إيران تنقل أطنانًا من الماء الثقيل إلى عُمان لتبريد التوتر النووي

طهران تعرضت لانتقادات شديدة لتجاوز مخزون مواد حساسة تنتج البلوتونيوم

ينص القرار 2231 على الرقابة المشددة في مفاعل الماء الثقيل في أراك 240 كيلومترا جنوب طهران (أ.ب)
ينص القرار 2231 على الرقابة المشددة في مفاعل الماء الثقيل في أراك 240 كيلومترا جنوب طهران (أ.ب)
TT

إيران تنقل أطنانًا من الماء الثقيل إلى عُمان لتبريد التوتر النووي

ينص القرار 2231 على الرقابة المشددة في مفاعل الماء الثقيل في أراك 240 كيلومترا جنوب طهران (أ.ب)
ينص القرار 2231 على الرقابة المشددة في مفاعل الماء الثقيل في أراك 240 كيلومترا جنوب طهران (أ.ب)

کشفت مصادر أمیرکیة مطلعة أن إيران تتجه لشحن 11 طنًا من الماء الثقيل إلى خارج البلاد خلال الأيام القليلة المقبلة، في خطوة تهدف إلى تبريد التوتر مع واشنطن والأطراف الأخرى في مجموعة «5+1»، والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الاتفاق النووي.
وفي وقت سابق من الأسبوع الحالي، أعرب رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، عن قلقه من تجاوز إيران وللمرة الثانية عتبة 130 طنًا من مخزون الماء الثقيل خلافًا لنص الاتفاق النووي، وطالبت أمانو طهران بالتوقف عن تجاوزها المتكرر للحد الأقصى لمخزونها من الماء الثقيل، وقال إن تكرار التجاوز من شأنه تقويض الثقة اللازمة للتنفيذ الكامل لاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وعقب إعلان الوكالة الدولية نفى المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي أن يكون قد حدث اختراق للاتفاق النووي، وقال إنه «تجاوز في حدود المخزون المتفق عليه بمقدار 900 كيلوغرام» لكن إعلان «وول ستريت جورنال» عن نقل 11 طنًا قد يثير تساؤلات حول مصداقية طهران.
على المنوال نفسه، شدد أمانو الخميس الماضي، على ضرورة تطبيق طهران للبرتوكول الإضافي الذي يشدد الرقابة على منع استخدام المواد النووية الحساسة مثل الماء الثقيل لأغراض التسلح النووي، مؤكدًا «مواصلة الرقابة المشددة على برنامج إيران النووي لضمان عدم انحرافه لأغراض التسلح النووي، وتقييم خلو برنامجها من تلك التجاوزات».
وكان الصدام بشأن كميات الماء الثقيل الإيرانية قد نشب خلال الأيام التي أعقبت انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، والذي هدد خلال حملته الانتخابية الرئاسية بـ«تمزيق» الاتفاق النووي مع إيران. وبموازاة ذلك، ارتفعت حدة الخلاف حول تنفيذ الاتفاق النووي في طهران عقب مخاوف من تنفيذ ترامب وعود مراجعة الاتفاق النووي أو إلغائه وفق وعوده الانتخابية.
ومن بين أهم الأهداف التي يتابعها الاتفاق النووي ويتبعه القرار 2231 الصادر من مجلس الأمن منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية.
وأفادت «وول ستريت جورنال»، نقلاً عن مصادر مطلعة أمس، فإن إيران قد أرسلت بالفعل 11 طنا من الماء الثقيل إلى أحد الموانئ في البلاد، والمخزون هناك تحت خاتم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي وكالة الأمم المتحدة المعنية بشؤون الطاقة النووية، والتي تشرف على تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران.
لكن الجانب الإيراني لم يعلق أمس على معلومات «وول ستريت جورنال».
ويمكن فصل البلوتونيوم المخصص لإنتاج الأسلحة النووية من الماء الثقيل واستخدامه كمادة تدخل في تصنيع تلك الأسلحة، على الرغم من أنه خطوات كثيرة يستلزم اتخاذها قبل الوصول إلى ذلك. ويضع الاتفاق النووي حدًا للمخزون الإيراني المحلي من الماء الثقيل.
وحسب الصحيفة الأميركية فإن طهران تشحن المواد على الأرجح إلى سلطنة عمان للبيع في الأسواق الدولية، فإن المخزون الإيراني من الماء الثقيل سوف ينخفض مجددًا إلى 120 طنا متريا. ومن شأنه تلك الكمية أن تكون كافية لإبقاء إيران بعيدًا عن عتبة 130 طنًا متريًا لعدة شهور، كما قال أحد المسؤولين المطلعين.
في منتصف يناير الماضي كشف موقع «إيران هسته آي» نقلاً عن مصادر مطلعة إبرام طهران ومسقط «عقد مؤقت» لنقل مخزونها الفائض من الماء الثقيل قبل دخول الاتفاق حيز التنفيذ. وبذلك تقرر أن تبيع طهران بعد تخزينها في سلطنة عمان.
آنذاك ذكرت مصادر إيرانية أن طهران قد تبيع 40 طنًا من الماء الثقيل المنتج في مفاعل أراك النووي إلى الولايات المتحدة، لكن تلك الخطوة واجهت معارضة شديدة من نواب الكونغرس. وكان موقع «إيران هسته آي» المختص بالشؤون النووية الإيرانية نقل عن مصدر مطلع نقل ستة أطنان إلى أميركا. كما أن طهران لم تكشف عن فترة العقد المؤقت لتخزين المواد العالية الحساسية في عمان.
وتفيد التقديرات بقدرة إيران على إنتاج 20 إلى 25 طنًا متريًا من الماء الثقيل في العام.
ولقد كانت هناك مواجهة مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران في اجتماع الأسبوع الحالي لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تنفيذ إيران والتزامها ببنود الاتفاق النووي. وقال ممثل أميركا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه «ينبغي على إيران شحن المواد إلى خارج البلاد على الفور».
وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خلال الاجتماع الأخير للوكالة لورا هولغيت، إنه «يتعين على إيران الالتزام الصارم بكل البنود»، وأضافت أنه ينبغي على طهران المحافظة على مخزونها من الماء الثقيل تحت مستوى 130 طنًا متريًا. وشددت المسؤولة الأميركية «إننا ندعو إيران لاستكمال، من دون تأخير، لخططها بشأن تسوية هذه المسألة».
وصرح الممثل الإيراني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية للصحافيين يوم الخميس بأن إيران تعمل على نقل كمية تتجاوز 5 أطنان مترية من تلك المواد خارج البلاد. ومع ذلك، أضاف الممثل الإيراني في الوكالة أن بلاده تعتقد أنها كانت قيد الامتثال لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي المبرم، وأن كمية 130 طنًا متريًا كانت من الأهداف السهلة وليس الحد الثابت النهائي للإنتاج الإيراني.
نقلت الصحيفة عن خبراء دوليين يشاركون في الإشراف على الاتفاق النووي أنه «على أدنى تقدير»، فإنهم «يعتقدون أن السيد ترامب من المرجح أن يتخذ إجراءات شديدة الصرامة حيال أي خرق لبنود الاتفاق النووي المبرم مع إيران».



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.