هل يتحوّل «داعش» إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره؟

دفع عناصره إلى «قُرعة» عملياتية.. ونشر إحصائيات عن عملياته التفجيرية

يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
TT

هل يتحوّل «داعش» إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره؟

يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية

«هل يتحول تنظيم داعش الإرهابي إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره في سوريا والعراق؟».. سؤال يتبادر بقوة في أذهان الخبراء والباحثين المهتمين بشؤون الحركات الإسلامية، عقب إقدام التنظيم أخيرًا على بث فيديو مصور خاص بإجراء «قرعة» بين اثنين من مقاتليه على تنفيذ عملية انتحارية، تحت مسمى «قرعة الانتحار»، ونشر إحصائيات عن العمليات الانتحارية التي نفذتها عناصره خلال الأشهر الأخيرة، كنوع من التشجيع على تنفيذ عمليات جديدة. ولقد التقت «الشرق الأوسط» خبراء مصريين رأوا أن «داعش» إنما يسعى إلى رفع الروح المعنوية لعناصره، كي يوضح للجميع أنه ما زال موجودًا، رغم الهزائم التي مُنى بها في سوريا والعراق أخيرًا. وحسب الخبراء، فإن «خيار الإرهاب والعمليات الانتحارية موجود ومتوفر ويحظى بشعبية جارفة لدى أعضاء التنظيم، رغم الخسائر»، لافتين إلى أن ما بثه التنظيم خلال الفترة الأخيرة يؤكد أن الحرب ما زالت مستمرة، وأن على عناصره تبني خيار الصبر والاستمرار في أرض المعركة حتى النهاية، وأن أغلب مقاتلي التنظيم مستعدون للانتحار من أجل تحقيق الهدف العام، أي «الخلافة المزعومة».
يقول مراقبون وخبراء إن تنظيم داعش تبنى خلال الفترة الأخيرة آليات مختلفة للترويج لعملياته وأنشطته داخل المناطق التي ما زال يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة المواجهات المسلحة في مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة له. ويرى هؤلاء أن نتائجها ستحدد بدرجة ما، ليس فقط مدى قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وإنما أيضًا المسارات المحتملة التي قد يلجأ إليها إذا ما استمرت خسائره البشرية والمادية بسبب الضغوط التي يتعرض لها نتيجة العمليات العسكرية الهادفة إلى تحرير تلك المناطق. ففي الآونة الأخيرة، بث التنظيم الإرهابي المتطرف شريط فيديو يظهر إجراء قرعة بين اثنين من مقاتليه لتنفيذ عملية انتحارية، وهو الشريط الذي حظي باهتمام خاص من جانب وسائل الإعلام، وأثار جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
كذلك، روّج «داعش» بالتوازي مع ذلك لرفع أعداد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية من مقاتليه، ونشرت مجلة «أعماق» الشهرية التي يصدرها التنظيم أن عدد العمليات الانتحارية التي تقوم بها عناصر من التنظيم تراوحت بين 50 إلى 60 عملية شهريًا حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، إلا أنها ارتفعت خلال الشهور التالية، فوصلت إلى ما بين 80 إلى 100 عملية شهريًا، بمعدل عمليتين أو ثلاث يوميًا، وفقًا لتقديرات يومية صدرت عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
وأشارت هذه التقديرات إلى أن هدف التنظيم من تسليط الضوء على شريط الفيديو هذا يتمثل في الترويج لأفكاره، ودعوة بعض الشباب المتعاطفين معه للانضمام إليه، بهدف تعويض الخسائر البشرية المتصاعدة التي منى بها بسبب توالي العمليات العسكرية ضد عناصره ومواقعه في العراق وسوريا.
* خسائر الرقّة والموصل
في هذه الأثناء، تواصل الفصائل المشاركة في عملية «درع الفرات»، بشمال سوريا، معركة تحرير بلدة دابق الواقعة في ريف محافظة حلب الشمالي، ذات الرمزية الدينية والعقائدية والدعائية المهمة لـ«داعش». وحسب دارسي شؤون التنظيم، فإن دعاية «داعش» الآيديولوجية والفكرية تعتمد على مركزية بلدة دابق، بوصفها مكان «الملحمة الكبرى في نهاية الزمان» بين جيوش المسلمين وخصومهم. وبهذا الفكر سيطر التنظيم عليها في أغسطس (آب) عام 2014، وأطلق اسمها على مجلته الصادرة باللغة الإنجليزية. ويقول هؤلاء إن سيطرة «الجيش السوري الحرّ» على دابق يعد بمثابة هزيمة معنوية وآيديولوجية كبيرة لمشروع «داعش» في سوريا، وتصدع لمشروع «خلافته المزعومة». وللعلم، تأتي هزيمة «داعش» في دابق ومحيطها عقب هزائمه في جبهة الموصل بشمال العراق، حيث تشير التقارير إلى تقدم القوات العراقية إلى مسافة بضعة كيلومترات من المدينة التي غدت آخر معاقل التنظيم في العراق، في حين تتزايد أعداد النازحين الفارين من ضواحي الموصل هربًا من المعارك.
* مرحلة فاصلة
حسب المراقبين والخبراء، فإن مقطع الفيديو الخاص بـ«قرعة الانتحار» يكتسب أهميته من توقيت بثه، إذ يشير بشكل واضح إلى أن التنظيم بات يرى أنه يمر بمرحلة فاصلة، لاعتبارين: الأول، هو أن الخسائر التي منى بها منذ بداية معركة الموصل كانت كبيرة، إذ فقد أعدادًا غير قليلة من مقاتليه، كما خسر بعض القرى والمناطق التي كان يسيطر عليها خلال الفترة الماضية. والثاني، هو أن معركتي الموصل والرقّة ستمهدان المجال أمام شن عملية عسكرية جديدة في مرحلة تالية، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات وخيمة على تماسك التنظيم خلال الفترة المقبلة.
الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بمصر، يرى أن هزائم «داعش» الأخيرة «أثبتت أنه كان يقيم بالفعل (شبه دولة) في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرته في العراق وسوريا، خصوصًا أنه لم يستطع الصمود أمام قوات التحالف الدولي التي سيطرت على قرى بأكملها أخيرًا، عكس ما كان يزعمه لعناصره، من أنه تنظيم قوي، وأنه أكثر التنظيمات تأثيرًا في العالم».
وأضاف الزعفراني، في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «لذلك كان عليه البحث عن طرق جديدة لرفع الروح المعنوية لعناصره، والتأكيد على امتلاكه لأسلحة أكثر قوة، وأن عناصره تندفع بقوة لتنفيذ أي عمليات انتحارية، ليوضح للجميع أنه ما زال موجودًا».
أما الخبير الإعلامي الدكتور أحمد سمير، فأعرب عن اعتقاده أن ما قام به «داعش» يهدف إلى «تبني سياسة جديدة يسعى من خلالها إلى تدشين عملية تعبئة معنوية لمقاتليه، وتعكس خشيته من أن يساهم تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها خلال الفترة الحالية، في ظل العمليات العسكرية المتتالية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف المحلية والإقليمية، في توسيع نطاق الانشقاقات الداخلية بصفوفه التي يمكن أن تتسبب في إضعافه بشكل كبير، وتقليص قدرته على مواجهة تلك العمليات العسكرية».
وهنا، يلفت آخرون إلى تعمد التنظيم الإرهابي المتطرف أيضًا تسليط الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثه مقاطع من أشرطة فيديو خاصة بها، ويرون أن الغاية من كل ذلك ردع العناصر الأخرى ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصًا بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم.
* دول جديدة مستهدفة
وعن تأثير فيديو «قرعة الانتحار» في جذب موالين جدد للانضمام لـ«داعش»، قال الزعفراني: «لا أعتقد ذلك، فخسائر التنظيم خلال الأشهر الأخيرة تدعو من ينضم إليه للتفكير ألف مرة قبل أن يفعل»، لكن الخبير المصري أبدى تخوفه من أن «داعش» سيصبح أكثر شراسة من أي وقت مضى، وسينقل نشاطه الإجرامي إلى دول أخرى، خصوصًا في شمال أفريقيا. ومن ثم، سوف يدعو أنصاره للانتشار في دول أخرى مختلفة، بدلاً من التمركز في مكان واحد.
وقد نشرت وكالة الأنباء «حق»، إحدى الأذرع الإعلامية لـ«داعش»، كلمة لأحد عناصره، ويدعى إبراهيم بن عواد، حدّد فيها استراتيجية التنظيم خلال الفترة المقبلة في التوسع في فروع التنظيم التي وصلت إلى 14 فرعًا في دول العالم - على حد زعمه - ثم قال: «هذه الأفرع تدل على أن السياسة التوسعية لـ(دولة الخلافة) - المزعومة - لن تتأثر، وهي قابلة للزيادة في أي وقت».
وحول تخلي «داعش» عن فكرة إقامة «الخلافة المزعومة» في مكان واحد مثل العراق وسوريا، والاتجاه لدعوة عناصره للانتشار في دول أخرى، قال الدكتور الزعفراني إن «الخلافة كانت مجرد حلم لـ(داعش)، وهذه ليست أول مرة يدعو فيها (خوارج العصر) لإقامة الدولة ويفشلون، فـ(داعش) لم يؤسس إلا شبه دولة (...) وأن التنظيم وما يبثه من أرقام عن عملياته الانتحارية، لهو مؤشر على أنه سيتحول إلى (كتلة انتحارية) لتعويض خسائره».
من ناحية أخرى، وفيما يخص تداعيات معركة الموصل التي تدور رحاها في الفترة الحالية، يرى مراقبون خبراء أن المعركة تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية، سواء للترويج لعملياته ونشاطاته في سوريا والعراق وبعض الدول الأخرى، أو لتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه لتعويض الخسائر البشرية التي يتعرض لها في أكثر من منطقة. ويعتبر هؤلاء أنه بصرف النظر عن الجدل الذي أثارته هذه الحملة الدعائية التي يشنها التنظيم، خصوصًا حول مصداقيتها، يمكن القول إن هناك عوامل كثيرة يمكن أن تدفع التنظيم بالفعل إلى محاولة رفع عدد مقاتليه الذين يمكن أن يقوموا بتنفيذ عمليات انتحارية.
وبين هذه العوامل المشار إليها ثلاثة؛ يتمثل أولها في التحضّر للانسحاب المحتمل من الموصل بسبب الضغوط القوية التي يتعرض لها التنظيم في الفترة الحالية، وهو الذي سيدفعه غالبًا إلى الإبقاء على بعض عناصره للقيام بعمليات انتحارية داخل المناطق التي سينسحب منها خلال المرحلة المقبلة، على غرار ما فعله بعد العمليات العسكرية التي وقعت في الفترة الماضية. والعامل الثاني احتواء تداعيات اختلال توازن القوى لصالح الأطراف المشاركة في العمليات العسكرية ضده، من خلال العمل على تنفيذ عمليات انتحارية نوعية تستطيع إلحاق خسائر نوعية بتلك الأطراف. والعامل الثالث تقليص حدة الضغوط المتوقعة على التنظيم في مناطق أخرى، لا سيما في سوريا، حيث قد تدفع معركة الموصل بعض الأطراف في سوريا إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد التنظيم.
وهنا يقول أحمد سمير، في حواره مع «الشرق الأوسط»، إنه من المؤكد أن «استخدام (داعش) لوسائل الإعلام عبر بث مقاطع الفيديو المصوّرة، يعد أحد أهم الأسلحة التي يتبناها التنظيم، والتي تتسم على المستوى الفني بالاحترافية الشديدة، والقدرة على تكثيف الأثر الناتج عن التعرض لمثل هذه المواد. إلا أن مسار الإعلام يدعم الواقع الموجود في سوريا والعراق، لكنه لا يغيره. فمجرد الإعلان عن مثل هذه المواد المرئية لا يمكنه تغيير الواقع المتمثل في هزائمه في سوريا والعراق، لكنه يسهل الحفاظ على استراتيجية موحدة للمقاتلين».
وأضاف سمير، شارحًا: «ما استخدمه (داعش) في شريط الفيديو نموذج واضح، لكنه مكرّر في أساليب الدعاية والحرب النفسية، وهو يهدف من وراء ذلك إلى أمرين: الأول، الردع والتخويف لأعداء التنظيم بأنه تنتظرهم أمور لا يتوقعونها أو لا يضعونها في الحسبان، لأن أعداء (داعش) - من وجهة نظر عناصر التنظيم - إذا كانوا استطاعوا تحقيق انتصارات عسكرية محددة على الأرض ضد (داعش)، فإن خيار العمليات الانتحارية موجود، وهو يحظى بشعبية جارفة لدى الدواعش، فضلاً عن التطمين والحفاظ على تماسك قواعد التنظيم. فلا شك أن الهزائم العسكرية التي لحقت بـ(داعش) تخلق قدرًا من الانفصال بين القيادات والقواعد. وبالتالي، فإن القواعد تكون في الغالب مشتتة عاجزة عن اتخاذ قرارات منفردة».
وتابع سمير قوله: «وبالتالي، فإن وصول هذه المواد (أي الفيديو وإحصائيات العمليات الانتحارية) للدواعش يؤكد لهم أن الحرب لا تزال مستمرة، وأن عليهم تبني خيار الصبر والاستمرار حتى النهاية، وأن أغلب زملائهم مستعدون للانتحار من أجل تحقيق الهدف العام للتنظيم في هذه الحرب».
* انشقاقات محتملة
أخيرًا، ثمة من يقرأ في ما هو حاصل أن «داعش» بصدد توجيه رسالة إلى مقاتلي التنظيم بعجزه عن الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر عليها خلال العامين الماضيين، أي منذ انتشاره في شمال العراق في منتصف عام 2014، لا سيما مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للتنظيم لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية كثيرة.
وفي سياق هذه القراءة، ستتقلص قدرة التنظيم المتطرف على دعم تماسكه الداخلي، وتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه، لأن انسحاباته المتتالية من المناطق التي سبق له أن سيطر عليها، وتراجع قدرته على الدفاع عنها، يعنيان ازدياد احتمالات انشقاق عدد غير قليل من عناصره بشكل قد يؤدي إلى تراجع قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال المرحلة المقبلة. وفضلا عن ذلك، فإن المشكلات الداخلية الكثيرة التي يعاني منها «داعش» لا بد أن تعرقل مساعيه لرفع عدد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية، في ظل التمييز العرقي الذي يعاني منه، والذي أدى إلى وقوع اشتباكات ومواجهات مسلحة بين بعض كوادره وعناصره خلال المرحلة الماضية.
ومعروف أن التنظيم عانى خلال الأشهر الماضية من هروب كثير من مقاتليه بسبب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، وأكذوبة «أرض الخلافة» المزعومة، وادعاءات العيش الرغد والرواتب الكبيرة التي حلموا بها. لذا لجأ إلى إعدام كثير من عناصره، وتصوير هذه المشاهد وبثها كنوع من التخويف والردع، بحيث لا تجرؤ العناصر الأخرى على الهروب.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.