من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة

من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة
TT

من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة

من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة

إذا كان المسلمون قد ابتلاهم الله بالحملات الصليبية على مدى قرن ونصف القرن من الزمان، إلا أنه لم يدر بخلد أحدهم أن الطامة الكبرى كانت آتية، فلقد وقع العالم الإسلامي، خاصة مصر والشام، في مأزق عظيم، فلقد أتى المغول من الشرق يدمرون كل شيء بينما الصليبيون يأتون من الشمال بهدف القضاء على الدولة الإسلامية، والأسوأ من ذلك هو أن تحالفا بدأ يلوح في الأفق بين الطرفين، كل لأهدافه، والعالم الإسلامي هو الفريسة المنتظرة، خاصة أن الدولة الأيوبية لم تكن في أحسن أحوالها، فلقد سلم الكامل القدس للصليبيين لأسباب غير مفهومة، أغلب الظن أنها تتصل باسترخائه وعدم رغبته في استمرار المقاومة أكثر من خيانته، بينما أصبحت مصر تترنح تحت حكم من أتى بعده من أولاده، إلى أن دانت البلاد للصالح نجم الدين أيوب الذي ملك البلاد، ولكن الأنباء جاءت له بغير ما كان يأمل أو يتوقع، فلقد استعدت حملة صليبية جديدة للسيطرة على مصر في الوقت الذي وقعت فيه شرق دولته فريسة للغزو المغولي التدريجي بعدما وقعت بغداد واستباح المغول المشرق تماما.
على نفس غرار الحملات السابقة، فلقد تدخل البابا «أينوشنتي الرابع» في هذا الشأن بالاتفاق مع الملك لويس التاسع ملك فرنسا لتسيير حملة إلى مصر يكون الهدف منها هو تحقيق ما فشلت فيه الحملة السابقة بعد هزيمة دمياط، وكانت الأهداف واحدة، ملك متسرع يهدف إلى الفوز بالدعم الإلهي والشهرة في أوروبا وتثبيت أركان حكمه بذلك المجد الجديد، وبابا متعطش لفرض السيطرة على مدينة بيت المقدس التي كانت قد سقطت لصالح البيت الخوارزمي في عام 1245، فضلا عن ضمان التحالف القائم بين بعض الممالك الأوروبية والبابوية، وهكذا انطلقت الحملة بعد تجهيز دام قرابة أربعة أعوام أمضى بعضها الملك في قبرص يعد العدة للنزول لمصر في ميناء دمياط، وقد اختار الرجل صيف عام 1249 لبدء الحملة الصليبية السابعة على مصر أملا في إخراج مصر من معادلة القوة الإسلامية ليستولي بعدها على الشام وتقسيم الممالك الإسلامية مع المغول، ولكن مصر كانت لها رؤيتها الأخرى والمختلفة.
وصل الملك لويس لدمياط وقد استسلمت المدينة له دون إراقة أي دماء على الإطلاق في تخاذل ملحوظ لا يليق بمن حاربوا قبلها بثلاثين عاما معركة شرسة هزمت الحملة الصليبية السابقة، وقد جعل لويس من دمياط رأس الجسر الذي من خلاله بدأ يجهز للقضاء على القوة الأيوبية المتبقية في مصر، وعلى الفور بدأ السلطان نجم الدين في تجهيز جيشه من المماليك، وهم مجموعة من العبيد الذين استجلبهم البيت الأيوبي كنوع من الحرس أو الميليشيات الخاصة على مدار السنوات الماضية وفق ما كانت العادة في ذلك الوقت، وقد بدأ يحصن مدينة المنصورة من أجل التجهيز للمعركة الفاصلة فيها، ولكن القدر لم يمهله، فلقد وافته المنية بعدما أصيب بمرض صدري، وقد أنقذ القدر مصر مرة أخرى، ولكن في هذه المرة على أيدي امرأة عرفت في التاريخ المصري بـ«شجر الدر» أو «شجرة الدر»، وهي جارية أرمينية كانت متزوجة من السلطان، فأخفت خبر وفاته عن الجميع واستدعت ابنه «توران شاه» من العراق، حيث سلمته مقاليد الأمور في البلاد، ورغم أن السلطان الجديد لم يكن على شاكلة أبيه، فإن وجوده كان مهما للغاية لتوحيد الدولة في هذا الوقت الدقيق والحساس، وقد اندلعت المعركة بالقرب من قرية فارسكور، حيث أبلى المماليك، خاصة «بيبرس البندقداري»، بلاء حسنا ووحشية ملحوظة للقضاء على الجيش الصليبي، وبالفعل هزمت الحملة الصليبية هزيمة نكراء، وقد اضطر لويس التاسع لخوض مناوشات متجددة مع المماليك في مدينة المنصورة أسفرت عن أسره واحتجازه أسيرا في دار ابن لقمان، وبأسره وتشتيت جيشه لم يكن هناك بد من التوقيع على اتفاق تم بمقتضاه إجلاء الحملة الصليبية عن مصر ودفع فدية باهظة نظير إطلاق سراح الملك، وقد أنشد أحد الشعراء قصيدة للملك لويس التاسع جاء فيها:
خمسون ألفا لا يرى منهمو
إلا قتيل أو أسير جريح
وفقك الله لأمثالها
لعل عيسى منكمو يستريح
إن كنت عولت على عودة
لأخذ ثأر أو لنقد صحيح
دار ابن لقمان على حالها
والقيد باق والطواشي صبيح
لقد كانت معركة المنصورة بحق بداية النهاية الحقيقية للحملات الصليبية، فلقد كانت آخر حملة منظمة وممنهجة، فلم تستطع أوروبا أن تجمع حملة أخرى مثلها لتحقيق الحلم الذي داعب أوروبا منذ عام 1095، فقد انهار الحلم بعدما فشلت الجهود العسكرية للقضاء على قاعدة المقاومة الإسلامية ممثلة في مصر، وهو ما اضطرها إلى الاكتفاء بالممالك التي كانت لا تزال تتمركز حول الساحل الشامي، وعلى رأسها مدينة عكا ذات الأسوار المنيعة، وعدد من المدن الساحلية الأخرى، منها مدينة طرابلس وبيروت، فضلا عن إمارة أنطاكية التي كان لها موقع خاص في قلوب الصليبيين باعتبارها ثاني إمارة تتكون كما تابعنا، وكانت هذه الممالك أو المستعمرات مبعثرة دون قيادة صليبية موحدة، مما جعلها قابلة للاحتواء والتصفية.
على كل حال فإن الأحوال في مصر سرعان ما اضطربت بعدما قتل السلطان توران شاه بسبب سوء إدارته للبلاد وعدم قدرته على التعامل مع المماليك الذين يرجع لهم الفضل في القضاء على الحملة الصليبية، فكانت النتيجة قتل السلطان على أيدي بيبرس البندقداري، وتم إسناد حكم مصر لأول مرة منذ الفتح الإسلامي لامرأة هي «شجر الدر» التي اختارت الأمير «أيبك»، أحد كبار المماليك زوجا لها، وقد استمر حكمها المشترك مع السلطان أيبك لمدة سبع سنوات انتهى بمقتلهما، ويقال لأسباب تتعلق بالغيرة الزوجية بسبب جارية، وأيا كانت الأسباب فلقد استولى المماليك على الحكم في البلاد مباشرة بعدما كان الخطر المغولي محدقا بالبلاد، وتم اختيار المظفر قطز لتولي الجيش المصري الذي هزم المماليك في معركة عين جالوت الشهيرة، ولم يهنأ الرجل بنصره إذ سرعان ما قتله الظاهر بيبرس الذي تم تنصيبه سلطانا على البلاد فدانت له مصر بالكامل والممالك التابعة لها بلا أي خلافات.
كان لهزيمة المغول وانحسار مدهم السياسي أثره المباشر على أحوال المستعمرات الصليبية المتبقية، فلقد تفرغ الظاهر بيبرس لمواجهة هذه البؤر الواحدة تلو الأخرى رغم بعض المناوشات المغولية، وهكذا استطاع هذا العسكري الفذ الذي لا تعرف الرحمة مكانا في قلبه القضاء على بعض الممالك المتبقية، وعلى رأسها بيروت واللاذقية وغيرهما، ولكن النصر الحقيقي كان بسقوط إمارة أنطاكية التي كانت من أهم الإمارات الصليبية على الإطلاق ومصدر قلق مستمر، ومع ذلك فالرجل لم يكتب له أن يشهد حقيقة حلمه بالقضاء على الصليبيين بالكامل، فهذه اللحظة منحها المولى عز وجل السلطان الأشرف قلاوون الذي استطاع فتح عكا في 1291 بعد صمودها لبعض الوقت، مزيلا بذلك بلاء شرسا وقع على بلاد المسلمين لمدة قرنين من الزمان أزهقت فيها الأرواح وهتكت فيها الأعراض وسلبت الأموال وذبحت الأطفال وأحرقت الجوامع والكنائس والمدن على حد سواء.
حصاد مر لحلم مرير تحت ستار الدين.
وللحديث بقية.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».