هل يتحوّل «داعش» إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره؟

دفع عناصره إلى «قُرعة» عملياتية.. ونشر إحصائيات عن عملياته التفجيرية

يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
TT

هل يتحوّل «داعش» إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره؟

يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية
يرى مراقبون خبراء أن معركة الموصل تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية

«هل يتحول تنظيم داعش الإرهابي إلى كتل انتحارية لتعويض خسائره في سوريا والعراق؟».. سؤال يتبادر بقوة في أذهان الخبراء والباحثين المهتمين بشؤون الحركات الإسلامية، عقب إقدام التنظيم أخيرًا على بث فيديو مصور خاص بإجراء «قرعة» بين اثنين من مقاتليه على تنفيذ عملية انتحارية، تحت مسمى «قرعة الانتحار»، ونشر إحصائيات عن العمليات الانتحارية التي نفذتها عناصره خلال الأشهر الأخيرة، كنوع من التشجيع على تنفيذ عمليات جديدة. ولقد التقت «الشرق الأوسط» خبراء مصريين رأوا أن «داعش» إنما يسعى إلى رفع الروح المعنوية لعناصره، كي يوضح للجميع أنه ما زال موجودًا، رغم الهزائم التي مُنى بها في سوريا والعراق أخيرًا. وحسب الخبراء، فإن «خيار الإرهاب والعمليات الانتحارية موجود ومتوفر ويحظى بشعبية جارفة لدى أعضاء التنظيم، رغم الخسائر»، لافتين إلى أن ما بثه التنظيم خلال الفترة الأخيرة يؤكد أن الحرب ما زالت مستمرة، وأن على عناصره تبني خيار الصبر والاستمرار في أرض المعركة حتى النهاية، وأن أغلب مقاتلي التنظيم مستعدون للانتحار من أجل تحقيق الهدف العام، أي «الخلافة المزعومة».
يقول مراقبون وخبراء إن تنظيم داعش تبنى خلال الفترة الأخيرة آليات مختلفة للترويج لعملياته وأنشطته داخل المناطق التي ما زال يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا، وذلك بالتزامن مع تصاعد حدة المواجهات المسلحة في مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة له. ويرى هؤلاء أن نتائجها ستحدد بدرجة ما، ليس فقط مدى قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمناطق الأخرى التي يسيطر عليها، وإنما أيضًا المسارات المحتملة التي قد يلجأ إليها إذا ما استمرت خسائره البشرية والمادية بسبب الضغوط التي يتعرض لها نتيجة العمليات العسكرية الهادفة إلى تحرير تلك المناطق. ففي الآونة الأخيرة، بث التنظيم الإرهابي المتطرف شريط فيديو يظهر إجراء قرعة بين اثنين من مقاتليه لتنفيذ عملية انتحارية، وهو الشريط الذي حظي باهتمام خاص من جانب وسائل الإعلام، وأثار جدلاً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي.
كذلك، روّج «داعش» بالتوازي مع ذلك لرفع أعداد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية من مقاتليه، ونشرت مجلة «أعماق» الشهرية التي يصدرها التنظيم أن عدد العمليات الانتحارية التي تقوم بها عناصر من التنظيم تراوحت بين 50 إلى 60 عملية شهريًا حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، إلا أنها ارتفعت خلال الشهور التالية، فوصلت إلى ما بين 80 إلى 100 عملية شهريًا، بمعدل عمليتين أو ثلاث يوميًا، وفقًا لتقديرات يومية صدرت عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
وأشارت هذه التقديرات إلى أن هدف التنظيم من تسليط الضوء على شريط الفيديو هذا يتمثل في الترويج لأفكاره، ودعوة بعض الشباب المتعاطفين معه للانضمام إليه، بهدف تعويض الخسائر البشرية المتصاعدة التي منى بها بسبب توالي العمليات العسكرية ضد عناصره ومواقعه في العراق وسوريا.
* خسائر الرقّة والموصل
في هذه الأثناء، تواصل الفصائل المشاركة في عملية «درع الفرات»، بشمال سوريا، معركة تحرير بلدة دابق الواقعة في ريف محافظة حلب الشمالي، ذات الرمزية الدينية والعقائدية والدعائية المهمة لـ«داعش». وحسب دارسي شؤون التنظيم، فإن دعاية «داعش» الآيديولوجية والفكرية تعتمد على مركزية بلدة دابق، بوصفها مكان «الملحمة الكبرى في نهاية الزمان» بين جيوش المسلمين وخصومهم. وبهذا الفكر سيطر التنظيم عليها في أغسطس (آب) عام 2014، وأطلق اسمها على مجلته الصادرة باللغة الإنجليزية. ويقول هؤلاء إن سيطرة «الجيش السوري الحرّ» على دابق يعد بمثابة هزيمة معنوية وآيديولوجية كبيرة لمشروع «داعش» في سوريا، وتصدع لمشروع «خلافته المزعومة». وللعلم، تأتي هزيمة «داعش» في دابق ومحيطها عقب هزائمه في جبهة الموصل بشمال العراق، حيث تشير التقارير إلى تقدم القوات العراقية إلى مسافة بضعة كيلومترات من المدينة التي غدت آخر معاقل التنظيم في العراق، في حين تتزايد أعداد النازحين الفارين من ضواحي الموصل هربًا من المعارك.
* مرحلة فاصلة
حسب المراقبين والخبراء، فإن مقطع الفيديو الخاص بـ«قرعة الانتحار» يكتسب أهميته من توقيت بثه، إذ يشير بشكل واضح إلى أن التنظيم بات يرى أنه يمر بمرحلة فاصلة، لاعتبارين: الأول، هو أن الخسائر التي منى بها منذ بداية معركة الموصل كانت كبيرة، إذ فقد أعدادًا غير قليلة من مقاتليه، كما خسر بعض القرى والمناطق التي كان يسيطر عليها خلال الفترة الماضية. والثاني، هو أن معركتي الموصل والرقّة ستمهدان المجال أمام شن عملية عسكرية جديدة في مرحلة تالية، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات وخيمة على تماسك التنظيم خلال الفترة المقبلة.
الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بمصر، يرى أن هزائم «داعش» الأخيرة «أثبتت أنه كان يقيم بالفعل (شبه دولة) في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرته في العراق وسوريا، خصوصًا أنه لم يستطع الصمود أمام قوات التحالف الدولي التي سيطرت على قرى بأكملها أخيرًا، عكس ما كان يزعمه لعناصره، من أنه تنظيم قوي، وأنه أكثر التنظيمات تأثيرًا في العالم».
وأضاف الزعفراني، في لقاء مع «الشرق الأوسط»: «لذلك كان عليه البحث عن طرق جديدة لرفع الروح المعنوية لعناصره، والتأكيد على امتلاكه لأسلحة أكثر قوة، وأن عناصره تندفع بقوة لتنفيذ أي عمليات انتحارية، ليوضح للجميع أنه ما زال موجودًا».
أما الخبير الإعلامي الدكتور أحمد سمير، فأعرب عن اعتقاده أن ما قام به «داعش» يهدف إلى «تبني سياسة جديدة يسعى من خلالها إلى تدشين عملية تعبئة معنوية لمقاتليه، وتعكس خشيته من أن يساهم تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها خلال الفترة الحالية، في ظل العمليات العسكرية المتتالية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف المحلية والإقليمية، في توسيع نطاق الانشقاقات الداخلية بصفوفه التي يمكن أن تتسبب في إضعافه بشكل كبير، وتقليص قدرته على مواجهة تلك العمليات العسكرية».
وهنا، يلفت آخرون إلى تعمد التنظيم الإرهابي المتطرف أيضًا تسليط الضوء على عمليات الإعدام التي يقوم بتنفيذها ضد بعض العناصر التي تسعى للانشقاق عنه، وبثه مقاطع من أشرطة فيديو خاصة بها، ويرون أن الغاية من كل ذلك ردع العناصر الأخرى ومنعها من التفكير في الإقدام على تلك الخطوة، خصوصًا بعد هروب كثير من عناصره عقب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم.
* دول جديدة مستهدفة
وعن تأثير فيديو «قرعة الانتحار» في جذب موالين جدد للانضمام لـ«داعش»، قال الزعفراني: «لا أعتقد ذلك، فخسائر التنظيم خلال الأشهر الأخيرة تدعو من ينضم إليه للتفكير ألف مرة قبل أن يفعل»، لكن الخبير المصري أبدى تخوفه من أن «داعش» سيصبح أكثر شراسة من أي وقت مضى، وسينقل نشاطه الإجرامي إلى دول أخرى، خصوصًا في شمال أفريقيا. ومن ثم، سوف يدعو أنصاره للانتشار في دول أخرى مختلفة، بدلاً من التمركز في مكان واحد.
وقد نشرت وكالة الأنباء «حق»، إحدى الأذرع الإعلامية لـ«داعش»، كلمة لأحد عناصره، ويدعى إبراهيم بن عواد، حدّد فيها استراتيجية التنظيم خلال الفترة المقبلة في التوسع في فروع التنظيم التي وصلت إلى 14 فرعًا في دول العالم - على حد زعمه - ثم قال: «هذه الأفرع تدل على أن السياسة التوسعية لـ(دولة الخلافة) - المزعومة - لن تتأثر، وهي قابلة للزيادة في أي وقت».
وحول تخلي «داعش» عن فكرة إقامة «الخلافة المزعومة» في مكان واحد مثل العراق وسوريا، والاتجاه لدعوة عناصره للانتشار في دول أخرى، قال الدكتور الزعفراني إن «الخلافة كانت مجرد حلم لـ(داعش)، وهذه ليست أول مرة يدعو فيها (خوارج العصر) لإقامة الدولة ويفشلون، فـ(داعش) لم يؤسس إلا شبه دولة (...) وأن التنظيم وما يبثه من أرقام عن عملياته الانتحارية، لهو مؤشر على أنه سيتحول إلى (كتلة انتحارية) لتعويض خسائره».
من ناحية أخرى، وفيما يخص تداعيات معركة الموصل التي تدور رحاها في الفترة الحالية، يرى مراقبون خبراء أن المعركة تمثل حقًا اختبارًا جديًا لمدى قدرة التنظيم على استخدام أدوات دعائية، سواء للترويج لعملياته ونشاطاته في سوريا والعراق وبعض الدول الأخرى، أو لتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه لتعويض الخسائر البشرية التي يتعرض لها في أكثر من منطقة. ويعتبر هؤلاء أنه بصرف النظر عن الجدل الذي أثارته هذه الحملة الدعائية التي يشنها التنظيم، خصوصًا حول مصداقيتها، يمكن القول إن هناك عوامل كثيرة يمكن أن تدفع التنظيم بالفعل إلى محاولة رفع عدد مقاتليه الذين يمكن أن يقوموا بتنفيذ عمليات انتحارية.
وبين هذه العوامل المشار إليها ثلاثة؛ يتمثل أولها في التحضّر للانسحاب المحتمل من الموصل بسبب الضغوط القوية التي يتعرض لها التنظيم في الفترة الحالية، وهو الذي سيدفعه غالبًا إلى الإبقاء على بعض عناصره للقيام بعمليات انتحارية داخل المناطق التي سينسحب منها خلال المرحلة المقبلة، على غرار ما فعله بعد العمليات العسكرية التي وقعت في الفترة الماضية. والعامل الثاني احتواء تداعيات اختلال توازن القوى لصالح الأطراف المشاركة في العمليات العسكرية ضده، من خلال العمل على تنفيذ عمليات انتحارية نوعية تستطيع إلحاق خسائر نوعية بتلك الأطراف. والعامل الثالث تقليص حدة الضغوط المتوقعة على التنظيم في مناطق أخرى، لا سيما في سوريا، حيث قد تدفع معركة الموصل بعض الأطراف في سوريا إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد التنظيم.
وهنا يقول أحمد سمير، في حواره مع «الشرق الأوسط»، إنه من المؤكد أن «استخدام (داعش) لوسائل الإعلام عبر بث مقاطع الفيديو المصوّرة، يعد أحد أهم الأسلحة التي يتبناها التنظيم، والتي تتسم على المستوى الفني بالاحترافية الشديدة، والقدرة على تكثيف الأثر الناتج عن التعرض لمثل هذه المواد. إلا أن مسار الإعلام يدعم الواقع الموجود في سوريا والعراق، لكنه لا يغيره. فمجرد الإعلان عن مثل هذه المواد المرئية لا يمكنه تغيير الواقع المتمثل في هزائمه في سوريا والعراق، لكنه يسهل الحفاظ على استراتيجية موحدة للمقاتلين».
وأضاف سمير، شارحًا: «ما استخدمه (داعش) في شريط الفيديو نموذج واضح، لكنه مكرّر في أساليب الدعاية والحرب النفسية، وهو يهدف من وراء ذلك إلى أمرين: الأول، الردع والتخويف لأعداء التنظيم بأنه تنتظرهم أمور لا يتوقعونها أو لا يضعونها في الحسبان، لأن أعداء (داعش) - من وجهة نظر عناصر التنظيم - إذا كانوا استطاعوا تحقيق انتصارات عسكرية محددة على الأرض ضد (داعش)، فإن خيار العمليات الانتحارية موجود، وهو يحظى بشعبية جارفة لدى الدواعش، فضلاً عن التطمين والحفاظ على تماسك قواعد التنظيم. فلا شك أن الهزائم العسكرية التي لحقت بـ(داعش) تخلق قدرًا من الانفصال بين القيادات والقواعد. وبالتالي، فإن القواعد تكون في الغالب مشتتة عاجزة عن اتخاذ قرارات منفردة».
وتابع سمير قوله: «وبالتالي، فإن وصول هذه المواد (أي الفيديو وإحصائيات العمليات الانتحارية) للدواعش يؤكد لهم أن الحرب لا تزال مستمرة، وأن عليهم تبني خيار الصبر والاستمرار حتى النهاية، وأن أغلب زملائهم مستعدون للانتحار من أجل تحقيق الهدف العام للتنظيم في هذه الحرب».
* انشقاقات محتملة
أخيرًا، ثمة من يقرأ في ما هو حاصل أن «داعش» بصدد توجيه رسالة إلى مقاتلي التنظيم بعجزه عن الاحتفاظ بالمناطق التي سيطر عليها خلال العامين الماضيين، أي منذ انتشاره في شمال العراق في منتصف عام 2014، لا سيما مدينة الموصل التي تمثل أهمية خاصة بالنسبة للتنظيم لاعتبارات اقتصادية واستراتيجية كثيرة.
وفي سياق هذه القراءة، ستتقلص قدرة التنظيم المتطرف على دعم تماسكه الداخلي، وتجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفه، لأن انسحاباته المتتالية من المناطق التي سبق له أن سيطر عليها، وتراجع قدرته على الدفاع عنها، يعنيان ازدياد احتمالات انشقاق عدد غير قليل من عناصره بشكل قد يؤدي إلى تراجع قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية خلال المرحلة المقبلة. وفضلا عن ذلك، فإن المشكلات الداخلية الكثيرة التي يعاني منها «داعش» لا بد أن تعرقل مساعيه لرفع عدد المتقدمين لتنفيذ عمليات انتحارية، في ظل التمييز العرقي الذي يعاني منه، والذي أدى إلى وقوع اشتباكات ومواجهات مسلحة بين بعض كوادره وعناصره خلال المرحلة الماضية.
ومعروف أن التنظيم عانى خلال الأشهر الماضية من هروب كثير من مقاتليه بسبب اكتشافهم زيف مزاعم التنظيم، وأكذوبة «أرض الخلافة» المزعومة، وادعاءات العيش الرغد والرواتب الكبيرة التي حلموا بها. لذا لجأ إلى إعدام كثير من عناصره، وتصوير هذه المشاهد وبثها كنوع من التخويف والردع، بحيث لا تجرؤ العناصر الأخرى على الهروب.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».