المنسف.. وجبة صحراء التي تحولت رمزًا وطنيًا

من أشهر الأطباق الشعبية في الأردن وفلسطين

المنسف.. وجبة صحراء التي تحولت رمزًا وطنيًا
TT

المنسف.. وجبة صحراء التي تحولت رمزًا وطنيًا

المنسف.. وجبة صحراء التي تحولت رمزًا وطنيًا

لن يكون هناك أجمل من تناول أشهر وأشهى الأطباق الأردنية وسط أحضان الطبيعة الصحراوية، المكان الذي بدأت فيه قصة المنسف منذ آلاف السنين.
انطلقنا لزيارة إحدى القبائل البدوية التي سكنت البلاد منذ مئات السنين واستطاعت أن تحافظ على نمط حياة البداوة على الرغم من المد العمراني والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها منذ عقود.
هدفنا هو الاستجمام بعيدا عن ضغوط الحياة المدنية وبحثا عن البساطة التي لطالما اشتهرت بها البيئة البدوية في بلاد الشام، فهي جزء أساسي من ثقافة البلاد وموروثها الاجتماعي والتاريخي.
بعد برهة من القيادة، ومع انتهاء المعالم العمرانية للعاصمة، من أبراج ومنازل فاخرة، انحرفت بنا سيارة الدفع الرباعي عن الطريق العام، عند الحافة الجنوبية لمطار عمان الدولي، لتنطلق وسط أحضان الطبيعة، بعيدا عن صخب المدينة وضجيج السيارات.
هنا، في قرية قرب القسطل، جنوب عمان، ذهبنا لمشاهدة وجه الأردن الآخر، أو الوجه الأصلي للأردن، كما يقول سكان المنطقة، حيث يعيش بعض من ما تبقى من القبائل البدوية.
مررنا بقصر إسلامي بناه الأمويون، يقال إنه كان يستعمل لتزويد الحجاج بالماء خلال رحلتهم إلى الحجاز. وبعد برهة خرجنا عن الطريق العام لنجد طريقا ترابيا يشق الأرض الجرداء.
لا توجد حقول أو أشجار، ولا أنهار أو بحيرات، وسط هذه الطبيعة التي تبدو قاسية على كل من يقترب منها. لكن إن نظرت بعناية، ترى أن الحياة وجدت لنفسها سبيلا في هذا المكان. لقد تمكن السكان من ترويض هذه الطبيعة لخدمتهم، فالكهرباء تخدم خيمتهم ليل نهار لتوفر الإضاءة والطاقة لتشغيل الثلاجة، وحتى جهاز التلفزيون، وحتى الهاتف الجوال.
ما إن اقتربنا من مضيفنا حتى هرع مرحبا بالضيوف، ليصطحبنا داخل خيمة ورثها عن جده، كما ورث فن الضيافة التي أتقنها سكان البادية في بلاد الشام والجزيرة العربية. الخيمة المصنوعة من شعر الماعز دافئة في الشتاء وباردة في الصيف، كما يقول إسماعيل رتيمات، أحد أفراد العائلة التي تقطن في هذه البقعة منذ عشرات السنين.
كلمات الترحيب لم تنقطع، وكذلك القهوة السادة، العلامة التجارية التي تميز البيوت البدوية في جميع أنحاء الأردن. بعد قليل هبت رياح قوية لتجلب معها غبارا كثيفا، لكن لا يبدو على أهل المكان التأثر، فاليوم مناسبة خاصة حيث ينشغل الكل بالزوار الآتين من المدينة.
أصبح الغبار جزءا من الحياة اليومية لسكان المنطقة خلال فصل الصيف. اكتسبت وجوه الأطفال وأشعارهم لون التراب، لكن الابتسامة لا تغادر محياهم، على الرغم من قسوة الطبيعة التي أصبحت جزءا من روتينهم اليومي.
لا أحد من الحضور سأل عن لائحة الطعام، فالوجبة المقدمة لن تكون سوى المنسف، إنها الوجبة الأشهر في الأردن والأكثر شعبية بين جميع مكونات المجتمع الفسيفسائي.
خلال لحظات تجمع الشبان وبدأوا بتوزيع الأواني المملوءة بالأرز المغطاة باللحم، بينما يتجول آخرون يصبون اللبن المطبوخ فوق تلك الأواني المزركشة بالمكسرات.
وما إن انتهت الاستعدادات، حتى طلب صاحب البيت من ضيوفه التفضل إلى المائدة. جلسنا على وقع نسمات الهواء النقي، وسط أحضان الطبيعة، نستمع ونستمتع بحديث مضيفنا عن مغامرات أهل البادية مع البيئة القاسية والمشكلات التي يعانونها جراء ارتفاع أسعار الأعلاف. لهجته البدوية صعبة بعض الشيء، فهنا يتحدثون بسرعة ويستخدمون تعبيرات لم نعتد عليها، لكن لغة التواصل لم تنقطع بيننا طوال الزيارة.
لم يسعني سوى مواصلة كيل المديح لمن طبخ الطعام لنا وقدمه بنفس طيبة؛ وإذ به صبي لا يتجاوز عمره 17 عاما. هو من قام بذبح الخروف وتقطيعه، ومن ثم وضعه في وعاء كبير، وطبخه.
جلس الشاب اليافع وشرح لنا كيف يعد المنسف على الطريقة الأصلية، كما يقول. السر هنا أن تطبخ اللحم مع اللبن على نار هادئة مع مواصلة تحريك الإناء دون توقف حتى يغلي اللبن. نوع اللبن المستخدم من أهم عوامل نجاح وجبة المنسف، كما يؤكد الطاهي، الذي بدأ سرد قصص شتى عن المنسف في تاريخ الأردن، وكيف أن ملكا منذ آلاف السنين حكم مدينة الكرك، كان قد طلب من السكان طبخ المنسف ليظهروا معاداتهم لليهود منذ ذلك الزمان، بناء على أن العقيدة اليهودية تحرم طبخ اللحم باللبن تحريما صريحا، حتى إن بعض المثقفين في الأردن يشيرون إلى هذه الحادثة على أنها دليل على العلاقة العدائية بين سكان البلاد واليهود منذ آلاف السنين.
الجدل ما زال قائما حول المكان الذي ظهر فيه المنسف؛ فالبعض يقول إن الأردن هو المكان الأصلي له، بينما يقول آخرون إن أصوله كانت بلاد الحجاز عندما كان الناس يطبخون اللحم باللبن، بينما يصر آخرون على أن فلسطين هي المكان الأصلي للمنسف، مع تغيير بسيط في طريقة الإعداد.
وبغض النظر عن البعد التاريخي والسياسي والثقافي للمنسف، فما زالت تلك الوجبة من أكثر الوجبات شعبية في الأردن وفلسطين.. يجتمع حولها الغني والفقير، الكبير والصغير، سواء في مناسباتهم الاجتماعية، أو عند جلساتهم العائلية. لكن لا شيء يضاهي تناول المنسف وسط الطبيعة الصحراوية البسيطة.



الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
TT

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

«يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز بطرق غير متوقعة»، هكذا يتحدث الشيف المصري وليد السعيد، عن أهمية الشاي في وصفات لذيذة. أطباق كثيرة يتخللها الشاي وتتنوع بمذاقات مختلفة؛ من بينها فطائر الكريب، وكعكة «شاي إيرل غراي».

وينصح السعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بتجربة الشاي الزهري مثل الياسمين والبابونج، أو الأسود العادي، خصوصاً بالنسبة للمصريين، أو شاي بالقرفة والزنجبيل والقرنفل أو شاي دراغون ويل الأخضر الصيني برائحة الكستناء ونكهة الزبد والجوز، وغير ذلك من الأنواع.

الشيف وليد السعيد يستخدم الشاي بأنواعه في الكثير من الوصفات خاصة الحلويات (الشرق الأوسط)

ويرى السعيد أنه «في بعض الأحيان نستخدم نكهات صناعية من دون النظر إلى عواقب إضافة المواد الكيميائية والمضافة إلى طعامنا، في حين أنه يمكن الاستغناء عنها، واللجوء بدلاً من ذلك إلى استخدام الشاي، بوصفه يجمع بين كونه مكوناً طبيعياً، يجنبك تلك المواد الضارة، وكونه مُحمَّلاً بنكهات متنوعة تلائم الأطباق من الحلوة إلى المالحة، والساخنة والباردة».

ويوضِّح السعيد أنه «يمكن لأي وصفة تحتوي على سائل أن تكتسب نكهة جديدة تماماً عند الاستعانة بالشاي في تحضيرها، وذلك عن طريق تحويل هذا السائل إلى شاي، سواء كنت تستبدله بدلاً من الماء أو الحليب أو الشوربة أو غير ذلك».

فطائرالكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند من شيف ميدو (الشرق الأوسط)

لكن كيف يمكن استخدام الشاي في هذه الحالة؟ يجيب السعيد: «إذا كانت الوصفة تتطلب الماء مثل العصائر والسموذي، فقم بتحضير بعض الشاي بدلاً من الماء، عن طريق تحضير كمية كبيرة من الشاي وتجميدها، إما في برطمانات أو قوالب مكعبات الثلج، ثم إضافتها للطعام».

«أما إذا كانت الوصفة تحتوي على مرق أو حليب، فيمكنك نقع هذا السائل بالشاي؛ لإضافة نكهة إضافية مع الفوائد الغذائية: سخن السائل، وانقع الشاي واستخدمه حسب الحاجة في الوصفة، لكن عليك أن تراعي أنك ستحتاج إلى مزيد من استخدام الشاي، مع تجنب نقعه لفترة أطول حتى لا يصبح مراً». هكذا يوضح الشيف المصري.

ومن هنا عند دمج الشاي في الوصفات تحتاج إلى صنع نحو ربع كوب شاي أكثر من استخدامك المعتاد. على سبيل المثال، إذا كانت الوصفة تتطلب كوباً واحداً من السائل، فقم بغلي 1.25 كوب من الشاي.

امزج أوراق الشاي المطحونة مع الأعشاب، واستخدمها كفرك (تتبيل) جاف للحوم المشوية أو المطهوة، ولمزيد من الحرفية مثل الطهاة استخدم معه السكر البني والملح والفلفل الأسود وحبيبات أو بودرة البصل والثوم والزعتر وإكليل الجبل وقشر الليمون، والزنجبيل، وقشر البرتقال، ومسحوق الفلفل الحار، والبهارات، والقرفة أو القرنفل.

ويلفت الشيف السعيد إلى أنه يمكن استخدام الحليب أو الكريمة المنقوعة بالشاي لصنع صلصة البشاميل والصلصات الأخرى على شكل كريمة للفطائر والبطاطس المقلية، علاوة على حساء الكريمة والخضراوات الكريمية، على أن تستخدم للطعم الكريمي في هذه الأطباق شاياً بنكهة لذيذة، تكون من ضمن مكوناته الشاي الأخضر والأرز المنفوخ والذرة، ولذلك يفضل أن يكون شاياً يابانياً.

أما بالنسبة للحلويات فاستخدم مسحوق الماتشا في الخليط. إذا كنت تخبز البسكويت، فيمكنك أيضاً نقع الزبد المذاب بأوراق الشاي الكبيرة الطازجة، ثم تصفية ذلك، وفي حالة ما إذا كانت الوصفة تتطلب الحليب، فقم بنقع الشاي في الحليب الدافئ أو الماء لمدة من 5 إلى 10 دقائق، وأمامك خيار آخر، وهو طحن الشاي إلى مسحوق في محضر الطعام وخلطه مع المكونات الجافة.

«وإذا كنت تبحث عن الاستمتاع بنكهة حلوة خفيفة مع نكهات زهرية أو فاكهة، فجرب إحدى خلطات الشاي العشبية الكثيرة مثل شاي البابونج والحمضيات أو شاي الكركديه أو شاي التوت البري. اطحن الشاي السائب في مطحنة التوابل حتى يتحول إلى مسحوق، واستخدم ملعقتين كبيرتين لكل دفعة من العجين، ولأن الشاي يمتص السوائل، قلل من كمية الدقيق المطلوبة في الوصفة بملعقتين كبيرتين»، بحسب السعيد.

وليس بعيداً عن ذلك، ينصح الشيف ميدو الذي يعد واحداً من الطهاة المصريين الذين اعتادوا على استخدام الشاي في الطعام، ومن أشهر أطباقه في هذا المجال فطائر الكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند، ويصف ذلك بـ«ثنائية اللون محشوة بكريمة الفانيليا ومغطاة باللون الأخضر»، وكذلك يقدم كعكة «شاي إيرل غراي» مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليا، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تمنح البقع السوداء الصغيرة من الشاي هذه الكعكة كثيراً من الطعم والرائحة».