جائزة الملك فيصل تقيم في عمّان ندوة «التراث العربي والنظريات الحديثة»

يشارك فيها الفائزان بجائزة اللغة العربية والأدب 2016

د. محمد عبد المطلب - د. محمد مفتاح
د. محمد عبد المطلب - د. محمد مفتاح
TT

جائزة الملك فيصل تقيم في عمّان ندوة «التراث العربي والنظريات الحديثة»

د. محمد عبد المطلب - د. محمد مفتاح
د. محمد عبد المطلب - د. محمد مفتاح

تقيم جائزة الملك فيصل العالمية، يوم الاثنين المقبل ندوة في العاصمة الأردنية عمّان بعنوان: «التراث العربي والنظريات الحديثة»، بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان في عمان، يشارك فيها الفائزان بجائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية والآداب لهذا العام، الأكاديمي المصري الدكتور محمد عبد المطلب، أستاذ النقد والبلاغة بكلية الآداب بجامعة عين شمس، والأكاديمي المغربي الدكتور محمد مفتاح، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وتقام الندوة في منتدى عبد الحميد شومان بمقر المؤسسة في العاصمة عمّان. وتأتي هذه الفعالية في إطار برامج جائزة الملك فيصل العالمية للتعاون مع المؤسسات العلمية والثقافية العربية والعالمية في تنظيم فعاليات ثقافية وعلمية بمشاركة الفائزين بالجائزة.
وكان الأكاديميان المصري محمد عبد المطلب، والمغربي محمد مفتاح، قد فازا مناصفة بجائزة الملك فيصل العالمية في حقل اللغة العربية والأدب، لعام 2016، وتم اختيار عبد المطلب «نظير إنجازاته في مجال التحليل التطبيقي للنصوص الشعرية؛ إذ درس النصوص بكفاءة واقتدار، موائمًا بين معرفة عميقة بالتراث والنظريات الأدبية الحديثة». أما الدكتور مفتاح فتم اختياره «تقديرا لجهوده العلمية المميزة في تحليل النص الشعري العربي؛ إذ وظف معارفه العلمية الحديثة في تحليل النصوص الشعرية بعمق وأصالة، مع قدرة فذة في الوصف والتحليل، ووعي بقيمة التراث وانفتاح على الثقافة الإنسانية».
ولد الأستاذ الدكتور محمد عبد المطلب مصطفى في مدينة المنصورة (مصر) عام 1937، وهو حاصل على الدكتوراه في النقد والبلاغة من كلية الآداب بجامعة عين شمس بالقاهرة عام 1978. وأصبح أستاذا متفرغًا بكلية الآداب بجامعة عين شمس منذ عام 2007. وعمل على مدار خمسة وثلاثين عامًا في المجال الأكاديمي، وتدرج فيه منذ تعيينه مدرسًا بقسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب بجامعة عين شمس عام 1979 حتى أصبح أستاذا للنقد والبلاغة في عام 1990، ورئيسًا لقسم اللغة العربية في عام 2000م. وقد أنجز خلال مسيرته العلمية الحافلة نحو 30 كتابًا والكثير من البحوث والمقالات المنشورة في المجلات العربية، التي تناول فيها التراث والحداثة في الشعر والنقد والبلاغة واللغة والثقافة؛ بما في ذلك إنجازاته في مجال التحليل التطبيقي للنصوص الشعرية ودراستها في ضوء معرفته العميقة بالتراث والنظريات الأدبية الحديثة.
أما الدكتور محمد الغزواني مفتاح فقد ولد في الدار البيضاء (المغرب) عام 1942. وحصل على دكتوراه السلك الثالث عام 1974، ودكتوراه الدولة في الآداب عام 1981. وقد تخصص في فكر المغرب الإسلامي والمناهج النقدية القديمة والمعاصرة. وهو حاليًا أستاذ متقاعد من جامعة محمد الخامس بالرباط. عمل بالتدريس في جامعة الرباط منذ عام 1971، ونال رتبة الأستاذية في عام 1981. وقام بتدريس وحدة «أساليب الكتابة في المغرب الإسلامي»، ووحدة «النقد والبلاغة الجديدة» لطلاب الدراسات العليا، وأسس من خلال كتبه ودراساته وأبحاثه المتنوعة والمترابطة، مشروعًا فكريًا وتنظيريًا رائدًا يقوم على التحليل العميق للخطاب الشعري وعلاقته بالفنون الأخرى، والمعرفة العميقة بقيمة التراث والانفتاح على الثقافة الإنسانية، والسعي إلى إبراز القيم الإنسانية السامية التي يعبر عنها الشعر بمختلف أنواعه وأشكاله وعصوره.
يذكر أن جائزة الملك فيصل العالمية تأسست في عام 1976، التي تمنح جوائز سنوية في خمس مجالات للمبدعين العالميين الذين «أوقفوا حياتهم للعلم، وحققوا إنجازات فريدة كان لها مردودها الإيجابي في مجالات إبداعهم»، والمجالات الخمس هي: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، واللغة والآداب العربية، والعلوم، والطب.



قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية
TT

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

قصة «أيمن» الحقيقي بطل القصيدة والأغنية

لطالما كانت كلمات الأغاني محل اهتمام البشر بمختلف أجناسهم وأعمارهم وشرائحهم الاجتماعية والثقافية. وإذا كانت القلة القليلة من الباحثين وأهل الاختصاص تحصر تعاملها مع الأغاني في الإطار النقدي، فإن معظم الناس يبحثون في كلماتها، كما في اللحن والصوت عما يحرّك في دواخلهم أماكن الرغبة والحنين وترجيعات النفس والذاكرة. لا، بل إن بعض الأغاني التي تعجز عن لفت انتباه سامعيها بسبب سذاجتها أو مستواها الهابط سرعان ما تكتسب أبعاداً وتأثيرات لم تكن لها من قبل، حين يمرون في تجربة سفر أو فراق أو حب عاصف أو خيانة غير متوقعة.

وحيث لا يُظهر البعض أي اهتمام يُذكر بالدوافع التي أملت على الشعراء كتابة النصوص المغناة، فإن البعض الآخر يجدُّون بدافع الفضول أو المعرفة المجردة، في الوقوف على حكايات الأغاني ومناسباتها وظروف كتابتها. وهو فضول يتضاعف منسوبه إذا ما كانت الأغنية تدور حول حدث بعينه، أو اسم علم مبهم الملامح وغير مكتمل الهوية.

وإذا كان لموت الأبطال في الملاحم والأساطير وحركات المقاومة تأثيره البالغ في النفوس، فإن موت الأطفال في الحروب يكتسب تأثيره المضاعف لأنه ينتقل من الخاص إلى العام فيصيب البراءة في عمقها ويسدد طعنته القاتلة إلى نحر الأحلام ووعود المستقبل. وهو ما جسّدته بشكل جلي أعداد وافرة من الروايات واللوحات التشكيلية والقصائد والأغاني، بدءاً من قصيدة «الأسلحة والأطفال» لبدر شاكر السياب، وليس انتهاءً بشخصية «شادي» المتزلج فوق ثلوج الزمن الذي حولته الأغنية الفيروزية رمزاً أيقونياً لتراجيديا البراءة الطفولية التي قصفتها الحرب في ريعانها.

ولم تكن مأساة «أيمن» الذي قتلته الطائرات الإسرائيلية المغيرة على الجنوب اللبناني في نهاية عام 1977 والتي استوحيت من حادثة استشهاده القصيدة التي تحمل الاسم نفسه، سوى حلقة من حلقات التراجيديا الإنسانية التي تجدد نفسها مع كل صراع قومي وإثني، أو مواجهة قاسية مع الطغاة والمحتلين. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الفارق بين شادي وأيمن هو أن الأول قد اخترعه الرحبانيان بخيالهما المحض، في حين أن أيمن كان طفلاً حقيقياً من لحم ودم، قضى في ظل الظروف نفسها والصراع إياه.

أما الفارق الآخر الذي لا ينبغي إغفاله، فيتمثل في كون النص الرحباني كُتب في الأساس ليكون جزءاً من مسرح الأخوين الغنائي، في حين أن قصيدة أيمن لم تُكتب بهدف الغناء، رغم أن جرسها الإيقاعي سهّل أمر تلحينها وغنائها في وقت لاحق. ومع ذلك، فإن ما يثير العجب في تجربة الرحبانيين هو أن كتابة النص أغنيةً لم تنقص بأي وجه من رشاقته وعوالمه الساحرة وأسلوبه التلقائي.

والواقع أنني ما كنت أعود لقصة أيمن بعد 47 عاماً من حدوثها، لو لم تكن هذه القصة محلّ أخذ ورد على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، فهوية الطفل القتيل قد حُملت من قِبل المتحدثين عنها على غير رواية ووجه. على أن تبيان وقائع الحدث المأساوي لا بد أن تسبقه الإشارة إلى أن الفنان مرسيل خليفة الذي كانت تربطني به ولا تزال صداقة وطيدة، كان قد فاتحني بشأن كتابة نص شعري يعكس مأساة لبنان الرازح تحت وطأة حربه الأهلية، أو معاناة الجنوبيين وصمودهم في وجه العدو الإسرائيلي. ومع أنني عبّرت لمرسيل عن حماسي الشديد للتعاون معه، وهو الذي اعتُبر أحد الرموز الأبرز لما عُرف بالأغنية الوطنية أو الملتزمة، أبديت في الآن ذاته توجسي من أن يقع النص المطلوب في مطب الحذق التأليفي والصنعة المفتعلة. وإذ أجاب خليفة الذي كان قد أنجز قبل ذلك أغنيات عدة مقتبسة من نصوص محمود درويش، بأن المسألة ليست شديدة الإلحاح وأنه ينتظر مني الاتصال به حالما ينجز الشيطان الذي يلهمني الشعر مهماته.

ولم يكد يمرّ أسبوعان اثنان على لقائي صاحب «وعود من العاصفة»، حتى كنت أتصل هاتفياً بمرسيل لأسمعه دون إبطاء النص الذي كتبته عن أيمن، والذي لم يتأخر خليفة في تلحينه وغنائه. لكن مَن هو أيمن؟ وفي أي قرية وُلد وقضى نَحْبَه؟ وما هي قصته الحقيقية وسبب معرفتي به وبمصيره الفاجع؟

في أوائل سبعينات القرن المنصرم وفي قرية «العزّية» الجنوبية القريبة من الطريق الساحلية الواقعة بين صور والبيّاضة وُلد أيمن علواني لأب فلسطيني وأم لبنانية من بلدة برجا اللبنانية الشوفيّة. وإذ كانت معظم أراضي القرية ملكاً لعائلة سلام البيروتية المعروفة، فقد قدُمت العائلة إلى المكان بهدف العمل في الزراعة شأنها في ذلك شأن عائلات قليلة أخرى، ليؤلف الجميع مجمعاً سكنياً صغيراً لا يتجاوز بيوته العشرين بيتاً، ولا يبلغ سكانه المائة نسمة. أما البساتين الممتدة هناك على مرمى البصر، فقد كان يتعهدها بالنمو والخصوبة والاخضرار نبع دائم الجريان يحمل اسم القرية، ويختتم سلسلة الينابيع المتقطعة الذي يتفتح أولها في كنف الجليل الفلسطيني دون أن يتمكن آخرها من بلوغ البحر.

شكَّل نبع العزية جزءاً حيوياً من مسرح طفولتي الأولى، حيث كان سكان قريتي زبقين الواقعة على هضبة قريبة من مكان النبع يقصدونه للسباحة والاستجمام ويلوذون بمياهه المنعشة من حر الصيف، كما أن معرفتي بأيمن وذويه تعود إلى عملي في التدريس في ثانوية صور الرسمية، حيث كان من بين تلامذتي خالة الطفل وبعض أقاربه الآخرين. وحين قصف الإسرائيليون بيوت القرية الوادعة بالطائرات، متسببين بتدمير بيوتها وقتل العشرات من سكانها الآمنين، ومتذرعين بوجود معسكر تدريب فلسطيني قريب من المكان، فقد بدا اغتيال أيمن ذي الوجه القمري والعينين الخرزيتين بمثابة اغتيال لطفولتي بالذات، ولكل ذلك العالم المصنوعة فراديسه من قصاصات البراءة ونثار الأحلام. وفي حين لم أجد ما أردّ به على موت أيمن سوى كتابة القصيدة التي تحمل اسمه، فإن ذوي الطفل القتيل قرروا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فأنجبوا طفلاً آخر يحمل اسم ابنهم الراحل وملامحه، ويواصل حتى الساعة الحياة بالأصالة عن نفسه ونيابة عن أخيه.

بعد ذلك بات اسم أيمن بالنسبة لي محفوراً في مكان عميق من القلب والذاكرة إلى حد أنني كلما قرأته في جريدة أو كتاب، أو قابلت أحداً بهذا الاسم تناهت إلي أصداء ضحكات الطفل القديم وأطيافه المدماة على ضفاف نبع العزية. ومع ذلك، فإن السيناريو الذي ضجت به في الأسابيع الأخيرة مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ومفاده أن قصيدة أيمن قد استوحيتْ من مقتل الطفل أيمن رحال إثر غارة إسرائيلية على قرية طير حرفا الجنوبية عام 1978، لم يكن هو وحده ما أصابني بالذهول، بل معرفتي بأن الرقيب في الجيش اللبناني الذي استُشهد مؤخراً بفعل غارة مماثلة هو الشقيق البديل لأيمن الأول.

ومع أنه لم يسبق لي معرفة أيّ من «الأيمنين» الآخرين، إلا أن نسبة القصيدة إليهما لا تضير الحقيقة في شيء، بل تؤكد مرة أخرى على أن الشعر كما الأغنية والفن على نحو عام يتجاوز الحدث الباعث على كتابته ليلد نفسه في كل زمن، وليتجدد مع كل مواجهة غير عادلة بين الأطفال والطائرات. لكن كم من أيمن عليه أن يسقط، وكم من قصيدة ينبغي أن تُكتب لكي يرتوي القتلة من دم القتلى وتأخذ الحرية طريقها إلى التفتح؟