«حزام».. عن فلسفتي الرقص والكاراتيه

حميد بنعمرة يتحدث عن فيلمه الجديد

بنعمرة يصوّر المخرج محمد ملص
بنعمرة يصوّر المخرج محمد ملص
TT

«حزام».. عن فلسفتي الرقص والكاراتيه

بنعمرة يصوّر المخرج محمد ملص
بنعمرة يصوّر المخرج محمد ملص

حميد بنعمرة مخرج مولود في الجزائر، مهاجر إلى فرنسا لكن أفلامه لا تعرف الحدود. صحيح أنها تتطرق إلى ما هو جزائري متمثل بشخصيات فنية منتقاة، إلا أنها معالجة بأسلوب فني متقدّم في طموحاته لدرجة أنها الآن متميّـزة عن أي أفلام عربية في داخل العالم العربي أو خارجه.
في العام الماضي شاهدنا له «هواجس الممثل المنفرد بنفسه» الذي تمحور حول شؤون عدة من بينها شخصية الممثل المسرحي محمد أدار الذي يكشف فيه عن أفكاره وآماله وأحلامه وعن فنه الذي عاش له وبسببه.
هذا العام، وبل منذ أيام قليلة فقط، أنجز بنعمرة فيلمه التسجيلي الجديد «حزام» مختارًا شخصية معلمة الرقص الشرقي آسيا قمرة ومستبدلاً فن التمثيل بفن الرقص. وإذا ما كان السفر والترحال والقطارات والمساحات المفتوحة أمام الكاميرا كانت مزايا الفيلم السابق، لجانب مشاهد من التمرينات المسرحية الداخلية، فإن معظم الفيلم الجديد يدور في داخل قاعة المدرسة التي تديرها السيدة آسيا والقليل يقع في فضاءات مفتوحة بلا حدود. لكنه قليل ملحوظ يخلق، بسبب جمالياته، توازنًا فعالاً. هذا لجانب مشاهد بوح يقوم خلالها المخرج المعروف محمد ملص بالإفصاح عن مجمل أسئلته في الزمن الصعب الذي يعيشه السينمائي وجدانيًا.
يقول المخرج موضحًا: «علاقتي المهنية بآسيا قمرة قديمة نشأت قبل أن تكون راقصة. كلانا تعلم الكاراتيه بإشراف الخبير ذاته واسمه الوالي محفوظ».
لا عجب إذن، يلاحظ هذا الناقد، رغبة المخرج المزاوجة بين الرقص ومشاهد التدريب على الكاراتيه. في مشاهد متوالية، يقطع المخرج ما بين تدريبات الرقص وتدريبات فن القتال الشرقي. يركز على الحركة اليدوية وعلى حركة البدن ككل. والعنوان من هنا يأخذ بعده الخاص كونه ارتباطًا بالمنطقة الوسطى من الجسم لدى لاعب الكاراتيه والراقصة معًا. يفصح المخرج عن ذلك بقوله:
«في فن الكاراتيه هناك ما يسميه اليابانيون بـ(هارا)، أي الطاقة الكامنة بجوف البطن والتي هي مصدر كل القوى، لذلك فالعلاقة بين الاثنين بديهية».

حركة الحياة

ثم هناك أمر مهم آخر يكشفه فيلم «حزام» وهو أن غالبية النساء اللواتي يتعلمن الرقص تحت إرشادات آسيا قمرة الخبيرة، هن أجنبيات. والفيلم يقدم بعضهن. هناك الإسبانية وهناك الفرنسية وهناك القادمة من أصول جنوب آسيوية. أما العربيات فقلة. هذا ما جعل المخرج يتساءل عن أي سر تبحث الأوروبيات في رقص الموسيقى العربية وهل تعتقد الراقصات العربيات أنهن راقصات بالفطرة ولا يحتجن إلى تدريب؟
البعض قد يعتقد أن كل ما كان على المخرج بنعمرة فعله هنا هو حضور تدريبات الرقص بكاميرته الصغيرة المحمولة ومتابعة ما يدور، لكنه يقول لنا في حديث خاص: «العيش بين الراقصات لسنوات طويلة يختلف عن متابعة فريق كرة السلة مثلاً. كنت أجري، في وقت سابق، بين علاقات حب فاشلة لذلك تحوّلت مرآة قاعة الرقص إلى صدى يواسي وحدتي ويحفزني لحمل الكاميرا باستمرار بحثًا عن حركة الحياة وبحثًا عن وتيرة القلب الجريح».
يضيف: «لم أحاول تصوير كل شيء دفعة واحدة. طبعًا تكاسلت أحيانًا لكن غالبًا ما كان في امتناعي عن الإلمام بالموضوع فوائد خصوصا أن الفنانة التي تقوم الكاميرا بتصويرها تعرف متى تكتفي لتترك قليلاً مع ذاتك».
وبينما يعتقد المشاهد أن العنوان لا يعبر عن المضمون كوننا لا نشاهد من الأحزمة إلا القليل معظمه حول وسط مدرب الكاراتيه وتلامذته من رجال ونساء، إلا أنه عند المخرج مسألة بالغة الأهمية. إنه العلاقة الرمزية بين الفن وبين الجسد:
«في البداية خطر لي تسمية الفيلم بـ(مرايا) لكن تاركوفسكي (المخرج الروسي الراحل) سبقني إلى هذه التسمية. أعتقد أن الحزام ليس مجرد حلة تتباهى به النساء، وليس فاصلاً بين أعلى الجسد وأدناه، بل هو المحور الأول الذي تدور حوله حياتنا فالبطن هو مصدر الحب والحياة».
قام بنعمرة بتصوير فيلمه هذا وتوليفه أيضًا، كما هي عادته في أفلامه كلها. يتخاطب وما يريد سريعًا. يعرف لماذا يستخدم الكاميرا في هذا الموضع وليس في ذاك وكيف يستخلص من كل هذا الخصوصية الفنية التي يريد. والعكس صحيح: «الراقصة تعرف تمامًا ما أنا بصدد تصويره. أي هناك شفافية كنت حريصًا عليها طوال كل هذه السنوات التي قضيتها في إنجاز هذا الفيلم».



شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
TT

شاشة الناقد: فيلمان عن الأرض

«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)
«جَنين جِنين» شهادات (بكري ستديوز)

جَنين جِنين ★★★

* تسجيلي: محمد بكري يعود إلى مذبحة جِنين | فلسطين (2024)

* عروض: خاصّة

«حي الدّمج صمد أمام الجيش الذي لا يُقهر أكثر ممّا صمدت الجيوش العربية سنة 1967». ملاحظة يطلقها أحد المتحدّثين في فيلم محمد بكري الجديد «جَنين جِنين»، تفضي إلى بعض تلك الحروب التي شهدها تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، كما إلى قيام الجيش الإسرائيلي باقتحام مخيم جِنين قبل 31 سنة.

إنه الاقتحام الذي أدى إلى مجزرة والذي أخرج عنه محمد بكري فيلمه السابق «جَنين جِنين» سنة 2002. ذلك الفيلم شهد اهتماماً عربياً (بطبيعة الحال)، وعالمياً متناولاً شهادات بعض سكان المخيم وبعض الجنود الإسرائيليين الذين وصفوا ما شهدوه وشاركوا فيه من عنف وإرهاب.

كذلك هو الفيلم الذي دفع الإسرائيليين لشن هجوم إعلامي ضد محمد بكري وتقديمه إلى المحاكمة بتهمة الإساءة إلى الجيش الإسرائيلي بهدف تشويه سمعته. بعد تلك المحاكمة نظرت محكمة الاستئناف في القضية وخلُصت إلى النتيجة نفسها، وقضت عليه باستمرار منع الفيلم من العرض، وتغريم المخرج مادياً. آخر تلك المحاكمات وقعت في العام الماضي ونتج عنها استمرار منع الفيلم من التداول.

كلّ ذلك لم يمنع بكري من العودة إلى بلدة جِنين بعد واحدة من عمليات الجيش الإسرائيلي في العام الماضي. في البداية يعرض المخرج مشاهد من فيلمه السابق يصاحبه تعليق بصوته يوفر خلفيات ما جرى قبل 31 سنة. بعد ذلك ينطلق ليقابل بعض من كان التقى بهم، وسجل أحاديثهم في ذلك الفيلم الأول. يتجنّب بكري هذه المرّة مقابلة إسرائيليين كونه لا يودّ خوض مرافعات ودعاوى جديدة ضده، ويعمد فقط إلى الصوت الفلسطيني لوصف العملية العسكرية الجديدة والحديث عن تلك السنوات الفاصلة.

الفيلم جهد في مكانه. منفّذ برويّة ومن دون تحديّات. يكفيه أنه مستمد من الواقع ومؤثر على صعيد أحداث قضية تشهد هذه الأيام حرباً جديدة. أحد العناوين الفرعية للفيلم هو «ما قبل غزة»، وهو عنوان مستخدم للإيحاء بأن الاعتداءات لا تتوقف حتى تبدأ من جديد.

لكن الفيلم أقل حدّة من سابقه. أقل حتمية إذا ما استثنينا أنه فيلم لم ينوِ أساساً أكثر من تقديم شهادات جديدة لمن سبق له مقابلتهم ليسردوا ما عايشوه وشاهدوه خلال الهجوم الأخير وما خرجوا به من تجربة الهجوم الأول. هو فيلم شهادات توثيقية بالتأكيد، يزيّنه صوت المخرج وهو يعلّق على ما يقوم به. تأثير ما يعرضه من أحوال وما يسمعه من مواقف وشهادات يبقى مؤثراً كما حال الوضع الفلسطيني بأسره. منفّذ جيد ضمن ما هو متاح وهذا في خضمّ الأحداث، إنجاز بحد ذاته.

THE PROMISED LAND ★★★☆

* دراما دنماركية من بطولة الموهوب مادس ميكلسن | الدنمارك (2023)

* عروض: منصّات.

‫لودڤيغ (مادس ميكلسن) هو ابن خادمة كانت تعمل في بعض قصور الطبقة العليا ووضعته. عنوان الفيلم الأصلي «ابن عاهرة» لتأكيد وضعية طبقته. في شبابه انضم للجيش الألماني في بعض تلك الحروب الأوروبية وأمضى 25 سنة بعيداً عن بلده.‬ مع عودته بات يسعى للحصول على إذن لحرث أرض تُمنح له. حين يواجه لودڤيغ اللورد المسؤول ومستشاريه يسخرون منه ومن طبقته ويقضون أن الأرض بور لا تصلح لشيء. يرد على ذلك بأن كل أرض صالحة للزرع. حين يجد أن طلبه سيرفض يتطوّع بأن يموّل مشروعه بنفسه مقابل منحه، إذا ما حقق الحلم، لقب لورد وتخصيصه بما يلزم المكان من عمّال وخدم.

مادس ميكلسن في «الأرض الموعودة» (زنتروبا إنترينمنت)

هنا تبرز قيمة العنوان البديل. إنها أرض موعودة له إذا نجح في ترويضها، وفي هذه الحالة سيمكن سلبها منه بقرار من الذين منحوها له. لا يعرف لودڤيغ هذا الجانب من الخطّة وينهمك في العمل ليثبت أنه سيحوّل تلك الأرض البور إلى مزرعة مثمرة.

هذا واحد من الأفلام الأوروبية التي تنتمي، روحاً وعملاً، إلى تعاليم سينما كلاسيكية جميلة ومنفّذة بإحكام كاف، رغم بعض المشاهد التي تدلف في الفيلم إلى مواقف عاطفية. بذلك يخرج عن نطاق ادعاء التجديد في «الفورم» الروائي أو الانتماء إليه.

يتطوّر ما يسرده المخرج نيكولاي آرسل صوب مواجهات ونزاعات بين حاكم المنطقة والقاضي من جهة وبين لودڤيغ. لا تفضي هذه إلى فيلم مغامرات، بل إلى وصفٍ مثيرٍ ومقنع لما تعرّض له بطل الفيلم من محاولات تقويض نجاحاته لمجرد أنه لا ينتمي إلى الطبقة الأثرى. العواطف العاتية التي تموج في صدر القاضي شينكل (سايمون بنبيرغ) تقوده إلى اختيار مجرمين لمهاجمة لودڤيغ الذي يزداد عناداً وبأساً، محاولاً الحفاظ على أرضه.

أداء ميكلسن محسوب كعادته. يعكس وجهه تلك الصرامة وذلك السعي خافياً مشاعره وراء ستارة رقيقة تعكس أكثر مما تبدي.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز