إيران «جزيرة الثبات» المزعومة.. غارقة في الأزمات الاجتماعية

الفقر والأمراض والإدمان تهدد بانهيار المجتمع الإيراني من الداخل

ظاهرة عمالة الأطفال من تبعات تفشي الفقر.. ثلاثة ملايين طفل محروم من الدراسة في إيران (وكالة مهر) - المدمنات على المخدرات في إيران يشكلن 10 % من المدمنين
ظاهرة عمالة الأطفال من تبعات تفشي الفقر.. ثلاثة ملايين طفل محروم من الدراسة في إيران (وكالة مهر) - المدمنات على المخدرات في إيران يشكلن 10 % من المدمنين
TT

إيران «جزيرة الثبات» المزعومة.. غارقة في الأزمات الاجتماعية

ظاهرة عمالة الأطفال من تبعات تفشي الفقر.. ثلاثة ملايين طفل محروم من الدراسة في إيران (وكالة مهر) - المدمنات على المخدرات في إيران يشكلن 10 % من المدمنين
ظاهرة عمالة الأطفال من تبعات تفشي الفقر.. ثلاثة ملايين طفل محروم من الدراسة في إيران (وكالة مهر) - المدمنات على المخدرات في إيران يشكلن 10 % من المدمنين

بموازاة إعلان وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنة، كسر المعدل القياسي في تصدير 2.4 مليون برميل من النفط الخام يوميا، يواصل تدهور الوضع المعيشي نسقه المثير للقلق في إيران مع استمرار قصف الإحصائيات الصادمة للشارع الإيراني.
ويرى كثير من المحللين أن السلطات التي تبرر تدخلاتها في الدول الأخرى تحت شعار إيران «جزيرة الثبات» في منطقة مشتعلة بالأزمات على رأسها جماعة «داعش» تتجاهل عدوا أخطر من (داعش) على المستوى الداخلي هي الأزمات الاجتماعية الخانقة التي تواجه النظام الإيراني.
وفي 2005 مع وصوله للرئاسة، وعد أحمدي نجاد بوصول فوائد النفط الإيراني إلى مائدة الأسرة الإيرانية وانتهت وعود نجاد بدخول إيران في أصعب مرحلة إثر تحديها إرادة المجتمع الدولي، وعقب نجاد بشر روحاني الإيرانيين بامتلاكه مفاتيح لكل المشكلات لكن مع اقتراب العام الأخير ثبت أن مفاتيحه غير فاعلة لفتح أقفال أغلال أزمات المجتمع الإيراني.
وبعد طول تكتم على وجود أزمات خضعت السلطة الإيرانية لتوصية علماء الاجتماع بالسماح لنشر إحصائيات كانت محرمة على وسائل الإعلام قبل أن يبلغ الوضع الاجتماعي الإيراني مستويات متأزمة. وبحسب الخبراء، حرمان النظام عمل جمعيات المجتمع المدني وتهميش المواطنين وتلبية الحاجات المعيشية والصحية والاجتماعية والثقافية وتجاهل الخصوصية الثقافية لمختلف المناطق في إيران أدى إلى تفجر أزمات اجتماعية ستحمل لإيران في طياتها تعبات خطيرة أخطر من تلك التي تحملها الحروب الأهلية المدمرة.
وفي أحدث الصدمات هذا العام، التي تلقاها الإيرانيون، ووردت على لسان ثلاثة مسؤولين كبار في الحكومة الإيرانية، تؤكد أن الإيرانيين الأكثر حزنا بعد العراقيين في العالم بسبب تحديات كثيرة يعاني منها المواطن الإيراني نتيجة فشل سياسات النظام الداخلية في تلبية حاجات المواطنين خلال السنوات الأخيرة.
والصدمة جاءت نتيجة مقارنة بسيطة بين معاناة العراقيين من حروب مستمرة على مدى الأربعة عقود الماضية، وكان آخرها تنظيم داعش، بينما لم تشهد الأراضي الإيرانية أي حرب منذ نهاية حرب الخليج الأولى في 1988.
وجاءت هذا الأسبوع تصريحات مساعد مركز الأبحاث في وزارة الصحة ورئيس هيئة الإمداد مساعدة رئيس الاتحاد الطبي الرياضي لتكون مدخلا لإثارة النقاش حول ما يتردد عن تفاقم المخاطر الاجتماعية ودخول إيران مرحلة متأزمة تتطلب تدخل كل أركان النظام الإيراني.
وحذر مساعد مركز الدراسات في وزارة الصحة الإيرانية، رضا ملك زادة، في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، من تفشي الأمراض النفسية والمزمنة نتيجة الضغوط الاقتصادية على المواطنين وكشف عن إصابة نحو 10 في المائة من ثمانين مليون إيراني بمرض السكري متوقعا أن يرتفع العدد إلى 25 في المائة خلال السنوات العشر المقبلة.
وفي إشارة إلى الفقر المتزايد بين الإيرانيين حمل ملك زادة تراجع المؤشر الصحي على الأوضاع النفسية وحرمان الإيرانيين من نظام غذائي صحي مسؤولية تزايد الأمراض بين الإيرانيين. وقال إن أكثر من 50 في المائة يصابون بأمراض ضغط الدم عند بلوغ الخمسين من العمر مشيرا إلى أن 50 في المائة من حالات الوفاة في إيران نتيجة الإصابة بجلطات دماغية أو قلبية.
وأضاف ملك زاده أن 12 في المائة من الإيرانيين يتعاطون المخدرات، مضيفا أن تعاطي المخدرات يعد من بين أهم الأسباب في تفشي أمراض السرطان والإيدز في إيران.
في أبريل (نيسان) الماضي، ذكر موقع «سلامت نيوز» أن واحدا من بين أربعة إيرانيين يعانون من اختلالات نفسية بسبب الأزمة الاقتصادية والمشكلات المعيشية وتبعا لذلك زادت الأزمات الاجتماعية وفقدان الأمل في العيش بين الإيرانيين. ويحذر الخبراء من تأثير للمشكلات المتفاقمة التي تواجه الإيرانيين مما ينعكس على نشاطهم في المجتمع وعلى الأمن القومي الإيراني.
تأكد ذلك عندما كشف الرئيس الإيراني حسن روحاني تفاصيل الاجتماع المغلق بين المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار المسؤولين خلال خطابه البرلماني الثلاثاء الماضي لدى تقديمه ثلاثة وزراء جدد للحصول على ثقة البرلمان. ونقل روحاني عن خامنئي قلقه العميق من الأوضاع الاجتماعية المتأزمة في إيران ونقل عنه قوله إن «مكافحة المخاطر الاجتماعية تتطلب تدخل الجميع في إيران بما فيهم من لا يؤمن بالدين والإسلام». وهي دعوة مشابهة للانتخابات البرلمانية الماضية التي دعا فيها خامنئي مشاركة «حتى من لا يؤمن بنظام ولاية الفقيه في الانتخابات» وأرسلت الدعوة انطباعا على خشية خامنئي على مشروعية النظام.
من جانبه، قال رئيس هيئة الإمداد الإيراني، حسن موسوي تشيلك، إن دخول خامنئي على خط المخاطر الاجتماعية يظهر تأزم الوضع الاجتماعي في إيران، لافتا إلى أن الإيرانيين هم الأكثر حزنا بعد العراقيين بين شعوب العالم.
ويرى علماء اجتماع إيرانيون أن سبب الظاهرة هو تفاقم البطالة والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران خلال السنوات الخمس الماضية.
ويعاني ثلثا المجتمع الإيراني من الفقر النسبي وهو ما يفوق 60 مليون إيراني بينما يرزح 15 مليونا تحت خط الفقر أو تحت «خط الموت» على حد تعبير بعض الصحف الإيرانية. انطلاقا من ذلك تشير الدراسات إلى أن المشكلات المتزايدة لم تترك مجالا أمام المواطن الإيراني للتفكير بما يفرحه.
خلال الآونة الأخيرة ذكرت وزارة الصحة الإيرانية أن أكثر من عشرة ملايين إيراني هاجروا من القرى إلى هامش المدن الكبيرة بسبب أزمة البطالة وتهميش المناطق الفقيرة ويعد سكان الصفيح الأكثر تضررا في المجتمع الإيراني من المخاطر والتهديدات الاجتماعية.
وتعد المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول إيراني بإحصائية مؤسسة «غلوب» العالمية قبل ثلاثة أعوام وهو ما أثار جدلا واسعا في الإعلام الإيراني نظرا لتغطية وسائل الإعلام الحكومي لأوضاع في العراق واعتبار إيران في مراحل أمنية واجتماعية أفضل مقارنة بالعراق.
وأعرب موسوي تشيلك من مخاوفه إزاء تحول مؤشر الإدمان من الرجال إلى النساء في السنوات المقبلة. أحدث إحصائية نشرتها صحيفة «شهروند» يوليو (تموز) الماضي أشارت إلى أن النساء يشكلن 10 في المائة من مجموع مدمني المخدرات. وبحسب المسؤول الإيراني فإن بلاده توازي الهند في عدد المدمنين في حين أنه تعدادها السكاني يفوق إيران بنسبة 15 ضعفا.
في أغسطس (آب) الماضي كشفت شرطة طهران عن وجود ست الآف مدمن مشرد في العاصمة الإيرانية. ووفق قائد الشرطة، اللواء حسين ساجدي، فإن 1500 امرأة مدمنة على المخدرات مشردة في شوارع طهران.
في غضون ذلك، كشفت أبحاث جديدة عن تراجع أعمار الدعارة في إيران إلى نحو عشر سنوات وفق موسوي تشيلك، الذي اعتبر أن بلاده تواجه أزمة مصير في السنوات القليلة المقبلة بسبب اتساع الأزمة الاجتماعية الحالية.
وعن الاضطرابات النفسية قال موسوي إن 35 في المائة من الإيرانيين يعانون من اضطرابات نفسية، مضيفا أن المعدلات متأزمة للغاية في بعض مناطق العاصمة طهران التي تشير إلى 80 في المائة.
ولفت المسؤول الإيراني إلى انتشار ظاهرة «اللامبالاة» بين الإيرانيين وتراجع المشاعر الإنسانية بين المواطنين معتبرا ذلك مؤشرا على انهيار التماسك الاجتماعي في بلد تعتز ثقافته بقوة بنيان الأسرة.
وأشار موسوي إلى إحصائية رسمية من القضاء حول وجود 15 ملفا قضائيا سنويا ما يعادل تورط ثلاثين مليون إيراني في ملفات قضائية، فضلا عن ارتفاع نسبة الطلاق مقارنة بالزاوج.
واعتبر المسؤول الإيراني ضعف إقبال الإيرانيين على الزواج لأسباب اقتصادية، فضلا عن تزايد الجرائم بين الأطفال وتزايد نسبة المصابين بالإيدز لانتشار العلاقات الجنسية غير المشروعة إضافة إلى وجود مائتي ألف مدمن على الكحول رغم حظر بيعه منذ 37 عاما.
مع ذلك، اعترف المسؤول الإيراني بصحة شكوك جمعيات المجتمع المدني حول مصداقية الإحصائيات وغياب الشفافية والمواقف المتباينة بين المؤسسات الإيرانية من الأزمات الاجتماعية.
على هذا الصعيد، قال وزير الصحة الإيراني، حسن قاضي زاده هاشمي، إنه قدم تقريرا لخامنئي حول المخاطر الاجتماعية المتأزمة في إيران.
وكان هاشمي خلال مؤتمر للأطباء النفسيين، منتصف الشهر الماضي، أعرب عن قلقه من تزايد الاضطرابات النفسية والكآبة بين الإيرانيين. وذكر أن 12 في المائة من الإيرانيين يعانون من الكآبة لأسباب مختلفة أهمها الأوضاع المعيشية.
وأشار هاشمي إلى ارتفاع معدلات الانتحار في إيران وبحسب الإحصائيات الإيرانية فإن 18 مراهقا انتحروا العام الماضي.
وأضاف وزير الصحة أنه أبلغ الرئيس الإيراني بالإحصائية المتعلقة بالاضطرابات النفسية في إيران، لافتا إلى أن «بعض صناع القرار في البلد» يعانون اضطرابات نفسية.
وتطرق هاشمي في تصريحاته المثيرة للجدل إلى أمراض المجتمع الإيراني وقال إن «غالبية أبناء الشعب مصابون بالنرجسية» ولم يستثن هاشمي مسؤولي بلاده من مرض النرجسية بقوله إنه «عندما ينتهي الأمر بمسؤولي البلد إلى النرجسية تزداد الأوضاع سوءا لأن النرجسية يصاحبها عدم الهدوء والاضطراب والكآبة».
وذكر هاشمي أن بين 25 في المائة إلى 26 في المائة من الإيرانيين يعانون اضطرابات نفسية، لكن المحللين يرجحون إصابة 21 مليون إيراني باضطرابات نفسية.
في هذا الصدد، أظهرت أحدث إحصائية من مركز الإحصاء الإيراني التابع للحكومة الإيرانية أن البطالة، على خلاف وعود الرئيس الإيراني، لم تتراجع فحسب بل استمرت في التزايد. ووفق مركز الإحصاء، فإن البطالة زادت بنسبة 1.4 مقارنة بالعام الماضي، وإن عدد العاطلين عن العمل بلغ ثلاثة ملايين و150 ألف شخص في إيران. الإحصائية نفسها تظهر أن عدد العاطلين أضيف إلى عدد الإيرانيين غير النشطين، ويشكك الخبراء بإحصائية مركز الإحصاء الإيراني وبخاصة أنها تتناقض بشكل كبير مع إحصائية مركز أبحاث البرلمان الإيراني التي تظهر ما يقارب خمسة ملايين عاطل عن العمل في إيران، ويتوقع الخبراء أن يتراوح العدد الحقيقي للعاطلين عن العمل بين ستة وثمانية ملايين إيراني.
وتتوقع الصحف الإيرانية أن عدد العاطلين يتراوح حاليا بين 6 و11 مليونا محذرين من تضاعف العدد مع حلول عام 2025 في إيران.
في زمن العقوبات أغلقت مئات الآلاف من المصانع الإيرانية أبوابها بسبب رفع الدعم الحكومي وتراجع السوق ووقف الصادرات الإيرانية، فضلا عن تراجع القدرة الشرائية في الشارع الإيراني.
في هذا السياق، يرى ناشط حقوق الإنسان، كريم دحيمي، أنه «بعد الاتفاق النووي زاد اهتمام السلطات الإيرانية بترسانتها العسكرية وأدى ذلك إلى عدم دعم المشاريع الاقتصادية في المناطق المهمشة مثل إقليم الأحواز فهذه السياسات الممنهجة أدت إلى عدم وجود مشاريع جديدة في مناطق واسعة من إيران وبذلك ساهمت في تفشي البطالة ولم تخلق فرص عمل جديدة وهي ما زادت من الفقر بين المواطنين وعلى صعيد التنمية الاقتصادية فإن إقليم الأحواز متأخر 20 عاما مقارنة بالعاصمة طهران وأصفهان حسب تصريح مساعد مدير التخطيط في الأحواز».
ويضيف دحيمي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشاريع سياسية وغير اقتصادية في الأحواز مثل مشروع قصب السكر وحرب المياه الذي أطلقته إيران ضد الأحوازيين كبناء السدود المتعددة وانحراف مياه الأنهر إلى الهضبة الوسطى الإيرانية أدت إلى تجفيف الأنهر والأهوار وتلويث البيئة».
وعن أسباب تفشي البطالة يشير إلى أنه «نتيجة سياسة اقتصادية ممنهجة أجبرت الأحوازيين على ترك الأراضي الزراعية بسبب شح المياه ودفع الرسوم الباهظة للحكومة بحيث لجأ المواطن الأحوازي إلى المدن وامتهان وظائف غير ثابتة (كاذبة) كبيع السجائر وبيع البسطات وغيرها مما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة. ويشير دحيمي إلى تصريحات مندوب عبادان في البرلمان (غلام رضا شريفي) الذي كشف عن ارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 50 في المائة، وهذه النسبة تصل إلى 70 في المائة في أغلب المدن العربية.
ويضيف دحيمي أن بعض الإحصائيات تذكر أن أكثر من 40 في المائة من سكان الأحواز، حيث ذخائر النفط والغاز، لا يزاولون أي نوع من الوظائف ويعيشون تحت خط الفقر، وأدت هذه الأمور إلى أن المواطن الأحوازي يعاني من أزمات نفسية وعدم استقرار صحي وتفشي الأمراض كالكآبة.
ولفت دحيمي إلى أن «عشرة احتجاجات للعمال في أكتوبر (تشرين الأول) 2016 في الأحواز بسبب عدم دفع رواتبهم ومستحقاتهم المتأخرة وأيضا بعض هذه الاحتجاجات بسبب طرد العمال من وظائفهم، تبين الوضع الاقتصادي المتأزم في الأحواز وتأثيره المباشر على الحالة الاقتصادية أو الحالة الاجتماعية ويحرم الإنسان الأحوازي من الرفاهية التي يتمتع بها أبناء السلطة والأقاليم الفارسية».
يميل كثيرون في تفسير السلوك الإيراني في المنطقة وإرسال نخبة قواتها العسكرية إلى مستنقع الحروب الداخلية في سوريا والعراق إلى أنه محاولة لتصدير الأزمات الداخلية الإيرانية، وقد يصح هذا الرأي إذا تتبعنا إحصائيات وردت خلال هذا العام عن غرق جزيرة الثبات الإيرانية، على حد تعبير قائد فيلق «القدس» الإيراني، قاسم سليماني، في مستنقع الأزمات الداخلية.
بعد أكثر من عشرة أشهر على دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ ورغم خروج إيران من العقوبات الاقتصادية وعودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية، فلا توجد مؤشرات تبعث الأمل بين المواطنين الإيرانيين، وبخاصة أنهم يشعرون بخيبة أمل واسعة من تصدير ثرواتهم لميليشيات تابعة بحثا عن تحقيق أوهام كبار المسؤولين في نظام ولاية الفقيه.



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».