مخاوف من تنفيذ الرئيس المنتخب وعوده حول المهاجرين غير الشرعيين

خبراء يشككون في امتلاك 3 ملايين شخص سجلات إجرامية

مخاوف من تنفيذ الرئيس المنتخب وعوده حول المهاجرين غير الشرعيين
TT

مخاوف من تنفيذ الرئيس المنتخب وعوده حول المهاجرين غير الشرعيين

مخاوف من تنفيذ الرئيس المنتخب وعوده حول المهاجرين غير الشرعيين

إذا كانت هناك ملفات يمكن للرئيس الأميركي المنتخب أن يبدي مرونة فيها، فمن المؤكد أن الهجرة ليست بينها، إذ إنه أعلن رغبته في طرد ما يصل إلى ثلاثة ملايين مهاجر غير شرعي، وعين في فريقه شخصيات معارضة للهجرة.
وحصل هذان الأمران منذ انتخابه في 8 نوفمبر (تشرين الثاني)، ما ينذر بسياسة مناهضة للهجرة بشكل جذري في بلد يفاخر باندماج المهاجرين القادمين من مختلف أنحاء العالم. وقال ترامب لشبكة «سي بي إس» مساء الأحد: «ما سنفعله أننا سنطرد المجرمين والذين يملكون سجلا إجراميا وأفراد العصابات وتجار المخدرات، وهم كثر»، مضيفا أنه يتوقع أن يكونوا نحو «مليونين على الأرجح أو حتى ثلاثة ملايين». وتابع: «سنطردهم من البلاد أو سنودعهم السجن. لكننا سنبعدهم عن بلادنا، فهم هنا بشكل غير شرعي».
وخلال حملته، تحدّث الملياردير الأميركي عن طرد المقيمين بشكل غير شرعي في الولايات المتحدة البالغ عددهم 11 مليونا، والمتحدرين بغالبيتهم من المكسيك وأميركا الوسطى، وإعلانه الأحد، إلى جانب أولى التعيينات، كل هذا يمهد لاتباع أسلوب «عدائي جدا» حول هذا الموضوع الأساسي في حملته، بحسب مايكل كاغان، أستاذ القانون ومدير قسم متخصص بالهجرة في جامعة نيفادا. وأضاف كاغان أن «طرد مليوني إلى ثلاثة ملايين شخص سيكون إجراء متطرفا، لكن كيف حدد رقم ثلاثة ملايين؟ هذا هو الأمر المثير للقلق. ليس لدينا أي دليل عن وجود ما بين مليونين وثلاثة ملايين مهاجر ارتكبوا جرما في الولايات المتحدة». وأوضح: «أتخوف من أن تؤخذ في الاعتبار سجلات إجرامية قديمة جدا وغير مهمة، مثل مخالفات سير».
ومنذ توليها السلطة في 2009، عمدت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى طرد 2. 4 مليون شخص كانوا يقيمون بشكل غير شرعي في البلاد، أي أكثر من كل الإدارات السابقة. لكن غالبيتهم كانوا من المهاجرين العالقين على الحدود، وليس أشخاصا يقيمون في الولايات المتحدة.
وكرر ترامب القول، الأحد، إنه يعتزم ضمان أمن 3200 كلم تشكل الحدود مع المكسيك، عبر بناء جدار، وكان من المواضيع الأساسية في حملته. لكنه أقر بأنه يمكن أن يكون مجرد سياج في بعض المناطق.
والوعد الآخر الذي قطعه خلال حملته هو إلغاء برنامج يهدف إلى حماية 740 ألف شاب من الذين دخلوا وهم أطفال بشكل غير شرعي إلى الولايات المتحدة مع أهاليهم، لكنهم أصبحوا اليوم مندمجين في المجتمع بشكل كامل. لكنه لم يوضح ما إذا كان ذلك يعني طرد المستفيدين من هذا البرنامج أو مجرد رفض ملفات جديدة. وحثه أوباما، الاثنين، على «التفكير مطولا» قبل أن يغير ببرنامج يستفيد منه «شباب، هم بحسب كل المعايير العملية، شباب أميركيون».
وموطن القلق الآخر بالنسبة للمدافعين عن المهاجرين، هو أن ترامب ضم إلى فريقه الانتخابي كريس كوباش المسؤول من كنساس الذي ساهم بقوة في قانون اعتمد عام 2010 في أريزونا. وهذا النص يتيح للسلطات أن تطلب أوراق كل شخص في حال وجود «شبهات منطقية» بأنه لا يملكها، وقامت ولايات أخرى أيضا باعتماد نصوص مماثلة.
كما أنه يدعو إلى اعتماد مبدأ «الطرد الذاتي»، أي تشديد قوانين الهجرة إلى حد يصبح فيه من شبه المستحيل أمام المهاجرين غير الشرعيين أن يعيشوا بشكل عادي في البلد المستضيف من أجل دفعهم للرحيل من تلقاء أنفسهم. والسيناتور جيف سيشونز، الذي يعد هو الآخر من أشد معارضي الهجرة غير الشرعية، عيّن أيضا في الفريق الانتقالي.
من جانبها، قالت بيث ورلين، مديرة منظمة «مجلس الهجرة الأميركي» غير الحكومية، إن ترامب «يعتزم تحويل خطاب حملته الانتخابية إلى أفعال، وأن يعتمد إجراءات عقابية وعدائية لطرد المهاجرين من دون إقحام القانون»، مضيفة: «سنحارب ذلك».
وهدد الرئيس الأميركي المنتخب بقطع الأموال الفيدرالية عن «المدن التي تعتبر ملاذات»، حيث أعلنت أكثر من عشرين من المدن الكبرى أنها لن تتحرك ضد المهاجرين بدافع أنهم لا يحملون أوارقا ثبوتية فقط.
بدوره، أكّد رئيس بلدية شيكاغو، رام إيمانويل، المقرب من أوباما، أول من أمس، أن «شيكاغو ستبقى مدينة استقبال». كما تأتي كلمات إيمانويل المطمئنة للمهاجرين من غير حملة الوثائق في ثالث أكبر بلدية في الولايات المتحدة، في أعقاب تعهدات مماثلة من رئيسي بلديتي نيويورك ولوس أنجليس اللذين أكدا قبل أيام أن المدينتين ستظلان ملاذين لهؤلاء المهاجرين.
وقال إيمانويل في مؤتمر صحافي بمستشفى في شيكاغو: «أنتم آمنون في شيكاغو.. وتحظون بالدعم». وأضاف أن «هذه مدينة تشمل الجميع». وتعمل حركة تركز نشاطها على توفير ملاذ للمهاجرين فيما يقرب من 40 مدينة أميركية. وتحجم الشرطة في تلك المدن عن فحص حالة المهاجرين الأفراد المحتجزين وإرسالها إلى السلطات الاتحادية حتى لا تتخذ تلك السلطات إجراءاتها لترحيلهم.
وحظيت تلك الحركة بظهور ملحوظ خلال فترة ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي تعرض لانتقادات من الجمهوريين بسبب سماحه ببقاء المهاجرين من غير حملة الوثائق رغم أن إدارته صعدت عمليات ترحيل المهاجرين من ذوي السجلات الإجرامية.
وقال إيمانويل، الذي كان رئيسا لهيئة موظفي البيت الأبيض خلال ولاية أوباما، إن المهاجرين الذين لا يحملون وثائق في شيكاغو سيبقون متمتعين بالخدمات العامة ومنها التعليم والرعاية الصحية التي تمولها المدينة.
وفي نيويورك، رمز الاختلاط الأميركي لثقافات متعددة، حذر رئيس البلدية الديمقراطي، بيل دي بلازيو، من أن البيانات التي تتضمن أسماء آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يملكون بطاقات هوية خاصة بالمدينة يمكن أن تتلف، لئلا تقع في أيدي الأشخاص غير المناسبين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟