الإعلام الدولي يختلف في تغطية فوز ترامب

صحف بريطانية وصفت الأمر بالكارثي.. وافتتاحيات صحف غلفها السواد والترقب

الإعلام الدولي يختلف في تغطية فوز ترامب
TT

الإعلام الدولي يختلف في تغطية فوز ترامب

الإعلام الدولي يختلف في تغطية فوز ترامب

في حين أخطأ خبراء كثيرون، وكذلك استطلاعات الرأي في توقع نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية، وقد نتفق أو نختلف مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، لكن المؤكد أن فوزه بمقعد البيت الأبيض ‏أصاب الجميع بالصدمة، ليس فقط لأن مؤشرات عدة كانت ترجح فوز غريمته هيلاري كلينتون، ولكن ‏لكونه ليس على وفاق مع كثير من دول العالم، التي انتابها الهلع على مصيرها فور الإعلان ‏عن فوزه.‏ تلك الصدمة وذلك الهلع ظهرا جليًا في تعليق هذه الدول على نتيجة الانتخابات ‏الأميركية، وعلى الوتيرة ذاتها سارت افتتاحيات صحف الخميس الماضي، التي غلفها السواد والترقب لما ‏ستؤول إليه الأوضاع، إلا أن الجميع اتفق في النهاية على أن فوز ترامب هو صدمة ليست محسوبة.
وتصدرت صور للرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الصفحات الأولى من الصحف العالمية، حيث جاء فوزه مفاجأة ممزوجة بالصدمة وتباين الآراء، بعد أن كانت المرشحة الديمقراطية هي الأقرب إلى البيت الأبيض، لكن النتائج ضربت بالاستطلاعات عرض الحائط. السيدة التي تحررت من قيود الاستبداد، ورفعت «شعلة الحرية»، وضعت يدها على وجهها متسائلة: «ماذا فعلوا؟»، على غلاف صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية، التي اعتبرت أن خبر وصول ترامب إلى البيت الأبيض، كارثي لأميركا.
وعلى صعيد صحف ألمانيا، كان النقد هو اللغة الأساسية فيها، إذ انتقدت قلة كفاءة ترامب سياسيًا واقتصاديًا، محذِّرةً من أوقات عصبية ستواجهها أميركا مستقبلاً، فقالت صحيفة «دي فيلت»: «فوز ترامب المفاجئ يشكل أيضًا نجاحًا لبوتين، لكن ألمانيا فستكون محاطة بالقوميين والشعبويين من كل جانب، وهو أمر غير جيد». أما موقع «شبيغل أونلاين»، فكتب يقول: «انتخبت أقدم وأكبر ديمقراطية في العالم عنصريًا وشوفينيًا ليكون أقوى رجل في العالم، أميركا لم تنحَزْ لصالح العقلانية والنزاهة، بل فضلت اختيار قلة الحياء والكذب، وستدفع الثمن قريبًا».
وتناولت صحيفة «برلينر تسايتونغ»، التي تصدر في العاصمة الألمانية برلين، وتوزع ما يقارب 100 ألف نسخة يوميًا، الموضوع من زاوية تأثيره في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وكتبت تقول: «يأمل كثيرون في الحكومة الإسرائيلية في أن يؤدي فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لإسرائيل. أو على الأقل، سيوافق ترامب، كما وعد، على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. بالتأكيد وعد من سبقه من مرشحي الرئاسة الجمهوريين بالشيء نفسه، بيد أنهم، وبعد وصولهم للمكتب البيضاوي، لم يفوا بوعودهم، إذ أوضح لهم مستشاروهم للشؤون الخارجية المضاعفات الدبلوماسية الخطيرة للاعتراف بالقدس، بما فيها القدس الشرقية التي يسكنها العرب، كعاصمة لإسرائيل. وفي كلتا الحالتين، فإن نتنياهو سينطلق من فرضية أن واشنطن ستمضي قدمًا في إطلاق يديه، وحتى في موضوع بناء المستوطنات. فنتيناهو يتمتع بتقدير ترامب، وكان قد وصفه بأنه رجل عظيم».
أما صحيفة «بيلد» الألمانية الشعبية واسعة الانتشار، التي تعتبر سادس أكثر الصحف توزيعًا في العالم بما يقارب من مليوني نسخة يوميًا، فقد عنونت على صدر صفحتها الأولى متسائلة: «كلينتون! داعش! إيران!.. من سيكون أول من سيحاسبه ترامب، القادر على كل شيء؟.. يتحدث ترامب مرارًا وتكرارًا عن محاربة تنظيم داعش الإرهابي، وأن ذلك سيكون بشكل سريع، غير أن ترامب لا يعطي تفاصيل أكثر». وتقتبس الصحيفة كلام البروفسور بيتر ناومان، الخبير في شؤون الإرهاب في جامعة «كينغز» في لندن، إذ يقول: «سيحاول ترامب بناء تحالف أميركي - روسي ضد الإرهاب يدعم الأسد. وسيؤدي هذا في النهاية إلى تصعيد ومفاقمة النزاعات، إذ إن القوى العربية الإقليمية - كالسعودية وقطر - ستدعم بشكل أكبر المعارضة السورية والقوى الإسلامية في الجهة المقابلة»، وتعتقد الصحيفة الواسعة الانتشار أن خط السياسة الخارجية لترامب لا يزال غير واضح.
بيد أن الصحيفة تعتقد أن فوز ترامب هدية لمتطرفين. فأنصار تنظيم داعش الإرهابي وأنصار «القاعدة» سيستفيدون من فوز ترامب برأيها، إذ تقول: «من المؤكد.. أن كثيرًا من المتشددين يرحبون بفوز ترامب، إذ إن المتطرفين يمنون أنفسهم بتقوية مواقفهم من خلال تصريحاته المتطرفة والمعادية للمسلمين وكذلك من معلوماته المتناقضة عن التحالف ضد تنظيم داعش».
من جانبها، وبخلاف ما سبق، تتوقع صحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ» الرصينة، التي توزع ما يقارب ربع مليون نسخة يوميًا، انسحاب أميركا من السياسة الدولية، وتعلق قائلة: «لقد فعلها الأميركيون بالفعل وانتخبوا (خطيب الكراهية) كما سماه وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير بطريقة قاسية وغير معهودة، رئيسًا لهم. فقد سمى شتاينماير الأشياء بأسمائها (...) إذ أطلق ترامب تصريحات متناقضة ومشوشة في حملته الانتخابية، غير أن هناك قاسما مشتركا بين هذه التصريحات: انكفاء أميركا على نفسها وانسحابها من الأجندات المعقدة للسياسة الدولية».
وتبنت الصحيفة اليسارية الفرنسة «ليبراسيون»، الرسالة نفسها التي خرجت بها «ديلي ميرور»، بغلاف أسود يظهر منه ذراع «ترامب»، ومانشيت «الأميركي المريض نفسيًا». وكانت فرنسا من الدول الأوائل التي عبرت عن قلقها من فوز «ترامب»، وانقسم مسؤولوها بين يميني ‏أعرب عن سعادته وليبرالي يشعر بالقلق، إلا أن الصحف الخاصة اجتمعت على طاولة الحذر ‏والقلق من النتيجة.‏ وسخرت صحيفة «لا تربيون» الفرنسية من فوز ترامب، حيث وصفته بـ«التسونامي السياسي»، ‏مشيرة إلى أن صعوده كسر جميع التوقعات، وأسقطت الصحيفة على سابقة «بريكسيت» وهي خروج ‏البريطانيين من الاتحاد الأوروبي التي توقعت النخب السياسية واستطلاعات الرأي بعدم الخروج، وجاء ‏التصويت مخالفًا لهذه التوقعات‎.‎ وتحت عنوان «المتجاوز والمتسرع عديم الخبرة السياسية وصل إلى البيت الأبيض»، شنت صحيفة ‏‎ «لوبوان» هجومًا عنيفًا على فوز الرئيس الأميركي الجديد، مؤكدة أن الملياردير البالغ من العمر 70 عامًا ‏أصبح الرئيس الـ45 للولايات المتحدة قائدًا لأكبر قوة اقتصادية في العالم، مما قد يحدث زلزلاً سياسيًا ‏واقتصاديًا عالميًا.‏‎ وبذلك فقد استيقظ العالم على مفاجأة مفزعة بعد ليلة عصيبة قضاها الشعب الأميركي، وهي نجاح ‏المرشح الجمهوري، وفقًا لرؤية صحيفة «ليزيكو» الفرنسية.‏‎
واكتفت صحيفة «لوفيجارو» بالحديث عن أن موقع وزارة الهجرة الكندية أصيب بالعطل بسبب الضغط ‏عليه بعد إعلان فوز المرشح الجمهوري، حيث أبدى كثير من الأميركيين عزمهم الهجرة إلى كندا بعد ‏وصول ترامب إلى البيت الأبيض. ‎وفضلت قناة «فرانس 24» الحديث عن الأمر بحيادية تامة، حيث أشارت إلى أن فوز ترامب، يعزز ‏فرضية وصول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن إلى الرئاسة الفرنسية، وأن انتخابه كان بمثابة ‏خبر سار لدى اليمين المتطرف.
وفور الإعلان عن فوز ترامب ساد الترقب والحذر تعليقات إيران، التي لم ‏تخرج بأي تهنئة للرئيس الجديد، بل إن رئيس لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشورى ‏علاء الدين بروجردي عبر عن غضبه صراحة، ودعا ترامب إلى احترام الاتفاقيات الدولية، ‏بما في ذلك الاتفاق النووي. وقال بروجردي: «يوجد فرق بين ترامب في الحملة الانتخابية وترامب الرئيس الأميركي، نحن في انتظار ‏كيف ستكون سياسته في علاقة المنطقة والعالم الإسلامي».‎ ورغبة إيران القوية في فوز كلينتون، ظهرت في إعلامها مبكرًا، الذي وقع في سقطة مهنية كبرى، ‏بعدما أعلنت فوزها في الانتخابات الرئاسية مبكرًا، ولم يتطرق الخبر الخاص بها إلى أنه نقلاً عن ‏مصادر خاصة، أو الإشارة إلى أنها توقعات، ولكن خرج بصيغة تأكيدية بحتة قبل إعلان النتيجة.

ونشرت صحيفة «خبر جنوب» بشكل شبه قطعي، فوز كلينتون بالرئاسة، وجاء في افتتاحية الصحيفة ‏‏«كلينتون.. أول رئيسة للولايات المتحدة الأميركية».
ويعد موقع «روسيا اليوم» إحدى وسائل إعلام موسكو القريبة من دوائر الحكم، واعتبر أن فوز ترامب بمثابة زلزال سياسي خالف كل التوقعات، مؤكدًا أن فوزه ضربة موجعة بالنسبة لقيادة ‏الاتحاد الأوروبي المكونة بشكل شبه كامل من أعضاء المعسكر الليبرالي.‏ وقالت إن ترامب استطاع أن يفوز في الانتخابات بفضل الدعم النشيط من قبل السكان الأميركيين البيض ‏الذين تجاوزوا سن الـ45 عامًا، ومتوسطي التحصيل العلمي والدخل المالي، الذين استحوذ عليهم شعور ‏بالخيبة من تداعيات العولمة والخشية من زيادة تدفقات الهجرة إلى البلاد.‏
وأشارت الصحف الإسبانية إلى أن الفوز الصادم لدونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية، سيقود العالم إلى اضطرابات جديدة. وأبرز عنوان لصحيفة «لا راثون» - «اضطراب عالمي جديد»، وعنونت «إل موندو» - «الولايات المتحدة تدخل عصر الشعبوية»، في إشارة لليمين المتشدد، وقالت إن غضب الأميركان البيض قاد ترامب للبيت الأبيض.
وقالت صحيفة «اكسبانثيون»: «ترامب تهديد للتجارة العالمية»، وأن سياسته الاقتصادية قائمة على الحمائية، وأبرزت احتلال الجمهوريون لغرفتي «الكونغرس، والنواب» الأميركيين. وعنونت صحيفة «لابنجوارديا»: «ترامب يزلزل العالم»، وقالت «الباييس»: «أوباما وكلينتون ينهيان عصور الديمقراطية لعهد ترامب»، وقالت: «ثينكو دياس»: «ترامب يقود العالم إلى الظلام».
واهتمت الصحف العالمية بالحدث الذي هز أركان السياسة الدولية، صحيفة «ذا ديلي تلغراف» الأسترالية التي خصصت غلافها للرئيس الجديد بعنوان «فوز الرئيس ترامب ملف خاص.. هل ترامب سوف يبهرنا أم سيفشل؟»، مضيفة أنها تناولت فوز المرشح الجمهوري بـ13 صفحة بوصفه الانتصار الذي صدم العالم. صحيفة «لو جورنال دي مونتريال» الكندية خصصت غلافها للمرشح الجمهوري الفائز بعنوان «ترامب في البيض الأبيض.. يا الله» مخصصة 15 صفحة للحديث عن هذه الكارثة أما صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» الأميركية كانت صورة غلافها أبشع من الصحيفة الكندية السابقة فاختارت صورة البيت الأبيض بعنوان مانشت يعبر عن حالة الفزع «بيت الرعب».
من جانبه، كتبت صحيفة «أوستراليان بزنس رفيو» عن فوز دونالد ترامب على غلافها «30 مليار دولار خسائر بسبب حالة الغموض.. نذير الشؤم ونهاية العالم.. البيت الأبيض منزل الرعب.. فليسامح الله أميركا»، ليست هذه عناوين أفلام هوليوود، بل عناوين الصفحات الأولى في كبرى الصحف العالمية، التي عبّرت عن الصدمة عقب انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية.
وفي تقرير مصور، قامت مجلة «تايم» الأميركية بتقديم مجموعة من العناوين الصادمة للصفحات الأولى في كبرى الصحف العالمية، فقد وضعت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» صورة للبيت الأبيض وكتبت عليها «منزل الرعب»، وعنونت صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية قائلة: «فلينقذ الله أميركا»، وقالت صحيفة «البيريوديكو» الإسبانية: «فليسامح الله أميركا». وجاء عنوان صحيفة «إيكو» البلجيكية صادمًا في حد ذاته حيث عنونت: «المرض النفسي الأميركي»، وعنونت صحيفة «الفينانسيارو» المكسيكية بـ«صدمة ترامب». وقالت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية في عنوانها الرئيسي: «ترامب نذير الشؤم ونهاية العالم».
وجاء عنوان صحيفة «لارازون» الإسبانية مترجمًا لحالة الشعبية الجارفة والفوز الكاسح، فقالت: «دولة أميركا الشعبية». وعلقت «تايم» قائلة: «تكشف هذه العناوين الصدمة التي انتابت العالم، عقب حدوث أكبر مفاجأة في التاريخ السياسي الحديث، بإعلان فوز ترامب»



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.