محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

غيّر انتماءاته الحزبية 5 مرات في 25 سنة من جمهوري إلى ديمقراطي مرورا بـ«الإصلاح»

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
TT

محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)

استوعبت النخب السياسية والمثقفة الأميركية والعالم صدمة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وصوبوا تفكيرهم نحو توجّه سياسات واشنطن الداخلية والخارجية في عهده، ومدى التزامه بتطبيق وعوده الانتخابية، وبخاصة تلك التي قد تشكل قطيعة تامة مع عهد الرئيس الحالي باراك أوباما كتراجع الدعم الأميركي لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ومراجعة سياسات الهجرة. وفي مسعى لتصور السياسة الخارجية للسنوات الأربع المقبلة، يحاول الخبراء تحديد شخصية ترامب السياسية، رغم تاريخه القصير في المجال، ولا سبيل لذلك إلا عبر العودة إلى أبرز محطات حياته.
لم يعرف الأميركيون دونالد ترامب بتاريخه السياسي، بل بإمبراطوريته الاقتصادية وشركاته العقارية وملاعب الغولف ومشاريعه التي لم تكن دوما ناجحة، وبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «دي إبرينتيس». فبعدما تخرج من كلية وارتون المرموقة لإدارة الأعمال التابعة لجامعة بنسلفانيا ببكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1968. انضم إلى شركة والده فريدريك ترامب «مؤسسة ترامب»، وأعاد تسميتها «منظمة ترامب». ومن ثم انطلق في مسيرة التأسيس لإمبراطورية شملت فنادق ومنتجعات ترفيهية ونوادي ليلية وغيرها، التي تخللتها 6 حالات إفلاس معلنة بين 1991 و2009.
* لم يعلن ترامب عن انتماءاته الحزبية قبل عام 1987، فإن مقرّبين منه أشاروا إلى أنه كان معجبا بالرئيس الجمهوري رونالد ريغان وبسياساته.
* بين 1987 و1999، عرّف ترامب نفسه سياسيا بالانتماء إلى «الجمهوري»، قبل أن يغير آراءه وأن ينتسب إلى حزب الإصلاح الأميركي. وشارك رجل الأعمال الملياردير في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن حزبه، إلا أنه انسحب بعد ثلاث سنوات بسبب تدخّل اليمينيين المتشددين ديفيد ديوك وبات بيوكانان في «الإصلاح».
* في عام 2001 قرر ترامب الانضمام إلى الحزب الديمقراطي، متأثرا بمحيطه بعد أن انتقل إلى نيويورك. وبرّر الرئيس المنتخب انتسابه لهذا الحزب خلال حوار مع «سي. بي. إس» في 23 أغسطس (آب) من العام الماضي بقوله إن إقامته بمانهاتن، بوسط نيويورك، أثّرت على توجهاته، وقال: «كنت من منطقة كلها ديمقراطيون، وبصراحة، ومع مرور السنوات، زاد انخراطي في الحزب وتطوّرت».
* بعد مرور 7 سنوات، دعم ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين، وغادر الحزب الديمقراطي منتقلاً إلى منافسه الحزب الجمهوري عام 2009، ثم غادره خمسة أشهر عام 2011 وأصبح مستقلا، قبل أن يعود إلى حزب الجمهوريين ويعد بالبقاء فيه.
وإلى جانب انتماءات ترامب الحزبية «المتنقلة»، إذا صحّ التعبير، التي مكنته من اكتساب معرفة بهيكلة الحزبين الأميركيين الرئيسيين، فإنه عبّر عن طموحاته في الترشح للرئاسة في أكثر من مناسبة. ولعل أبرز اثنتين هما عام 2000 عندما طرح اسمه للانتخابات التمهيدية الداخلية في حزب الإصلاح وقبلها عام 1987 عندما نشر إعلانا على صفحة كاملة في عدد من الصحف الأميركية ينتقد فيه سياسة الدفاع الأميركية، كلفه مائة ألف دولار.
* لم يلمع نجم ترامب السياسي إلا في مسيرته السياسية الأخيرة التي انتهت بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وذلك بعدما اصطدمت حملته الانتخابية بتصريحاته الصادمة التي صورته مهرّجا في أحيان كثيرة. ونجح «المختل»، كما وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في التفوق على منافسته الديمقراطية والسياسية المخضرمة هيلاري كلينتون بعكس التوقعات، رغم سلسلة تصريحات مثيرة للجدل وعنصرية وداعية للكراهية.
* يمكن تلخيص الوعود التي كرّرها ترامب في تجمعاته الانتخابية الأخيرة في خمس نقاط رئيسية، هدفها «النهوض بأميركا من جديد»، وتشمل الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أميركا، وإصلاح المنظمة السياسية، وتغيير العلاقات التجارية مع الخارج، وإعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية، وتخفيض الالتزام الأميركي بسياسات الحفاظ على البيئة. وبالنسبة لترامب، فإن الانتقال من اقتراح إجراء تغييرات هائلة خلال فترة الحملة الانتخابية إلى مرحلة محاولة المرور بسلام عبر دهاليز الحكومة المعقدة، سيأتي بمثابة اختبار عصيب ومبكر لفترة وجوده داخل البيت الأبيض.
وهنا أبرز ملامح مشروعه السياسي كما عبر عنه:
* الهجرة غير الشرعية:
وعد دونالد ترامب أن يتخذ إجراءات لترحيل ما يصل إلى 11 مليون «مهاجر دون أوراق»، وغير شرعيين، بمجرد تسلمه السلطة. ويشكك خبراء في قابلية تحقيق هذه الوعود لأسباب عدة، تشمل صعوبة التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفيدرالية من جهة، والولايات المتحدة ودول هؤلاء المهاجرين الأصل من جهة أخرى. كما وعد ترامب أن يجعل آليات الموافقة على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة أكثر صرامة ودقة، وهو التزام أكثر واقعية وقابل للتحقيق، خصوصا فيما يتعلق باللاجئين إلى الولايات المتحدة من مناطق النزاع في الشرق الأوسط. وقال إن لديه حلولا تشمل بناء مخيمات ومدن للاجئين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، بدلاً من ترحيل اللاجئين إلى الولايات المتحدة.
* إصلاح منظومة واشنطن السياسية:
كان أحد أهم شعارات دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: «تنظيف المستنقع»، في إشارة منه إلى ضرورة تغيير المنظومة السياسية في واشنطن، إذ يعد حديث عهد بالسياسية ودخيلا على العاصمة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا السياسيين في واشنطن، وقال إن الفساد سببه تقديم المصالح الشخصية. واقترح المرشح الفائز تعديلا دستوريا يضع قيودًا أكثر صرامة على الفترة الزمنية لأعضاء الكونغرس في مناصبهم، والحد من عدد مرات الترشح. كما وعد بوضع قيود تمنع أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية من «التحزب»، والانضمام لجماعات ضغط، والمشاركة في «لوبيات» سياسية قبل مرور خمس سنوات من تركهم الوظيفة الحكومية. إلا أن سبل تحقيق هذه الوعود تبدو مستبعدة، وتحتاج المرور عبر الكونغرس.
* العلاقات التجارية مع الخارج:
يعتبر ترامب من أشدّ المعارضين لاتفاقية «نافتا»، وهي اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وكان تم التوقيع على الاتفاقية في عهد الرئيس بيل كلينتون. كما أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي (تي تي بي)، التي تضم أكثر من 12 دولة كانت أيضا محل انتقاد من طرفه، الذي وعد بإعادة مناقشة كل من الاتفاقيتين لتخدم التجارة الأميركية بشكل أكبر. ويبدو أنه باستطاعة ترامب الرئيس إعادة التفاوض بخصوص الاتفاقات التجارية، وهي خطوة من شأنها ترك تداعيات كارثية على أسواق الأسهم والاقتصاد.
* السياسة الخارجية الأميركية:
التزم الرئيس المنتخب شعار «أميركا أولا» في حديثه عن السياسة الخارجية الأميركية. وقال في أحد لقاءاته إن حلف شمال الأطلسي «ناتو» مجحف بحق الولايات المتحدة بحجة أنها أكثر من يساهم بالعدد والعدة وحماية الأعضاء في الحلف من دون مقابل يذكر. وأضاف أن أميركا لن تدافع بعد اليوم عن أي من الدول الأعضاء، ما لم تكن تلك الدولة قد قدمت كل ما عليها من التزامات لدول الحلف. أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فقد كان من أكثر القضايا التي انتقدها ترامب وذكر أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه الاتفاقية، إذ إنها سمحت لطهران بالحصول على أكثر من 1.7 مليار دولار من السيولة، وفي المقابل، الاتفاقية لا تضمن عدم إنتاج إيران قنبلة نووية. ووعد ترامب أن يتم إعادة مناقشة هذا الاتفاق. وبالنسبة للحرب على «داعش»، فإن الرئيس الجديد لم يكن واضحًا في مخططه، وقال إنه يجب ألا تكون خطوات أميركا في القضاء على «داعش» معلنة، بل «سرية». لكنه لم يتردد في تهديد التنظيم والقضاء عليه.
* السياسات البيئية:
لا يؤمن دونالد ترامب بنظريات الانحباس الحراري، واعتبرها في إحدى تغريداته «مؤامرة صينية لإجبار الولايات المتحدة على خفض إنتاجها».
وأثارت تصريحاته حول البيئة مخاوف خبراء التغيير المناخي، إذ وعد بإلغاء التبرع بمبلغ مليار دولار الذي أقرّه أوباما للمساهمة في البرنامج الأممي لتغيير المناخ. كما قال إنه سيستثمر هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية للولايات المتحدة. وبشكل عام، هناك وعود أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية كنوع من المزايدة، ولا يعيرها الخبراء اهتماما يذكر لكونها مجرد شعارات انتخابية غير قابلة للتحقيق، وتهدف لتعزيز فرصه لدى مجموعة معينة من الناخبين. وأبرز هذه الوعود، بناء جدار فصل فعلي على امتداد الحدود الجنوبية للبلاد مع المكسيك يتطلب التزام الكونغرس بتوفير مئات المليارات من الدولارات لإنجازه. وبالمثل، لا يملك ترامب سلطة إجبار المكسيك على تحمل تكاليف بناء الجدار، مثلما تعهد مرارًا، وإن كان بإمكانه تهديد الحكومة المكسيكية بتقليص حجم التبادل التجاري بين الجانبين أو تقليص نشاطات فرض القانون المرتبطة بمكافحة الاتجار في المخدرات.
ولقد كشف التاريخ مرارًا من قبل عن أنه أحيانا يكون من الصعب تنفيذ وعود جرى إطلاقها بسهولة أمام حشود الجماهير المتحمسة. على سبيل المثال، رغم إصدار الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة قرارًا بإغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو في كوبا للإرهابيين المشتبه بهم، فإن أعضاء من الحزبين عارضوا الخطوة. وحتى الأشهر الأخيرة من رئاسة أوباما، لا يزال السجن مفتوحًا.
من ناحية أخرى، فإن فرض رقابة صارمة على المساجد داخل الولايات المتحدة على النحو الذي دعا له ترامب، يتطلب من المحاكم إعادة تفسير الحمايات والحقوق التي كفلها الدستور. وإذا ما رغب ترامب في المضي قدمًا في مقترحه بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي لم يعد يذكره خلال الأشهر الأخيرة من السباق الانتخابي وحذف أمس من موقعه الإلكتروني، فإن هذا القرار سيكون من السهل الطعن فيه فورًا أمام القضاء بوصفه غير دستوري أو يناقض القوانين الحالية، حسبما أكد خبراء قانونيون.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن يتمكن ترامب من منع دخول مجموعة أضيق نطاقًا من المسلمين الذين يعيشون في أجزاء بعينها من بعض الدول التي يسيطر عليها إرهابيو تنظيم داعش لما تتيحه قوانين الهجرة من تقييد دخول بعض الأفراد بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن الوطني.
إضافة لذلك، ثمة وعود أخرى أطلقها ترامب تتطلّب تبديل أولويات عمل الوكالات الوطنية، مثل حديثه عن أنه سيسعى لدفع الكونغرس نحو توفير مزيد من التمويل للبرامج الجاري تنفيذها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين أصحاب السجلات الجنائية، ووعوده الأوسع نطاقًا بـ«إصلاح الهيئة المعنية بشؤون المحاربين» و«الشروع في الاهتمام بمؤسستنا العسكرية».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.