بين عودة المالكي وبقاء الأسد.. الموصل ليست نهاية «داعش»

صحوة التنظيم الإرهابي و«دولته» ثم إعلان «خلافته» المزعومة جزء من تداعيات الأزمة السورية

رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
TT

بين عودة المالكي وبقاء الأسد.. الموصل ليست نهاية «داعش»

رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})
رايات الحشد الشعبي تتصدر عملية تحرير الموصل ({الشرق الأوسط})

بدأت عملية تحرير الموصل من قبضة «داعش» يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، بعد مرور ما يزيد على العامين من سقوطها بأيديهم صيدا سهلا، في أعقاب فرار قوات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، في 9 و10 يونيو (حزيران) 2014.
إلا أن هذه المعركة تظل صعبة بكل المقاييس، ولا يمكن الجزم سريعا بأنها نهاية أبدية لـ«داعش»، رغم الإصرار الدولي والإقليمي والوطني على ضرورتها وتصويرها كذلك. وذلك، لعدد من العوامل والأسباب، بعضها متعلق بسياقات المعركة وبعضها متعلق بأطرافها، أما السياسات فقد بقيت نفس السياسات، وفشلت عملية الإصلاح وصناعة الإجماع العراقي والوطني، وما زالت الخلافات والاختلافات بين أجندات الأفرقاء، من حكومة أربيل إلى حكومة بغداد وصولا إلى الشركاء الإقليميين والدوليين.
يجمع الخبراء الاستراتيجيون والمحللون السياسيون على أن الجانب الأخطر في سياق الحرب على تنظيم داعش الإرهابي المتطرف هو بقاء «الحاضنة» المساعدة على نموه من جديد، وبالأخص أنه سبق أن اندثرت «دولة» أعلنها تنظيم القاعدة في العراق من قبل، تحديدًا عام 2007، ولكنها عادت «أكثر من دولة» عند سقوط الموصل قبل سنتين، فهدمت منذ ذلك علامات حدود استقرت قبل نحو 100 عام بين سوريا والعراق. وسنحاول قراءة بعض هذه العوامل فيما يلي:

تكتيكات التنظيم
أولا: التكتيكات الجديدة لـ«داعش»: يستخدم «داعش» تكتيكات جديدة نسبيًا لصد القوات المستهدفة له في الموصل، ولئن كانت أغلب هذه التكتيكات قد سبق استخدامها من قبل التنظيم عام 2015 إلا أنها تظل مواضع صعوبة في هزيمته ويمكن تحديدها فيما يلي:
1 - هجمات مباغتة بعيدا عن الموصل: مثل الهجمات غير المتوقعة كتلك التي حدثت في كركوك يوم 21 أكتوبر الحالي، ونفذها ما لا يقل عن 40 انتحاريًا داعشيًا، عاونتهم كثير من الخلايا النائمة للتنظيم في كركوك، وقد حاولوا السيطرة على المدينة الواقعة تحت السيطرة الكردية، ومهاجمة مقر الحكومة والإدارة العليا للأمن وعدد من أقسام الشرطة، وقد راح ضحيته ما لا يقل عن 90 عنصرا كرديا على الأقل. ويعد التفجير الأضخم والأبعد أثرا الذي يستهدف فيه «داعش» المدينة منذ يناير (كانون الثاني) 2015 حسب دراسة أخيرة لـ«معهد دراسات الحرب» الأميركي، وقد حذر فيها المعهد ميليشيا البيشمركة الكردية والقوات الحكومية العراقية من عدم توقع هجوم مباغت من الخلف للعناصر الداعشية على كركوك. ولعله سبب مبطن لتأكيد رئيس إقليم «كردستان العراق» مسعود بارزاني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس «التحالف الوطني» عمار الحكيم أن قواته لن تشارك في اقتحام المدينة.
2 - أساطيل السيارات المفخخة: وقد استخدمه «داعش» في مداهمة القوات العراقية والبيشمركة عند قرية باطنايا بشمال الموصل وعند مدينة بعشيقة بشمال شرقي الموصل، يومي 21 و21 أكتوبر الماضي، وكذلك في بلدة برطلة التي تتمركز فيها قوات مكافحة الإرهاب الأميركية، بشرق الموصل، مما أعاق تحرك القوات العراقية والبيشمركة وأربكها. ومن الاستراتيجيات الجديدة نسبيا الإكثار من الأنفاق والدروع البشرية داخل قرى ومدن شمال الموصل.
3 - طبيعة ومشاركة «الحشد الشعبي»:
أكدت ميليشيا «الحشد الشعبي» التي تمثل الهيئة الجامعة للميليشيات الطائفية الشيعية، وتضم عشرات الآلاف من المقاتلين المبايعين للولي الفقيه في إيران، مشاركتها يوم 28 أكتوبر الحالي. وتنشر مواقعها بصفة مستمرة مشاركاتها، وللعلم، كثير من فصائل «الحشد» المكونة متهمة سابقا في أعمال العنف والتمييز الطائفي ضد السنّة في العراق في الموصل والأنبار على السواء إبان عهد رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. كذلك اتهمت بعض فصائل «الحشد» مثل لواء «عصائب أهل الحق» - رغم إنكاره - بممارسة أعمال عنف ضد مدنيين في ديالى أثناء صلواتهم في مساجدها أكثر من مرة عامي 2015، مما يجعل بعض المراقبين يرى أن ديالى قد تكون معركة أصعب من الموصل نفسها. ويشتهر قادة «الحشد» الكبار بأنهم رموز تاريخية في الثورة الإيرانية، وأعضاء تاريخيون في الحرس الثوري الإيراني، ونكتفي بذكر ثلاثة منهم هم:
- أبو مهدي المهندس، واسمه الحقيقي جمال جعفر محمد آل إبراهيم، نائب قائد «الحشد الشعبي» المطلوب للقضاءين الكويتي والأميركي، في محاولة تفجير السفارة الكويتية في بغداد في 10 يوليو (تموز) 2005 في تفجير السفارة الأميركية في بيروت يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) 1983 وأيضًا مطلوب للشرطة الدولية (الإنتربول)، ومتهم في تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت خلال ديسمبر 1983، مما أسفر حينها عن مقتل ستة أشخاص وإصابة 80 آخرين من بينهم رعايا غربيون.
- هادي العامري، وزير النقل السابق في حكومة المالكي وقائد «الحشد الشعبي» ومنظمة بدر. واسمه بالكامل هادي فرحان عبد الله العامري الملقب بـ(أبو حسن العامري) من مواليد 1954 في محافظة ديالى زوجته إيرانية وأبناؤه يعيشون في إيران، وبالذات في منطقة لسكن قادة فيلق القدس وظل يعيش بها إلى ما قبل الاحتلال وإلى حين عودته إلى العراق في عام 2003. ولا ينكر العامري في تصريحاته وأحاديثه ارتباطه بإيران، بل يؤكد ذلك ويعتز به. وفي عام 2006 وبأمر من فيلق القدس نظم شبكات عمليات اغتيال ضد القوات الأميركية، كذلك اشتهر العامري بتقبيله يد المرشد الإيراني على خامنئي، حين كان يعمل وزيرا للنقل في حكومة المالكي أثناء مؤتمر «المجمع العالمي لأهل البيت» في مدينة مشهد يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2011.
- قيس الخزعلي: الخزعلي هو زعيم «عصائب أهل الحق» التي أسسها مع عبد الهادي الدراجي وأكرم الكعبي، وفي يوليو 2006 تم تأسيس عصائب أهل الحق وانفصلت كلية عن الصدر و«جيش المهدي» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008. ويبدو أن محاولة الصدر لثني «عصائب أهل الحق» عن المشاركة في تحرير الموصل لم تجد أثرا، بعد اجتماعه بهم في بغداد قبل أيام. ويذكر أن فرعا لـ«عصائب أهل الحق» يقاتل في سوريا، وتحديدا في حلب مع بقايا نظام الأسد ونصرائه، يسمى «لواء حيدر الكرّار» يقوده أكرم الكعبي. ولقد سبق اتهام «عصائب أهل الحق» تحديدا بارتكاب جرائم حرب في ديالى عبر استهداف مدنيين العام الماضي كما سبق أن ذكرنا.

سياقات أزمة سوريا
ثانيًا: بقاء سياقات الأزمة من العراق لسوريا: إن بقاء الأسباب والروافد التي صنعت للعالم وللعراق وسوريا أزمة «داعش»، التنظيم الأخطر في العالم، حسب تصريحات الأمم المتحدة، لا يمكن أن تكون جزءا من حلها، وأسباب زواله بعد ذلك. ولا شك أن أقوى ما يتقوى به «داعش» استمرار نفس الأسباب والسياقات والظروف، فقد عاد المالكي وظل الأسد، ويشتعل خطاب التأجيج الطائفي ضد المواطنين السنّة الذين سبق أن اتخذ «داعش» بعضهم حاضنة له قبل بناء «دولته» المزعومة عام 2006 فيما عرف بـ«حلف المطيّبين»، أو في «صحوته» الجديدة في العراق عام 2013 بعد يوم واحد من فض اعتصامات الأنبار بالقوة. وقد ظهر حينها «أبو محمد العدناني» المتحدث الرسمي باسم «داعش» والمقتول في 30 أغسطس (آب) الماضي داعيا أهل الأنبار للتخلص من قمع المالكي والنظام الإيراني المعادي لهم وداعيا إياهم لاحتضان تنظيمه من جديد.
ولعل كون عدد من قيادات «داعش» العراقيين من أبناء العشائر التي سبق أن تعرضت لاضطهاد المالكي يؤكد هذا الاحتمال، وهذا رغم أن كثرتها ضد «داعش» - سابقًا ولاحقًا - وكون بعض أبنائها الصحوات التي قضت على دولتها الأولى في الأنبار عام 2007، وتعرضت لاستهدافات «القاعدة» و«داعش» في العراق أكثر من مرة مثل البونمر والبوجبارة والبوعلوان وغيرهم.

عودة المالكي وبقاء الأسد
تتقد اللغة الطائفية المثيرة لسنّة العراق وغيرهم معا في تصريحات أمثال نوري المالكي نفسه، الذي صرح يوم السبت 23 أكتوبر الحالي في مؤتمر ما يسمى «الصحوة الإسلامية في العراق» وجه فيه الشكر للمرشد الإيراني على خامنئي، رابطا الحرب من أجل تحرير الموصل ونينوى العراقيتين وبين ما يراه تحريرا في الرقة السورية واليمن، حيث قال: «إن عمليات (قادمون يا نينوى) تعني في وجهها الآخر (قادمون يا رقة) (قادمون يا حلب) (قادمون يا يمن) قادمون في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون».
وهو ما يذكرنا - نصا ومضمونا - بما سبق أن صرح به مسؤولون آخرون، مثل مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني، الذي صرح يوم 22 سبتمبر 2014 بدء الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن، واحتلال العاصمة صنعاء، مع أن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مبينًا أن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد لثورة الخميني. وأضاف زاكاني خلال حديثه أمام أعضاء البرلمان الإيراني حينها، أن إيران تمر بمرحلة «الجهاد الأكبر»، منوها أن هذه المرحلة تتطلب سياسة خاصة، وتعاملا حذرا من الممكن أن تترتب عليه عواقب كثيرة.
كانت صحوة «داعش» و«دولته» ثم إعلان «خلافته» المزعومة جزءا من تداعيات الأزمة السورية بعدما عسكرها وطوأفها نظام بشار الأسد وأنصاره في إيران. إذ برر استدعاء الأسد وملالي طهران لنصرات شيعية طائفية ضد شعب سوريا بدأها حزب الله اللبناني ثم الميليشيات العراقية الموالية لإيران ثم الأفغانية (من الهزارة الشيعة) التي أسست لواء «فاطميون» وغيرها كثير، لدخول التنظيمات السنّية المتطرفة على الخط واعتبارها حربا «جهادية» لا ثورة مدنية.
ولا شك أن استمرار وبقاء الأسد، ونسف فرص الحل السياسي وفق «جنيف 1» يبقي الفرصة لهؤلاء قائمة، رغم أي تراجع للاستنفار وللاستثمار في الأزمة السورية بعموم.. إذ يعني كفر الأسد بالحل السياسي وإعدامه وهو ما يؤكد إذ ذاك قناعات تنظيم داعش وأخواته أن المواجهة في سوريا حرب طائفية ودينية، وأنهم على حق حين يكفرون بكل مقولات السياسة وأدواتها كذلك.
ومن ثم، فإن بقاء أسباب الأزمة وروافدها يعني استمرارها وتناميها سوريًا وعراقيًا. وكما تحرك الدواعش حين سيطروا على الموصل من سوريا للعراق فجأة قد يتحركون ثانية أو العكس.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».