معرض الشارقة للكتاب يحتفي بمرور 35 عامًا على انطلاقته

تشارك فيه 1681 دار نشر عربية وأجنبية من 60 دولة

إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى
إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى
TT

معرض الشارقة للكتاب يحتفي بمرور 35 عامًا على انطلاقته

إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى
إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى

على مدى الـ34 عامًا الماضية، حرص معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي ينعقد حاليًا، بين 2 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، على أرض المعارض الأكسبو في إمارة الشارقة، على أن يكون متميزًا على صعيد التنظيم والابتكار وتقديم الكلمة المقروءة. والمعرض في الأصل مشروع ذاتي أراد منه حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أن يساهم في خلق مجتمع قارئ، وأن يساهم الكتاب في تنمية الإمارة. وهو يعبّر أيضًا عن الشغف الذي يتميز به حاكم الشارقة، بوصفه كاتبًا ومؤلفًا وباحثًا. ولذلك يحرص على حضور افتتاحه، واللقاء بدور النشر العربية والعالمية.
ومن خلال هذه العناية والاهتمام، أصبح معرض الشارقة من أكثر المعارض حميمية في لقاء الجمهور مع دور النشر التي تتزايد في مشاركتها كل عام، حتى وصل عددها هذا العام إلى نحو 1681 دارًا جاءت من 60 دولة. وفي كل دورة، يفاجئ المعرض الجمهور بتظاهرة أو مشروع جديد من شأنه أن يدعم أنشطة المهرجان. وجديد هذا العام إطلاق جائزة جديدة باسم جائزة الشارقة للترجمة (ترجمان)، وتبلغ قيمتها المادية مليوني درهم، وهي جائزة عالمية في الترجمة والتأليف تهدف إلى تشجيع الترجمات العالمية الراسخة التي تتخذ من المنجز الإنساني الفارق في أبعاده الثقافية والفكرية منطلقات قومية ترتكز عليها في بناء حضارة الإنسان، ومد جسور التواصل بين الشرق والغرب، مع سعيها لدعم النشر الجاد القادر على تأكيد دور الكلمة، وتفعيل الأفكار الخلاقة القادرة على دفع المشهد الثقافي نحو التكامل المأمول.
وكما قال مدير معرض الشارقة أحمد بن ركاض العامري، لـ«الشرق الأوسط»، فإن حاكم الشارقة يؤمن بأن الثقافة هي الوسيلة الوحيدة لمّد الجسور بين الأمم. وقد درجت العادة على أن يوقع حاكم الشارقة كتبه الجديدة في أثناء افتتاح المعرض، ومؤلفه الجديد لهذا العام هو «صراع القوى والتجارة في الخليج: 1620 - 1820».
وفي يوم الافتتاح، تم الإعلان أيضًا عن الفائزين في جائزة «اتصالات» لكتاب الطفل، وحاز كتاب «أريد أن أكون سلحفاة» للكاتبة المصرية أمل فرح على جائزة أفضل نص وغيرها. ويحرص المعرض على أن يكرّم كل عام شخصية من الشخصيات العربية أو العالمية، وكان اختيار هذا العام هو وزير الثقافة اللبناني الأسبق غسان سلامة. كما يسعى المعرض إلى تكريم دور النشر، ومنح الجوائز التي شملت هذا العام جائزة الشارقة للكتاب الإماراتي، وجائزة أفضل كتاب عربي، وجائزة أفضل كتاب أجنبي، وجائزة الشارقة لتكريم دور النشر. وعلى مدى السنوات الـ34 الماضية، حرص معرض الشارقة الدولي للكتاب على أن يكون وجهة متفردة تحتضن القدرات الإبداعية الجماعية، وتتيح مناقشة الأحلام والأفكار والتحديات.
والمعرض زاخر بالفعاليات، ومن أهمها ندوة «الثقافة العربية.. من أين؟ وإلى أين؟» التي نظمتها هيئة الشارقة للكتاب، وشارك فيها كل من: الدكتور صابر عرب، والدكتور غسان سلامة، والدكتور مصطفى الفقي، وأدارها الإعلامي محمد خلف، والتي اتفق المشاركون فيها على أن الثقافة العربية تحتاج إلى المزيد من الدعم، كالذي تقوم به الشارقة بشكل متفرد في الوقت الحاضر، وأنه لا خوف على اللغة العربية باعتبارها هوية ثقافية من تقادم الزمان، وكثرة الآيديولوجيات المحيطة بها سابقًا ولاحقًا، وإنما هناك قلق من الثورة التقنية التي تفرض نفسها. وقد سخر الدكتور مصطفى الفقي من الرأي القائل إن اللغة العربية تقف عائقًا أمام مسيرة التقدم، في حين أنها استطاعت استيعاب جميع الحضارات السابقة، بما فيها الفرعونية والإغريقية واليونانية والرومانية، وواكبت جميع العلوم والمخترعات.
وفي ندوة «الكتابة بين الذهن والروح»، شارك كل من الكاتب الإماراتي علي أبو الريش، والمغربي طارق بكاري، والنيجيري أبو بكر آدم، الذين اتفقوا جميعًا على أن خطاب الروح يأخذ أبعادًا مختلفة، وأن الأدب هو موطن المشاعر. وأدار الندوة محمد ولد سالم. وقد أكد المشاركون على أن الكتابة الأدبية تختلف كثيرًا في أساليبها عن الكتابة العلمية، حيث تهدف الأولى إلى مخاطبة الروح والجماليات، فيما الثانية تقصد العقل. وبناءً على ذلك، اختلفت أساليب الكتابة الأدبية.
وفي ندوة «تاريخ إعارة الكتب»، أكد الدكتور عبد الحكيم الأنيس، الباحث في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، على أن الوصول إلى الكتاب بطريقة مجانية لا يكون إلا بالإعارة، وذلك خلال استعراضه لتاريخ إعارة الكتب، مضيفًا أن الجميع يسعى للحصول على المعرفة التي قد تكون مدفوعة الثمن، أو مجانية، ومؤكدًا أن مبدأ الإعارة قديم جدًا، وكان معروفًا ومنتشرًا لدى الأمم السابقة.
ويتميز المعرض بحضور دور النشر الأجنبية، ومنها دور النشر الهندية، فحجم الجالية الهندية الحالية يقدر بمليوني مقيم يقبلون على شراء كتبهم الآتية من القارة الهندية، وبأسعار رمزية. وقد التقى الجمهور مع المؤلف الهندي هيرانيا جاربام، وقدم س. جوبالا كريشنان محاضرة عن الهنود وشعب الملايا.
وللشعر نصيب كبير يتمثل في الأمسيات الشعرية، ومنها أمسية بعنوان «أجنحة القصيدة» شارك فيها كل من: الشاعر محمد بن عبد الرحمن المقرن (السعودية)، والشاعر علاء جانب من (مصر)، وأدارها الشاعر محمد البريكي. كما أن هناك أمسيات شعرية أخرى: الأولى بعنوان «أطياف»، بحضور الشاعرين سعيد معتوق وأكرم قنبس، وأدارها حمادة عبد اللطيف. والأمسية الثانية بعنوان «جماليات»، وتضم كلاً من الشاعرين جميل داري، وماجد عودة، وأدارتها منى أبو بكر.
وعادة ما تُقام هذه الأمسيات في المقاهي الأدبية المصاحبة للمعرض. ولعل مشاركة مجموعة كبيرة من الكتّاب والأدباء والمثقفين العرب يعطي زخمًا ثقافيًا كبيرًا للمعرض، وقد حضر هذا العام: أحلام مستغانمي، وواسيني الأعرج، ومحمد ربيع، وربعي المدهون الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2016، والقاص محمود شقير، وإبراهيم نصر الله الفائز بجائزة «كتارا 2016»، والشاعر العراقي فاضل السلطاني، ومحمد المقرن، والشيخ ماجد الصباح، وطالب الرفاعي، وشربل داغر، وجورج يرق، وحامد الناظر، وطارق بكاري، ومحمود حسن سالم، وغيرهم.
ولا يخلو المعرض في كل عام من العروض الموسيقية والمسرحية، فقد قدمت هذا العام فرقة «براينت آرت» الصينية عروض «سيرك بكين» المبهرة التي جذبت جمهورًا واسعًا، وخصوصًا من الأطفال، من أجل كسر إيقاع الروتين، من خلال الألعاب التي شارك فيها 12 لاعبًا ولاعبة استطاعوا أن يبرزوا مهاراتهم بألعاب الخفة اليدوية والرشاقة والأكروبات والقفز بطريقة بهلوانية.
ويأخذ المعرض زواره الصغار في رحلة للتعرف على المانجا اليابانية، في رحلة مميزة لإثراء خيال الأطفال، وتنمية إبداعاتهم الفنية، تحت عنوان «كن مبدعًا»، وهي عبارة عن ورشة فنية عن «شخصيات مانجا»، التي قدمتها الفنانة كارين روبيز من المملكة المتحدة. ويتعلم الأطفال المشاركون في الورشة كيفية رسم وجوه مختلفة اعتمادًا على أسلوب فن المانجا، وذلك من خلال مشاهدتهم للقصة، وإعادة رسم الشخصيات، حسب تخيلاتهم لها.
كما قامت الفنانة كارين بقراءة قصة للأطفال من التاريخ الياباني، وطلبت منهم بعد ذلك رسم وجه الشخصية، والأزياء التي ترتديها، ليكون لديهم قدرة على تخيل الأشكال المختلفة، واختيار أسلوبهم الخاص في الرسم، إضافة إلى رسم تعابير الشخصية لتوسيع مداركهم الفكرية.
ومن ضمن الفعاليات، وقعت الكاتبة الإماراتية المتخصصة بأدب الخيال العلمي نورة النومان الجزء الثالث من روايتها «أجوان» الذي يحمل عنوان «سيدونية»، لتستكمل بذلك السلسلة الروائية التي وضعت من خلالها حجر الأساس لأدب الخيال العلمي الإماراتي. وتنوعت فقرات العرض التي قدمها شارع سمسم خلال أكثر من ساعة ونصف الساعة، بعنوان «لنكن أصدقاء»، وهو العرض الأول له في الشرق الأوسط، حول موضوعات تعليمية في قالب غنائي ترفيهي، منها: الصداقة، والتواصل حول العالم، والطعام الصحي، وأهمية تنظيم الوقت لأداء العمل، والتعاون للحصول على النجاح، وغيرها.
والنحت على رصاص الأقلام نوع جديد من الفن يدخل الإمارات تحت أجنحة معرض الشارقة الدولي للكتاب، ليوجه رسائل من القلم إلى الجمهور، تبدأ بالبحث عن حقيقة الأشياء، وتنتهي بطلب المعرفة من الكتب التي سطرتها الأقلام؛ 10 قيم رمزية أطلقها المعرض هذا العام، وأبدعتها أنامل الفنان الروسي سلافت فيداي، فما هذه الرموز، وما الرسائل التي يوجهها المعرض للجمهور؟
إن دور النشر العربية والعالمية حاضرة بقوة هذا العام، وتنتظر تحقيق مبيعات كبيرة كما في السنوات الماضية، ولعل بيانات المبيعات التي تنشرها إدارة المعرض في خاتمة المعرض هي خير دليل على ذلك. ولكن ذلك لا يمنع وجود شكوى من دور النشر العربية من قلة الإقبال على اقتناء الكتاب في زمن انفجار الثورة المعلوماتية وطغيان الكتاب الإلكتروني.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.