محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

غيّر انتماءاته الحزبية 5 مرات في 25 سنة من جمهوري إلى ديمقراطي مرورا بـ«الإصلاح»

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
TT

محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)

استوعبت النخب السياسية والمثقفة الأميركية والعالم صدمة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وصوبوا تفكيرهم نحو توجّه سياسات واشنطن الداخلية والخارجية في عهده، ومدى التزامه بتطبيق وعوده الانتخابية، وبخاصة تلك التي قد تشكل قطيعة تامة مع عهد الرئيس الحالي باراك أوباما كتراجع الدعم الأميركي لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ومراجعة سياسات الهجرة. وفي مسعى لتصور السياسة الخارجية للسنوات الأربع المقبلة، يحاول الخبراء تحديد شخصية ترامب السياسية، رغم تاريخه القصير في المجال، ولا سبيل لذلك إلا عبر العودة إلى أبرز محطات حياته.
لم يعرف الأميركيون دونالد ترامب بتاريخه السياسي، بل بإمبراطوريته الاقتصادية وشركاته العقارية وملاعب الغولف ومشاريعه التي لم تكن دوما ناجحة، وبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «دي إبرينتيس». فبعدما تخرج من كلية وارتون المرموقة لإدارة الأعمال التابعة لجامعة بنسلفانيا ببكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1968. انضم إلى شركة والده فريدريك ترامب «مؤسسة ترامب»، وأعاد تسميتها «منظمة ترامب». ومن ثم انطلق في مسيرة التأسيس لإمبراطورية شملت فنادق ومنتجعات ترفيهية ونوادي ليلية وغيرها، التي تخللتها 6 حالات إفلاس معلنة بين 1991 و2009.
* لم يعلن ترامب عن انتماءاته الحزبية قبل عام 1987، فإن مقرّبين منه أشاروا إلى أنه كان معجبا بالرئيس الجمهوري رونالد ريغان وبسياساته.
* بين 1987 و1999، عرّف ترامب نفسه سياسيا بالانتماء إلى «الجمهوري»، قبل أن يغير آراءه وأن ينتسب إلى حزب الإصلاح الأميركي. وشارك رجل الأعمال الملياردير في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن حزبه، إلا أنه انسحب بعد ثلاث سنوات بسبب تدخّل اليمينيين المتشددين ديفيد ديوك وبات بيوكانان في «الإصلاح».
* في عام 2001 قرر ترامب الانضمام إلى الحزب الديمقراطي، متأثرا بمحيطه بعد أن انتقل إلى نيويورك. وبرّر الرئيس المنتخب انتسابه لهذا الحزب خلال حوار مع «سي. بي. إس» في 23 أغسطس (آب) من العام الماضي بقوله إن إقامته بمانهاتن، بوسط نيويورك، أثّرت على توجهاته، وقال: «كنت من منطقة كلها ديمقراطيون، وبصراحة، ومع مرور السنوات، زاد انخراطي في الحزب وتطوّرت».
* بعد مرور 7 سنوات، دعم ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين، وغادر الحزب الديمقراطي منتقلاً إلى منافسه الحزب الجمهوري عام 2009، ثم غادره خمسة أشهر عام 2011 وأصبح مستقلا، قبل أن يعود إلى حزب الجمهوريين ويعد بالبقاء فيه.
وإلى جانب انتماءات ترامب الحزبية «المتنقلة»، إذا صحّ التعبير، التي مكنته من اكتساب معرفة بهيكلة الحزبين الأميركيين الرئيسيين، فإنه عبّر عن طموحاته في الترشح للرئاسة في أكثر من مناسبة. ولعل أبرز اثنتين هما عام 2000 عندما طرح اسمه للانتخابات التمهيدية الداخلية في حزب الإصلاح وقبلها عام 1987 عندما نشر إعلانا على صفحة كاملة في عدد من الصحف الأميركية ينتقد فيه سياسة الدفاع الأميركية، كلفه مائة ألف دولار.
* لم يلمع نجم ترامب السياسي إلا في مسيرته السياسية الأخيرة التي انتهت بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وذلك بعدما اصطدمت حملته الانتخابية بتصريحاته الصادمة التي صورته مهرّجا في أحيان كثيرة. ونجح «المختل»، كما وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في التفوق على منافسته الديمقراطية والسياسية المخضرمة هيلاري كلينتون بعكس التوقعات، رغم سلسلة تصريحات مثيرة للجدل وعنصرية وداعية للكراهية.
* يمكن تلخيص الوعود التي كرّرها ترامب في تجمعاته الانتخابية الأخيرة في خمس نقاط رئيسية، هدفها «النهوض بأميركا من جديد»، وتشمل الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أميركا، وإصلاح المنظمة السياسية، وتغيير العلاقات التجارية مع الخارج، وإعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية، وتخفيض الالتزام الأميركي بسياسات الحفاظ على البيئة. وبالنسبة لترامب، فإن الانتقال من اقتراح إجراء تغييرات هائلة خلال فترة الحملة الانتخابية إلى مرحلة محاولة المرور بسلام عبر دهاليز الحكومة المعقدة، سيأتي بمثابة اختبار عصيب ومبكر لفترة وجوده داخل البيت الأبيض.
وهنا أبرز ملامح مشروعه السياسي كما عبر عنه:
* الهجرة غير الشرعية:
وعد دونالد ترامب أن يتخذ إجراءات لترحيل ما يصل إلى 11 مليون «مهاجر دون أوراق»، وغير شرعيين، بمجرد تسلمه السلطة. ويشكك خبراء في قابلية تحقيق هذه الوعود لأسباب عدة، تشمل صعوبة التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفيدرالية من جهة، والولايات المتحدة ودول هؤلاء المهاجرين الأصل من جهة أخرى. كما وعد ترامب أن يجعل آليات الموافقة على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة أكثر صرامة ودقة، وهو التزام أكثر واقعية وقابل للتحقيق، خصوصا فيما يتعلق باللاجئين إلى الولايات المتحدة من مناطق النزاع في الشرق الأوسط. وقال إن لديه حلولا تشمل بناء مخيمات ومدن للاجئين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، بدلاً من ترحيل اللاجئين إلى الولايات المتحدة.
* إصلاح منظومة واشنطن السياسية:
كان أحد أهم شعارات دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: «تنظيف المستنقع»، في إشارة منه إلى ضرورة تغيير المنظومة السياسية في واشنطن، إذ يعد حديث عهد بالسياسية ودخيلا على العاصمة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا السياسيين في واشنطن، وقال إن الفساد سببه تقديم المصالح الشخصية. واقترح المرشح الفائز تعديلا دستوريا يضع قيودًا أكثر صرامة على الفترة الزمنية لأعضاء الكونغرس في مناصبهم، والحد من عدد مرات الترشح. كما وعد بوضع قيود تمنع أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية من «التحزب»، والانضمام لجماعات ضغط، والمشاركة في «لوبيات» سياسية قبل مرور خمس سنوات من تركهم الوظيفة الحكومية. إلا أن سبل تحقيق هذه الوعود تبدو مستبعدة، وتحتاج المرور عبر الكونغرس.
* العلاقات التجارية مع الخارج:
يعتبر ترامب من أشدّ المعارضين لاتفاقية «نافتا»، وهي اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وكان تم التوقيع على الاتفاقية في عهد الرئيس بيل كلينتون. كما أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي (تي تي بي)، التي تضم أكثر من 12 دولة كانت أيضا محل انتقاد من طرفه، الذي وعد بإعادة مناقشة كل من الاتفاقيتين لتخدم التجارة الأميركية بشكل أكبر. ويبدو أنه باستطاعة ترامب الرئيس إعادة التفاوض بخصوص الاتفاقات التجارية، وهي خطوة من شأنها ترك تداعيات كارثية على أسواق الأسهم والاقتصاد.
* السياسة الخارجية الأميركية:
التزم الرئيس المنتخب شعار «أميركا أولا» في حديثه عن السياسة الخارجية الأميركية. وقال في أحد لقاءاته إن حلف شمال الأطلسي «ناتو» مجحف بحق الولايات المتحدة بحجة أنها أكثر من يساهم بالعدد والعدة وحماية الأعضاء في الحلف من دون مقابل يذكر. وأضاف أن أميركا لن تدافع بعد اليوم عن أي من الدول الأعضاء، ما لم تكن تلك الدولة قد قدمت كل ما عليها من التزامات لدول الحلف. أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فقد كان من أكثر القضايا التي انتقدها ترامب وذكر أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه الاتفاقية، إذ إنها سمحت لطهران بالحصول على أكثر من 1.7 مليار دولار من السيولة، وفي المقابل، الاتفاقية لا تضمن عدم إنتاج إيران قنبلة نووية. ووعد ترامب أن يتم إعادة مناقشة هذا الاتفاق. وبالنسبة للحرب على «داعش»، فإن الرئيس الجديد لم يكن واضحًا في مخططه، وقال إنه يجب ألا تكون خطوات أميركا في القضاء على «داعش» معلنة، بل «سرية». لكنه لم يتردد في تهديد التنظيم والقضاء عليه.
* السياسات البيئية:
لا يؤمن دونالد ترامب بنظريات الانحباس الحراري، واعتبرها في إحدى تغريداته «مؤامرة صينية لإجبار الولايات المتحدة على خفض إنتاجها».
وأثارت تصريحاته حول البيئة مخاوف خبراء التغيير المناخي، إذ وعد بإلغاء التبرع بمبلغ مليار دولار الذي أقرّه أوباما للمساهمة في البرنامج الأممي لتغيير المناخ. كما قال إنه سيستثمر هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية للولايات المتحدة. وبشكل عام، هناك وعود أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية كنوع من المزايدة، ولا يعيرها الخبراء اهتماما يذكر لكونها مجرد شعارات انتخابية غير قابلة للتحقيق، وتهدف لتعزيز فرصه لدى مجموعة معينة من الناخبين. وأبرز هذه الوعود، بناء جدار فصل فعلي على امتداد الحدود الجنوبية للبلاد مع المكسيك يتطلب التزام الكونغرس بتوفير مئات المليارات من الدولارات لإنجازه. وبالمثل، لا يملك ترامب سلطة إجبار المكسيك على تحمل تكاليف بناء الجدار، مثلما تعهد مرارًا، وإن كان بإمكانه تهديد الحكومة المكسيكية بتقليص حجم التبادل التجاري بين الجانبين أو تقليص نشاطات فرض القانون المرتبطة بمكافحة الاتجار في المخدرات.
ولقد كشف التاريخ مرارًا من قبل عن أنه أحيانا يكون من الصعب تنفيذ وعود جرى إطلاقها بسهولة أمام حشود الجماهير المتحمسة. على سبيل المثال، رغم إصدار الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة قرارًا بإغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو في كوبا للإرهابيين المشتبه بهم، فإن أعضاء من الحزبين عارضوا الخطوة. وحتى الأشهر الأخيرة من رئاسة أوباما، لا يزال السجن مفتوحًا.
من ناحية أخرى، فإن فرض رقابة صارمة على المساجد داخل الولايات المتحدة على النحو الذي دعا له ترامب، يتطلب من المحاكم إعادة تفسير الحمايات والحقوق التي كفلها الدستور. وإذا ما رغب ترامب في المضي قدمًا في مقترحه بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي لم يعد يذكره خلال الأشهر الأخيرة من السباق الانتخابي وحذف أمس من موقعه الإلكتروني، فإن هذا القرار سيكون من السهل الطعن فيه فورًا أمام القضاء بوصفه غير دستوري أو يناقض القوانين الحالية، حسبما أكد خبراء قانونيون.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن يتمكن ترامب من منع دخول مجموعة أضيق نطاقًا من المسلمين الذين يعيشون في أجزاء بعينها من بعض الدول التي يسيطر عليها إرهابيو تنظيم داعش لما تتيحه قوانين الهجرة من تقييد دخول بعض الأفراد بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن الوطني.
إضافة لذلك، ثمة وعود أخرى أطلقها ترامب تتطلّب تبديل أولويات عمل الوكالات الوطنية، مثل حديثه عن أنه سيسعى لدفع الكونغرس نحو توفير مزيد من التمويل للبرامج الجاري تنفيذها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين أصحاب السجلات الجنائية، ووعوده الأوسع نطاقًا بـ«إصلاح الهيئة المعنية بشؤون المحاربين» و«الشروع في الاهتمام بمؤسستنا العسكرية».



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.