تركمان تلعفر.. ضحية التوازنات الصعبة

وسط الصراعات الطائفية أصبحوا سنة وشيعة فقط وتراجع شعورهم القومي

تركمان تلعفر.. ضحية التوازنات الصعبة
TT
20

تركمان تلعفر.. ضحية التوازنات الصعبة

تركمان تلعفر.. ضحية التوازنات الصعبة

على الرغم من أن التركمان يمثلون القومية الثالثة في العراق (بعد العرب والأكراد) فإنهم وقعوا، لا سيما بعد عام 2003، ضحية التاريخ والجغرافيا معا. فهم على الرغم من وجودهم المميز في كركوك المتنازع عليها بين العرب والكرد، أو بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، فإنهم، طبقا للمادة 140 من الدستور العراقي، لا يبدون طرفا قويا في هذا النزاع، رغم قناعتهم بالهوية التركمانية لكركوك التي ربما تكاثر فيها العرب والأكراد في غفلة من زمن التغيير الديموغرافي.
وعلى الرغم من وجودهم في مناطق أخرى، ومنها قضاء تلعفر الواقع شمال غربي محافظة نينوى وقريبا من الحدود التركية، فإن التركمان، وبسبب الصراعات الطائفية التي تحولت إلى حرب شبه أهلية بين السنة والشيعة في الفترة من 2006 - 2008 بعد تفجير قبتي الإمامين العسكريين في سامراء، لم ينجحوا في التعبير عن هويتهم القومية، رغم الخلافات الطائفية، شأن عرب العراق (الشيعة والسنة) الذين لم يعترفوا بوقائع تلك الحرب، رغم حدوثها بالفعل، حيث كانت الجثث تملأ شوارع بغداد وعمليات الانتقام والقتل على الهوية تمارس على نطاق واسع، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة المواطن البغدادي السني على التحرك في الأحياء الشيعية، والعكس.
لكن في قضاء تلعفر بالذات، تحول التركمان إلى ضحية لتلك الصراعات الطائفية، فأصبحوا بموجب ذلك الخيار الصعب سنة وشيعة فقط، في وقت تراجع فيه الشعور القومي الذي يجمعهم، بينما بقي العرب، رغم النزاع الطائفي بينهم على أسس مذهبية، محتفظين إلى حد كبير بهويتهم القومية.
ولعل المفارقة اللافتة في الأمر هي أن تركيا نفسها تسعى اليوم إلى التعامل مع الصراع في تلعفر من خلال وجهه الطائفي لا العرقي. فهي تتحدث، سواء على لسان الرئيس رجب طيب إردوغان أو رئيس وزرائه ووزير خارجيته، ليس عن حماية سكان تلعفر من التركمان، بل التركمان السنة ضد محاولات انتقام يقال إن التركمان الشيعة ممن انخرطوا في «الحشد الشعبي» يسعون لها من أبناء جلدتهم التركمان السنة، الذين كان كثيرون منهم اصطفوا مع القاعدة أيام نفوذها قبل سنوات، واليوم مع «داعش» على أسس مذهبية لا قومية.
وتلعفر كما تقول جغرافيتها تقع في الشمال الغربي من العراق، ويقطنها أكثر من 400 ألف نسمة، وغالبيتها السكانية من التركمان، وتبعد عن الموصل نحو 70 كيلومترا، بينما تبعد عن الحدود العراقية التركية نحو 50 كيلومترا، وعن شرق الحدود العراقية مع سوريا نحو 80 كيلومترا. وعلى الرغم من كل المساعي التي بذلت خلال السنوات الماضية من أجل الحد من النزاعات في هذا القضاء، فإنه بقي ولا يزال ضحية التوازنات الصعبة بين العرب والأكراد من جهة، وبين السنة والشيعة من جهة أخرى، وبين بغداد وأنقرة من جهة ثالثة.
وبين كل هذه الجهات يجد التركمان أنفسهم ضحية أنفسهم هم، بعد أن منحوا الآخرين مد نفوذهم إليهم وتحولوا إلى برميل بارود متنقل يمكن أن ينفجر في أي لحظة، حتى وصول الجميع لحظة الحسم. ففي الوقت الذي تمكن فيه الجيش العراقي من تحرير كثير من المحافظات والمدن من تنظيم داعش خلال السنتين الماضيتين، ورغم كل ما قيل من محاذير في مشاركة «الحشد» في هذه المعركة أو تلك، ورغم ما جرى الحديث عنه من انتهاكات هنا وهناك، فإن المحصلة النهائية هي قبول الجميع بتسوية ما، سواء كانت على أسس طائفية، مثلما حصل في ديالى وبعض أقضية تكريت، أو عشائرية، مثلما حصل في الأنبار، بينما الأمر يبدو مختلفا في تلعفر التي يجري الحديث عن محاولات انتقام بين أبنائها من السنة والشيعة، لكن بإرادة أطراف أخرى. فـ«الحشد الشعبي» يُتهم بأنه يسعى عن طريق تحرير تلعفر للانتقام من السنة التركمان، ومن جهتها تركيا تريد من خلال تحشيد جيشها الدخول إلى تلعفر لحماية السنة التركمان ضد الشيعة التركمان.
المشكلة أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث هناك محاولات انتقام من قبل عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، فضلا عن جماعات مسلحة إيزيدية في سنجار، على خلفية اتهامات لأهالي تلعفر بالمشاركة في قتل الإيزيديين وسبي نسائهم. وفي هذا السياق جاء تحذير عز الدين الدولة، عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى عن قضاء تلعفر، من إمكانية حدوث حرب إبادة جماعية يشنها عناصر حزب العمال الكردستاني ضد التركمان في قضاء تلعفر. وقال الدولة في مؤتمر صحافي، إن «هناك معلومات عن دعم الحكومة لفصائل من منظمة حزب العمال الكردستاني، ونأمل أن تكون تلك المعلومات غير حقيقية»، محذرا من «حرب إبادة جماعية في قضاء تلعفر تقوم بها عناصر هذه المنظمة، انتقاما من تركمان تلعفر الذين يندرجون ضمن الأصول التركية».



وفاة جائع تفضح مزاعم الحوثيين عن توزيع أموال الزكاة

عمار البكار الذي كان بجوار والده على الرصيف لحظة وفاته بسبب الجوع (إكس)
عمار البكار الذي كان بجوار والده على الرصيف لحظة وفاته بسبب الجوع (إكس)
TT
20

وفاة جائع تفضح مزاعم الحوثيين عن توزيع أموال الزكاة

عمار البكار الذي كان بجوار والده على الرصيف لحظة وفاته بسبب الجوع (إكس)
عمار البكار الذي كان بجوار والده على الرصيف لحظة وفاته بسبب الجوع (إكس)

بعد أيام من مزاعم الجماعة الحوثية أن إنفاقها مما جمعته من أموال الزكاة التي وصلت إلى نحو 21 مليون دولار، تجاوز حدود اليمن ووصل إلى فلسطين ولبنان، وشمل اللاجئين الأفارقة في اليمن، توفي أحد سكان مدينة إب بسبب الجوع.

وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية صوراً لرجل تمدد على رصيف أحد شوارع مدينة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بلا حراك صبيحة رابع أيام عيد الفطر، وفي فمه قطعة خبز جافة لم يستطع ابتلاعها، في حين جلس طفله إلى جواره ممسكاً إصبع يده اليسرى دون وعي بأن والده الذي كان في رحلة بحث عن طعام للعائلة قد فارق الحياة.

يمني في محافظة إب توفي على رصيف أحد الشوارع بسبب الجوع (إكس)
يمني في محافظة إب توفي على رصيف أحد الشوارع بسبب الجوع (إكس)

وتسببت الواقعة في غضب السكان واستيائهم من تفاقم الوضع المعيشي الصعب الذي وصلوا إليه، في ظل الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية، ومنها الزكاة التي أُجبروا، خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، على دفعها، بالتزامن مع الإعلان عن توزيع ما يزيد على مليوني دولار زكاة لـ56 ألف أسرة في المدينة التي شهدت واقعة الوفاة.

وفي حين أعلن عدد من رجال الأعمال والتجار عن مبادرتهم لكفالة عائلة المتوفى بسبب الجوع، ويدعى ياسر البكاري، حاولت الجماعة الحوثية تزييف أسباب وفاته بإجراءات رسمية من جهة، وادعاء حدوثها لأسباب أخرى لا علاقة لها بالجوع والفقر من جهة أخرى.

أجهزة الأمن والقضاء الحوثية أجبرت عائلة المتوفى على إنكار تسبب الجوع في وفاته (إكس)
أجهزة الأمن والقضاء الحوثية أجبرت عائلة المتوفى على إنكار تسبب الجوع في وفاته (إكس)

وخلال أقل من 24 ساعة، كانت أجهزة الأمن والقضاء التابعة للجماعة الحوثية تستصدر وثيقة تحتوي على إقرار عائلة البكار، المكونة من 4 أفراد، بأن وفاته كانت «طبيعية»، وألزمتها، تحت الضغوط وفق مصادر مطلعة في المدينة، بإصدار بيان بذلك.

وقالت المصادر إن العائلة التي تسكن قبواً طينياً في مديرية ريف إب، تلقت اتصالاً من أحد قادة أجهزة الأمن الحوثية يبلغها بالتحفظ على الجثة ومتعلقات المتوفى لحين قدومها، واستكمال الإجراءات «القانونية» قبل التصريح بدفنها.

وفي اليوم التالي تم نشر وثيقة إقرار عائلة المتوفى والسماح بدفن جثته وتسليم أغراضه الشخصية التي تضمنت -حسب مزاعم الجماعة الحوثية- بعض النقود، للإيحاء بأنه لم يمت بسبب الجوع، أو أنه لم يكن يعاني من الفقر.

إخلاء مسؤولية

وتولَّى ناشطو الجماعة الحوثية الترويج لرواية أجهزة الأمن، وإطلاق تبريرات لوفاة البكار، مدعين أن وجود قطعة خبز في فمه لحظة وفاته دليل كافٍ على أنه لم يكن يعاني من الجوع.

وكانت ما تُعرف بـ«الهيئة العامة للزكاة» قد أعلنت، قبيل هذه الواقعة بأيام، عن إطلاق 3 مشروعات نقدية وعينية، تستهدف أكثر من 550 ألف أسرة فقيرة بتكلفة تقارب 21 مليون دولار (11 ملياراً و227 مليون ريال يمني؛ حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار في مناطق سيطرتها بـ535 ريالاً).

وادّعى القيادي الحوثي شمسان أبو نشطان، رئيس الهيئة، أن «خير الزكاة» تجاوز حدود اليمن ووصل إلى فلسطين ولبنان، وإلى «أبناء الجاليات الأفريقية في اليمن وغيرها من الفئات المستحقة».

ومن مزاعم القيادي الحوثي حول إنفاق الجماعة لأموال الزكاة العينية من المحاصيل النقدية، توزيع سلال غذائية مكونة من «الزبيب، واللوز، والعسل، والبن، وزيت السمسم» للعام السابع على التوالي.

وفي أعقاب إعلان الجماعة الحوثية عن توزيع أكثر من مليوني دولار (مليار و120 مليون ريال يمني) للفقراء في مدينة إب، استناداً إلى قوائم أعدّها مسؤولو الأحياء المعروفون بـ«عُقال الحارات»، أنكر اثنان من هؤلاء المسؤولين، على مواقع التواصل الاجتماعي، أن يكون مشرفو الجماعة قد طلبوا منهم اسم فقير واحد.

وكانت الجماعة قد شنَّت، في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، حملة جبايات لجمع الزكاة من عموم السكان، مركزة حملتها على التجار وأصحاب المحال التجارية.

وفي مدينة دمت، التابعة لمحافظة الضالع (185 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اختطفت الجماعة أكثر من 40 تاجراً بسبب تأخرهم في سداد المبالغ التي ألزمتهم بها، ولم تُفرج عنهم إلا بعد دفعها، إلى جانب أجور أفراد الجماعة الذين اختطفوهم والقادة الذين أشرفوا على ذلك.

وفي غضون ذلك بدأت الجماعة الحوثية فرض جبايات جديدة بمبالغ كبيرة على السكان في مناطق سيطرتها تحت مسمى «دعم القوة الصاروخية».

القيادي الحوثي شمسان أبو نشطان خلال إعلانه عن المشروعات المزعومة من أموال الزكاة (إعلام حوثي)
القيادي الحوثي شمسان أبو نشطان خلال إعلانه عن المشروعات المزعومة من أموال الزكاة (إعلام حوثي)

وكشف سند قبض جرى تسريب صورة له عن تسلُّم قادة حوثيين مبلغاً يصل إلى 11 ألف دولار، (3.861.500 ريال)، ممن جرى تسميتهم بـ«ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي»، لإيداعه في حساب ما يُعرف بـ«القوة الصاروخية» للجماعة.

جبايات لـ«القوة الصاروخية»

ورجحت مصادر محلية في العاصمة المختطفة صنعاء أن يكون تسريب هذا السند متعمداً من طرف الجماعة الحوثية، لإطلاق حملة جبايات جديدة تستهدف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بحجة حصولهم على أموال من خلال أنشطتهم.

وسبق للجماعة اتخاذ إجراءات العام الماضي، للبدء بمراقبة مداخيل المشاهير على مواقع التواصل، وفرض رسوم ضريبية عليها، وهي الإجراءات التي لم تستكمل في حينه.

وفي السياق نفسه، كشف مصدر مالي في إحدى كبريات المجموعات التجارية في البلاد، عن توجه الجماعة لفرض مزيد من الجبايات على الشركات والتجار ورجال الأعمال تحت مسمى «مواجهة العدوان الأميركي».

وأوضح المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة خاطبت القائمين على المجموعة التي يعمل بها بأن عليهم الإسهام في إصلاح وتلافي الأضرار التي تسببت فيها الغارات الأميركية على المنشآت الحيوية، مثل ميناء الحديدة ومخازن الوقود.

جبايات حوثية جديدة تحت مسمى «دعم القوة الصاروخية» (إكس)
جبايات حوثية جديدة تحت مسمى «دعم القوة الصاروخية» (إكس)

وبرَّرت الجماعة للشركات التجارية طلبها بأن الضربات الأميركية تتسبب في تعطيل مصالحها، وهو ما يفرض عليها الإسهام في إصلاح تلك الأضرار.

وتتسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة على الشركات والتجار في ارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية للسكان.

وتوقع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين، خلال الأشهر المقبلة، بسبب العقوبات المرتبطة بتصنيف الولايات المتحدة لهم «منظمة إرهابية أجنبية».