حالة ركود فعلية للعولمة.. حقيقة عابرة حول التجارة

أبرز أسبابها تباطؤ الاقتصاد العالمي

بحسب «معهد ماكينزي الدولي»، فإن 15 دولة تمثل ما يقرب من 63 في المائة من الحركة التجارية العالمية من البضائع والخدمات
بحسب «معهد ماكينزي الدولي»، فإن 15 دولة تمثل ما يقرب من 63 في المائة من الحركة التجارية العالمية من البضائع والخدمات
TT

حالة ركود فعلية للعولمة.. حقيقة عابرة حول التجارة

بحسب «معهد ماكينزي الدولي»، فإن 15 دولة تمثل ما يقرب من 63 في المائة من الحركة التجارية العالمية من البضائع والخدمات
بحسب «معهد ماكينزي الدولي»، فإن 15 دولة تمثل ما يقرب من 63 في المائة من الحركة التجارية العالمية من البضائع والخدمات

توقف التدفق المستمر للبضائع من آسيا إلى الولايات المتحدة لفترة وجيزة خلال الشهر الماضي بعدما أعلنت شركة «هانجين»، وهي خط الشحن من كوريا الجنوبية، عن إفلاسها، مما أدى إلى توقف عشرات السفن التابعة لها في أعالي البحار.. لقد كانت من اللحظات التي أثبتت، وبصورة حرفية، حالة الركود الفعلية للعولمة.
كان نمو التجارة بين الدول من بين التطورات الاقتصادية الأكثر تأثيرا وإثارة للجدل خلال العقود الأخيرة. وعلى الرغم من المناقشات الصاخبة، التي بلغت مستويات جديدة أثناء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن هناك حقيقة عابرة، لا ينتبه إليها كثيرون، بأن التجارة تواصل الهبوط وليس الارتفاع. فلقد استوى منحنى التجارة العالمية خلال الربع الأول من عام 2016، ثم هبط بواقع 0.8 نقطة مئوية خلال الربع الثاني من العام نفسه، وفقا للإحصاءات الصادرة من هولندا، التي تفيد بأفضل البيانات العالمية حول ذلك المجال.
ولم تكن الولايات المتحدة استثناء في الاتجاه العام الواسع المذكور؛ حيث هبطت القيمة الإجمالية للواردات والصادرات الأميركية بواقع مائتي مليار دولار خلال العام الماضي. وهبطت التجارة، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2016، بواقع 470 مليار دولار إضافية.
وتلك هي المرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي تشهد فيها التجارة بين الدول ذلك الانخفاض خلال فترة من النمو الاقتصادي.
يعد النمو الاقتصادي العالمي البطيء من أسباب ونتائج هذا التراجع في التجارة؛ ففي أفضل الأوقات، زاد الازدهار من التجارة وزادت التجارة من الازدهار؛ سواء بسواء. والآن، بدأت العجلة في التحول في الاتجاه المعاكس؛ حيث يسبب الاستهلاك المنخفض والاستثمار المتراجع، هبوط مستويات التجارة، مما يؤدي إلى تباطؤ في النمو.
ولكن هناك إشارات إلى أن ذلك التباطؤ قد أصبح هيكليا. ويبدو أن الدول المتقدمة تفضل التراجع عن نطاق العولمة.
ولقد أسفرت جولة منظمة التجارة العالمية من المحادثات التجارية الأخيرة، عن فشل كبير خلال العام الماضي. وكانت الشراكة عبر المحيط الهادي، وهي المحاولة لصياغة الاتفاق الإقليمي التجاري بين الدول المطلة على المحيط الهادي، قد تعثرت ثم انهارت. ولقد عارض تلك الشراكة كل من المرشحين الرئاسيين الأميركيين. وفي الأثناء ذاتها، هناك حدود جديدة قيد الظهور؛ حيث بدأت بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي. وقالت منظمة التجارة العالمية في يوليو (تموز) الماضي إن أعضاء المنظمة قد وضعوا أكثر من 2100 قيد جديد على التجارة منذ عام 2008.
وكتبت كريستين لاغارد، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، تقول في دعوتها الأخيرة للدول من أجل تجديد التزاماتها التجارية: «تعطيل التجارة الحرة من شأنه أن يسبب شللاً في المحرك الذي حقق مكاسب غير مسبوقة في جميع أنحاء العالم على مدى عقود كثيرة».
ووقع الاتحاد الأوروبي وكندا، في مواجهة التيار السائد الحالي، اتفاقية تجارية جديدة الأسبوع الماضي. وقد يكون من الصعب، رغم كل شيء، حشد تأييد الرأي العام داخل الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة.. فلقد تراكمت مكاسب العولمة وبصورة غير متناسبة بالنسبة للأثرياء فقط، بينما وقعت التكاليف برمتها على كاهل العمال المشردين من أعمالهم، في حين فشلت الحكومات في التخفيف من معاناتهم.
لقد انقضت ثورة «وول - مارت» وانتهت. خلال عقد التسعينات، نمت التجارة العالمية بأكثر من ضعف الاقتصاد العالمي، في الفترة التي اتحدت فيها أوروبا، وأصبحت الصين مثل المدينة الصناعية، وانخفضت التعريفات الجمركية بصورة كبيرة، كما انخفضت تكاليف النقل كثيرا.. لقد كان عصر «وول - مارت» بالفعل.
ولكن تلك التغيرات قد انتهت؛ حيث بدأت بعض الدول الأوروبية تعبث بحدود الاتحاد المقدسة، وليست هناك من وسيلة لتخفيض رسوم التعريفة الجمركية وتكاليف النقل عما هي عليه الآن. كما أن الدور الصيني في الاقتصاد العالمي بدأ يتغير؛ حيث أصبحت الصين تصنع أكثر مما تستهلك، وتستهلك كثيرا مما تصنعه.. بالإضافة إلى ذلك، يعمل القطاع الصناعي الصيني الناضج الآن على إنتاج ما يحتاج إليه بالفعل.
وصدر تقرير عن صندوق النقد الدولي العام الماضي يفيد بأن نسبة المكونات المستوردة في المنتجات المصنعة في الصين قد هبطت إلى 35 في المائة من واقع 60 في المائة خلال عقد التسعينات.
والنتيجة أن دراسة صندوق النقد الدولي حسبت أن نسبة واحد في المائة زيادة في النمو العالمي أدت إلى ارتفاع حجم التجارة بنسبة 2.5 في المائة خلال عقد التسعينات، بينما سجل النمو نفسه، في السنوات الأخيرة، للتجارة بنسبة 0.7 نقطة مئوية فحسب.
راهنت شركة «هانجين»، مثل شركات الشحن العملاقة الأخرى، على استمرار التجارة العالمية في التوسع بوتيرة سريعة. في عام 2009، كان لدى شركة الشحن العملاقة ما يكفي من المساحة لحمل 12.1 مليون حاوية من حاويات الشحن القياسية التي لعبت دورا حاسما، وإن كان هادئا، في ارتفاع وتيرة التجارة العالمية. وبحلول العام الماضي، كانت لدى الشركة مساحة لحمل 19.9 مليون حاوية؛ كثير منها لا حاجة لها.
ليست الهند صورة من الصين، وأغلب تدفقات التجارة تتم بين الدول المتقدمة. وبحسب «معهد ماكينزي الدولي»، فإن 15 دولة تمثل ما يقرب من 63 في المائة من الحركة التجارية العالمية من البضائع والخدمات، وحصة أكبر من الاستثمارات المالية.
ولقد انضمت الصين إلى هذا النادي بالأسلوب القديم، حيث استخدمت المصانع في بناء الطبقة الوسطى. ولكن أتمتة الأعمال في المصانع تجعل الأمر صعبا على الدول الأخرى للمواكبة. ويحسب داني رودريك، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، فإن العمالة الصناعية في الهند وغيرها من الدول النامية، قد بلغت ذروتها بالفعل، وهي الظاهرة التي يسميها «التصفية الصناعية السابقة لأوانها».
ويسبب ضعف الاقتصاد العالمي تفاقم هذا الاتجاه؛ حيث انخفضت استثمارات البنية التحتية من جانب الشركات متعددة الجنسية للعام الثالث على التوالي في 2015، وفقا للأمم المتحدة. وهي تتوقع مزيدًا من الهبوط خلال العام الحالي. ولكن حتى إن استعاد النمو عافيته، فإن الأتمتة تقلل من الحوافز على الاستثمار في العالم النامي ذي العمالة الرخيصة، كما تقلل من مكاسب تلك الاستثمارات لسكان بقية البلدان النامية.
كما أن ردود الفعل السياسية ذات طبيعة عالمية هي الأخرى؛ فلقد نشر الخبير الاقتصادي برانكو ميلانوفيتش رسما بيانيا في عام 2012، ذلك الذي يُسمى في بعض الأحيان «رسم الفيل»، بسبب أن هناك تشابها مؤكدا.. حيث يُظهر ارتفاع الدخول الحقيقية بشكل كبير بالنسبة لمعظم سكان العالم بين عامي 1988 و2008، ولكن ليس بالنسبة لأغلب سكان الولايات المتحدة وبقية الدول المتقدمة.
وغالبا ما يُقدم هذا الرسم البياني تصويرا لعواقب العولمة؛ حيث إن الحقيقة أكثر تعقيدا، ولكن التصور لا يمكن إنكاره.. حيث ينظر الناخبون في الدول المتقدمة لأنفسهم من واقع أنهم ضحايا التجارة مع العالم النامي، وأن ردود الفعل آتية لا محالة.
وتعد حملة دونالد ترامب الرئاسية تعبيرا واضحا عن ذلك، حيث إن هيلاري كلينتون تتراجع عن تأييدها السابق لاتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي. وقد نشرت دراسة في أبريل (نيسان) الماضي خلصت إلى أن الناخبين في الدوائر الخاصة بالكونغرس كانوا الأكثر تضررا من فقدان الوظائف، وهم الأكثر تأييدا للمرشحين المعتدلين، لكنهم يتحولون بدلا من ذلك إلى المرشحين الذين يتخذون مواقف أكثر عدائية وتطرفا.
ويسبب الركود الاقتصادي تحول الناخبين الأوروبيين ضد التجارة أيضا.
وقال البروفسور رودريك إن أنصار التجارة الحرة كانوا مذنبين بالمبالغة في المكاسب والتهوين من التكاليف. وقال: «وبسبب أنهم فشلوا في عرض الفروق والمحاذير، أصبحت التجارة محاصرة بين جميع أنواع العلل، حتى وإن لم تكن ملاحظة. وإن كان الديماغوجيون والمنحازون يتقدمون بمطالبات لا معنى لها بشأن التجارة ويجدون من يستمع إليهم، فإن أنصار ومشجعي التجارة الحرة هم الأولى بكثير من اللوم».
* خدمة «نيويورك تايمز»



بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
TT

بورصة لندن تواجه أزمة تنافسية مع أكبر موجة هجرة منذ الأزمة المالية

رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)
رجل يتجول في بهو بورصة لندن (رويترز)

حذَّر الرئيس السابق لمجموعة بورصة لندن، من أنَّ بورصة لندن الرئيسية أصبحت «غير تنافسية للغاية»، وسط أكبر هجرة شهدتها منذ الأزمة المالية.

وقال كزافييه روليه، الذي ترأس مجموعة بورصة لندن بين عامَي 2009 و2017، إن التداول الضعيف في لندن يمثل «تهديداً حقيقياً» يدفع عدداً من الشركات البريطانية إلى التخلي عن إدراجها في العاصمة؛ بحثاً عن عوائد أفضل في أسواق أخرى.

وجاءت تعليقاته بعد أن أعلنت شركة تأجير المعدات «أشتيد» المدرجة في مؤشر «فوتسي 100» خططها لنقل إدراجها الرئيسي إلى الولايات المتحدة، استمراراً لاتجاه مماثل اتبعته مجموعة من الشركات الكبرى في السنوات الأخيرة.

ووفقاً لبيانات بورصة لندن، فقد ألغت أو نقلت 88 شركة إدراجها بعيداً عن السوق الرئيسية في لندن هذا العام، بينما انضمت 18 شركة فقط. وتشير هذه الأرقام، التي نشرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أكبر تدفق صافي من الشركات خارج السوق منذ الأزمة المالية في 2009.

كما أن عدد الإدراجات الجديدة في لندن يتجه لأن يكون الأدنى في 15 عاماً، حيث تتجنب الشركات التي تفكر في الطرح العام الأولي (IPO) التقييمات المنخفضة نسبياً مقارنة بالأسواق المالية الأخرى.

وقد تجاوزت قيمة الشركات المدرجة التي تستعد لمغادرة سوق الأسهم في لندن هذا العام، 100 مليار جنيه إسترليني (126.24 مليار دولار) سواء من خلال صفقات استحواذ غالباً ما تتضمن علاوات مرتفعة، أو من خلال شطب إدراجها.

وأضاف روليه أن انخفاض أحجام التداول في لندن في السنوات الأخيرة، مقارنة مع الارتفاع الحاد في الولايات المتحدة، دفع الشركات إلى تسعير أسهمها بأسعار أقل في المملكة المتحدة لجذب المستثمرين.

وقال في تصريح لصحيفة «التليغراف»: «الحسابات البسيطة تشير إلى أن السوق ذات السيولة المنخفضة ستتطلب خصماً كبيراً في سعر الإصدار حتى بالنسبة للطروحات العامة الأولية العادية. كما أن السيولة المنخفضة نفسها ستؤثر في تقييم الأسهم بعد الاكتتاب. بمعنى آخر، فإن تكلفة رأس المال السهمي تجعل هذه السوق غير تنافسية بشكل كامل».

ووفقاً لتقديرات «غولدمان ساكس»، يتم تداول الأسهم في لندن الآن بخصم متوسط يبلغ 52 في المائة مقارنة بنظيراتها في الولايات المتحدة.

وتستمر معاناة سوق العاصمة البريطانية في توجيه ضربة لحكومة المملكة المتحدة، التي تسعى جاهدة لتبسيط القوانين التنظيمية، وإصلاح نظام المعاشات المحلي لتشجيع مزيد من الاستثمارات.

وأشار روليه إلى أن المملكة المتحدة بحاجة إلى التخلص من الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالاتحاد الأوروبي التي تمنع صناديق التقاعد من امتلاك الأسهم، بالإضافة إلى ضرورة خفض الضرائب على تداول الأسهم وتوزيعات الأرباح.

وأضاف: «قلقي اليوم لا يتعلق كثيراً بالطروحات العامة لشركات التكنولوجيا، فقد فات الأوان على ذلك. التهديد الحقيقي في رأيي انتقل إلى مكان آخر. إذا استمعنا بعناية لتصريحات كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأوروبية الكبرى، فسنجد أنهم أثاروا احتمال الانتقال إلى الولايات المتحدة للاستفادة من انخفاض تكلفة رأس المال والطاقة، والعوائد المرتفعة، والتعريفات التفضيلية».