سلال: نسعى لعلاقة استراتيجية مع الرياض ومستعدون لتسوية الخلافات مع الرباط

رئيس الحكومة الجزائرية قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن ظاهرة التشيع مرفوضة وتجربة مجلس التعاون الخليجي تحتذى

عبد المالك سلال - وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لدى استقباله نظيره السعودي عادل الجبير في الجزائر في ديسمبر الماضي (غيتي)
عبد المالك سلال - وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لدى استقباله نظيره السعودي عادل الجبير في الجزائر في ديسمبر الماضي (غيتي)
TT

سلال: نسعى لعلاقة استراتيجية مع الرياض ومستعدون لتسوية الخلافات مع الرباط

عبد المالك سلال - وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لدى استقباله نظيره السعودي عادل الجبير في الجزائر في ديسمبر الماضي (غيتي)
عبد المالك سلال - وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لدى استقباله نظيره السعودي عادل الجبير في الجزائر في ديسمبر الماضي (غيتي)

يثني رئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، في حوار نادر خص به «الشرق الأوسط» بمناسبة زيارته الرسمية المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية في غضون أيام، على العلاقات القوية بين الجزائر والرياض وقال إن بلده «يتطلع للارتقاء بالتعاون الجزائري السعودي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية».
وأوضح أن الجزائر تريد رفع حجم المبادلات التجارية، وتحقيق التفاعل المباشر بين رجال الأعمال في البلدين عبر آليات دائمة، مع التركيز على تطوير التبادل الثقافي، وتعزيز التنسيق في ملف العمرة والحج. وبخصوص أزمة سعر النفط التي ألحقت ضررا بالغا بالاقتصاد الجزائري، يقول سلال الذي يقود الحكومة منذ 2012 إن الجزائر «تناضل من أجل سعر عادل ومعقول، يسمح بإعادة الاستثمار في سلسلة الطاقة وتثمين الإنتاج وتأمين تموين المستهلكين».
وعن آفة الإرهاب والتطرف الديني التي تقول الجزائر إنها رائدة في محاربتها، قال سلال في الحوار، إن الدليل على نجاعة خطة التصدي للإرهابيين والمتطرفين : «كون أعداد الملتحقين الجزائريين بالمجموعات المسلحة، في مختلف بؤر التوتر، هي الأقل بين الدول الإسلامية وحتى الأوروبية». وتحدث السلال عن الحدود الملتهبة مع دول الجوار خصوصا ليبيا ومالي، وعن ظاهرة التشيع وخطرها على الوحدة الدينية للجزائر، مشيرا إلى أن الجزائريين «تسالموا منذ قرون على مرجعية دينية، تتميز بالوسطية والاعتدال والتمسك بالقيم الدينية الراسخة، والمتجذرة لدى أبناء شعبنا». ويتناول الحوار قضايا أخرى مرتبطة بالحريات، التي تعهد الدستور المعدل مطلع العام باحترامها، و«النموذج الاقتصادي الجديد» الذي أطلقته الحكومة لمواجهة شح الموارد المالية.
* لعبت الجزائر دورًا مهمًا في إنجاح الاتفاق النفطي الأخير.. ما تعليقكم على هذا الإنجاز وكيف توصلتم إليه؟
- يدخل الاقتصاد البترولي سنة ثالثة من تدهور الأسعار، وبكل موضوعية هذا الوضع لا يخدم مصالح أي دولة في العالم لأن الأسواق إذا لم تضبط فإنها معرضة لتقلبات خطيرة قد تهدد ديمومة صناعة الطاقة، وتجر الاقتصاد العالمي إلى مرحلة طويلة من الركود والانكماش.
والجزائر تناضل من أجل سعر عادل ومعقول يسمح بإعادة الاستثمار في سلسلة الطاقة وتثمين الإنتاج وتأمين تموين المستهلكين، كما أنها كانت دائمة الحرص على إرساء روح حقيقية للحوار والتشاور بين مختلف الفاعلين العالميين في هذا المجال.
بالإضافة للمعطيات التجارية الموضوعية وفروق العرض والطلب، يجمع أغلب المتتبعين للمشهد أن عوامل جيوسياسية وأمنية كانت سببا في الأزمة الحالية. لذلك عملت الجزائر بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تقريب وجهات النظر والتركيز على العوامل الاقتصادية البحتة قصد الوصول إلى اتفاق حول مستويات الإنتاج على نحو يسمح بتقويم مستدام للأسعار.
اتفاق الجزائر أرسل إلى الأسواق العالمية إشارات جد إيجابية يجب تدعيمها وتعزيزها وما كنا لنتوصل إليه دون قناعة جماعية بخطورة الوضع ووجوب تصحيحه. وفي هذا المجال لعبت الجزائر دور المسهل والوسيط مستفيدة من الثقة والمصداقية التي تحظى بها عند كل الفاعلين في مجال الطاقة.
* ستزورون السعودية قريبا كيف يمكن تطوير العلاقات بين البلدين القياديين؟ وفي أي المجالات؟ وكيف ترون العلاقات مع دول الخليج؟
- للمملكة العربية السعودية شعبا وقيادة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مكانة خاصة في قلوب الجزائريين، كما أن العلاقات السياسية بين الدولتين ممتازة في إطار تشاور وتنسيق مستمر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك في الفضاءات العربية والإسلامية والدولية.
غير أننا نتطلع للارتقاء بالتعاون الجزائري السعودي إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وذلك بالنظر لإمكانيات وفرص التكامل الهائلة المتوفرة في البلدين وقبلها الإرادة السياسية القوية لدى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، لتطوير وتنويع علاقاتنا الثنائية بما يحقق تطلعات الشعبين الشقيقين.
مجالات التعاون والشراكة كثيرة أذكر منها المحروقات والبتروكيماويات والفلاحة والصناعة واقتصاد المعرفة والسياحة وكلها قطاعات تدعم الحكومة الجزائرية الاستثمار فيها بتسهيلات متعددة هي الأفضل في حوض المتوسط. كما نريد دراسة سبل رفع حجم المبادلات التجارية وتحقيق التفاعل المباشر بين رجال الأعمال في البلدين عبر آليات دائمة مع التركيز على تطوير التبادل الثقافي وتعزيز التنسيق في ملف العمرة والحج.
أما عن دول الخليج، عموما، فضلا عن القواسم المشتركة الدينية والقومية والمواقف المشرفة عبر السنين، تبقى قناعتنا بوجوب النظر والاقتداء بمجلس التعاون الخليجي كتجربة اندماج جهوي فريدة في نجاحها وفعاليتها، وكذا مسارات التحول الاقتصادي في مختلف هذه البلدان الشقيقة والتحضير الأمثل لمرحلة ما بعد البترول.
* تواجه الجزائر مخاطر أمنية كبيرة بسبب وجودها على خطوط التماس مع بلدان تعيش حروبا واضطرابات وبخاصة ليبيا ومالي هل يملك جيش البلاد القدرة الكافية لتأمين حدودها البرية؟ وهل يمكن اعتبار «داعش» أكبر رهان أمني أمام الجزائر؟
- كنا نلوم السياسيين والإعلام في الغرب على إصرارهم إلصاق أوصاف الإسلام والدولة على مجموعات إرهابية، وها نحن نجد الإعلام العربي يقع في المغالطة نفسها، لا يجب أبدا أن ننسى أن الأمر يتعلق بمجرمين تأكد اليوم تحالفهم مع شبكات التهريب والمخدرات والاتجار بالبشر، وأن أهدافهم دنيوية رذيلة تريد إخضاع الناس بالتخويف والعنف لنهب ثرواتهم وتعطيل الأمة عن السعي إلى تحقيق أملها في الوحدة والرقي.
بواسل الجيش الوطني الشعبي وباقي أبنائنا في الأسلاك الأمنية الأخرى على جاهزية كاملة لتأمين الأشخاص والممتلكات في كل الأقاليم الوطنية البرية والبحرية والجوية. كما أثبتوا قدرتهم وكفاءتهم العالية على سحق أي تهديد لأمن الوطن أو محاولة لانتهاك سيادة ترابه.
الأوضاع التي تمر بها بعض دول المنطقة لا تجعلنا أبدا نعتبر حدودنا المشتركة معها مصدر قلق أو خطر، بل بالعكس فنحن نعتز ونتشرف بكل جيراننا، وواثقون أن الأشقاء في ليبيا ومالي سيعبرون هذه المرحلة الصعبة من خلال مسارات حوار وطنية تحفظ الوحدة الشعبية والترابية واستقلال القرار الوطني.
بتجربتنا في الجزائر خلال الثورة التحريرية والعشرية السوداء، نعلم جيدا أن أكبر الأخطار أمام الظلم والتطرف هو فقد الأمل وامتلاء القلوب والعقول بالأحقاد، وليس من خلال أفراد مجرمين لفظهم الدين والشعب وما ينتظرهم يوم لقاء ربهم أدهى وأمر.
* يقول المسؤولون إن للجزائر تجربة فريدة في محاربة التطرف والإرهاب ولكن لا نرى لها دورًا بارزًا عالميًا في الاستفادة من تجربتها؟
- الجزائري بطبعه لا يحسن الحديث عن نفسه وإنجازاته، كما تعلمنا من آبائنا مجاهدي ثورة التحرير العمل في صمت والبعد عن التباهي والرياء. وهل تظنون أن التصريحات الصحافية هي ما أنجح منتدى الطاقة في الجزائر؟.. الواقع أن المواجهة الميدانية والفكرية والشعبية والسياسية للإرهاب في الجزائر مثالية ومرجعية بشهادة مؤسسات الأمم المتحدة ومراكز البحوث والدراسات المختصة في هذا المجال، ناهيك عن حكومات وأجهزة كثير من الدول التي تطلب نصيحة الجزائر وخبرتها في مجال مكافحة الإرهاب.
المصالحة الوطنية التي دافع من أجلها رئيس الجمهورية وأقنع بها غالبية الشعب الجزائري داوت في ظرف قياسي جروحًا عميقة ومؤلمة لعشرية من الدم والدموع، ورسخت في وعينا الجماعي أسس العيش المشترك وقبول الآخر ورفض العنف لفظيا كان أو جسديا.
وخير دليل على ذلك أن أعداد الملتحقين الجزائريين بالمجموعات المسلحة في مختلف بؤر التوتر هي الأقل بين الدول الإسلامية وحتى الأوروبية. وتواصل بلادي تنسيقها الأمني الذي سمح بحفظ أرواح آلاف من الأبرياء عبر العالم بالإضافة إلى العمل الأكاديمي باحتضانها لمقر المركز الأفريقي للدراسات والبحوث حول الإرهاب ومساهمتها عبر ندوات عالمية نظمتها حول معالجة التطرف وتقديمها لمنظومة الأمم المتحدة ملفين عن التجربة الجزائرية ودور الديمقراطية في مواجهة الإرهاب. الإرهاب ظاهرة عالمية خطيرة علينا محاربتها وليس الكلام عنها.
* إلى أي مدى يشكل التشيع خطرا على المرجعية الدينية للجزائر علما بأن وزير الشؤون الدينية ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى صرحا للصحافة أن ظاهرة التشيع تزداد انتشارًا وأن خطرها يأتي من الحدود؟
- تسالم الجزائريون منذ قرون على مرجعية دينية تتميز بالوسطية والاعتدال والتمسك بالقيم الدينية الراسخة والمتجذرة لدى أبناء شعبنا. كما تعتبر تلك المرجعية عاملا أساسيا في توازن المجتمع الجزائري وانسجامه. نحترم كل المذاهب الإسلامية المعتبرة ولا نصدر أحكاما على فهوم الغير لبعض النصوص الشرعية أو قراءاتهم لفترات معينة من التاريخ الإسلامي. ونقدر أن هذا مجال المختصين والراسخين في العلم.
لذلك لا نرى فائدة من إقحام عامة الناس في سجالات لا يملكون الأدوات المعرفية لتناولها، وقد تؤدي إذا ما استعمل خطاب تحريضي فيها إلى تهديد حقيقي للسلم الأهلي ولرصانة الفعل الديني الذي يفترض فيه الورع والخشوع. وعليه فنحن لا نود الخوض في صراعات لا تحمد عقباها أو تشجيعها، بل نسهر في الجزائر جاهدين على الحفاظ على صورة الإسلام المشرقة وإرساء تعاليمه السمحاء دون تحريف أو تزييف.
* إلى متى تبقى الحدود المشتركة مع المغرب مغلقة؟ وهل بالإمكان بناء علاقات طبيعية مع أكبر جارين مغاربيين بعيدًا عن نزاع الصحراء؟
- المغرب بلد جار وشقيق. بيننا نقاط خلاف عالقة تتباين بشأنها وجهات النظر، حيث تفضل الجزائر مقاربة شاملة تطرح فيها القضايا في حوار مباشر، خصوصا أن الأمر يتعلق بمواضيع محددة يبقى استعداد بلادنا كاملا لتسويتها بطريقة جدية وسلمية؛ كي يتمكن البلدان من التفرغ إلى المهمة الأسمى ألا وهي بناء اتحاد المغرب العربي كما تتطلع له شعوبنا.
وفيما يخص غلق الحدود البرية، أُذكِّر أنه جاء ردا على القرار الأحادي لسلطات المملكة المغربية بفرض تأشيرات دخول على الرعايا الجزائريين، والمعروف أن العلاقات الدولية محكومة بمبدأي اللباقة وحسن الجوار.
قضية الصحراء الغربية ملف بين يدي منظمة الأمم المتحدة وهي الآن محل مسار سياسي تفاوضي بين المملكة المغربية والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على أساس مبدأ حق تقرير المصير. بلادي تدعم هذا المسار وتلتزم به وتتمنى نهاية سريعة للمفاوضات وحلا نهائيا وعادلا لهذا النزاع.
* تقول السلطات إن التعديل الدستوري الذي جرى في فبراير (شباط) 2016 يوسع من هوامش الحرية ويحفظ الحق في التعبير عن الرأي ولكن في المقابل تسجن الحكومة نشطاء بشبكة التواصل الاجتماعي بسبب كتابات عدت مسيئة لمسؤولين مدنيين وعسكريين وتم سجن صحافي موجود حاليا بالمستشفى بسبب التعبير عن مواقف تجاه سياسات الرئيس.. لماذا هذه المفارقة؟
- لا يوجد في الجزائر سجين رأي واحد. كما أن الحبس قرار قضائي لا تملكه الحكومة. عزز الدستور الحريات الفردية والجماعية ومنع توقيع عقوبات سالبة للحرية في قضايا النشر. من جهة أخرى أكد القانون الأول في البلاد على مبدأ المساواة أمام القانون ووجوب احترام الحياة الخاصة والشرف والأعراض. فلا يملك جزائري مهما كانت مهنته حق السب والقذف والتحريض على العنف. الجزائر بلد قوانين ومؤسسات، واحتراما لهذا المبدأ أمنع نفسي من التعليق على أحكام القضاء في أي ملف كان.
* تشكك المعارضة بقوة في نزاهة انتخابات البرلمان المرتقبة في ربيع العام المقبل بعد أن اختار الرئيس وزيرا سابقا على رأس «الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات» لأن مطلبه كان اختيار شخصية نزيهة ومستقلة عن الحكومة.. كيف يمكن للحكومة أن تتجنب مقاطعة أحزاب المعارضة لهذا الاقتراع؟
- الذي أعرفه أن الأحزاب قد ترفض نتائج انتخابات ماضية، أما أن تشكك في اقتراع لم يجر بعد فهذا جديد. المهم هذه فرصة للتعريف باللجنة الوطنية المستقلة لمراقبة الانتخابات التي استحدثها الدستور. كانت هذه الهيئة مطلب كل الطبقة السياسية الوطنية دون استثناء، وستتكون من 410 أعضاء نصفهم قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء والنصف الآخر شخصيات وطنية مستقلة مقترحة من لجنة خاصة من منظمات في المجتمع المدني.
تعيين رئيس اللجنة من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد استشارة الطبقة السياسية وهو ما يجري حاليا بمقترح شخصية لم تكن يوما في أحزاب الأغلبية وتولت مناصب وزارية ودبلوماسية، حيث يتم الآن دراسة المقترح من طرف الأحزاب السياسية وتبليغ الموقف للسيد رئيس الجمهورية.
دور الحكومة في العملية الانتخابية مقتصر على التحضير المادي للاقتراع؛ من تحضير القوائم إلى الحملة الدعائية إلى يوم الاقتراع مع توعية المواطنين بأهمية المشاركة وعدم التفريط في حقهم في تعيين ممثليهم. وأما الطبقة السياسية بمكوناتها المختلفة فستحدد موقفها بكل حرية ومسؤولية.
* أطلقت الحكومة قبل شهر نموذجًا اقتصاديا جديدا لمواجهة أزمة شح الموارد المالية على أثر انخفاض أسعار النفط. خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال يقولون إن المشروع لا يقترح بديلا حقيقيا لاقتصاد المحروقات وإنه عاجز عن إيجاد حل للأزمة على المدى المتوسط بما تردون؟
- عودتنا صحيفتكم على دقة أكثر في المعلومة والخبر. لأن النموذج الجديد للنمو الذي أقرته الجزائر مؤخرا تم إعداده بالتنسيق مع فريق متكامل من الكفاءات الاقتصادية والأكاديمية الجزائرية العاملة في أكبر جامعات العالم. من جهة أخرى، أثنت المؤسسات المالية الدولية في تقارير رسمية ومعلنة على الخطوات التي قامت بها الجزائر لمواجهة آثار تراجع أسعار النفط ولتحقيق تحول الاقتصاد الوطني من التبعية للمحروقات إلى خلق الثروة والقيمة المضافة ومناصب العمل المستديمة.
وأحيلكم بهذا الصدد إلى التقارير الأخيرة لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي حول الجزائر.
برغم عنف الصدمة البترولية التي قلصت مواردها بأكثر من النصف، لا تزال الجزائر تحافظ على مؤشرات اقتصادية مستقرة وتحقق نموا سنويا في حدود 4 في المائة بفضل ما يفوق 25 ألف مشروع اقتصادي جديد تم إطلاقها في السنوات الثلاث الأخيرة، وتواصل تنامي قروض الاقتصاد (زيادة سنوية متوسطة تقدر بعشرة في المائة) مما سمح بتقليص نسب البطالة إلى 9. 9 في المائة خصوصا في أوساط الشباب.
تم في إطار النموذج الجديد للنمو اعتماد إطار موازنة جديد للحفاظ على التوازنات الكبرى للاقتصاد والانطلاق في إصلاحات من شأنها تقريب أساليبنا في الإدارة الاقتصادية من المعايير الدولية فيما يتعلق بالنجاعة والترشيد. النتائج الأولى لتلك الإجراءات مشجعة، ولكن الكثير من العمل لا يزال ينتظرنا. فالإنتاج الوطني يقترب من الاكتفاء الذاتي ويتوجه نحو التصدير في مجالات مثل الإسمنت ومواد البناء وصناعات الصيدلة. كما أن حجم الصادرات من المحاصيل الزراعية فاق 800 مليون دولار سنويا.
وفي قطاع الأشغال، تم إنجاز 2.8 مليون وحدة سكنية اجتماعية لفائدة الفئات المحرومة بين 1999 و2015 وسيوزع على المواطنين قبل نهاية السنة الحالية 350 ألف مسكن، بينما لا يزال العمل جاريا في 1.2 مليون وحدة سكنية اجتماعية جديدة.
وفي مجال الشراكات الاقتصادية والصناعية تحققت نجاحات معتبرة في مجالات مثل صناعة السيارات والحديد والصلب وتكنولوجيات الإعلام والاتصال والصناعات التحويلية الغذائية والكيميائية وميدان الطاقة التقليدية والمتجددة وكلها تمت مع متعاملين أجانب من الصف الأول، ونتطلع لتطوير مثل تلك المشروعات الناجحة مع أرباب العمل والمستثمرين في المملكة السعودية. تحقيق التجديد الوطني الاقتصادي والاجتماعي، تلكم هي ورشة جزائر الغد والتي نتمنى أن يشاركنا في تشييدها أشقاؤنا وإخواننا في الدول العربية.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.