لبنان: حزب «الكتائب» يتجه للمشاركة في الحكومة وخلافه مع «القوات» يتفجر

جنبلاط يتحدث عن «طفيليين» يعرقلون مسيرة التأليف

رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري لدى استقباله السفير الروسي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري لدى استقباله السفير الروسي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
TT

لبنان: حزب «الكتائب» يتجه للمشاركة في الحكومة وخلافه مع «القوات» يتفجر

رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري لدى استقباله السفير الروسي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)
رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري لدى استقباله السفير الروسي في بيروت أمس (دالاتي ونهرا)

يبدو أن رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل يتجه للمشاركة في الحكومة اللبنانية الجديدة التي كلّف رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري بتشكيلها، وذلك بعدما حسم معظم الفرقاء الآخرين أمرهم وقرروا أن يكونوا جزءا من مجلس الوزراء، وبالتالي من العهد الجديد لاقتناعهم بأن التواجد في صفوف المعارضة قد لا يكون مجديا كثيرا قبل أشهر معدودة من الانتخابات النيابية.
الجميل أكد في دردشة مع صحافيين أنه لا يوجد مانع يحول دون دخول «الكتائب» إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يحتاج إليها العهد في انطلاقته: «إذا كانت تركيبتها ملائمة، وغير إقصائية»، معتبرا أن دعوة حزبه للتواجد في المعارضة لأنّه عارض انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، ليست بمكانها «من منطلق أننا لسنا في نظام رئاسي يفرض معارضة وموالاة لرئيس الجمهورية، بل إن لبنان يعتمد النظام البرلماني، حيث السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء مجتمعا. وبالتالي من لا يسمي الرئيس المكلف هو الذي يجب أن يكون خارج الحكومة».
وأوضح المسؤول الإعلامي وعضو المكتب السياسي لحزب «الكتائب» سيرج داغر أنّ «الكتائب» قالوا منذ الأساس إنه لا موقف مبدئيا لديهم ضد المشاركة بالحكومة «خاصة أننا كنا جزءا من حكومات الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها في العهود الماضية»، لافتا إلى أنه «طالما أن العهد الجديد انطلق بمؤشرات إيجابية وأبرزها خطاب القسم، فلا شك أننا سنبادل هذه الإيجابية بإيجابيات من طرفنا». وتابغ داغر لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه «نحن أبلغنا الرئيس الحريري بذلك وننتظر ما سيعرضه علينا باعتبار أننا لم نضع شروطا مسبقة بما يتعلق بعدد الحقائب ونوعيتها». وإذ نفى أنهم اشترطوا أن يحصلوا على حصة متساوية بحصة «القوات»، أكّد أنهم لا يربطون حصتهم بأي حصة أخرى.
من ناحية أخرى، بلغ توتر العلاقة بين الحليفين المسيحيين السابقين «الكتائب» و«القوات اللبنانية» خلال الأيام القليلة الماضية مستويات غير مسبوقة خاصة مع دعوة الأخير لبقاء من لم يصوّت لعون في جلسة الانتخاب خارج الحكومة، وهو ما اعتبره الجميل محاولة «لإقصاء الكتائب وعزله»، وقال: «هذه المحاولة باتت واضحة ومكشوفة، والنيات حيالنا لم تعد مخفية، وهذه ليست المرة الأولى أو الأخيرة التي نكون فيها مستهدفين، والمهم أن استراتيجية العزل التي سبق أن جربها آخرون لا تنفع معنا، ولم يحصل أن نجحت من قبل».
ويذكر أن العلاقات تدهورت بين الحزبين المسيحيين اللذين لطالما كانا حليفين ضمن فريق 14 آذار مع قرار رئيس حزب «القوات» سمير جعجع ترشيح عون لسدة الرئاسة، وما تلا ذلك من إتمام تفاهمات بين عون وجعجع، قرأها «الكتائب» على أنها تندرج بإطار محاولة عزله كما إقصاء المسيحيين المستقلين. ويتمسك حزب «القوات» راهنًا بحصوله على حقيبة سيادية. وفي هذا السياق، قالت مصادر قواتية لـ«الشرق الأوسط» حول الوضع الراهن «نحن منفتحون على كل الطروحات ومنها التراجع عن مطالبتنا بحقيبة المالية التي يريدها الرئيس (نبيه) برّي، لكن لا يمكن أن نفاوض على حقوقنا أو نرضخ لأي فيتوات يضعها هذا أو ذاك». وأشارت المصادر إلى أن النقاشات لا تزال جارية ولم يتم حسم أي وزارة لأي كان، نافية نفيا قاطعا أن يكون البحث قد انطلق بأسماء الوزراء. وأضافت: «لا يزال هناك متسع من الوقت لضمان تشكيل الحكومة قبل موعد عيد الاستقلال في 22 من الشهر الجاري».
وفي هذه الأثناء، علّق رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط على عملية شد الحبال المستمرة لتشكيل الحكومة متحدثا عمن وصفهم بـ«بعض الطفيليين الذي يعرقلون مسيرة التأليف» قائلا: إنه «يجري التعامل معهم». وبدا لافتا ما صدر عن النائب عما يسمى «حزب الله» علي المقداد الذي أكّد أن رئيس الجمهورية سيحمي «الثلاثية الذهبية» لحماية الوطن، في إشارة إلى ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» التي يتمسك بها ما يسمى «حزب الله» كمعادلة دفاعية. ويطرح موقف المقداد هذا تساؤلات عمّا إذا كان الحزب بصدد التمسك بإدراج هذه المعادلة في البيان الوزاري المنتظر صياغته بعد إتمام عملية تأليف الحكومة، ما قد يفتح الباب على أزمة جديدة في ظل رفض قوى أخرى وأبرزها رئيس الحكومة المكلف السير بالمعادلة السابق ذكرها، لاعتبارهم أنّها «تعطي شرعية لسلاح الحزب ولقتاله خارج الأراضي اللبنانية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.