مصدر في نيويورك: الرباط تلمح لإنهاء مهام «مينورسو»

كشفت مصادر دبلوماسية متطابقة في الرباط ونيويورك أن ما أثار حفيظة المغرب إزاء التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة هو أنه عد نزاع الصحراء قضية تصفية استعمار من منظور مجلس الأمن. وقالت المصادر ذاتها لـ«الشرق الأوسط» إن مجلس الأمن ليس مكلفا بتصفية الاستعمار، بل مكلف بتصفية النزاعات الإقليمية التي لديها تأثير على الأمن والسلم العالميين، مشيرة إلى أن خير مثال على ذلك هو أن قضايا تصفية الاستعمار مثل جزر المالوين وجبل طارق ليست مطروحة على مجلس الأمن. وأوضحت المصادر أن مجلس الأمن يتعامل مع ملف الصحراء على أساس أنه نزاع إقليمي، وبالتالي فإن محاولة جعل نزاع الصحراء مسألة تصفية استعمار هو تغيير في طبيعة تعاطي مجلس الأمن مع الموضوع. وانتقدت الرباط تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كونه أشار إلى أنه إذا لم يحصل تقدم لجهة إيجاد حل لنزاع الصحراء في غضون عام 2015، فإن المجلس سيكون مطالبا بإيجاد تصور آخر بشأن ذلك.
وقال مصدر مغربي مسؤول لـ«الشرق الأوسط» إن هذا المعطى المتضمن في التقرير يطرح عدة تساؤلات من بينها أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومبعوثه الشخصي كريستوفر روس تحدثا عن مقاربات جديدة للتعاطي مع الملف من ضمنها الزيارات المكوكية التي أعلن عنها الوسيط الدولي روس، بيد أنهما لم يعبدا الطريق لهذه المقاربة حتى تطبق على أرض الواقع، بل حكم عليها بالوأد قبل ولادتها.
وتساءل المصدر ذاته «ما طبيعة التقدم المنتظر بشأن ملف نزاع الصحراء في عام 2015، وذلك في سياق الظروف التي تعيشها الجزائر؟»، في إشارة ضمنية إلى مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، والانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها بعد غد الخميس. وعد المصدر أجل 2015 بأنه مقاربة غير ذات موضوع وغير واقعية نظرا لكونها لا تأخذ الواقع الحالي للمنطقة بعين الاعتبار.
وتوقف المصدر عند نقطة أساسية تتعلق بأسس التفاوض، وقال إنها ليست بيد الأمين العام للأمم المتحدة بل بيد مجلس الأمن، نظرا لكونه هو من قرر في 2007 إطلاق المسلسل السياسي التفاوضي الحالي، مشيرا إلى أن المغرب لديه حرص شديد للمحافظة على هذا المسلسل الهادف إلى تحقيق تسوية سلمية للنزاع، وبالتالي فإن الرباط إذا لاحظت وجود بعض الانزلاقات والمخاطر التي تهدد هذا المسلسل، فإنها ستثير الانتباه إلى ذلك.
وثمة اعتقاد في العاصمة المغربية أن الأمانة العامة للأمم المتحدة لا يمكن لها أن تتعامل باستخفاف مع هذا المسلسل، وتمضي من خلال ذلك إلى المجهول.
وترى الرباط أن الظرف الأمني والتهديدات التي تعرفها المنطقة تتطلب تعاملا مسؤولا ورصينا مع هذه الأمور، كما تتطلب مشاورات وتفكيرا قبل الإقدام على أية خطوة قد تزيد في إضعاف السياق الإقليمي الذي يعاني أصلا من الضعف.
وقال المصدر إن الاتصال الهاتفي الذي أجراه العاهل المغربي الملك محمد السادس السبت الماضي مع كي مون جاء من منطلق المسؤولية، نظرا لأنه إذا كان هناك طرف استثمر في المسلسل السياسي التفاوضي لحل نزاع الصحراء فهو المغرب، مشددا على القول إنه ليس صدفة أن انطلاق المسلسل تصادف مع إطلاق الرباط مبادرة الحكم الذاتي الموسع في الصحراء، وبالتالي فإن المغرب إذا لاحظ بعض الانزلاقات والمخاطر التي تهدد المسلسل السياسي، سيثير الانتباه إلى ذلك، وهو ما جرى أيضا في المكالمة الهاتفية بين الملك محمد السادس وكي مون يوم 12 أغسطس (آب) 2012، ومكالمة السبت الماضي، إلى جانب رسائل كتابية، فالمغرب - يقول المصدر المسؤول - حريص على أن يؤدي هذا المسلسل السياسي إلى نتائج إيجابية.
من جهة أخرى، استغربت الرباط تعبير التقرير عن السرور لأن جبهة البوليساريو أنشأت لجنة لحقوق الإنسان، وهو ما عده المصدر المسؤول أمرا مثيرا للضحك والاستغراب، وتساءل: «كيف يمكن لمجموعة مسلحة تقيم في منطقة جزائرية، تشكيل مجلس لحقوق الإنسان فوق تراب بلد آخر؟»، . وزاد قائلا: «يجب أن تكون اللجنة الجزائرية لحقوق الإنسان هي الناشطة في تندوف، حيث مخيمات جبهة البوليساريو، لأنها أرض جزائرية»، مشيرا إلى أن ذلك يخلق نوعا من الالتباس، ويطرح سؤالا حول من هي الجهة المسؤولة عن احترام حقوق الإنسان في تندوف، الجزائر أم جبهة البوليساريو؟».
وقال المصدر المسؤول إن خلق منطقة خارج سلطة الدولة هي مسألة غير قانونية البتة، وغير منطقية أيضا لأن أي دولة حينما تطبق اتفاقية فإنها تطبقها على كامل ترابها. وخلص المصدر المسؤول إلى أن هناك بعض الانزلاقات التي تضمنها تقرير الأمين العام الأخير كان ضروريا إثارة الانتباه إليها وتوضيحها.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصدر دبلوماسي موثوق في نيويورك أن الملك محمد السادس تحدث بكل صراحة مع الأمين العام للأمم المتحدة، ولمح إلى إمكانيات إنهاء مهام بعثة الأمم المتحدة «مينورسو» فوق التراب المغربي إذا لم يجر تصحيح الانزلاقات التي تضمنها تقرير الأمانة العامة للأمم المتحدة، نظرا لأن «مينورسو» استنفدت مهامها التي قامت من أجلها، أي الإشراف على وقف إطلاق النار، والإشراف على عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء بالصحراء، وهي عملية وصلت إلى طريق مسدود، وباءت بالفشل منذ زمن مضى.
وحسب المصدر ذاته فإن «الخطاب المغربي الصارم والحازم» خلق حالة ارتباك في الأمم المتحدة، لا سيما وأن هذا الخطاب الصارم والحازم ليس هو الأول من نوعه، فقد سبقه خطاب صارم آخر في أبريل (نيسان) الماضي، حينما اندلعت الأزمة المغربية - الأميركية بسبب رغبة سوزان رايس، مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة، في تقديم مقترح أميركي يدعو إلى توسيع مهام «مينورسو» في الصحراء، ليشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو المقترح الذي رفضه المغرب رفضا قاطعا، وأدى ذلك إلى تراجع إدارة الرئيس باراك أوباما عن مقترحها، وأيضا حينما اندلعت أخيرا الأزمة المغربية - الفرنسية، وألغت الرباط التعامل بالاتفاقية القضائية مع باريس إلى حين إعادة النظر في الثغرات التي توجد بها، وذلك على خلفية رغبة قاض فرنسي في الاستماع إلى مدير المخابرات الداخلية المغربية في شكوى تتعلق بمزاعم حول تعذيب مسجونين.
في غضون ذلك، عين الملك محمد السادس أمس في القصر الملكي بتطوان (شمال) عمر هلال مندوبا دائما لبلاده لدى الأمم المتحدة في نيويورك، خلفا للسفير محمد لوليشكي. وذكر بيان للديوان الملكي أمس أن تعيين هلال، جرى باقتراح من رئيس الحكومة ومبادرة من وزير الخارجية والتعاون، مشيرا إلى أنه سيجري تأكيده خلال الاجتماع المقبل لمجلس الوزراء، طبقا لمقتضيات الفصل الـ49 من الدستور.
وجاء قرار تعيين هلال عقب مكالمة العاهل المغربي مع كي مون السبت. ويحمل تعيين هلال إشارة مفادها أن المغرب لن يتنازل قيد أنملة عن حقوقه، مع التأكيد على حرصه على التعاون مع الأمم المتحدة في إطار احترام الضوابط المؤطرة للعملية التفاوضية التي تهدف إلى إيجاد حل نهائي لنزاع الصحراء.
ويعرف عن هلال كونه أحد أقطاب «الدبلوماسية الهجومية» في المغرب، وعمله مندوبا للأمم المتحدة في جنيف يشهد له على ذلك. يذكر أن هلال سبق له أن شغل منصب وكيل وزارة الخارجية أيام الوزير محمد بن عيسى.