مسرح دوار ولكل شخصية نسختها الشبيهة

«هاملت بلا سيف» على مسرح مدينة كولون

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية
TT

مسرح دوار ولكل شخصية نسختها الشبيهة

مشهد من المسرحية
مشهد من المسرحية

حل صمت طويل بعد انتهاء عرض هاملت على مسرح مدينة كولون؛ ولا شيء تحرك في القاعة، فضلاً عن المسرح الدوار الذي كان يدور بالجثث المبعثرة على الخشبة إلى ما وراء الستائر الحمراء. ثم دوت القاعة بالتصفيق للممثلين، ونال الممثل الشاب بيتر ميكلوس، الذي أدى دور هاملت، حصة الأسد من التصفيق وصيحات «برافو».
جسد ميكلوس شخصية هاملت على المسرح بأداء مميز وإن كان ذلك بلا سيف، ولا أية قطع ديكور، وبأقل ما يمكن من المكياج. وكل شيء في بيتر ميكلوس يذكر بالممثل الكبير الراحل كلاوس كينسكي، فهو أشقر، واسع العينين أزرقهما، كبير الفم، أحمر البشرة، وربما بطول القامة نفسها أيضًا. بل إنه نجح في تقديم هاملت مزيجًا بين ضياع هاملت وتظاهره بالجنون والعبث، وبين نزق وعنف وجنون كينسكي. وكان كينسكي، وهو يؤدي أدوار الشر والجنون، أمينًا لشخصيته الحقيقية، إذ كان يعتدي على الممثلين والمخرجين، ويسب الممثلات بلا سبب، بل إنه شتم الجمهور من على المسرح مرة، في مشهد مصور لا ينسى، وهو يزعق واللعاب يتدفق من جانبي فمه الكبير.
استخدم المخرج شتيفان باخمان حركة المسرح الدوار طوال العرض تقريبًا، وكان الربع الخلفي من العجلة المسطحة الدوارة يختفي خلف الستائر الحمراء العالية المرتبة بشكل قوس آخر. فكان المسرح في حركة دوائر مستمرة، يأخذ الممثلين إلى كواليس المسرح، ويعيدهم إلى المقدمة. وكان الممثلون يقفون خارج الخشبة الدوارة بينما يمشي هاملت على الجزء الدوار ويقترب مع حركة المسرح إليهم ويخاطبهم. وقد يحدث العكس فيضطر الممثل إلى المشي واقفًا (مراوحة)، لأنه يمشي عكس حركة المسرح، كي يحادث أوفيليا الواقفة خارج الدائرة.
ولم يدر لقاء هاملت وشبح والده، وهو من أهم مشاهد المسرحية الشكسبيرية، خارج المسرح الدوار أيضًا، فيظهر شبح الأب مع حركة المسرح من ظلام خلفية المسرح ليمثل نوبة السم ومأساة مقتله، ثم يخرج جثة هامدة مع حركة المسرح مجددًا مع انتهاء الحوار بين الاثنين.
وكان الممثلون في المشاهد التي تلي حديث هاملت مع شبح والده، يتحدثون وهم يتحركون حركة رتيبة تشبه الرقص إلى اليمين واليسار، بينما يتحرك هاملت عكس حركتهم، وهكذا عبر المخرج بالحركة عن انسجام شخصيات المسرحية وتنافرها.
ولا قطعة ديكور طوال المسرحية كما أسلفنا، وإذا كان مشهد دفن أوفيليا، وحوار الدفانين، يحتوى على تراب وأكياس تراب متناثرة حول القبر، يتضح حال انتهاء المشهد أنهم ممثلون رتبهم المخرج بشكل كومة، ثم يفاجئون الجمهور بنهوضهم المباغت ليتحولوا إلى «موتى متحركين» وشهود على المبارزة التي تنهي حياة الجميع.
وقدم المخرج الشخصيات في أزياء يعود بعضها إلى الزمن الحقيقي للمسرحية، بينما قدم الآخرون، وخصوصًا بولونيوس (مستشار الملك) بزي تشريفات قصور اليوم. وارتدى صديقا هاملت روزنكرانتز وغلدينشتيرن بدلتين بالأحمر والأخضر البراق فظهرا كالمهرجين، أو ربما مثل بهاليل كرنفال الراين في كولون.
وفاجأنا باخمان من جديد في طريقة عرض المسرحية داخل المسرحية التي تقدمها الفرقة المسرحية، بتدبير من هاملت، بمناسبة ذكرى زواج عمه الملك كلاوديوس من أمه غيرترود. إذ صارت الشخصيات تظهر من خلف المسرح الدوار الواحدة بعد الأخرى، واتضح أن المخرج صنع «نسخة» أخرى من كل شخصيات المسرحية تتطابق بالشكل والأزياء والتسريحات... إلخ. تقف كل شخصية مقابل نسختها، بضمنهم شخصية والد هاملت، في وضع يبعث على التحدي وتحاورها بالإيماءات والشارات التي تستعرض مقتل الملك في المسرحية. وتعمد أن يؤدي رجل دور غيرترود، ولكن بنفس الزي والتسريحة، وأن تؤدي امرأة دور هاملت. وفي العرض السريع للمسرحية داخل المسرحية يموت هاملت أيضًا، وتضحك الممثلة من صورتها (هاملت) وهي تخرج مع المسرح الدوار.
بقيت أوفيليا مترددة بين حب هاملت ودور «الطعم» الذي خططه لها والدها كلاوديوس، لكن المخرج لم يبرزها كثيرًا، ولم تجتذب أنظار الجمهور إلا بفضل لوثات الجنون التي انتابتها بعد مقتل والدها بالخطأ على يد هاملت.
ومن المؤكد أن بيتر ميكلوس وسيمون كيرش (الذي أدى دور ليرتس أخ أوفيليا) تدربا كثيرًا على مشهد المبارزة ليظهر بهذا الجمال والدقة. إذ أدى الممثلان المشهد بلا سيفين، لكن صليل السيفين المجسم على المسرح يقطع الأنفاس، ويتمكن المشاهد بالضبط في معرفة متى طار سيف هذا من يده، ومتى صوب الممثل طعنة، ومتى اخترق السيف الهواء بقوة وهو يسمع حفيفه في الهواء. انطبقت حركات الممثلين تمامًا مع صليل السيفين، ومنح المخرج هذا المشهد كثيرًا من الأصالة، وكأن المشاهد يعيش مبارزة حقيقية.
واضح أيضًا أن المخرج أخذ صوت النزال والسيفين من وقائع مباريات المبارزة في السيف في الدورات العالمية. وهنا اصطف الموتى، من مشهد دفن أوفيليا، خلف الستائر الحمراء لا تظهر منهم سوى وجوههم المخيفة، ليجسدوا مشهد الموت الجماعي للشخصيات في ذروة المسرحية. موت جيرترود بكأس السم المهيأ لهاملت أصلاً، مقتل ليرتس والملك بطعنات هاملت، ومن ثم موت هاملت الجريح بالسم الذي طلى به ليرتس سيفه.
دام العرض ثلاث ساعات (مع استراحة قصيرة) سبقت عودة هاملت من إنجلترا. وكان المتفرجون يجتمعون في حلقات في دار الاستراحة ويناقشون جوانب العرض.
تجدر الإشارة هنا إلى أن مسرح مدينة كولون، الذي يتسع لنحو1000 مشاهد، يخضع للترميم منذ أكثر سنة. واضطرت إدارة المسرح إلى استئجار قاعة ضخمة في منطقة صناعية وحولتها إلى مسرح وثير يتسع إلى نحو 600 شخص. ولم نلحظ وجود مشكلة في الصوت.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.