الحصار يستنفد مخزون أهالي حلب من الطعام.. والأمم المتحدة تحذر

صوت القصف يخبو أمام قرقرة البطون الجائعة

مسن من سكان الاحياء الشرقية المحاصرة في حلب يعرض بضاعة امام بيته ليبيعها أو يبادل بها ({الشرق الأوسط})
مسن من سكان الاحياء الشرقية المحاصرة في حلب يعرض بضاعة امام بيته ليبيعها أو يبادل بها ({الشرق الأوسط})
TT

الحصار يستنفد مخزون أهالي حلب من الطعام.. والأمم المتحدة تحذر

مسن من سكان الاحياء الشرقية المحاصرة في حلب يعرض بضاعة امام بيته ليبيعها أو يبادل بها ({الشرق الأوسط})
مسن من سكان الاحياء الشرقية المحاصرة في حلب يعرض بضاعة امام بيته ليبيعها أو يبادل بها ({الشرق الأوسط})

مع انخفاض وتيرة المعارك على أطراف مدينة حلب، تنصرف أنظار ابن مدينة حلب في المناطق الشرقية المحاصرة عن الأحداث المحيطة به، ليجد نفسه منشغلاً بتأمين قوته وأطفاله في مواجهة حصار مطبق بلغ شهره الثالث على أحياء المدينة، فيخبو صوت المدافع والقصف أمام قرقرة البطون الجائعة. هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة، أمس، أن فرقها تقوم بتوزيع آخر الحصص الغذائية على السكان الذين لم تصلهم أي مساعدات منذ منتصف تموز يوليو (تموز)، داعية الأطراف إلى السماح بدخول المساعدات.
وقال رئيس مجموعة العمل الخاصة بالمساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة يان إيغلاند، إنه «يجري في هذا الوقت توزيع آخر الحصص الغذائية.. لن يعود هناك ما يمكن توزيعه الأسبوع المقبل».
وتظهر بوضوح في أسواق حلب «الخاوية تقريبًا»، بوادر الأزمة الغذائية المقبلة، حيث خلت الأسواق من الخضراوات (باستثناء أصناف محدودة تزرع محليًا)، والفواكه ومنتجات الألبان. وأصبحت اللحوم والمواد التموينية كالسكر والزيت «في حال توفرها»، خارج المقدرة الشرائية لمعظم العائلات، بينما اتجه الأهالي للاعتماد بشكل رئيسي على مخزون الطعام المستنزف لديهم الذي يتألف غالبًا من الطحين والبرغل (القمح المجروش) وبعض البقوليات.
تحضّر ربّة المنزل «أم محمود» قدرًا من المجدّرة (طعام محلي يتكون من العدس والأرز) لعائلتها المؤلفة من خمسة أفراد، وتحكي لـ«لشرق الأوسط» عن صعوبة تأمين الطعام لعائلتها في ظل الحصار، بقولها: «تتكرر هذه الوجبة نحو ثلاث إلى أربع مرات أسبوعيًا منذ بدء الحصار، ونتناول الخضار مرة واحدة أسبوعيًا، لم يعد يسيرًا تأمين وجبة طعام لعائلة في هذه الظروف». وتتابع: «يطالب أولادي باستمرار بوجبة تحتوي على اللحم أو الدجاج، لكنها باهظة الثمن ويصعب تأمينها، أما المواد الغذائية المتوفرة في السوق فقد زاد سعرها أكثر من عشرة أضعاف عمّا كانت عليه قبل الحصار».
استمرار الحصار على المدينة ترك أثره على نظام السوق وعمليات التبادل فيه أيضًا، فلم يعد عرض البضائع يقتصر على تجار السوق، فحسب، بل أصبح الأهالي يساهمون في ذلك أيضًا عن طريق «البسطات» التي انتشرت بشكل واسع في أسواق المدينة مؤخرًا، حيث يلجأ البعض إلى عرض مخزونهم المنزلي من المواد الغذائية أو الأدوات المنزلية، للحصول على السيولة النقدية، أو مقايضة بضائعهم بأخرى يحتاجونها، ما تسبب بتأرجح أسعار البضائع وتباينها من سوق لأخرى حسب الطلب على السلعة في كل سوق، فقد تراوح سعر الكيلو الواحد من السكر، مثلاً، بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف ليرة سوريا، فيما تراوح ثمن علبة السجائر الواحدة بين خمسة عشر ألفا وأربعين ألف ليرة سورية.
ومع اقتراب حلول فصل الشتاء يخلق الطقس البارد تحديًا جديدًا لصمود الأهالي المحاصرين داخل المدينة، حيث يكافح من تبقى لتأمين الوقود الضروري للتدفئة، ونتيجة ندرة الوقود السائل «الديزل» الذي بلغ سعر الليتر الواحد منه (1500) ليرة سورية أي ما يعادل ثلاثة دولارات أميركية، يضطر الأهالي إلى جمع الأخشاب وكل ما يمكن إحراقه من ركام المباني التي خلفها القصف، أو قطع الأشجار من الطرقات والحدائق، التي تستخدم وقودا للطهي أيضًا، في حين تتم تغطية النوافذ بالأكياس البلاستيكية بدلاً من ألواح الزجاج التي تحطم معظمها خلال حملة القصف الأخيرة على المدينة.
يعاين «أبو بكري» أحد سكان حي الشعّار برفقة أولاده الثلاثة بعض الملابس الشتوية في سوق للألبسة، ويتحدث لـ«لشرق الأوسط» عن حاجته لتأمين كسوة الشتاء لأطفاله قائلا: «لن أستطيع إرسال أولادي إلى المدرسة إذا لم أشتر لهم ألبسة تحميهم من المطر وبرودة الطقس، خصوصا أن وقود التدفئة غير متوفر، ويجب تعويض ذلك بالألبسة الثقيلة». ويتابع أبو بكري: «لكن البضائع قليلة جدًا وثمنها مرتفع، أنفقت ستة آلاف ليرة ثمن معطف مطري لابنتي، وما زلت بحاجة إلى بعض الملابس الصوفية والأحذية الشتوية».
وعلى أمل انفراج قريب لمحنتهم، يكابر أهالي أحياء حلب الشرقية بمواجهة الحصار المفروض عليهم من قبل قوات النظام وحلفائه، معلقين آمالهم على معارك قوات المعارضة التي باتت على مشارف أحياء المدينة الغربية، فمعركة فك الحصار أصبحت أملهم الوحيد للبقاء في مدينتهم، بعد أن وضع النظام أكثر من 50 ألف عائلة تحت خيار التهجير القسري أو الموت البطيء تحت الحصار.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.