من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة

من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة
TT

من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة

من التاريخ: شجرة الدر ومعركة المنصورة

إذا كان المسلمون قد ابتلاهم الله بالحملات الصليبية على مدى قرن ونصف القرن من الزمان، إلا أنه لم يدر بخلد أحدهم أن الطامة الكبرى كانت آتية، فلقد وقع العالم الإسلامي، خاصة مصر والشام، في مأزق عظيم، فلقد أتى المغول من الشرق يدمرون كل شيء بينما الصليبيون يأتون من الشمال بهدف القضاء على الدولة الإسلامية، والأسوأ من ذلك هو أن تحالفا بدأ يلوح في الأفق بين الطرفين، كل لأهدافه، والعالم الإسلامي هو الفريسة المنتظرة، خاصة أن الدولة الأيوبية لم تكن في أحسن أحوالها، فلقد سلم الكامل القدس للصليبيين لأسباب غير مفهومة، أغلب الظن أنها تتصل باسترخائه وعدم رغبته في استمرار المقاومة أكثر من خيانته، بينما أصبحت مصر تترنح تحت حكم من أتى بعده من أولاده، إلى أن دانت البلاد للصالح نجم الدين أيوب الذي ملك البلاد، ولكن الأنباء جاءت له بغير ما كان يأمل أو يتوقع، فلقد استعدت حملة صليبية جديدة للسيطرة على مصر في الوقت الذي وقعت فيه شرق دولته فريسة للغزو المغولي التدريجي بعدما وقعت بغداد واستباح المغول المشرق تماما.
على نفس غرار الحملات السابقة، فلقد تدخل البابا «أينوشنتي الرابع» في هذا الشأن بالاتفاق مع الملك لويس التاسع ملك فرنسا لتسيير حملة إلى مصر يكون الهدف منها هو تحقيق ما فشلت فيه الحملة السابقة بعد هزيمة دمياط، وكانت الأهداف واحدة، ملك متسرع يهدف إلى الفوز بالدعم الإلهي والشهرة في أوروبا وتثبيت أركان حكمه بذلك المجد الجديد، وبابا متعطش لفرض السيطرة على مدينة بيت المقدس التي كانت قد سقطت لصالح البيت الخوارزمي في عام 1245، فضلا عن ضمان التحالف القائم بين بعض الممالك الأوروبية والبابوية، وهكذا انطلقت الحملة بعد تجهيز دام قرابة أربعة أعوام أمضى بعضها الملك في قبرص يعد العدة للنزول لمصر في ميناء دمياط، وقد اختار الرجل صيف عام 1249 لبدء الحملة الصليبية السابعة على مصر أملا في إخراج مصر من معادلة القوة الإسلامية ليستولي بعدها على الشام وتقسيم الممالك الإسلامية مع المغول، ولكن مصر كانت لها رؤيتها الأخرى والمختلفة.
وصل الملك لويس لدمياط وقد استسلمت المدينة له دون إراقة أي دماء على الإطلاق في تخاذل ملحوظ لا يليق بمن حاربوا قبلها بثلاثين عاما معركة شرسة هزمت الحملة الصليبية السابقة، وقد جعل لويس من دمياط رأس الجسر الذي من خلاله بدأ يجهز للقضاء على القوة الأيوبية المتبقية في مصر، وعلى الفور بدأ السلطان نجم الدين في تجهيز جيشه من المماليك، وهم مجموعة من العبيد الذين استجلبهم البيت الأيوبي كنوع من الحرس أو الميليشيات الخاصة على مدار السنوات الماضية وفق ما كانت العادة في ذلك الوقت، وقد بدأ يحصن مدينة المنصورة من أجل التجهيز للمعركة الفاصلة فيها، ولكن القدر لم يمهله، فلقد وافته المنية بعدما أصيب بمرض صدري، وقد أنقذ القدر مصر مرة أخرى، ولكن في هذه المرة على أيدي امرأة عرفت في التاريخ المصري بـ«شجر الدر» أو «شجرة الدر»، وهي جارية أرمينية كانت متزوجة من السلطان، فأخفت خبر وفاته عن الجميع واستدعت ابنه «توران شاه» من العراق، حيث سلمته مقاليد الأمور في البلاد، ورغم أن السلطان الجديد لم يكن على شاكلة أبيه، فإن وجوده كان مهما للغاية لتوحيد الدولة في هذا الوقت الدقيق والحساس، وقد اندلعت المعركة بالقرب من قرية فارسكور، حيث أبلى المماليك، خاصة «بيبرس البندقداري»، بلاء حسنا ووحشية ملحوظة للقضاء على الجيش الصليبي، وبالفعل هزمت الحملة الصليبية هزيمة نكراء، وقد اضطر لويس التاسع لخوض مناوشات متجددة مع المماليك في مدينة المنصورة أسفرت عن أسره واحتجازه أسيرا في دار ابن لقمان، وبأسره وتشتيت جيشه لم يكن هناك بد من التوقيع على اتفاق تم بمقتضاه إجلاء الحملة الصليبية عن مصر ودفع فدية باهظة نظير إطلاق سراح الملك، وقد أنشد أحد الشعراء قصيدة للملك لويس التاسع جاء فيها:
خمسون ألفا لا يرى منهمو
إلا قتيل أو أسير جريح
وفقك الله لأمثالها
لعل عيسى منكمو يستريح
إن كنت عولت على عودة
لأخذ ثأر أو لنقد صحيح
دار ابن لقمان على حالها
والقيد باق والطواشي صبيح
لقد كانت معركة المنصورة بحق بداية النهاية الحقيقية للحملات الصليبية، فلقد كانت آخر حملة منظمة وممنهجة، فلم تستطع أوروبا أن تجمع حملة أخرى مثلها لتحقيق الحلم الذي داعب أوروبا منذ عام 1095، فقد انهار الحلم بعدما فشلت الجهود العسكرية للقضاء على قاعدة المقاومة الإسلامية ممثلة في مصر، وهو ما اضطرها إلى الاكتفاء بالممالك التي كانت لا تزال تتمركز حول الساحل الشامي، وعلى رأسها مدينة عكا ذات الأسوار المنيعة، وعدد من المدن الساحلية الأخرى، منها مدينة طرابلس وبيروت، فضلا عن إمارة أنطاكية التي كان لها موقع خاص في قلوب الصليبيين باعتبارها ثاني إمارة تتكون كما تابعنا، وكانت هذه الممالك أو المستعمرات مبعثرة دون قيادة صليبية موحدة، مما جعلها قابلة للاحتواء والتصفية.
على كل حال فإن الأحوال في مصر سرعان ما اضطربت بعدما قتل السلطان توران شاه بسبب سوء إدارته للبلاد وعدم قدرته على التعامل مع المماليك الذين يرجع لهم الفضل في القضاء على الحملة الصليبية، فكانت النتيجة قتل السلطان على أيدي بيبرس البندقداري، وتم إسناد حكم مصر لأول مرة منذ الفتح الإسلامي لامرأة هي «شجر الدر» التي اختارت الأمير «أيبك»، أحد كبار المماليك زوجا لها، وقد استمر حكمها المشترك مع السلطان أيبك لمدة سبع سنوات انتهى بمقتلهما، ويقال لأسباب تتعلق بالغيرة الزوجية بسبب جارية، وأيا كانت الأسباب فلقد استولى المماليك على الحكم في البلاد مباشرة بعدما كان الخطر المغولي محدقا بالبلاد، وتم اختيار المظفر قطز لتولي الجيش المصري الذي هزم المماليك في معركة عين جالوت الشهيرة، ولم يهنأ الرجل بنصره إذ سرعان ما قتله الظاهر بيبرس الذي تم تنصيبه سلطانا على البلاد فدانت له مصر بالكامل والممالك التابعة لها بلا أي خلافات.
كان لهزيمة المغول وانحسار مدهم السياسي أثره المباشر على أحوال المستعمرات الصليبية المتبقية، فلقد تفرغ الظاهر بيبرس لمواجهة هذه البؤر الواحدة تلو الأخرى رغم بعض المناوشات المغولية، وهكذا استطاع هذا العسكري الفذ الذي لا تعرف الرحمة مكانا في قلبه القضاء على بعض الممالك المتبقية، وعلى رأسها بيروت واللاذقية وغيرهما، ولكن النصر الحقيقي كان بسقوط إمارة أنطاكية التي كانت من أهم الإمارات الصليبية على الإطلاق ومصدر قلق مستمر، ومع ذلك فالرجل لم يكتب له أن يشهد حقيقة حلمه بالقضاء على الصليبيين بالكامل، فهذه اللحظة منحها المولى عز وجل السلطان الأشرف قلاوون الذي استطاع فتح عكا في 1291 بعد صمودها لبعض الوقت، مزيلا بذلك بلاء شرسا وقع على بلاد المسلمين لمدة قرنين من الزمان أزهقت فيها الأرواح وهتكت فيها الأعراض وسلبت الأموال وذبحت الأطفال وأحرقت الجوامع والكنائس والمدن على حد سواء.
حصاد مر لحلم مرير تحت ستار الدين.
وللحديث بقية.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.