موسكو لا تؤكد ولا تنفي نيتها توجيه ضربة جديدة لمدينة حلب

مجموعة السفن الروسية تدخل المتوسط وتقترب من الشواطئ السورية

وصول حاملة الطائرات الروسية برفقة الطراد «بطرس الأكبر» إلى السواحل السورية (سبوتنيك)
وصول حاملة الطائرات الروسية برفقة الطراد «بطرس الأكبر» إلى السواحل السورية (سبوتنيك)
TT

موسكو لا تؤكد ولا تنفي نيتها توجيه ضربة جديدة لمدينة حلب

وصول حاملة الطائرات الروسية برفقة الطراد «بطرس الأكبر» إلى السواحل السورية (سبوتنيك)
وصول حاملة الطائرات الروسية برفقة الطراد «بطرس الأكبر» إلى السواحل السورية (سبوتنيك)

في حين تتداول الصحف معلومات واستنتاجات حول نية موسكو توجيه ضربة قاسية لمدينة حلب، جاءت التصريحات الروسية، أمس، حيال سوريا مبهمة إلى حد ما وتقبل أكثر من تفسير، إذ يمكن قراءة غموض تلك التصريحات بأنه يخفي في طياته استعدادا لمثل تلك العملية، وفي الوقت ذاته يمكن تفسيرها على أنها «تجنب لأي عمل عسكري»، في الوقت الراهن على الأقل مع دعوة للتعاون في سوريا. وسط هذه التعقيدات استقبلت موسكو رئيس أركان القوات التركية، لبحث الوضع في سوريا والعراق وربما التعاون في تغيير الوضع في حلب وفق مصادر من موسكو.
ولم ينف وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، كما لم يؤكد بعبارات واضحة، أمس، نية موسكو شن عملية عسكرية جديدة في مدينة حلب، بمشاركة الأنظمة الصاروخية والمقاتلات على متن مجموعة السفن الروسية التي دخلت المتوسط. وكان شويغو قد أكد خلال اجتماع أمس أن مجموعة السفن الروسية على رأسها حاملة الطائرات «الأدميرال كوزنيتسوف» قد دخلت المتوسط «وتم تزويدها خلال الأيام الماضية بكل احتياجاتها»، لافتًا إلى ما وصفه بأنه «ضجيج» أحدثه دخول مجموعة السفن الروسية إلى المتوسط، مبديا دهشته إزاء موقف بعض الدول «التي رفضت استقبال السفن الروسية في موانئها تحت ضغط من الولايات المتحدة»، ليقول بعد ذلك إنه «على الشركاء الغربيين أن يحددوا موقفهم في نهاية المطاف، لمن يتصدون، للإرهابيين أم روسيا».
ومع أن شويغو أراد من عبارته الأخيرة القول إن مجموعة السفن تلك تقوم بمهمة التصدي للإرهاب، فإنه لم يعلن بوضوح تفاصيل تلك المهمة، وأبقى الأبواب مفتوحة أمام مختلف الاحتمالات، بما في ذلك استخدام السفن قوة نارية في عملية روسية قادمة يتوقعها البعض ضد مدينة حلب. إلا أن عبارته ذاتها يمكن تفسيرها على أنها دعوة للتعاون في «الحرب على الإرهاب»، وهو ما شدد شويغو على أهميته، حين أكد أنه «للقضاء على الإرهابيين في سوريا لا بد من العمل معا، عوضا عن وضع العِصِي في عجلات الشركاء»، معربا عن اعتقاده بأن المسلحين يستغلون هذا الوضع، أي (عرقلة الشركاء)، لصالحهم. متهما «المعارضة المعتدلة» بقصف المدنيين في حلب، ليعتبر أنه نتيجة ذلك، فإن «آفاق بدء العملية السياسية وعودة المدنيين السوريين إلى الحياة الآمنة أرجئت إلى أجل غير مسمى». وتوقف وزير الدفاع الروسي عند قرار تعليق القصف الجوي في مستهل عرضه لعمليات فصائل المعارضة السورية في حلب، إلا أنه لم يشر بصورة مباشرة إلى احتمال استئناف ذلك القصف، واكتفى بالقول متسائلا: «هل هذه معارضة يمكن الاتفاق معها؟».
وكان الغموض بشأن حملة روسية جديدة على مدينة حلب مهيمنا كذلك على تصريحات الكرملين. وأمس علق ديميتري بيسكوف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية على المعلومات التي ذكرتها صحيفة «ذي تايمز»، حول نية بوتين إطلاق حملة عسكرية جديدة في حلب، هذا الأسبوع. وقال بيسكوف إنه «بخصوص المعلومات حول معطيات استخباراتية ما، فإنه من المستبعد أن يكون متوفرا لدى الصحيفة معلومات حول خطط الرئيس بوتين». ولم ينف بيسكوف تلك المعلومات لكنه لم يؤكدها أيضًا. وكان لافتا أن بيسكوف قد ركز على الهدنة الإنسانية خلال توضيحه موقف موسكو، دون أن يشير إلى قرار تعليق القصف الجوي واحتمالات استئنافه، وذكَّر بقرار تمديد الهدنة الذي اتخذه الرئيس الروسي الأسبوع الماضي، وأوضح أن «الكرملين قال حينها إن التمديد سيبقى بكل الأحوال رهنا بموقف الإرهابيين». وإذ تجنب عرض تقييم الكرملين للوضع العسكري حول مدينة حلب حاليًا فقد اعتبر بيسكوف أن «الهدنة ما زالت مستمرة، والآن يجري ضمان خروج السكان المدنيين والجرحى من شرق المدينة، ويجري توفير الشروط لتقديم المساعدات الإنسانية»، محذرا من أن هذا كله يصبح غير ممكن «في حال واصل الإرهابيون قصفهم لممرات إيصال المساعدات الإنسانية، وفي حال بدأت العمليات الهجومية، واستخدام المدنيين كدروع بشرية».
ورغم كل التعقيدات فإن مصدرا مطلعا من العاصمة الروسية، قال لـ«لشرق الأوسط»، إن «هاجس موسكو الرئيسي كان وما يزال يركز على الدور الذي يمكن أن تلعبه أنقرة في تخفيف حدة التوتر في حلب، والعمل على الفصل الفعلي بين المعارضة والمجموعات الإرهابية، وتحديدا (جبهة النصرة)»، بحسب المصدر الذي اعتبر أن «الصمت الروسي نسبيا على عملية (درع الفرات) لا بد أنه جزء من تبادل الأدوار في سياق رؤية شاملة للتعاون في التصدي لـ(داعش) و(جبهة النصرة)»، معربا عن اعتقاده بأن «النواة من قوة المعارضة التي تشارك في عملية (درع الفرات) فضلا عن علاقات أنقرة الجيدة مع معظم فصائل المعارضة في حلب، عوامل تساعد تركيا على لعب دور ما في الوضع حول مدينة حلب». وضمن هذه الرؤية، يقول المصدر إن «موسكو تأمل في الوقت الراهن بدور تركي، بشكل أو بآخر في هذا الشأن». أما بشأن الموقف التركي من مشاركة الأكراد في معركة الرقة، فقد اعتبر المصدر أن هذا شأن يخص العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وبالنسبة لموسكو «يبقى الأهم توحيد الجهود في الحرب على الإرهاب» بحسب قوله.



الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يعلنون اقتصار هجماتهم البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل

جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)
جدارية في صنعاء وضعها الحوثيون لتبرير هجماتهم في البحر الأحمر بأنها ضد إسرائيل (إ.ب.أ)

أعلنت الجماعة الحوثية في اليمن أنها ستكتفي، فقط، باستهداف السفن التابعة لإسرائيل خلال مرورها في البحر الأحمر، بعد بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بحسب رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها الجماعة، الأحد، إلى شركات الشحن وجهات أخرى.

ونقل ما يسمى بـ«مركز تنسيق العمليات الإنسانية»، التابع للجماعة الحوثية، أن الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، ستقتصر، فقط، على السفن المرتبطة بإسرائيل بعد دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ.

وأضاف المركز، الذي كلفته الجماعة بالعمل حلقةَ وصل بينها وشركات الشحن التجاري، أنها توعدت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل باستئناف الضربات على السفن التابعة لها في حال استمرار هذه الدول في هجماتها الجوية على المواقع التابعة لها والمناطق الخاضعة لسيطرتها.

وسبق للجماعة الحوثية تحذير الدول التي لديها وجود عسكري في البحر الأحمر من أي هجوم عليها خلال فترة وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وتوعدت في بيان عسكري، أنها ستواجه أي هجوم على مواقعها خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، بعمليات عسكرية نوعية «بلا سقف أو خطوط حمراء».

لقطة أرشيفية لحاملة الطائرات الأميركية هاري ترومان التي أعلن الحوثيون استهدافها 8 مرات (رويترز)

كما أعلنت الجماعة، الأحد، على لسان القيادي يحيى سريع، المتحدث العسكري باسمها، استهداف حاملة الطائرات أميركية هاري ترومان شمال البحر الأحمر بمسيرات وصواريخ لثامن مرة منذ قدومها إلى البحر الأحمر، بحسب سريع.

وسبق لسريع الإعلان عن تنفيذ هجوم على هدفين حيويين في مدينة إيلات جنوب إسرائيل، السبت الماضي، باستخدام صاروخين، بعد إعلان سابق باستهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصاروخ باليستي، في حين اعترف الجيش الإسرائيلي باعتراض صاروخين أُطْلِقا من اليمن.

موقف جديد منتظر

وفي وقت مبكر من صباح الأحد كشفت وسائل إعلام تابعة للجماعة الحوثية عن استقبال 4 غارات أميركية، في أول ساعات سريان «هدنة غزة» بين إسرائيل، و«حركة حماس».

ويتوقع أن تكون الضربات الأميركية إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستواصل تنفيذ عملياتها العسكرية ضد الجماعة الحوثية في سياق منعزل عن التطورات في غزة واتفاق الهدنة المعلن، بخلاف المساعي الحوثية لربط العمليات والمواجهات العسكرية في البحر الأحمر بما يجري في القطاع المحاصر.

ومن المنتظر أن تصدر الجماعة، الاثنين، بياناً عسكرياً، كما ورد على لسان سريع، وفي وسائل إعلام حوثية، بشأن قرارها اقتصار هجماتها على السفن التابعة لإسرائيل، والرد على الهجمات الأميركية البريطانية.

كما سيلقي زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباً متلفزاً، بمناسبة بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وزعم سريع، السبت الماضي، وجود رغبة لدى الجماعة لوقف هجماتها على إسرائيل بمجرد دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، وإيقاف الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؛ إذا توقفت الولايات المتحدة وبريطانيا عن مهاجمة أهداف في اليمن.

كما أكّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، الأسبوع الماضي، أن الهجمات على إسرائيل ستعود في حال عدم احترام اتفاق وقف إطلاق النار.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) من العام قبل الماضي تستهدف الجماعة الحوثية سفناً في البحر الأحمر بزعم تبعيتها لإسرائيل، حيث بدأت باحتجاز السفينة جالكسي ليدر التي ترفع علم جزر الباهاما في المياه الدولية، والتي لا تزال، وأفراد طاقمها البالغ عددهم 25 فرداً، قيد الاحتجاز لدى الجماعة.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي تحتجزها الجماعة الحوثية منذ 14 شهراً (رويترز)

وأتبعت الجماعة ذلك بتوسع عملياتها لتشمل السفن البريطانية والأميركية، بصواريخ باليستية وطائرات مسيَّرة في المياه القريبة من شواطئ اليمن بزعم دعم ومساند سكان قطاع غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وتسببت تلك الهجمات في تعطيل جزء كبير من حركة التجارة الدولية، وأجبرت شركات الشحن والملاحة على تغيير مسار السفن التابعة لها، واتخاذ مسار أطول حول جنوب قارة أفريقيا بدلاً من عبور قناة السويس.

وأدى كل ذلك إلى ارتفاع أسعار التأمين وتكاليف الشحن وزيادة مدد وصولها، وبث مخاوف من موجة تضخم عالمية جديدة.

لجوء إلى التخفي

ويلجأ قادة الجماعة إلى الانتقال من مقرات إقامتهم إلى مساكن جديدة، واستخدام وسائل تواصل بدائية بعد الاستغناء عن الهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية، رغم أنهم يحيطون أنفسهم، عادة، باحتياطات أمنية وإجراءات سرية كبيرة، حيث يجهل سكان مناطق سيطرتهم أين تقع منازل كبار القادة الحوثيين، ولا يعلمون شيئاً عن تحركاتهم.

أضرار بالقرب من تل أبيب نتيجة اعتراض صاروخ حوثي (غيتي)

وشهدت الفترة التي أعقبت انهيار نظام الأسد في دمشق زيادة ملحوظة في نقل أسلحة الجماعة إلى مواقع جديدة، وتكثيف عميات التجنيد واستحداث المواقع العسكرية، خصوصاً في محافظة الحديدة على البحر الأحمر.

كما كشفت مصادر لـ«الشرق الأوسط»، خلال الأيام الماضية أن الاتصالات بقيادة الصف الأول للجماعة المدعومة من إيران لم تعد ممكنة منذ مطلع الشهر الحالي على الأقل، نتيجة اختفائهم وإغلاق هواتفهم على أثر التهديدات الإسرائيلية.

وأنشأت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، تحالفاً عسكرياً تحت مسمى تحالف الازدهار، لمواجهة الهجمات الحوثية وحماية الملاحة الدولية، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي بدأ التحالف هجماته على المواقع العسكرية للجماعة والمنشآت المستخدمة لإعداد وإطلاق الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

وأطلق الاتحاد الأوروبي، في فبراير (شباط) الماضي، قوة بحرية جديدة تحت مسمى «خطة أسبيدس»، لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وحدد مهامها بالعمل على طول خطوط الاتصال البحرية الرئيسية في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وكذلك المياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج، على أن يكون المقر في لاريسا اليونانية.

احتفالات حوثية في العاصمة صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة (إعلام حوثي)

وتزامنت هجمات الجماعة الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر مع هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية على مدن ومواقع إسرائيلية، ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي للرد بضربات جوية متقطعة، 5 مرات، استهدف خلالها منشآت حيوية تحت سيطرة الجماعة.

وشملت الضربات الإسرائيلية ميناء الحديدة وخزانات وقود ومحطات كهرباء في العاصمة صنعاء.

ونظمت الجماعة الحوثية في العاصمة صنعاء، الأحد، عدداً من الاحتفالات بمناسبة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، رفعت خلالها شعارات ادعت فيها أن عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وهجماتها الصاروخية على الدولة العبرية، أسهمت في إجبارها على القبول بالهدنة والانسحاب من القطاع.

وتأتي هذه الاحتفالات مترافقة مع مخاوف قادة الجماعة من استهدافهم بعمليات اغتيال كما جرى مع قادة «حزب الله» اللبناني خلال العام الماضي، بعد تهديدات إسرائيلية باستهدافهم، وسط توقعات بإصابة قادة عسكريين كبار خلال الضربات الأميركية الأخيرة في صنعاء.