«المركزي اليمني» في أول اجتماعاته بعدن: سيولة خلال شهرين.. وعودة الثقة إلى قطاع المصارف

اقتصاديون يرون أن انتعاش «البنك» سينعكس إيجابًا على المناطق المحررة

صيادان يمنيان يعودان من رحلة صيد في سواحل عدن (أ.ف.ب)
صيادان يمنيان يعودان من رحلة صيد في سواحل عدن (أ.ف.ب)
TT

«المركزي اليمني» في أول اجتماعاته بعدن: سيولة خلال شهرين.. وعودة الثقة إلى قطاع المصارف

صيادان يمنيان يعودان من رحلة صيد في سواحل عدن (أ.ف.ب)
صيادان يمنيان يعودان من رحلة صيد في سواحل عدن (أ.ف.ب)

«عودة إدارة مجلس البنك المركزي اليمني إلى عدن، والبدء بالخطوات الفعلية لإدارة النشاط المصرفي والمالي، يمثل عودة القلب إلى جسد الاقتصاد اليمني، كون القطاع المالي والمصرفي يمثل العمود الفقري لاقتصاد أي بلد»، هذا ما أكده الباحث الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، في سياق رده عن سؤال «الشرق الأوسط» بخصوص خطوات البنك المركزي، ومدى انعكاس الانتعاش الاقتصادي على المناطق المحررة.
ومحافظ البنك المركزي اليمني، منصر القعيطي، أكد على تحقيق إدارة البنك «خطوات إيجابية ناجحة نحو مباشرة عملية الطباعة، وتعويض المخزون النقدي من الأوراق النقدية الذي استنفدته الميليشيات الانقلابية، مع الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي، قبل صدور القرارات».
وكشف القعيطي عن جهود حثيثة لمباشرة طباعة الأوراق النقدية وتوفيرها، والوفاء بالالتزامات والمستحقات القائمة، في موعد أقصاه شهرين، حيث ستتوفر الأوراق النقدية، وسيفعل دور أجهزة ومؤسسات الدولة لتدفق الإيرادات العامة إلى حساب الحكومة في عدن الذي فتح قريبًا، بقرار من الحكومة قضى بنقل الحساب العام إلى البنك المركزي في عدن، والذي يتولى حاليًا إدارة هذا الحساب، ولكن الموارد لم تتدفق بعد، وزاد: «هناك فجوة تمويلية لموازنة الدولة، ودفع المرتبات هي مسؤولية الحكومة وليس البنك المركزي، لكن البنك سيقوم بواجبه، وسيعمل على تمويل العجز متى ما توفرت السيولة النقدية».
جاء ذلك خلال لقاء جمع المحافظ مع أعضاء مجلس إدارة البنك المركزي اليمني بالعاصمة المؤقتة عدن، لمناقشة سير العمل في المقر الرئيسي للبنك، والترتيبات الواجب اتخاذها لإعادة تنظيم وهيكلة العمل، والعلاقة بين المركز الرئيسي للبنك في عدن وفروعه في المحافظات الأخرى. والاجتماع يعد الثاني لإدارة المجلس الجديدة المعينة في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنه الأول الذي يعقد بحضور المحافظ في عدن، منذ قرار نقل مقر البنك وعملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر الماضي.
وتطرق اللقاء، بحسب وكالة الأنباء اليمنية «سبأ»، إلى نتائج زيارة المحافظ لعدد من الشركات المتخصصة في طباعة الأوراق النقدية، والعروض المقدمة منها، والاتفاقيات الموقعة بشأن طباعة عدد من الفئات النقدية، كما جرى مناقشة نتائج التواصل مع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت)، عبر مقرها الرئيسي في بروكسل ببلجيكا، والإقليمي بمدينة دبي الإماراتية، كما تم استعراض النتائج التي تحققت نحو تنفيذ قرارات مجلس الإدارة، ورؤية الإدارة العليا التنفيذية للبنك، والخطوات الهامة التي يجب اتخاذها بعد إقراراها من مجلس البنك في اجتماعه السابق.
وجدد القعيطي تأكيده على سعي مجلس الإدارة، من خلال تفعيل وهيكلة الإدارة التنفيذية، إلى أن يتولى تنفيذ المهام الواردة في استراتيجية عمل البنك خلال الفترة القصيرة المقبلة، وخطة العمل التي تم التقدم بها لقيادة الدولة والمجتمع الإقليمي والدولي لتفعيل دور البنك المركزي في عدن، وتمكينه من القيام بوظائفه كافة، على حد تعبيره.
ويعود مصطفى نصر موضحًا أن استئناف النشاط الاقتصادي من عدن سيكون له أثر كبير على الوضع الاقتصادي عمومًا، وعلى المناطق المحررة وبقية المحافظات اليمنية، مشيرًا إلى أن عودة البنك إلى عدن لها نتائج إيجابية مباشرة، تتمثل بعودة الثقة إلى القطاع المصرفي، وهذه نقطة مهمة تعزز من عملية الثقة بين القطاع المصرفي بالمجتمع اليمني وطباعة كمية من النقود لحل مشكلة السيولة.
رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أكد أن بدء تفعيل نشاط وزارة المالية، وعودة البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن، سيعطي الأمل للموظفين في القطاعين المدني والعسكري في محافظات الجمهورية كافة بأن الشرعية فعلاً جادة في معالجة المشكلات الاقتصادية التي أحدثتها جماعة الحوثيين، موضحًا أن التحديات صعبة أمام وزارة المالية وإدارة البنك المركزي اليمني والشرعية، ولكن بالتكاتف والعمل الجاد سيتم تجاوزها، على حد قوله.
ولفت نصر إلى الدمار الذي أحدثته جماعة الحوثيين، سواء للاقتصاد اليمني أو للبنى التحتية، بسبب الحرب المستمرة منذ عامين، مؤكدا أن الحديث عن انتعاش اقتصادي ما زال مبكرًا، ومضيفًا: «نحن نتحدث عن الاستقرار، واستعادة العافية للاقتصاد اليمني. ولا شك أن عودة البنك المركزي اليمني، وتفعيل نشاط وزارة المالية، وتشغيل المؤسسات الحيوية والهامة، يعطي انطباعًا جيدًا، وهو ما سيعمل على عودة رؤوس الأموال التي فرت بسبب الحرب للبلاد».
وأشار رئيس مركز الإعلام والدراسات إلى أن إدارة المحافظات والمناطق المحررة أمام تحدٍ صعب فعلاً، فهناك تركة ثقيلة، وهناك تحدٍ آخر في المناطق التي ما زالت تخضع للحوثيين، كون جماعة الحوثي ما زالت تسيطر على ثلثي اقتصاد البلد، وأيضًا استقطاب رؤوس الأموال، والبدء بتشجيعها للعودة إلى المناطق المحررة، وهذا من الأولويات التي يجب أن تركز عليها الحكومة وقيادة المناطق المحررة.
وفي سياق آخر، قالت نقابة الصحافيين اليمنيين إن 16 صحافيًا ما زالوا مختطفين لدى الميليشيات في محافظة صنعاء، مشيرة في بيان لها إلى أن بعضهم تعرضوا للتعذيب والمعاملة القاسية، مطالبة الميليشيات بالإفراج عن 16 صحافيًا مختطفين لديها في صنعاء.
وتتهم منظمات حقوقية محلية ودولية، وفق وكالة الأنباء الألمانية، جماعة الحوثيين باختطاف المئات من المعارضين لها منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر عام 2014، بينهم صحافيون وسياسيون وأكاديميون.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.