يواجه نظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى، الذي أقرته الحكومة الأردنية أخيرًا، والذي يبدأ سريانه مع بداية العام الجديد، عددًا من الانتقادات الحادة، خصوصًا أنه يفرض رسومًا مرتفعة على فئات السكن كافة، وجرى إقراره «بشكل مفاجئ» دون النظر إلى ملاحظات المختصين والمتعاملين مع القطاع.
وقال رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان في الأردن زهير العمري إن «النظام مجحف وينطوي على سلبيات كثيرة»، مضيفًا أن «الحكومة أرسلت مشروع النظام إلى الجمعية، لكنها أقرته دون انتظار الرد وإبداء الملاحظات من أهل الاختصاص والجهات المعنية».
وأكد العمري، أن مشروع النظام الذي سيطبق في جميع المحافظات، باستثناء العاصمة عمان والعقبة، تعامل دون تمييز بين المدينة والقرية، وبين الأحياء المختلفة، ففرض رسوما مرتفعة جدًا على فئات السكن كافة، المقسمة إلى فئات «أ» و«ب» و«ج» و«د»، وبنفس المعايير دون تمييز فيما يتعلق بالرسوم والغرامات ومتطلبات توفير مواقف السيارات.
وأوضح أن قطاع الإسكان فوجئ بإقرار مجلس الوزراء هذا النظام دون التشاور مع الجمعية وعدم الأخذ بالملاحظات المقدمة من نقابة المهندسين أو نقابة المقاولين، أو هيئة المكاتب الهندسية والقطاعات التجارية والصناعية، والبلديات.
وسيبدأ سريان نظام الأبنية وتنظيم المدن والقرى اعتبارا من الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل. ويهدف النظام إلى تحديد استعمالات الأراضي في مناطق التنظيم وتقسيمها إلى مناطق سكنية، وأخرى تجارية، ومناطق أبنية متعددة الاستعمال، ومناطق صناعية، ومشاريع استثمارية، مع وضع أحكام تنظيمية لكل استعمال من هذه الاستعمالات، بما فيها أحكام الإفراز لقطع الأراضي ضمن هذه المناطق.
وبموجب النظام، يتم إلزام الأشخاص بالحصول على ترخيص قبل تنفيذ أي مشروع بناء أو إقامة أي إنشاءات ضمن تلك المناطق؛ سواء كانت داخل التنظيم أو خارجه.
ويضع النظام أحكام وشروط الحصول على الترخيص بتحديد مسافات الارتدادات القانونية وارتفاع البناء والمساحات الداخلية للبناء، وتوفير مواقف للسيارات وإنشاء سور أو سياج شجري أو حاجز منسق حول البناء، وتحديد الكثافة السكانية في المناطق السكنية. كما ينظم إقامة الأبنية الفرعية والمؤقتة، ويحافظ على المباني التراثية داخل مناطق البلديات وتصنيفها وتقييمها وحظر هدمها، إضافة إلى منع إشغال أي مبنى أو منشأه أو إيصال الخدمات له قبل الحصول على إذن إشغال خطي.
ومن أبرز التعديلات على النظام تشديد العقوبة على المخالفات، والسماح بإقامة الضواحي السكنية والأبنية العالية، وعدم منح رخصة للبناء دون تأمين مواقف للسيارات، وراعى تحديد مناطق للاستعمالات المختلفة وسمح بإنشاء أبنية عالية وضواح سكنية بمناطق معينة تنظيميًا يتم تحديدها.
كما تم تحديد مناطق للأبنية محدودة الارتفاع، إضافة إلى إلزامية تأمين مواقف السيارات لجميع أنواع الاستعمالات السكنية والتجارية، وعدم جواز استعمال مواقف السيارات لأي استعمال آخر، وعدم السماح بأي تجاوزات في البناء سواء بالارتفاع أو المساحات أو عدد الشقق. بدوره؛ اتفق نائب رئيس الجمعية منير أبو العسل مع العمري؛ مؤكدا أن «الحكومة أرسلت للجمعية كتابا عن مشروع النظام، ولكنها لم تستمع للرد.. ولذلك فوجئنا بإقراره». وقال أبو العسل: «إن الحكومة عملت بمبدأ (شاوروهم وخالفوهم)». وأضاف: «لن تجد مواطنا واحدا يقول إن هذا النظام فيه مصلحة لي، وهذا طبعا عكس الذي يدعو إليه الملك دائما وأبدا أن تؤخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن». مؤكدا أن «قطاع الإسكان أصبح منكوبا.. يجب أن ندق ناقوس الخطر».
أما عن باقي سلبيات النظام الجديد؛ فأوضح العمري أن النظام الجديد اعتمد تحديد منسوب الطابق الأرضي، وبالتالي احتساب عدد الطوابق المسموحة مع معدل ارتفاع الشوارع إذا كانت قطعة الأرض تقع على أكثر من شارع بمناسيب مختلفة.
وبين العمري أن النظام تعامل مع العقار التجاري فيما يتعلق بالرسوم والغرامات دون تمييز بين التجاري القوي، والتجاري الوسط، والتجاري الضعيف. وأضاف أن «النظام حدد أيضًا عدد الشقق في الطوابق، مما يعني التوجه لبناء شقق بمساحات كبيرة في المحافظات».
وأشار إلى أن النظام الجديد أجبر أيضًا المواطنين على تركيب مصاعد للمباني الأكثر من ثلاثة طوابق، حتى لو كان المبنى لمواطن في أي قرية أردنية.
وأوضح العمري أن النظام الجديد ركز على مواقف السيارات وعسف في طلبها للأبنية السكنية، مشيرًا إلى أن الحكومة عمدت إلى محاولة حل مشكلة أزمة السيارات على حساب المواطن والمستثمر، في الوقت الذي تعاني فيه الأسر الأردنية من صعوبات اقتصادية كثيرة ترهق كاهلها وتجعلها عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية. وقال إن «توفير المواقف مهما كان عددها لن يحل مشكلة ازدحام الشوارع والأزمات المرورية التي تشهدها مدن الأردن كافة وفي كل الأوقات، وتتحمل الحكومات المتعاقبة مسؤولية هذه الأزمات، لأنها لم تبادر إلى إنشاء أنظمة نقل عام منتظمة وفعالة، وعجزت عن توفير البنية التحتية لمعالجة الأزمات المرورية».
وطلب النظام الجديد بتوفير موقف ونصف لكل شقة مساحتها تزيد على 150 مترًا مربعًا، بما فيه سكن فئات «ج» و«د»، التي أوجدها المشرع لتوفير احتياجات ذوي الدخل المتدني والمحدود، وللعلم فإن توفير موقف لكل سيارة في أي عمارة يكلف ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف دينار أردني (نحو 14 إلى 21 ألف دولار).
وأكد العمري أن النظام فرض متطلبات لا يمكن تحقيقها، وفرض غرامات باهظة لعدم تنفيذها، وضاعفها أكثر من مرة عن الغرامات المفروضة في النظام السابق، مما يعني أن هذا النظام هو «نظام جباية». وتطرق العمري إلى قضية أخرى تقلق المواطنين، وتصل حولها استفسارات كثيرة، وهي توجه الحكومة إلى إلغاء الإعفاءات العقارية، فالمعمول به ومنذ منتصف العام الماضي هو إعفاء المشتري من رسوم نقل الملكية لأول 150 مترًا من السكن الذي لا يزيد مساحته عن 180 مترًا مربعًا، ويتم دفع الرسوم عن الثلاثين مترًا مربعًا.
وأكد أن «إلغاء هذه الحوافز التي تمنح للمواطنين لمرة واحدة وعند شراء شقة للسكن، يعتبر مخالفًا للدستور ولكل القوانين والأنظمة، ويسبب تمييزا بين المواطنين؛ فما معنى أن يشتري مواطن اليوم ولا يحصل على الإعفاء؟ والمواطنون يجب أن يكونوا سواء أمام القانون».
وأوضح العمري أن العاملين في قطاع الإسكان يطالبون باستمرار منح الحوافز للمواطنين الذين يشترون شقة سكنية لأول مرة تحقيقا للمساواة والعدل، وتحقيقا للأمن الاجتماعي، بتسهيل حصول المواطن على سكن ملائم يقع ضمن قدرته المالية ويلبي احتياجاته الإنسانية.
وأضاف: «نطالب أيضًا بتخفيض رسوم نقل الملكية، الأمر الذي يعمل على تنشيط الاقتصاد الوطني، والتقليل من اللجوء إلى الوكالات، وزيادة إيرادات دائرة الأراضي والمساحة، وتشجيع المواطنين على تملك مساكنهم الخاصة، وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين».
وبين العمري أنه من خلال الدراسات، تبين أن أكثر من ثلثي المواطنين يشترون المنازل من خلال «قروض سكنية» وليس من مدخراتهم، وبالتالي يتحملون رسوما مضاعفة. وقال: «إننا في أشد الحاجة في هذا الوقت بالذات إلى توفير بيئة استثمارية جاذبة، لزيادة فعالية كل القطاعات الاقتصادية، وخصوصا قطاع الإسكان، لنسهم جميعًا في التصدي لمشكلتي الفقر والبطالة التي بدأت تنهش بلدنا، وتؤثر على أمننا الاجتماعي».
وكان مجلس الوزراء قد قرر في يوليو (تموز) العام الماضي حزمة تحفيزية لقطاع الإسكان، من بينها إعفاء الشقق لغاية 150 مترًا مربعًا من رسوم التسجيل وتوابعها لجميع الوحدات السكنية المفروزة والمكتملة إنشائيا من شقق ومساكن منفردة، بغض النظر عن البائع، على ألا تزيد مساحة الشقة أو المسكن المنفرد على 150 مترا مربعا غير شاملة الخدمات، وبذلك تم رفع مساحة الشقة أو المنزل المنفرد المعفاة من رسوم التسجيل من 120 مترا إلى 150 مترا مربعا.
وبلغ حجم التداول في سوق العقار في الأردن خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي 5.278 مليار دينار تقريبًا (نحو 7.4 مليار دولار)، بانخفاض بلغت نسبته 3 في المائة مقارنةً بنفس الفترة من عام 2015.
ووفق التقرير الشهري الصادر عن دائرة الأراضي والمساحة الأردنية، فقد بلغ حجم التداول في سوق العقار في الأردن خلال الشهر الماضي نحو 441 مليون دينار أردني تقريبًا (نحو 621 مليون دولار)، بانخفاض بلغت نسبته 39 في المائة مقارنة بنفس الشهر من عام 2015.
انتقادات حادة لنظام الأبنية وتنظيم المدن الجديد في الأردن
رئيس جمعية المستثمرين بقطاع الإسكان: مجحف وينطوي على سلبيات كثيرة
العاصمة الأردنية عمان تكتظ بالمباني السكنية التي تواجه مع بداية العام المقبل دفع رسوم (غيتي)
انتقادات حادة لنظام الأبنية وتنظيم المدن الجديد في الأردن
العاصمة الأردنية عمان تكتظ بالمباني السكنية التي تواجه مع بداية العام المقبل دفع رسوم (غيتي)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
