مي زيادة ومواجهات الكتابة النسوية

اسمها يخطر بالبال لصيقا بجبران

الناصرة حيث ولدت ميّ زيادة  -  ميّ زيادة
الناصرة حيث ولدت ميّ زيادة - ميّ زيادة
TT

مي زيادة ومواجهات الكتابة النسوية

الناصرة حيث ولدت ميّ زيادة  -  ميّ زيادة
الناصرة حيث ولدت ميّ زيادة - ميّ زيادة

القيود على المنتج الثقافي والإبداعي ظاهرة معروفة، بل أساسية في مختلف الثقافات ومختلف العصور، لكنها تتفاوت بطبيعة الحال، من ثقافة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر، ومن قيود يفرضها الكاتب على نفسه إلى قيود تفرض بشكل مباشر أو غير مباشر. وقد تناولت في هذا المكان وفي مقالات كثيرة نماذج من تلك القيود، ولا سيما حين تكون متوارية لكن أثرها ليس متواريا، يتحدث عنه الكاتب أو تشي به النصوص، من النص الإبداعي إلى النص الفلسفي إلى السياسي إلى غير ذلك.
ما غاب عن النماذج العربية التي أشرت إليها تحديدًا هو نموذج المرأة، المرأة الكاتبة. ولا شك أن المرأة إذ تتعرض للقيود فإنما تواجه قيودًا مضاعفة، فمنها القيود التي تواجهها مع الرجل وتلك التي تخصها وحدها انطلاقًا من أنوثتها وموقعها في مجتمع أبوي تكاد المجتمعات الإنسانية تتوحد فيه. ولأن دخول المرأة العربية بشكل خاص مجال الكتابة ليس قديمًا، فهو مرتبط بالنهضة العربية الحديثة، فإن ما أشير إليه ظاهرة جديدة نسبيًا. فإن عرفنا شاعرات عربيات أو حتى عالمات في مختلف العصور فإننا لا نكاد نعرف من بينهن كاتبات كما كان الجاحظ أو أبو حيان، أو غيرهما. دخول المرأة العربية عصر الكتابة الأدبية لا يكاد يتجاوز القرن التاسع عشر مع ظهور نساء مثل ملك حفني ناصف التي عرفت بلقب «باحثة البادية» ثم مي زيادة، وهما نموذجان من نماذج محدودة، لكنها نماذج سرعان ما خضعت عند ظهورها للقيود الاجتماعية والثقافية؛ فظهر ذلك على نتاجها أو على حضورها الاجتماعي من خلال الاسم المستعار، أو غير ذلك من أشكال التواري والحجب. في هذه المقالة وربما في مقالات أخرى أود أن أتوقف عند بعض تلك الأسماء، وأن أمدد التأمل لأنظر في نماذج غير عربية يتضح منها شمولية الإشكال المطروح هنا. فمن الشاعرتين الأميركيتين إيميلي ديكنسون في القرن التاسع عشر وسيلفيا بلاث في القرن العشرين إلى الكاتبة الجنوب أفريقية نادين غوردايمر تمتد سلسلة من المجابهات الثقافية مع القيود الاجتماعية والسياسية التي تركت أثرها على النتاج الإبداعي لتلكن النساء بالقدر الذي يجعل الوعي بتلك القيود ضرورة لاستيعاب أفضل لإبداعهن.
لعل الاسم الأول الذي يتبادر إلى الذهن أو ينبغي أن يتبادر إلى الذهن في الثقافة العربية المعاصرة هو اسم الكاتبة اللبنانية-الفلسطينية مي زيادة التي عاشت معظم حياتها وبنت شهرتها في مصر في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين. وبالنسبة لبعض من يعرف مي زيادة، أو ربما أكثر من يعرفها، يخطر اسمها بالبال لصيقًا بجبران خليل جبران نتيجة للعلاقة العاطفية التي نشأت بينهما، وعبرت عنها رسائل كثيرة متبادلة اشتهر منها ما كتبه جبران فقط. وفي تقديري أن حصر أهمية مي بعلاقتها بجبران لون من ألوان الحصار للأنثى من قبل مجتمع، بل وسط ثقافي، يرى أهميتها الحقيقية من خلال علاقتها بالرجل، مع أن لمي أهمية كبيرة تضارع أهمية الكثير ممن عاصروها، سواء من حيث محصولها الفكري الثقافي، أو من حيث قدراتها الكتابية وأسلوبها المتفرد. هذا بالإضافة إلى تحولها إلى ناشطة اجتماعية ومدافعة مبكرة عن حقوق المرأة في أوساط اجتماعية تتردد في تقبل المرأة مثقفة وكاتبة في أفضل الأحوال وتخنقها في أسوأها. وقد عانت مي من الحالتين. بل إن من سخريات الموقف أن بعض الذين رحبوا بها وأعجبوا بأدبها من كتاب مصر في عصر النهضة، من أمثال طه حسين والعقاد والرافعي وغيرهم، كانوا يعجبون بها لأنها امرأة مثقفة وتجيد الكتابة، وليس لأنها كاتبة في المقام الأول، بمعنى أن إعجابهم كان أقرب إلى التربيت على الكتف والتشجيع منه إلى الإقرار بتميزها ومنافستها لهم. تقول غادة السمان عن ذلك التشجيع الملتبس:
فالزحام المتملق حضور موحش، ومي كامرأة ذكية ومرهفة كانت بالتأكيد تعي وخز الاستهانة بإبداعها ككاتبة، ومعظم الذين حولها يمطرونها بزبد الإعجاب الملتبس بشخصها الناعم قبل إبداعها. وهو إعجاب متنصل منها إبداعيا، ويتجلى ذلك التنصل المتملص في لحظات الصدق النقدية المكتوبة لا المدائح الشفهية المجانية.
ثم تستشهد بما قاله عباس العقاد حين سؤل عن أدب مي فأثنى على لطفها وجمال روحها وما إلى ذلك، متجنبًا الحديث عنها بوصفها كاتبة ومثقفة. لقد كان رأي العقاد وموقفه مع غيره من مثقفي مصر الذين أحاطوا بمي شكلاً من أشكال الرقابة عليها، الرقابة الناعمة التي تلبس لباس الاحتفاء والتمجيد، لكنها الرقابة التي لا تختلف عن رقابة المنع والكبت؛ لأنها لم تمنحه الاعتراف الذي تبحث عنه وتتيح لها من ثم أن تثبت حضورها بوصفها مثقفة وكاتبة ومعنية بالقضايا الكبرى في عصرها، ولا سيما قضية المرأة، مثلما كان حال معاصرات لها في الغرب من أشهرهن فرجينيا وولف حسب ما كتبت فاطمة المحسن في مقارنة لافتة لوجوه الشبه والاختلاف بين الكاتبتين.
لعل أول ما يسترعي الانتباه في حياة مي زيادة ونتاجها هو تغيير اسمها من ماري إلياس زيادة إلى «مي زيادة»، وذكرت هي في معرض تفسيرها للتغيير أنها اختارت الحرفين الأول والأخير من اسم «ماري» ليكون اسمها. وهذا تفسير معقول، لكن السؤال يظل: لماذا؟ فإذا وضعنا ذلك التغيير إلى جانب الأسماء المستعارة التي استعملتها مي مثل الاسم الرجالي «خالد رأفت» والاسم الأنثوي «إيزيس كوبيا» تحول السؤال إلى ما هو أبعد من مجرد استبدال حروف بحروف. فلا شك أن وضع مي أو ماري زيادة المزدوج في أقلويته، أي كونها مسيحية ثم كونها امرأة، لعب دورًا رئيسًا في ذلك التغيير. سيقال: إن كتابة المرأة تحت اسم مستعار ظاهرة معروفة ليس في الأدب العربي فحسب، وإنما في آداب عالمية كثيرة (جورج إليوت في إنجلترا القرن التاسع عشر، وجورج صاند في فرنسا في الفترة نفسها تقريبًا)، بل إن من الرجال من كتب تحت اسم مستعار وفي ثقافات عدة. لكن تكرار الحالة لا ينفي غياب الدلالة، فالضغط الاجتماعي أو ضيق مساحة الحرية سبب رئيسي في كل مرة، وإن تكرر السبب فإن حجمه وظروفه الخاصة تختلف من حالة إلى أخرى. في حالة مي زيادة لعبت الهويتان الدينية والأنثوية دورًا دون شك في كل ذلك، والهدف واحد دائمًا وهو دفع الضرر الناتج من وضوح الهوية. ولا يجب أن ننسى أن مي ازدهرت كاتبة وشخصية اجتماعية من خلال صالونها الثلاثائي الشهير في بلد مسلم وفي أوساط مجتمع محافظ في الربع الأول من القرن العشرين، مجتمع كانت معظم نسائه متحجبات وبعيدات عن الحياة العامة، فكان ضروريًا أن تراعي مي ذلك قدر الإمكان. وقد دفعت مي في أواخر عمرها القصير نسبيًا ثمنًا غاليًا لطموحاتها عندما أودعتها أسرتها مستشفى الأمراض النفسية دونما مبرر واستولت على ممتلكاتها، إلى غير ذلك من متاعب كانت ربما سببا في رحيلها المبكر.
المقدمة التي كتبتها مي لكتابها «سوانح فتاة» يعكس الكثير من قلقها ومخاوفها على صعيدي المجتمع والثقافة، ففي تلك المقدمة شكوى طالما ترددت في الأدب والنقد النسوي الذي تطور في الغرب فيما بعد. تقول مي إن الكاتبة، من حيث هي كاتبة، جديدة على المجتمع العربي، وهي بالتالي أسيرة نظرة نمطية: «يزعم الجمهور أن رغبته في تذوق إنشاء المرأة لا تعرب عن إكباره لذلك الإنشاء، أو عن إقراره بصدق الفراسة منها، وإنما لأن في كتابتها مظهرًا من مظاهر الذات النسائية العامة». ثم تصف ذلك بأنه «خطوة صالحة نحو تكريم الأدب النسائي» لتعود فتنكرها: «إلا أن فيها من الظلم وغمط الحقوق ما فيها. نحن نحب الحلم، ونطلب التساهل، ونريد أن يستعان في الحكم علينا (بالظروف المخففة) كما يقول سادتنا الحقوقيون». ثم تنهي مقدمتها بهجوم ضمني على أولئك الرجال ممن ينظرون نظرة دونية للمرأة: «لقد غالى بعض المفكرين، ولا سيما بعض الذين أقنعوا أنفسهم بأنهم مفكرون، لقد غالى هؤلاء في فصل المرأة عن النوع الإنساني الذي كادوا يحصرونه في الرجل»، لتؤكد أن المرأة تصدر عن «النفس الإنسانية الشاملة، وكل نقص يشوبها إنما يرجع إلى العجز البشري الشائع، وكل أثر من آثار ذكائها إنما هو وجه من وجوه الفكر الإنساني العام». ربما نلمس هنا إشارة من مي إلى أناس كالعقاد في تربيْتهم بتعالٍ على كتف المرأة الكاتبة، لكن الكاتبة تشير ضمن ذلك، وما هو أهم، إلى مجتمع بأكمله لم يزل مترددًا في إفساح المجال أمام الأنثى كاتبة أو مفكرة أو مبدعة فيضعها تحت أنظار الرقيب على نحو يتجاوز رقابته على الرجل.



هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي
TT

هدى النعيمي: التاريخ شائك... وليس هناك مساحة آمنة للكتابة

 هدى النعيمي
هدى النعيمي

تتميز التجربة الإبداعية للكاتبة القطرية هدى النعيمي بالصدق مع الذات والآخر، وتصوير تحوّلات الإنسان العربي في منعطفات تاريخية مهمة منذ التسعينات وحتى الآن، ورغم أنها كثيراً ما تجعل هواجس المرأة وأسئلتها الحائرة همَّها الأول وخيارها الرئيسي، فإنها تصنع ذلك في إطار إنساني عريض، وليس تعصباً للنوع، أو انتصاراً أعمى للمرأة في مواجهة الرجل.

يتنوع إنتاجها ما بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة ومسرح الطفل، ومن أبرز أعمالها «المكحلة»، «أنثى»، «عين ترى»، «عندما يبوح النخيل»، و«زعفرانة»... وبموازاة أدبها، واصلت هدى النعيمي مسيرتها على المستوى العلمي، فحصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وهي تشغل حالياً مديرة إدارة الصحة والسلامة في مؤسسة «حمد» الطبية بقطر.

هنا حوار معها حول روايتها الجديدة وتجربتها الأدبية:

*في روايتك الجديدة «زعفرانة» تعودين للتاريخ من باب الحرب في «ظفار»، عبر حقبة زمنية تكاد تغطي قرناً من الزمان، وتتنوع مكانياً ما بين الخليج ودول أخرى، ما مبرّرات هذه العودة؟

- التاريخ مغلّف بالأسرار والغموض، وإذا تحدثنا عن «حرب ظفار»، سنجد أنه كان من شبه المحرّمات الحديث عنها، أو تناولها في أي مرجع لسنوات طويلة، فقد غابت عن كُتب التاريخ في المنطقة، فخرج جيلي، وجيل بعدي لا يعرف عنها شيئاً، رغم أنها استمرت أكثر من عقد من الزمان.

في السنوات الأخيرة فقط خرجت بعض المراجع الجادّة لتؤرّخ لتلك الفترة، كما خرجت روايات عُمانية تتحدث عن «حرب ظفار» أيضاً. وجاءت روايتي «زعفرانة» لتطرح بعض الإجابات، والكثير من الأسئلة أمام القارئ، الذي يجب أن يعرف ما حدث في تاريخ منطقته، وإذا أراد أن يعرف أكثر فليبحث عن المزيد من القراءات.

* تنتمي روايتك «زعفرانة» لما يسمى «رواية الأجيال»... كيف ترين الرأي القائل بأن هذا الشكل الأدبي بات مستهلَكاً؟

-لا أتفق بالطبع مع هذا الرأي، ستظل رواية الأجيال شكلاً أدبياً جاذباً للقراء، لكن على الكاتب أن يُحسن قراءة تاريخ روايته، ويُحسن رصد التغيرات التي مرّت بها أجيال عمله الروائي، فلكل حقبة تاريخية خصوصية في جوانبها السياسية والاجتماعية، وتتطوّر الشخصيات وتتشعّب اهتماماتها، بل تتغيّر جذرياً أحياناً من جيل إلى جيل، وعلى من يتصدى لرواية الأجيال أن يدرك هذا، وأن يطوّر تصوير شخصياته من جيل إلى جيل.

* ما تفسيرك لظاهرة اتجاه أدباء الخليج إلى الغوص في تاريخ المنطقة، وطرح أسئلة الهوية والمستقبل من خلال هذا الشكل الأدبي؟

-أشُدّ على يد هؤلاء الذين يتصدّون للغوص في تاريخ المنطقة، فالتاريخ لدينا لم يوثّق بشكل قوي، نعم هناك كتابات، ولكن الأديب أو المبدع قادر على قول ما لا يجرؤ الباحث أو المؤرّخ على أن يقوله، لكن الرواية في صورتها الأدبية تحكي ما لم يُحكَ، وهذا لا ينطبق على الخليج فقط، بل على عوالم عربية وغير عربية حول العالم.

* البعض ينتقد ما يسمى بـ«الرواية التاريخية» في تجلياتها العربية عموماً، ويقول إنها تعكس الرغبة في البحث عن مساحة إبداعية «آمنة»، من خلال العودة للماضي الذي تتوفر فيه الأحداث والتفاصيل والشخصيات بكثافة، كيف ترين الأمر؟

- أختلف مع هذا الاتجاه في النقد، فالتاريخ منطقة شائكة، وليست آمنة للكاتب كما يعتقد بعض النقاد، بل هو حقل ألغام يجب التحرك خلاله بحذر شديد؛ لأن الماضي لا بد أن يكون موصولاً بطريقة ما مع الحاضر. وتستدعي الرواية التاريخية الكثير من القراءات والبحث والمراجعات، وعند استدعاء شخصية تاريخية، فإن ذلك يحتاج إلى شجاعة، فأغلب الشخصيات التاريخية شخصيات جدلية تحوم حولها الأساطير، والحكايات المتناقضة، فكيف تكون مساحة آمنة؟

* أثار قرارك بكتابة سيرتك الذاتية «حين يبوح النخيل» وأنت في هذه السن المبكرة استغراب كثيرين ممن اعتادوا على قراءة السير الذاتية، حين يكون صاحبها شارَف محطته العمرية الأخيرة، ماذا كانت مبرّراتك؟

- سيرتي هي سيرة بلد فتيّ هو بلدي قطر، لقد سجّلت في كتابي هذا انعكاس تطور البلاد على سيرة امرأة مثلي، وأوجدت بلادي لنفسها مكانة دولية في خلال سِنِي عمري، وأوجدت لنفسي بحمد الله مكانة عربية ودولية في مجال العلوم الذي تخصصت به، والكتاب لا يتحدث عن شخصي فقط، لكنه يتحدث عن دولة حصلت على استقلالها حديثاً عام 1971، ثم صارت اسماً عالمياً خلال 50 عاماً فقط، ولي أن أفخر أن أكون ابنة هذه البلاد، فسجّلت سيرة تنهض على التماس بيني وبين بلدي.

* لماذا لم تلجئي إلى الحل الأسهل، وهو أن تكتبي سيرتك من خلف قناع شخصية رئيسية في رواية، وتتجنّبي المواجهة الصريحة المباشرة مع القارئ، كما تفعل معظم الكاتبات العربيات حالياً؟

- لم أحتَج إلى قناع في كتابة سيرتي الذاتية، نعم هذا يحدث كثيراً مع كاتبات وكُتّاب عرب أيضاً، بخاصة عند الخوض في مناطق المحرّمات السائدة أو «التابوهات»، أو عند تصوير علاقات إنسانية يشوبها الاختلال. يرفع الكاتب أو الكاتبة نفسه عن الأحداث التي عاشها وينسبها إلى شخصيات روائية، ولا ضيرَ في ذلك، ولكنني بالفعل لم أحتَج إلى التخفّي أو إلى الأقنعة وأنا أكتب «حين يبوح النخيل».

* ما الذي يجمع بينك وبين «النخيل» الذي تصدّر غلاف سيرتك؟

- النخلة شجرة معطاءة، كريمة وفياضة العطاء، وهي تأخذ القليل، ويُسعدها العطاء أكثر من الأخذ، النخلة تهب السعف وتهبنا رُطَباً ندياً. وحين أردت أن أكتب سيرتي، وجدت أني أشبه النخلة في الرضا والعطاء، أو أحاول أن أتشبّه بها في رضاها وفي عطائها. أما الشموخ الذي تتمتع به النخلة فهذه حكاية أعشقها وأدور حولها، نعم أعشق شموخ النخيل، الذي يصعد بسعفه إلى السماء، وأتشبّه به في غَرس جذوره بالأرض الطيبة.

* حصلتِ على الدكتوراه في الفيزياء النووية، وتعملين في تخصصات علمية دقيقة، كيف يتقاطع عملك سلباً أو إيجاباً مع عوالمك الإبداعية؟

-العمل في المجال العلمي شاقّ، ويحتاج إلى تركيز ورعاية دقيقة، والإبداع أو الكتابة الإبداعية أيضاً عمل جميل وشيق، لكنه يحتاج من المبدع التدقيق في كتاباته والعناية بها، وعدم التصريح أو الإفراج عن الكتابة للقراءة إلا بعد الكثير من التدقيق، والحرص على جماليات اللغة والمعني.

أما التقاطع فهذا صحيح، لقد أخذ العمل مني الكثير من الزمن، الذي ربما كنت قد أنتجت خلاله أعمالاً أدبية كثيرة، لكن إدارة الوقت لم تكن تسمح بأكثر مما كان، في ذات التوقيت قد زادت خبرتي في الحياة، من خلال الانخراط في العمل مع عالم متنوع من البشر، والكثير من التضاربات بينهم، وهذا ينعكس على أعمال إبداعية قد تصدر يوماً بإذن الله، خصوصاً أنني تفرغت حالياً للقراءة والكتابة.

* كيف تنظرين إلى الإسهام النسائي في الرواية على الساحة الخليجية؟ وهل رفعت المرأة المبدعة أخيراً شعار «لن أعيش في جلباب الوصاية أياً كان مصدرها؟».

- حققت الكاتبة الخليجية في السنوات الأخيرة الكثير من الأهداف، دون أن أقارن بين الكاتب والكاتبة في الخليج، لكن المرأة التي عاشت لوقت طويل خاضعةً لوصاية الرجل، ممثَّلاً في الأب أو الأخ أو الزوج أو المجتمع بأسره، استطاعت في سنوات قليلة أن تخرج بالفعل من ثوب الوصاية، وتمثّل نفسها وبنات جيلها بحرية تامة، أيضاً جيل ما قبلها.

استطاعت أن تعبّر عن قضايا عامة على عكس الوصاية، ورفضت إحكام القبضة على حياتها، كما حدث مع كتابات كثيرة في السابق. الكاتبة الخليجية اليوم تخوض في إبداعها عوالم كانت مظلِمة، فتكتب عما حولها كما يكتب الرجل، وربما أفضل كأيّ كاتب حر.

* أخيراً، برأيك ما سر ظهور فن الرواية على الساحة القطرية متأخِّراً مقارنةً ببقية بلدان الخليج العربي؟

- ربما يعود السبب إلى عدم وجود دُور نشر في قطر لتشجّع على نشر الرواية، فقد غابت هذه الدُّور لوقت طويل، الأختان دلال وشعاع خليفة قامتا بطباعة أول روايتين قطريتين لهما في بيروت مطلع التسعينات، وهذا عمل شاقّ، ليس بمقدور الكثيرين القيام به، واكتفى الكاتب والكاتبة القطريَّين بنشر القصص القصيرة والشعر في المجلات المحلية التي تستقبل الإنتاج الأدبي، مثل «العهد» و«العروبة» و«الدوحة»، ولكن ما إن نُشرت روايات دلال وشعاع حتى فتح المجال واسعاً للكُتّاب الروائيين، وبدأ نشر الرواية القطرية خجولاً، ثم ازدهر بعد ذلك بوجود عدد من دُور النشر المحلية في قطر حالياً، ومنها دار «الوتد» التي أصدرت رواية «زعفرانة».