ظاهرة دمشقية.. مدنيون باللباس العسكري

من أكثر الظواهر شيوعًا في السنوات الأخيرة ويستغل في ارتكاب التجاوزات

الصورة من عرس جماعي أقيم العام الماضي في مدينة اللاذقية على الساحل السوري اتشحت فيه العروس والعريس بالمرقط (مواقع موالية للنظام السوري)
الصورة من عرس جماعي أقيم العام الماضي في مدينة اللاذقية على الساحل السوري اتشحت فيه العروس والعريس بالمرقط (مواقع موالية للنظام السوري)
TT

ظاهرة دمشقية.. مدنيون باللباس العسكري

الصورة من عرس جماعي أقيم العام الماضي في مدينة اللاذقية على الساحل السوري اتشحت فيه العروس والعريس بالمرقط (مواقع موالية للنظام السوري)
الصورة من عرس جماعي أقيم العام الماضي في مدينة اللاذقية على الساحل السوري اتشحت فيه العروس والعريس بالمرقط (مواقع موالية للنظام السوري)

أثارت تصريحات العقيد عبد الجواد العوض، من أن ارتداء الزي العسكري من قبل سائق سيارة الأجرة (التاكسي) «مخالف للقانون ويستوجب العقوبة»، قضية الابتزاز والترهيب من قبل العسكريين التي تؤرق المدنيين في العاصمة دمشق وكافة مناطق سيطرة النظام في سوريا.
والعقيد عبد الجواد العواض هو رئيس قسم العمليات في فرع مرور دمشق، وجاءت تصريحاته ردا على شكوى وردت إلى برنامج في إذاعة محلية يعنى بشكاوى المواطنين. وعدا ما أثاره هذا التصريح من استغراب وسخرية لدى الشارع السوري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، من لامعقولية مخالفة ومعاقبة من يرتدي الزي العسكري، فقد فتحت تلك التصريحات باب الجدل حول واحدة من أكثر الظواهر شيوعا في شوارع دمشق منذ أربع سنوات، وهي انتشار اللباس العسكري المرقط بين مختلف شرائح المجتمع من المدنيين كبارا وصغارا رجالا ونساء، وبات من المشاهد المألوفة في شوارع العاصمة مشاهدة نساء عسكريات بالسلاح الكامل، سافرات ومحجبات، إلى جانب طالبات باللباس العسكري. كما بات مألوفا ارتداء غالبية الرجال والشباب في الشارع الزي العسكري، من باعة وسائقين حافلات عمومية وعمال نظافة وغيرهم إلى جانب العسكريين المسلحين على الحواجز وأبواب المؤسسات الحكومية والعسكرية والأمنية، فالمنظر العام للشارع يعكس حالة العسكرة التي فرضها النظام على من بقي من سكان في مناطق سيطرته، دون أن يعني ذلك فرض ارتداء الزي العسكري على المدنيين، والذي يتم طوعا، إما للتهرب من إزعاجات الحواجز أو لاختصار زمن الانتظار في طوابير الخبز والمحطات الوقود وغيرها وإما للابتزاز والسرقة، في لعبة أتقنها السوريون تحت وطأة نظام عسكري يصارع من أجل البقاء.
أمام باب الفرن وسط دمشق اصطفت ثلاث طوابير: نساء، رجال، عسكر، صرخ أحدهم وكان يرتدي الزي العسكري مع مسدس على الخصر وقد وشم على ساعده (سيف الإمام علي)، بأن «هذا الشعب يستحق الدعس والفعس بالبوط، لأن الأفراد لا يلتزمون بالدور ولا يحترمون البدلة العسكرية». وهدد الواقفين إذا لم ينتظموا بالدور بأنه سيطلق عليهم النار. ولم يجرؤ أحد من الواقفين على التفوه بكلمة أو إظهار أي رد فعل، بحسب ما صرح شخص كان واقفا أمام الفرن أيضا، مضيفا: «اعتدنا على هذه التصرفات الاستفزازية»، مرجحا أن يكون ذلك العسكري الغاضب قد تناول حبوب الكابتغون المخدرة مع مشروب الطاقة، وهو ما يجعل أمثاله يثورون ويستفزون الناس من دون أي داع. ولذا يقول أبو فاتح: «تعلمنا الدرس. ألا نقارب هؤلاء لأنهم لا يكونون في حالة نفسية طبيعية، وبيدهم سلاح قاتل».
وقبل يومين، تشاكل شاب عامل في مطعم بدمشق القديمة مع زبون من سكان حي الجورة ذي الأغلبية الشيعية ومخزن متطوعي الميليشيات الشيعية المقاتلة إلى جانب النظام، فما كان من الثاني إلا أن اصطحب رفاقه من الحي المذكور، وقاموا كمجموعة، بإطلاق النار وتكسير محتويات المطعم. وعلق شخص من الجوار وهو متطوع في (جيش الدفاع الوطني)، أن «شباب حي الجورة يتصرفون وكأنهم وحدهم الذين يدافعون عن دمشق ويقتلون على جبهات جوبر (ريف دمشق)، يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، ما يعني أن على الآخرين تقديم الطاعة والولاء لهم».
وبينما يحتج البعض من المدنيين على استفزاز العسكر لهم، يبرر آخرون من الموالين لنظام الأسد أفعال هذه المجموعة، بأنهم «يقتلون على الجبهات لكي ينعم المدنيون بالأمان».
إلا أن هذه العسكرة، لا تبرر التغاضي عن ارتداء المدنيين للزي العسكري وبالأخص الباعة وسائقي التاكسي.
من جانبه يرى حامد. ن (50 عاما) وهو سائق تاكسي يعمل متطوعا في الأمن، أن مخالفة سائق التاكسي الذي يرتدي الزي العسكري مجحفة، فمعظم رفاقه العسكريين والأمنيين من صغار الكسبة، ومسؤولون عن أسر بحاجة للإعالة. وهو يلجأ للتاكسي كمصدر لدخل إضافي، مشيرا إلى أن العشرات من المتطوعين في الأجهزة الأمنية والعشرات من العسكريين يعملون سائقين بعد انتهاء الدوام، ولا يجوز التضييق عليهم لأنهم أساسا «متعبون ومرهقون على كل المستويات»، مؤكدا على أن من يجب مخالفته ومعاقبته، هو «المدني الذي ينتحل صفة عسكري ليتهرب من القانون ويسيء للشرف العسكري والمواطنين».
أما نبيل الطالب جامعي (20 عاما) فيقول إن أكثر ما يخشاه هو العسكر ومن يرتدي الزي العسكري، ويتجنب الاحتكاك بهم نساء ورجالا، لأنه يظن أنهم «مرضى نفسيون أو مهووسو سلطة (يتسلبطون) على الناس كونهم يحملون سلاحا أو لأنهم يرتدون المرقط». ويضيف نبيل: «لقد قاطعت زميلة لي لأنها ارتدت قميصا مرقطا. لا أعرف ماذا يعجبها بالتشبه بالعسكر.. لا شك أنه مرض نفسي!».
وتتعدى مظاهر العسكرة في شوارع دمشق الملابس المرقطة، لتصل إلى زجاج السيارات «الفيميه» أي المعتمة، فهذه السيارات باتت حركتها في الشوارع تبث الرعب في قلوب شرطة السير قبل المدنيين، وتحولت إلى ظاهرة لا يمكن ردعها رغم تأكيدات وزارة الداخلية بمنع زجاج السيارات المعتم. غير أن ثمة جهة أمنية تمنح التراخيص التي تسمح للسائقين اجتياز الحواجز دون توقف، كما لا يجرؤ أي شرطي مرور على توقيفها، الأمر الذي أفسح في المجال لعصابات الخطف والسرقة التحرك والقيام بعملياتهم بارتياح داخل المدينة وفي وضح النهار وعلى مرأى من جنود الحواجز والشرطة والمدنيين، تماما كما حصل عند قيام عصابة من عدة رجال وامرأة، الشهر الماضي، بقتل صائغ وسرقة محله الذي يقع محله على بعد مائة متر من مبنى البرلمان وعلى بعد أمتار من حاجز السبع بحرات وسط دمشق، في حادثة هزت العاصمة، ليتبين لاحقا أن العصابة التي تم القبض عليها سريعا، تتحرك بـ«صفة عسكرية» وتنفذ عملياتها نهارا جهارا.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.