علاقاته مع الدول الأفريقية».

وخلال الفترة السابقة لترمب (2017 - 2021)، لم يُجرِ أي زيارة لقارة أفريقيا، واستقبل في البيت الأبيض ثلاثة رؤساء أفارقة هم قادة «مصر ونيجيريا وكينيا».

توترات القرن الأفريقي

ويُجمع الخبراء على أن القارة الأفريقية باتت ساحة للتنافس الدولي بين القوى الغربية ممثلةً في الولايات المتحدة وأوروبا، في مواجهة قوى شرقية، خصوصاً روسيا والصين، وقوى صاعدة مثل الهند وتركيا، ويُحذر عبد الرحمن، من ازدياد المنافسة على نفوذ تلك الدول في القارة، مشيراً إلى أنها «ستعزز التوترات الجيوسياسية في أفريقيا، وستهدد الاستقرار الإقليمي، خصوصاً في مناطق مثل القرن الأفريقي والساحل».

ولا يختلف في ذلك، شرقاوي، حيث حذَّر من المواجهة بين «واشنطن والقوى الدولية الأخرى في منطقة القرن الأفريقي»، ورأى أن تلك المنطقة «أكبر مشكلة ستواجه العالم خلال العقد الحالي»، وقال: «إذا انفجر صراع في هذه المنطقة سيؤثر بالسلب على الاقتصاد العالمي كله، وحركة التجارة العالمية».

وفي آخر جولة أفريقية لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، لأفريقيا، في يناير (كانون الثاني) الماضي، وشملت 4 دول (الرأس الأخضر، وكوت ديفوار، ونيجيريا، وأنغولا)، قال إن «بلاده هي الشريك الأمني الأفضل للقارة بدلاً من مجموعة (فاغنر) الروسية، التي اتهمها باستغلال دول تعاني الانقلابات والنزاعات والجماعات المتطرفة في منطقة الساحل».