معركة الموصل: عاصفة ترابية تنعش آمال «داعش» مؤقتًا ومخاوف من تكرار نموذج حلب

19 ألف نازح من المحافظة.. ومطالبات بتسهيل خروج المدنيين

جانب من بلدة بزوايا التي حررتها القوات الكردية من «داعش» أول من أمس (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
جانب من بلدة بزوايا التي حررتها القوات الكردية من «داعش» أول من أمس (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
TT

معركة الموصل: عاصفة ترابية تنعش آمال «داعش» مؤقتًا ومخاوف من تكرار نموذج حلب

جانب من بلدة بزوايا التي حررتها القوات الكردية من «داعش» أول من أمس (خاص بـ«الشرق الأوسط»)
جانب من بلدة بزوايا التي حررتها القوات الكردية من «داعش» أول من أمس (خاص بـ«الشرق الأوسط»)

هبت عاصفة ترابية، قبل يومين، على أجزاء من الموصل، دفعت أعضاء من «داعش» للترويج بين السكان أن ذلك رسالة إلهية لرفع المعنويات، وتغييب رؤية القوات العراقية، لكن ذلك لم يدم طويلاً حتى غسل المطر آثار الغبار والتراب، فأصبح قادة التنظيم محل تندر وسخرية السكان المحليين.
من جهة أخرى، ومع بدء دخول قطعات الجيش العراقي من جهاز مكافحة الإرهاب أولى أحياء مدينة الموصل، في منطقة كوكجلي بالساحل الأيسر من المدينة، كشفت وزارة الهجرة والمهجرين عن حصول موجة نزوح جديدة، مما عزز المخاوف من خروج أعداد غير مسيطر عليها من المدنيين المحاصرين داخل المدينة، لا سيما في الساحل الأيمن الذي يعد الأشد ازدحاما، والذي يقطنه وحده حسب تقديرات الخبير الأمني المتخصص بشؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، نحو «مليون إنسان». وفي سياق المخاوف من عمليات الهجرة الجماعية، كشف وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف عن حصول موجة نزوح جديدة من المناطق المحررة ضمن عمليات تحرير نينوى. وقال الوزير، في بيان له أمس (الأربعاء) تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن «الوزارة استقبلت ونقلت أكثر من 3 آلاف نازح من مناطق نينوى إلى مخيماتها في الخازر وديبكة وزيلكان وجدعة».
وقال الجاف إن «فرق الوزارة استقبلت 3023 نازحًا من المناطق التي يجري تحريرها في محافظة نينوى، ونقلتهم إلى مخيمات الوزارة في الخازر ومخمور والقيارة وبعشيقة، بالتعاون مع وزارة النقل»، مضيفا أن «719 منهم نزحوا من قريتي كوكجلي وبرطلة، وتم نقلهم وإيوائهم في مخيم حسن شام في ناحية الخازر، ٣٧ كم شرق الموصل، و269 نازحًا من منطقتي قراج والحويجة تم إيوائهم في مخيمات ديبكة التابعة لقضاء مخمور، إضافة إلى 1585 نازحًا من مناطق أبو جربوع وناروان وبعشيقة إلى مخيم زيلكان، و450 نازحًا من ناحيتي الشورة والنمرود إلى مخيم جدعة، في ناحية القيارة».
وأشار الوزير إلى أن «أعداد النازحين من مناطق محافظة نينوى، منذ انطلاق عمليات تحريرها، بلغت 19528 ألف نازح»، لافتا إلى أن «فرق الوزارة توزع بينهم المساعدات الإنسانية والاحتياجات الضرورية، حال وصولهم إلى المخيمات». لكن هذه الأرقام لا تصمد، طبقًا لتحليلات الخبراء، في حال بدأت العمليات العسكرية في الساحل الأيمن التي يرى فيها الهاشمي «إمكانية تكرار نموذج حلب السورية، في حال لم يتم السماح للمواطنين بالخروج من المدينة، من منطلق أن الاستراتيجية الجديدة التي أفصح عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي منذ يومين، وهي القضاء على (داعش) في الموصل، وعدم السماح لهم بالانسحاب»، مبينا أن «الخوف من نزوح المدنيين، وعدم توفر ممرات آمنة لهم، يستند إلى أن الدواعش يمكن أن يتسللوا بين النازحين، وبالتالي يخرجوا من المدينة، ويستمروا مصدر تهديد، سواء انتقلوا إلى مناطق أخرى خارج الموصل، أو خرجوا إلى سوريا».
ويضيف الهاشمي أنه «في حال بقيت عناصر (داعش) داخل المدينة، وتم استخدام مفرط للقوة من قبل الجيش أو التحالف الدولي، مثلما حصل في الرمادي، حيث تم تدمير البنية التحتية هناك، فإنه وبسبب كون الموصل مزدحمة بالسكان، وليست مثل الرمادي التي كانت خالية تمامًا من السكان، فإن نموذج حلب قد يتكرر في الموصل، وهو سيناريو خطير بكل تأكيد».
وبين نموذج حلب الذي يحذر منه الهاشمي، وما يعيشه عناصر تنظيم داعش من تناقضات وصلت بهم حد استدعاء الخرافات والأساطير، في محاولة لرفع الروح المعنوية لمقاتليهم، يقول عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى أحمد الجبوري الذي يشترك في العمليات القتالية مع عدد من نواب الموصل، إن «عاصفة من الغبار هبت على مدينة الموصل، مساء أول من أمس، وأدت إلى انعدام الرؤية تماما، مما جعل عناصر (داعش) يعلنون عبر مكبرات الصوت أن هذه العاصفة أرسلها الله». ويضيف الجبوري أن «الذي حصل بعدها أن السماء أمطرت وغسلت المدينة من موجة الغبار، وأصبحت سماء الموصل صافية، مما دحر دعاية (داعش) التي حولتهم إلى مصدر سخرية وتندر من قبل أهالي المدينة». وفي وقت عدت فيه عضو البرلمان العراقي عن محافظة نينوى نورة سالم أن مرحلة ما بعد «داعش» في الموصل تعد بمثابة اختبار حقيقي لنيات الجميع في التعايش السلمي، فإن عضو البرلمان عن نينوى عبد الرحيم الشمري عد من جانبه أن عملية التدقيق الأمني للنازحين، لا سيما على صعيد تشابه الأسماء، باتت تمثل مشكلة بحد ذاتها.
وقالت سالم، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «مرحلة ما بعد طرد (داعش) من الموصل ستكون الاختبار الواقعي لقيادات العراق السياسية بمختلف انتماءاتها وصناع القرار السياسي، ببناء الدولة أو ترسيخ اللادولة، لاعتماد سياسة وطنية تجمع العراقيين، ولا تفرق شملهم بعناوين ثانوية، كالطائفة أو المذهب أو القومية». وأضافت سالم أن «تحرير الموصل من (داعش) يجب أن يكون نقطة بدء التعافي في إعادة بناء هيكل الدولة وسلطتها، وإلا سيزداد أعداد الناقمين على تراجع الأوضاع، وسوء إدارة البلاد، وحكم الأحزاب المتنافرة»، موضحة أن «تحرير الموصل، وإنهاء ملف (داعش)، فرصة ذهبية للأطراف العراقية المختلفة لإعادة بناء الدولة والمجتمع العراقي على أسس سياسية ودستورية جديدة، إذ لا يمكن تجاوز أخطاء المرحلة السابقة، بالاعتماد على السياسة الحالية وآلياتها ومنهجيتها في إعادة التوازن للدولة، وتوطيد الأواصر الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي المتمسك بوحدته».
من جانبه، أكد عبد الرحيم الشمري أنه «لوحظ أن هناك مشكلة تواجه المواطنين لدى فرق التدقيق الأمني، حيث يتم حجز بعض المواطنين، ونظرًا لتشابه الأسماء، ولغرض تلافي هذه المشكلة القديمة الحديثة، نطلب من وزارة الداخلية والجهات المعنية تهيئة قاعدة بيانات إلكترونية للمطلوبين والذين صدرت بحقهم مذكرات قبض أو المطلوبين أمنيًا، وأن يشمل ذلك (الاسم الرباعي، واسم الأم، والمادة القانونية)، وأن تنتهي هذه المشكلات التي آذت المواطنين في السابق.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.